القتل الطائفي في سورية:مليشيات مارقة أم سياسة من دمشق؟
- تم النشر بواسطة ترجمة خاصة:أقلام مانع / لا ميديا

موقع (The Cradle – المهد)
ترجمة خاصة:أقلام عبدالملك مانع / لا ميديا -
بعد مرور ما يقرب من شهرين على الإطاحة بالنظام السوري على يد قوات «هيئة تحرير الشام» المتطرفة، يشهد ريف حمص الغربي حملة أمنية وحشية اتسمت بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعدامات الميدانية، والنهب، والإذلال العلني، والإهانات الطائفية، والاعتقالات العشوائية.
لقد ارتكبت إدارة العمليات العسكرية التابعة للحكومة المؤقتة هذه الفظائع، تحت ذريعة البحث عن الأفراد المطلوبين، والاستيلاء على الأسلحة؛ لكن الحملة سرعان ما تحولت إلى حالة من الفوضى.
إعدامات جماعية وقتل علني
لقد تم إعدام ما لا يقل عن خمسين مدنياً أعزلاً بدم بارد عندما اقتحمت عناصر مسلحة القرى. ويروي شهود عيان قصصاً مروعة عن رجال تم جرهم من منازلهم، وإطلاق النار عليهم دون محاكمة، وتركهم على جوانب الطرق. وقد استعرضت قوات الأمن سيطرتها بإطلاق النار في الهواء ونشر الأسلحة الثقيلة، مثل مدافع رشاشة من طراز دوشكا في المناطق السكنية، وبث الرعب قبل أن تبدأ عمليات التفتيش.
وقد وثقت «مجموعة السلم الأهلي - حمص» العديد من الانتهاكات، بما في ذلك إجبار المعتقلين على تقليد أصوات الحيوانات من أجل تسلية آسريهم – وهي أصداء (غريبة) للانتهاكات السابقة في عهد الحكومة السابقة، والتي يتم تداولها الآن على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي كأمثلة على ما يسمى «سورية الحرة».
ويظهر في أحد الفيديوهات التي تم تداولها على نطاق واسع أحد أفراد المليشيات المسلحة وهو يوجه تهديدات طائفية لمجموعة من المعتقلين، ويتوعدهم بالإعدام. ويظهر في مقطع آخر رجل يتعرض لإطلاق نار في أسفل ظهره وهو مستلقٍ على وجهه في خربة حمام. وفي القرية نفسها، تم العثور على جثة شاب اعتقل أثناء عملية تمشيط عند مفترق طرق مع الغزالة.
لكن الانتهاكات في ريف حمص الغربي كانت «أكثر شدة وقسوة»، بحسب بيان لمجموعة السلم الأهلي.
وتقدم شهادات شهود العيان صورة قاتمة لما حدث. ويروي «محمود»، من قرية «فحيل» لـ»المهد»، كيف تم إطلاق النار على شابين أمام الملأ عند وصول حافلة ركاب إلى القرية، حيث تم إيقاف السيارة وتفتيشها، وأمر الشابين، أحدهما مهندس والآخر موظف في كهرباء دمشق، بالنزول من الحافلة ليتم إعدامهما علناً.
ومنعت الفصائل المسلحة الأهالي من استخدام الهواتف لتوثيق الجريمة، ويضيف محمود أن عدد القتلى في القرية غير مؤكد، حيث شاهد جثثاً ملقاة على جوانب الطرق، ومنع المسلحون الأهالي من الوصول إليها.
ويصف أحمد، من القرية ذاتها، كيف تحولت عملية البحث الأولية التي تمت باحترام إلى موجة من العنف والترهيب من قبل مسلحين عرّفوا عن أنفسهم بأنهم منتمون إلى «هيئة تحرير الشام»، وشرعوا في ضرب كبار السن والتحرش بالنساء وتوجيه الشتائم الطائفية. ويشير أحمد إلى أن الأهالي تعرفوا على ما لا يقل عن 20 شخصاً قُتلوا خلال هذه العملية، ولا تزال جثث بعضهم ملقاة في أماكن مختلفة من القرية.
ولم تقتصر هذه الانتهاكات على القرى ذات الأغلبية العلوية، بل طالت أيضاً القرى التي يسكنها أفراد من طائفة المراشدة. ففي قرية «مريمين»، وهي قرية سورية مركزية تقع بالقرب من الحدود بين حماة وحمص، قامت فصائل مسلحة بتدنيس المواقع الدينية والمقابر، وأعدمت أربعة مدنيين، وأخضعت السكان للضرب المبرح والإذلال. ويصف الشهود نمطاً متكرراً: وصول قوات «منضبطة» في البداية، تجري عمليات تفتيش باحترافية واضحة، ثم وصول فصائل مقنعة «غير منضبطة» تنفذ عمليات القتل والخطف والنهب دون عقاب.
غياب المساءلة ودور القيادة
وتقول مصادر لموقع «المهد» إن الحاكم الفعلي وقائد العمليات العسكرية، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني، على اطلاع جيد على المجازر وعمليات القتل التي تستهدف المواطنين العلويين والشيعة.
ويشير أحد المصادر إلى أن الشرع أخبره صراحة أنه يعتبر هذا العنف «عملاً انتقامياً مشروعاً لن يتم إيقافه في المستقبل المنظور».
وأوضح الشرع أن «هذا (القتل) أمر طبيعي وقد يستمر لسنتين أو ثلاث سنوات».
يشار إلى أن من بين القتلى مدنيين لم ينضموا إلى صفوف الجيش السوري ولم يكن لهم أي دور في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.
إن رد فعل الشرع وعدم اتخاذه أي إجراء لمنع هذه العمليات أمر مفاجئ، فقط لأنه قدم نفسه مراراً وتكراراً على أنه «باني سورية الحديثة لكل السوريين»، دون اضطهاد للأقليات، بينما ما يحدث فعلياً هو أن هذه الجرائم تحولت من أعمال انتقامية إلى أعمال طائفية وجرائم قتل على أساس الهوية.
إن الطبيعة الفوضوية للحملة تثير تساؤلات خطيرة حول سلسلة القيادة. فهل تعمل هذه العناصر المارقة من تلقاء نفسها؟! أم أن القيادة تغض الطرف عمداً عن هذه الأفعال أو حتى تقرها؟! لقد أصبح عذر «سوء السلوك الفردي» غطاءً ملائماً لارتكاب فظائع واسعة النطاق، من عمليات القتل، على غرار الإعدام، إلى نهب المنازل والشركات.
وتشير التقارير الواردة من مختلف أنحاء المحافظة إلى تعرض المدنيين للإهانة والضرب وسرقة الممتلكات الثمينة، بما في ذلك الماشية. وفي إحدى الحالات الموثقة في «مريمين»، دخل مسلحون ملثمون منزل رجل يُدعى (ي.م)، وسرقوا ذهبه وأجبروه على الركوع بينما ضربوه أمام زوجته وأطفاله.
وذكرت التقارير أن محافظ حمص زار القرى المتضررة، وأصدر إدانة ضعيفة لـ«إساءة استخدام المقدسات الدينية»، وألقى باللوم على «مجموعات إجرامية تنتحل صفة رجال الأمن».
في هذه الأثناء، دعت مجموعة السلم الأهلي إلى التدخل العاجل، مطالبة فرق الهلال الأحمر والدفاع المدني بمواكبة أي عمليات أمنية مستقبلية، كما حثت السلطات على السماح لوسائل الإعلام المستقلة بتوثيق الأحداث وضمان الشفافية.
مخاوف طائفية متنامية على الساحل السوري
ورغم أن اللاذقية وطرطوس لا تزالان مستقرتين نسبياً، فإن العنف في حمص أثار المخاوف من أعمال انتقام طائفية، وخاصة ضد العلويين. وقد أدى انهيار سلطة الدولة إلى عمليات اختطاف وقتل مستهدف وهجمات انتقامية.
ويصف منذر، وهو أحد سكان اللاذقية، لـ«المهد» حالة القلق المتزايدة داخل المجتمع العلوي، خوفاً من أن تشعل «مجموعات غير منضبطة» شرارة العنف الانتقامي على غرار ما حدث في حمص. ويتذكر حوادث سابقة، بما في ذلك اغتيال ثلاثة قضاة مدنيين في ريف مصياف وقتل مواطنين علويين عزل في جبلة.
وقد تفاقم هذا الخوف بسبب الأحداث الأخيرة، مثل مقتل يوسف الكيبي في طرطوس في وقت سابق من هذا الشهر. فقد تعرض الكيبي وصديقه، علي صقور، لهجوم من قبل أعضاء من «هيئة تحرير الشام» في شاليه على شاطئ دريم. وبعد مشادة كلامية، أطلق أحد أعضاء «هيئة تحرير الشام» النار على الكيبي وأرداه قتيلاً، مبرراً جريمة القتل بتهمة «التجديف».
وقد فر الجناة تاركين وراءهم مجتمعاً يسيطر عليه الخوف، وخاصة بعد ظهور تقارير عن حملهم لعلم تنظيم الدولة الإسلامية. وحاولت السلطات التقليل من شأن الحادث، مدعية أنه كان نتيجة «تبادل لإطلاق النار» - وهي الرواية التي تناقضها روايات شهود عيان متعددين يصرون على أن كيبي كان أعزلًا وأُعدم عن قرب.
وفي السياق ذاته، شهدت مدينة جبلة الساحلية في سورية مؤخراً جدلاً واسعاً، عقب حفل وُصف بـ»الوعظي» نظمه شخص يدعى أبو سفيان الجبلاوي، وتضمن خطباً دينية وصفت بالمتطرفة، ما أثار القلق بين أهالي البلدة المختلطة الطوائف.
وكان «أبو سفيان»، الذي حضر اللقاء بزيه الأفغاني، معروفاً بتطرفه الديني. وقد نظم هذا اللقاء دون الحصول على موافقة من القيادة السياسية أو العسكرية، ثم ألقت قوات الأمن العام القبض عليه، ولم يبذل سوى الحد الأدنى من الجهد للحفاظ على النظام.
وفي حديثها إلى موقع (The Cradle)، أعربت نسرين، وهي من سكان ريف طرطوس، عن قلقها الأوسع نطاقاً بشأن إمكانية «محاسبة الأبرياء إلى جانب المذنبين». ففي بلد لا توجد فيه مؤسسات قانونية فاعلة، غالباً ما يكون التمييز بين الجناة والمتفرجين غير واضح، مما يؤدي إلى العقاب الجماعي.
لقد أدى غياب القضاء الموثوق به إلى تحويل الفصائل المسلحة إلى قاضٍ وهيئة محلفين وجلاد. ومع وجود شخصيات مثل وزير العدل شادي محمد الويسي، القاضي السابق في «جبهة النصرة»، الذي يشرف على النظام القانوني، يتضاءل الأمل في المساءلة الحقيقية أو العدالة. وفي غياب آليات حقيقية للمساءلة، تخاطر سورية بالانزلاق إلى ثقافة الإفلات من العقاب والانتقام - وهي دورة تهدد أي أمل في السلام المدني.
المصدر ترجمة خاصة:أقلام مانع / لا ميديا