دمشق -خاص / لا ميديا -
أخيراً عُقد ما يسمى «المؤتمر الوطني» الذي انتظره السوريون كثيراً؛ لكن حال السوريين يقول: ليته لم يعقد، ولم يخيب أملنا!
كان واضحاً منذ البداية أن سلطة الأمر الواقع لا تسير باتجاه عقد مؤتمر وطني سوري جامع يذكّر السوريين بالمؤتمر الوطني الذي عقد في العام 1920 وضم نخبة من الشخصيات الوطنية، من مختلف المناطق السورية، واستمرت أعماله عاماً وثلاثة أشهر، ليضع في نهايتها أسس الدولة السورية المنشودة، قبل أن تظهر إلى العلن مقررات «سايكس بيكو»، وبدء مرحلة الانتداب.
أما المؤتمر الحالي فقد ظهر من البداية أن هدفه إيجاد مخرجات أمام المجتمع الدولي وبعض الدول العربية التي طلبت تسريع الأمر، كي تكتسب السلطة الحالية «الشرعية»؛ لكن حتى هذا الأمر لم يعط النتائج المرجوة منه.
ظهرت هذه المؤشرات مع تشكل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، التي ترأسها حسن الدغيم، المعروف بارتباطه الوثيق مع الاستخبارات التركية، وفيها خمسة أشخاص من لون واحد يمثلون الفصائل المسلحة فقط، مع رتوش على الصورة، باختيار سيدتين، إحداهما مسيحية، وأثيرت حولهما إشكاليات كثيرة.
وكما ظهر خلال لقاءات اللجنة في المحافظات السورية للتحضير للمؤتمر، فقد استبعدت معظم مكونات الشعب السوري، ومنها قوات سورية الديمقراطية «قسد»، التي تسيطر لوحدها على ثلث الأراضي السورية، والحراك الوطني في السويداء. كما تم استبعاد «الجيش الحر»، وكل الأحزاب التنظيمات السياسية ومنصات المعارضة السابقة. ولذلك فقد أكدت أن ما سيصدر عن المؤتمر هو مجرد توصيات للقيادة، وليس قرارات للتنفيذ.
ومن الطريف أن تم دعوة شخصيات من المعارضة موجودة في أوروبا والولايات المتحدة، على مبدأ «تعا ولا تجي»؛ لأن الدعوات وُجّهت لهم قبل 24 ساعة من المؤتمر، في حين أن حضورهم يستلزم أسبوعاً على الأقل.
وفي النهاية، تمت دعوة حوالى 700 شخصية للاجتماع على مدى يومين، كان اليوم الأول للاستقبال والتعارف، واليوم الثاني كان على مدى ثماني ساعات فقط، بما فيها الاستراحات والغداء، وخطاب رئيس سلطة الجولاني الانتقالية أحمد الشرع، ووزير خارجيته أسعد الشيباني، وما تبقى للنقاش في قضايا مصيرية، مثل الدستور والاقتصاد والوضع الداخلي والأمني والوحدة الوطنية والاحتلالات، وهي النقاشات التي تحتاج إلى شهور وليس ساعات.
حديث الشرع ووزير خارجيته، أمام المؤتمر، كان كالعادة بطريقة تلاقي القبول عند المجتمع السوري؛ لكن الممارسات على الأرض تتناقض مع كل ما يقال على المنابر.
في نهاية الاجتماعات، تم إصدار توصيات مختصرة، صيغت بكلمات عمومية لا يختلف عليها السوريون، لكن ما لم يتم قوله كان أكثر بكثير مما قيل. ومن الملاحظات التي أثيرت على البيان:
- غابت كلمة «الديمقراطية» عن البيان، مع إدراك الجميع أن منع إنتاج نظام دكتاتوري جديد هو أهم أهداف المجتمع السوري اليوم.
- نص البيان على الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها على كامل أراضيها، ورفض أي شكل من أشكال التجزئة والتقسيم، أو التنازل عن أي جزء من أرض الوطن. وفي الواقع غيبت لجنة المؤتمر كل القوى التي تسيطر على أراضٍ تشكل أكثر من نصف مساحة الدولة السورية.
- أدان البيان التوغل «الإسرائيلي» في الأراضي السورية؛ لكنه لم يذكر الاحتلال التركي والأمريكي.
- طالب البيان بالإسراع بإعلان دستوري مؤقت. وهنا يستذكر السوريون أنه تم تسريب مسودات إعلان دستوري كبلالين اختبار، تكرس سلطة الفصائل المسلحة فقط.
- أكد البيان ضرورة الإسراع بتشكيل المجلس التشريعي المؤقت. وكان قد تم أكثر من مرة إعلان أن مثل هذا المجلس سيتكون بشكل رئيسي من قادة الفصائل المسلحة المنضوية تحت سلطة «هيئة تحرير الشام».
- دعا البيان إلى تشكيل لجنة لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد. وهذه الدعوة أثارت الخشية من أن تكون اللجنة الدستورية شبيهة باللجنة التي شكلت للإعداد لمؤتمر الحوار.
- كما تضمن البيان عبارات مثل «تعزيز الحرية»، «ضمان حرية الرأي والتعبير»، «احترام حقوق الإنسان»، «دعم دور المرأة»، و»تفعيل دور الشباب في الدولة والمجتمع»... فيما الواقع على الأرض يتناقض كلياً مع هذه العبارات.
- تضمن البيان أيضاً ترسيخ مبدأ المواطنة، ونبذ كافة أشكال التمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب. وكل ذلك، في الوقت الذي نرى فيه انتهاك هذه المبادئ بشكل يومي وبدون محاسبة المرتكبين.
- أيضاً دعا البيان إلى تحقيق العدالة الانتقالية، من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات. والمقصود طبعاً من هذه العبارات الجميلة ما يخص السلطات السابقة فقط، وتتغاضى عن ممارسات الفصائل المسلحة، والموثقة بآلاف الوثائق.
- ترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب السوري، ونبذ كافة أشكال العنف والتحريض والانتقام. وما يجري على الأرض يتناقض كلياً مع هذه العبارات المنمقة.
- تحقيق التنمية السياسية وفق أسس تضمن مشاركة كافة فئات المجتمع في الحياة السياسية. وكان أول ما فعلته اللجنة استبعاد كل هذه القوى عن المؤتمر.
وفي النهاية، يتساءل السوريون: من سيضمن تنفيذ حتى ما ورد في البيان، طالما هي مجرد توصيات، ولا يوجد رقابة على التنفيذ؟!
ردود فعل القوى السياسية والمجتمع المدني السوري على المؤتمر كانت بمعظمها سلبية، وأجمعت على أنه ليس هذا هو المؤتمر الوطني السوري الذي انتظره الجميع ليكون البداية الحقيقة لوضع أسس الدولة السورية وبناء سورية المستقبل.
كما أنه لا يلبى ما ورد في القرار الأممي (2254)، الذي بات المرجع الوحيد، كخارطة طريق تحظى بالقبول العربي والدولي، وهذا ما قالته لصحيفة «لا» شخصية وطنية التقت المبعوث الأممي، غير بيدرسون، وأكدت أن بيدرسون غير راضٍ عن المؤتمر، وبالتالي سيكون من الصعب اعتباره يلبي أسس القرار الأممي (2254).
بعد هذه الملاحظات والإشكالات الكثيرة التي آثارها ما سمي «المؤتمر الوطني»، بات أمل السوريين اليوم معلقاً على الحكومة الجديدة، المتوقعة خلال الأيام القليلة المقبلة، والتي باتت تشكل مطلباً داخلياً وخارجياً، مع التأكيد أنها ستكون مختلفة عن الحكومة الحالية، وتمثل معظم مكونات المجتمع السوري، وأن تبادر هذه الحكومة إلى عقد مؤتمر وطني حقيقي، وإقرار دستور جديد يحدد هوية الدولة، شكل نظام حكمها ومؤسساتها، وإقراره من خلال استفتاء عام تجري بعده انتخابات عامة ينتج عنها برلمان جديد وانتخاب رئيس، بحسب ما ينص عليه الدستور الجديد، ثم تشكيل حكومة وطنية تحظى بالقبول الداخلي، والاعتراف الدولي، وينتج عن ذلك رفع العقوبات وبدء مرحلة البناء والإعمار.