
بويكو نيكولوف - موقع (BULGARIANMILITARY.COM)
ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا -
خلال الشهر الماضي، أكد مسؤولو الدفاع الأمريكيون أن جماعة الحوثي اليمنية أسقطت ثلاث طائرات أمريكية مُسيّرة من طراز (MQ-9 ريبر)، تُشغّلها القوات الجوية الأمريكية، في اليمن، حيث وقعت آخر الحوادث يومي الاثنين والخميس في أوائل أبريل 2025. بهذا يرتفع إجمالي خسائر طائرات (MQ-9) في اليمن إلى 17 طائرة على الأقل منذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في أكتوبر 2023. رقم يتوافق بشكل وثيق مع مزاعم الحوثيين باعتراض طائرات بدون طيار.
استهدف الحوثيون، وهم جماعة يمنية مقاتلة، الأصول الأمريكية بشكل متزايد في خضم الصراع الأوسع في الشرق الأوسط، مما أثار تساؤلات حول فاعلية ونقاط ضعف أحد أكثر أنظمة الطائرات بدون طيار التي تعتمد عليها أمريكا. وبعيدا عن الأرقام الأولية، تكشف القصة عن تفاعل معقد بين التكنولوجيا والتكتيكات وديناميكيات الحرب المتغيرة، وهو أمر يستحق دراسة أعمق.
تُعدّ طائرة (MQ-9 Reaper)، التي صنعتها شركة «جنرال أتوميكس»، حجر الزاوية في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الحديثة، وهي مصممة للمراقبة والضربات الدقيقة. بفضل جناحيها اللذين يبلغان 66 قدما وطولها الذي يبلغ 36 قدما، يمكن لهذه الطائرة بدون طيار أن تحلق على ارتفاعات تصل إلى 50,000 قدم لأكثر من 24 ساعة، حسب تصميمها.
تعمل هذه الطائرة بمحرك توربيني من طراز (هانيويل TPE331-10)، وتحلق بسرعة حوالي 230 ميلاً في الساعة -أبطأ بكثير من الطائرات المقاتلة، لكنها كافية لدورها كمراقب له عين ثاقبة في السماء. مزودة بأجهزة استشعار متطورة مثل نظام الاستهداف متعدد الأطياف، يمكنها تحديد الأهداف بدقة متناهية، ويقول الأمريكيون إنها قادرة على قراءة لوحات أرقام السيارات من مسافة ميلين.
يشمل تسليحها صواريخ (AGM-114 Hellfire)، وقنابل (GBU-12 Paveway II) الموجهة بالليزر، وأحيانًا ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM)، مما يجعلها منصة متعددة الاستخدامات لجمع المعلومات الاستخبارية والعمليات الفتاكة. تبلغ تكلفة كل طائرة (MQ-9 ريبر) حوالي 30 مليون دولار، وهو سعر يعكس قدراتها المتطورة، ولكنه يبرز بنفس الوقت الخسائر المالية الكبيرة في حال فقدانها.
على الرغم من سجلها الحافل بالإنجازات، إلا أن سجل طائرة ريبر الأخير في اليمن يكشف عن نقاط ضعف كبيرة. فعلى عكس طائرات الشبح مثل (إف-35 لايتنينج 2) أو (بي-2 سبيريت)، تفتقر طائرة «إم كيو-9» إلى ميزات التهرب من الرادار، مما يجعلها عرضة حتى لأنظمة الدفاع الجوي البدائية.
ويُشكل اعتمادها على الاتصالات عبر الأقمار الصناعية للتحكم ونقل البيانات نقطة ضعف أخرى، إذ يمكن للخصوم الذين يمتلكون تقنية التشويش تعطيل اتصالها بالمشغلين على بُعد آلاف الأميال، مما قد يجعلها عمياء أو غير قابلة للسيطرة.
وتزيد سرعة الطائرة بدون طيار البطيئة نسبيًا وأنماط طيرانها المتوقعة من تعقيد المشكلة، مما يجعلها هدفًا أسهل لأنظمة الصواريخ الأرضية مقارنةً بالمنصات الأسرع والأكثر مرونة. في اليمن، كُشفت هذه العيوب، مما دفع إلى إعادة تقييم مدى قدرة تصميم كان في أوائل القرن الحادي والعشرين على مواكبة تهديدات ساحة المعركة اليوم.
وقد فاجأت قدرات اليمنيين على إسقاط هذه الطائرات بدون طيار العديد من المراقبين، نظرًا لسمعتهم كجماعة ذات تكنولوجيا منخفضة نسبيًا.
في حين أن ترسانتهم المبكرة كانت تتكون من أسلحة قديمة من الحقبة السوفيتية، إلا أن قدراتهم تطورت لربما بدعم خارجي، ولطالما أشار المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون إلى إيران كمورد رئيسي، مع وجود مزاعم على وجود أسلحة مصنعة في طهران، مثل صاروخ (أرض - جو 358)، في أيدي الحوثيين.
هذا الصاروخ، الذي حددته القوات الأمريكية لأول مرة عام 2019 على متن سفينة تم ضبطها في بحر العرب، هو ذخيرة متسكعة مصممة لاستهداف الطائرات بدون طيار والمروحيات. مع مدى يبلغ حوالي 60 ميلًا وتصميم فريد يسمح له بالدوران حول منطقة الهدف قبل الضرب، يمثل الصاروخ «358» قفزة إلى الأمام لجماعة كانت تعتمد في السابق على المدافع المضادة للطائرات المعاد استخدامها والصواريخ المحمولة على الكتف. ومع ذلك، قد لا يعتمد نجاح الحوثيين على المعدات المستوردة فحسب. فقد لاحظ المحللون العسكريون براعتهم في الارتجال، حيث يُكيّفون الأنظمة القديمة مع تعديلات محلية لمواجهة التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة.
زعم المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، مرارا أن طائرات «ريبر» التي أُسقطت أُصيبت بـ»صواريخ محلية الصنع»، وهو تصريح يُلمّح إلى أن هناك براعة محلية في صناعة السلاح، غالبا ما تُظهر مقاطع الفيديو التي تنشرها وسائل الإعلام الموالية للحوثيين حطاما ومقاتلين منتصرين يقفون في مكان قريب.
تُشير تكتيكات الجماعة -التي تجمع بين وابل الصواريخ والحرب الإلكترونية- إلى مستوى من التطور يتحدى تصورها كتمرد مُشتت. وسواء كان هذا يعكس تدريبا عسكريا، أو تكنولوجيا مُستولى عليها، أو مزيجا من الاثنين، فهو سؤال لايزال يُحيّر وكالات الاستخبارات الغربية.
بالنسبة للجيش الأمريكي، فإن فقدان 17 طائرة من طراز (MQ-9) منذ أواخر عام 2023 يحمل عواقب عملياتية فورية. فقد كانت هذه الطائرات المُسيّرة ركيزة أساسية لرصد تحركات الحوثيين وضرب أهداف عالية القيمة في اليمن، البلد الذي أصبح بؤرة ساخنة لتصدير التهديدات الخطيرة في البحر الأحمر.
مع كل طائرة (MQ-9 ريبر) تُسقط، لا يخسر سلاح الجو الأمريكي أصولاً باهظة الثمن فحسب، بل يخسر أيضاً معلومات استخباراتية آنية بالغة الأهمية. استبدالها ليس بالأمر الهيّن، فجداول الإنتاج الزمنية وقيود الميزانية تعني أن فجوات التغطية قد تستمر لأشهر.
رداً على ذلك، قد يعتمد القادة بشكل أكبر على الطائرات المأهولة مثل (F-16) أو (F/A-18)، التي توفر قدرة بقاء أكبر، لكنها تأتي بتكاليف تشغيلية أعلى ومخاطر على الطيارين. كبديل، يمكن للأقمار الصناعية أن تملأ بعض الفراغ، على الرغم من أن مداراتها الثابتة وعدم قدرتها على التحليق فوق الأهداف يحدّان من مرونتها مقارنةً بقدرة (MQ-9 ريبر) على التسكع والمتابعة.
التكلفة المالية فادحة بنفس القدر. فبتكلفة 30 مليون دولار للطائرة الواحدة، يعادل تدمير 17 طائرة (MQ-9) خسائر تزيد عن نصف مليار دولار، وهو مبلغ لا يشمل الذخائر والتدريب والبنية التحتية المرتبطة بنشر كل طائرة بدون طيار. في سياقٍ مُحدد، تُعادل هذه التكلفة تقريبًا تكلفة مدمرة واحدة من فئة»إيرلي بيرك» وهي قوة بحرية ضاربة قادرة على الخدمة لعقود.
في حين لم يُفصّل البنتاغون ردّه علنًا، بدأت تنتشر همساتٌ حول التحوّل نحو طائرات مُسيّرة أصغر حجمًا وأقل تكلفة مثل (RQ-21 Blackjack) أو حتى أنظمة مُستعملة لمرة واحدة مُستخدمة في أوكرانيا.
تُضحّي هذه البدائل ببعض القوة النارية وقدرتها على التحمّل التي تُميّز طائرة ريبر، لكنّ اكتشافها أصعب وخسارتها أقلّ إيلامًا. ولايزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التحوّل جاريًا، حيث التزم مسؤولو الدفاع الصمت باستثناء الاعتراف بالحوادث التي توردها القنوات.
بالنظر إلى الوضع عن كثب، تعكس مشاكل طائرة «ريبر» في اليمن تطوّرًا أوسع في حرب الطائرات المُسيّرة يُعيد تشكيل الصراعات حول العالم. في أوكرانيا، واجهت القوات الروسية تحدياتٍ مُماثلة، حيث خسرت طائرات (أورلان-10) المُسيّرة المتطورة أمام دفاعات جوية أوكرانية غير مُكلفة، وطائرات (كاميكازي) بدون طيار من طراز (FPV) تُكلّف مئات الدولارات فقط.
هناك أمر ملفت للنظر: منصة متطورة ومكلفة مثل (MQ-9) تُدمر على يد خصمٍ يستخدم تدابير مضادة ميسورة التكلفة. ويبدو أن الدرس المستفاد هو أن المثابرة والقدرة على التكيف يمكن أن تتغلب على التفوق التكنولوجي عندما تكون المخاطر كبيرة.
حوّل الحوثيون، نقطة ضعفٍ مُفترضة -افتقارهم إلى البنية التحتية المتقدمة- إلى ميزة، ما جعلهم يسقطون عددا غير قليل من الطائرات.
تاريخيًا، أحدثت طائرة (MQ-9) نقلة نوعية، حيث دخلت الخدمة عام 2007 كنسخة مطورة من طائرة (MQ-1 Predator) السابقة. جاء ظهورها الأول في ذروة حملات مكافحة الإرهاب الأمريكية في أفغانستان والعراق، حيث طاردت قادة المتمردين ووفرت مراقبة دقيقة للقوات البرية في مجال جوي متساهل نسبيا.
وبعد أكثر من 300 ألف ساعة طيران، لاتزال ركيزة أساسية للعمليات في أماكن مثل الصومال وسوريا، حيث التهديدات لبقائها ضئيلة. لكن اليمن مختلف. هنا، تواجه طائرة (Reaper) عدوا يمتلك الإرادة والوسائل للرد، وهو سيناريو لم تُصمم للتعامل معه في الأصل.
قارن هذا بمقاتلة الشبح الروسية (Su-57) أو طائرة (CH-7) الصينية القتالية بدون طيار، فكلاهما يُعطي الأولوية للبقاء في البيئات المتنازع عليها. على النقيض من ذلك، تبدو طائرة (MQ-9) كأنها من مخلفات حقبة لم يكن فيها أعداء أمريكا قادرين على الرد بفاعلية.
ومن الصعب تجاهل التداعيات العالمية. إذا تمكنت جماعة مثل الحوثيين من تحييد طائرة مسيرة بقيمة 30 مليون دولار باستمرار، فماذا يعني ذلك للجيوش الأخرى التي تعتمد على أنظمة مماثلة؟ على سبيل المثال، وقّعت الهند مؤخرًا صفقة لشراء 31 طائرة (MQ-9B SeaGuardians)، وهي نسخة بحرية من (Reaper)، مقابل 3.9 مليار دولار.
قد يشكك حلفاء مثل المملكة المتحدة وإيطاليا، اللتين تشغّلان هذه المنصة أيضًا، في جدواها ضد خصوم من نفس المستوى ومجهزين بدفاعات جوية حديثة.
في غضون ذلك، قد ينتهي المطاف بحطام طائرات (Reaper) التي أُسقطت في أيدٍ غير صديقة. ومن المرجح أن تنتهز إيران أو الصين أو روسيا الفرصة لإجراء هندسة عكسية لأجهزة استشعارها أو استغلال ثغراتها البرمجية. هذا السيناريو ليس افتراضيًا؛ ففي عام 2011، استولت إيران على طائرة (RQ-170 Sentinel) بدون طيار سليمة، وكشفت لاحقا عن نسخة مقلدة منها، وهي (Shahed Saegheh).
في اليمن، لا يُظهر الحوثيون أي بوادر تراجع. لقد اشتدت حملتهم ضد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، والتي تُصوَّر على أنها تضامن مع الفلسطينيين في غزة، منذ بدء الحرب بين حماس وإسرائيل.
وإلى جانب الطائرات المسيّرة، شنّوا أكثر من 100 هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة على سفن الشحن في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023، مما أدى إلى إغراق سفينتين ومقتل أربعة بحارة، وفقًا لتقارير القيادة المركزية الأمريكية. ويندرج إسقاط طائرات (MQ-9) ضمن هذه الاستراتيجية الأوسع، إذ يُظهر تحديًا ويُجبر واشنطن على إعادة النظر في نهجها.
حذّر الرئيس دونالد ترامب، في منشور على موقع «Truth Social» في مارس 2025، من أن «الجحيم سيُمطر» على الحوثيين إذا لم يُوقفوا هجماتهم، إلا أن صمود الجماعة يُشير إلى أن الغارات الجوية وحدها -مهما كانت «حاسمة»- لن تُسكتهم.
ما ينبثق من هذه الملحمة هو قصة عن غطرسة تكنولوجية تلتقي بعزيمة راسخة. تُعدّ طائرة (MQ-9 Reaper)، التي كانت في يوم من الأيام رمزا للهيمنة الأمريكية، الآن مثالا تحذيريا على مدى سرعة تآكل المزايا. إن خسائرها في اليمن لا تعني نهاية حرب الطائرات بدون طيار، بل هي نقطة تحول قد تفسح المجال لبدائل أصغر وأكثر مرونة، حيث يتراجع الحجم والتكلفة والتعقيد.
بالنسبة للولايات المتحدة، التحدي واضح: إما التكيف أو المخاطرة بالتخلي عن الأجواء لخصوم تعلموا استغلال ابتكارات الماضي. ومع ذلك، لاتزال هناك أسئلة عالقة. هل تقتصر هذه الحوادث على إطلاق صواريخ ناجحة، أم أن هناك المزيد -تداخل إلكتروني، أو تقنيات مُسجَّلة، أو إخفاقات غير مُبلَّغ عنها- لا يكشف عنها البنتاغون؟
إلى أن تتضح هذه الأمور المجهولة، يبقى مصير طائرة ريبر فوق اليمن تذكيرا صارخا بأن حتى أكثر الأدوات تطورا قد تتعثر عندما تتطور ساحة المعركة أسرع من المخططات.
المصدر ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا