
دبليو. جيه. هينيجان* موقع (صحيفة «نيويورك تايمز»
ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا -
الجيش، في مهمة مثيرة للجدل لوقف هجمات الحوثيين من اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر، يحشد قوة نيران في المنطقة، تفاصيل حساسة شاركها وزير الدفاع بيت هيغسيث في محادثة ثانية غير محمية عبر «سيغنال». إنه يشرف على عملية فشلت فيها الولايات المتحدة حتى الآن في استعادة حركة المرور المنتظمة عبر الممر البحري، الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، فوق ذلك دفعت أيضاً إدارة ترامب إلى دوامة باهظة، وربما تصعيدية، سيصعب معها إخراج القوات الأمريكية يوماً بعد يوم.
تأملوا في الفاتورة: مجموعتان هجوميتان لحاملات الطائرات، يكلف تشغيل كل منهما حوالي 6.5 مليون دولار يوميًا، متمركزتان الآن قبالة سواحل اليمن. قاذفات (بي- 2) التي تتجنب الرادار، والتي صُممت لشن هجوم خاطف على الاتحاد السوفيتي وتكلف حوالي 90 ألف دولار لكل ساعة طيران، نفذت غارات جوية. في الشهر الأول من العملية، أسقطت هذه القاذفات، إلى جانب عشرات الطائرات المقاتلة والطائرات المسيّرة، ذخائر تجاوزت قيمتها 250 مليون دولار. وتُطلق البحرية صواريخ اعتراضية مضادة للصواريخ، قد تكلف حوالي مليوني دولار، لتدمير طائرات الحوثي المسيّرة وصواريخه، التي قد لا تتجاوز تكلفة الواحدة منها بضعة آلاف من الدولارات. ومن المتوقع الآن أن تصل تكلفة العملية العسكرية في اليمن، أفقر دولة في الشرق الأوسط، إلى ملياري دولار في مايو، وفقًا لمساعدين في الكونغرس.
وقعت إحدى أعنف الهجمات ضمن الحملة العسكرية الأمريكية الأسبوع الماضي، عندما قصفت الولايات المتحدة محطة نفطية وأسفرت عن مقتل 74 شخصًا على الأقل، وفقاً للحوثيين. وفي اليوم التالي، أسقط الحوثيون طائرة مسيرة من طراز (MQ-9 Reaper) بقيمة 30 مليون دولار، وأخرى ليلة الثلاثاء، الخامسة والسادسة منذ بدء المهمة في مارس. تُظهر الغارات الجوية، التي تُسمى عملية «الراكب الخشن»، أن الولايات المتحدة لم تُرسخ بعد هيمنتها الجوية فوق البلاد، على الرغم من مئات الغارات الجوية التي تُعرّض الطيارين للخطر أثناء شنهم هجمات روتينية ضد القوات الحوثية اليمنية. دافعت البحرية الأمريكية عن سفنها التجارية ضد مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية منذ أن بدأت سلطات صنعاء هجماتها البحرية في نوفمبر 2023 تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة. أغرق الحوثيون سفينتين تجاريتين أجنبيتين العام الماضي، مما أسفر عن مقتل أربعة بحارة على الأقل، وأدت الهجمات إلى ارتفاع تكاليف النقل، حيث اختارت أكبر شركات الشحن في العالم إعادة توجيه رحلاتها حول الطرف الجنوبي لأفريقيا. ومع ذلك، لا يمر عبر البحر الأحمر سوى حوالي 12% من التجارة العالمية سنويًا، ونسبة أقل من التجارة الأمريكية. فهل يستدعي هذا إنفاق مليارات الدولارات، والمخاطرة بالاستعدادات العسكرية في مناطق أخرى، وتعريض حياة أفراد الخدمة الأمريكية للخطر؟
في حين لم تحقق القوات والأسلحة الجديدة انتصارات تكتيكية في اليمن، وعلى ما يبدو أن استعادة النشاط البحري الروتيني في البحر الأحمر ستكون شبه مستحيلة دون إبعاد الحوثيين عن السلطة على طول الساحل الغربي للبلاد. فالحوثيون، في نهاية المطاف، يتعرضون للقصف منذ أكثر من عقد. تناوبت المملكة السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة -في عهد ثلاثة رؤساء أمريكيين- على قصف اليمن جوًا. وشنّ السعوديون ما يُقدّر بـ25 ألف غارة جوية على مدى سبع سنوات، ضمن حملة أسفرت عن مقتل ما يُقدّر بـ377 ألف شخص في اليمن. إلا أن سيطرة الحوثيين على الساحل أثبتت صمودهم، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى استمرار الدعم المالي وشحنات الأسلحة التي بحوزتهم.
السيد ترامب، كغيره من الرؤساء طوال الحرب العالمية على الإرهاب، مخطئ في افتراضه أن التفوق العسكري الساحق سيُفضي إلى نهاية سريعة وحاسمة. فنظرا لعجزه عن دحر الحوثيين بالقوة الجوية وحدها، سيواجه قريباً نفس القرار الخاسر الذي أربك أسلافه في الشرق الأوسط: التراجع أو التصعيد.
وتُفيد التقارير بأن القوات اليمنية على الطرف الآخر، التي تسعى لاغتنام الفرصة التي تتيحها الغارات الجوية الأمريكية، تُخطط لغزو بري ضد الحوثيين. وتدرس الإدارة دعم المليشيات، المدعومة بالفعل من الإمارات، وهي خطوة من شأنها أن تتطور على الأرجح إلى صراع واسع ومطول كهذا الذي كرر السيد ترامب أنه يسعى إلى تجنبه. وصرح برايان هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، في بيان مكتوب بأن الإدارة «لن تطلع على أي خطط أو تكتيكات تتعلق بكيفية دفاعنا عن المصالح الأمريكية في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين». وأضاف أن الأمن في البحر الأحمر مسؤولية «شركائنا في المنطقة، ونحن نعمل معهم عن كثب» لضمان حرية الملاحة.
يسعى ترامب أيضاً إلى توجيه رسالة إلى إيران: كبح جماح الحوثيين وبرنامجكم النووي المتوسع، وألا تُتيح له المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، التي بدأت هذا الشهر في عُمان، أفضل فرصة لتحقيق كلا الهدفين. كما أن لديه فرصة لإحداث نقلة نوعية في العلاقات العامة، والحصول على صفقة أفضل مما حصل عليه الرئيس باراك أوباما، من خلال تضمين تصرفات وكلاء إيران -مثل الحوثيين وحزب الله وحماس- والتي فشل السيد أوباما في التطرق إليها في اتفاقه النووي التاريخي مع إيران عام 2015. لكن السيد ترامب رفض حتى الآن استبعاد إمكانية توجيه ضربة عسكرية للبنية التحتية النووية الإيرانية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. ويزداد التهديد الآن خطورةً مع تزايد الوجود العسكري والمعدات في المنطقة.
أصرت الإدارة على أن المهمة ضد الحوثيين «تضع المصالح الأمريكية في المقام الأول». كشفت سجلات دردشة «سيغنال» التي نشرتها مجلة «ذا أتلانتيك» الشهر الماضي عن شكوك نائب الرئيس جيه دي فانس بشأن العملية. فقد كتب في 14 مارس/آذار، أي قبل يوم من بدء الضربات: «أعتقد أننا نرتكب خطأً». انتقد مسؤولون كبار آخرون المهمة علنًا عندما وجّه الرئيس جو بايدن، بدلاً من رئيسهم، عدداً أقل من الضربات في اليمن. وصرح مايكل والتز، مستشار الأمن القومي الحالي للسيد ترامب، لصحيفة «بوليتيكو» في أغسطس/ آب: «نحن نُهدر عشرات المليارات من الدولارات وهم في الواقع مجموعةً من المجانين الذين لن يتوقفون أبدا».
وأعرب إلبريدج كولبي، وكيل وزارة الدفاع للسياسة، عن رأي مماثل قبل عدة أشهر. وكتب في منشور على موقع (X) في يناير/ كانون الثاني 2024: «إنها حقًا علامة على مدى انحراف سياستنا الخارجية أن نشنّ الآن هجمات عسكرية مستمرة في اليمن -اليمن!- دون أي أمل حقيقي في أن تكون فعّالة».
ولطالما دافع السيد كولبي، كغيره من أعضاء الإدارة، عن ضرورة ابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط وإعادة التركيز على الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. ربما لم يغب عنه إذن سخرية القدر، إذ إن جزءًا كبيرًا من الترسانة المتراكمة حول اليمن سُحب من آسيا، حيث وسّعت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة قواعدها العسكرية ونقلت أسلحةً تحسباً لأي صراع محتمل مع بكين. هذا الشهر، صرّح الأدميرال البحري صموئيل جيه بابارو، المشرف على القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، للكونغرس بأن كتيبة كاملة من نظام باتريوت للدفاع الصاروخي تابعة للجيش الأمريكي نُقلت مؤخرًا من اليابان وكوريا الجنوبية إلى الشرق الأوسط. وقال إن ذلك استغرق 73 رحلة شحن جوية.
هنا، مرة أخرى، تتعارض مهمة اليمن مع الأهداف المعلنة للإدارة. صرّح السيد هيغسيث لحلفاء الولايات المتحدة الآسيويين بأن الولايات المتحدة ستركز على كفاحهم ضد العدوان الصيني. وقال في مؤتمر صحفي عُقد في 28 مارس/آذار في مانيلا: «ما ستفعله إدارة ترامب هو الوفاء بوعودها، أي إعطاء الأولوية الحقيقية والتوجه نحو هذه المنطقة من العالم بطريقة غير مسبوقة.
ترامب هو أحدث قائد عام يصل إلى البيت الأبيض واضعًا نصب عينيه الصين، لكنه يُغيّر مساره. سيظل النجاح الاستراتيجي طويل الأمد في الشرق الأوسط بعيد المنال إذا لم يقترن بجهود دبلوماسية وسياسية مكثفة. إذا كان من شيء يجب أن نتعلمه اليوم خلال ربع قرن منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، فهو أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع أن يُخرج نفسه من هذا المأزق الفعلي بقصف اليمن دون جدوى.
(*) دبليو. جيه. هينيغان، كاتب عن الأمن القومي والسياسة الخارجية والصراع في قسم الرأي بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
المصدر ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا