المؤتمر الوطني السوري.. الحمل سفاح والجنين منغولي
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا

خاص / لا ميديا -
أخيرا، وبعد تأجيل عدة مرات، أعلنت حكومة الأمر الواقع في دمشق، تحديد العشرين من شباط/ فبراير المقبل، موعدا لعقد المؤتمر الوطني السوري، ولمدة يومين، مع حديث عن احتمال تأجيل آخر للموعد. المؤتمر ينتظره السوريون بلهفة وشغف، لأنه يشكل خريطة الطريق الوحيدة لإخراج سورية من مأزقها، وبناء مستقبلها، وتحديد هويتها، وشكل مؤسسات الحكم، وتوزيع السلطات. لكن الطريقة التي أعلن فيها عقد المؤتمر، وشروطه، لم تحمل المؤشرات التي تدل على أنه هو المؤتمر الذي ينتظرونه.
فأي مؤتمر يجب أن تضعه لجنة وطنية تحظى بثقة الجميع، وأن يأتي ممثلا لكل أطياف وشرائح الشعب السوري، ونتاج التوافق بين قواه السياسية والاجتماعية، ويحمل الخطوط العريضة لتطلعاتهم، ليأتي المؤتمر ويبلور هذه الأفكار ويصيغها، ويضعها موضع التنفيذ، من خلال دستور جديد يتم إقراره باستفتاء من قبل الشعب السوري، يحدد هوية الدولة وشكل مؤسسات الحكم فيها، تليه انتخابات عامة وشفافة، ينتج عنها برلمان جديد، ورئيس، وحكومة تعكس نتائج الانتخابات. لكن طريقة الدعوة للمؤتمر، والشكل المتوقع له، لم يحمل أياً من هذه المؤشرات.
فحكومة الأمر الواقع هي التي استفردت بالدعوة للمؤتمر، ولم يعرف السوريون من هي اللجنة التي وضعت المعايير للمؤتمر، ومن هي الأسماء التي ستكون مدعوة لحضوره، حتى إنه لم يتم الإعلان رسميا عن إجراءات عقد المؤتمر، وإنما تم تسريب نص غير رسمي عن هذه الإجراءات.
ومن الشروط التي وردت في النص، حول المؤتمر والمعايير التي ستطبق حول الحضور:
• المشاركون:
فئة الشباب (ذكورا وإناثا) الكفاءات 700 مدعو.
رجال الدين، من كل الأديان، 100 مدعو.
شيوخ عشائر ورجالات مجتمع مدني.
سيدات المجتمع المدني والكفاءات.
• الدعوات توجه وفق معايير، منها:
مواطن عربي سوري، لأبوين سوريين.
ألا يكون موظفاً لدى جهة حكومية بين عامي 2015 و2024.
الموجودون بالخارج تتم دعوتهم عن طريق السفارات السورية.
الدعوة مبدئياً باتصال هاتفي (موافقة مشاركة) ثم اتصال ثانٍ (تأكيد) وبعدها دعوة خطية.
ردود الفعل على هذه المعايير والشروط كانت بمعظمها سلبية ورافضة لاستفراد سلطات الأمر الواقع بالدعوة إلى المؤتمر، وتحديد شكله وشروطه ومعايير حضوره، ورأت في هذا الاستفراد، سياسة إقصائية؛ لأسباب عديدة:
• منع من هو على رأس عمله، بعد عام 2015، يستبعد ويقصي أكثر من نصف المجتمع السوري ونخبه الحيوية والقيادية، وفي مقدمتهم أساتذة الجامعات والخبراء والكوادر الإدارية والنقابية وشريحة واسعة من الإعلاميين والأدباء والمثقفين.
• المعايير التي وضعت لمن سيسمح له بحضور المؤتمر ستمكن سلطات الأمر الواقع من التحكم بأسماء المدعوين، وسيتم من خلال ذلك استبعاد وإقصاء شرائح أخرى من المجتمع السوري.
• يستبعد كل مؤسسات وهياكل المعارضة الخارجية للنظام السابق، مثل الائتلاف، والمجلس الوطني، ولجنة التفاوض، واللجنة الدستورية، ومنصتي موسكو والقاهرة، والتأكيد بأنه لن يتم دعوة أي من هذه المؤسسات، وإنما ستتم دعوة أفراد منهم على أساس شخصي.
• استبعاد المعارضة الداخلية (منصة حميميم) والأحزاب والقوى السياسية الوطنية الداخلية، ومن ستتم دعوته سيكون بصفته الشخصية.
• تمت الدعوة إلى المؤتمر قبل حصول اتفاق بين السلطات في دمشق، وتنظيم «قسد» (الأكراد) الذي يسيطر على مناطق شمال شرق سورية، التي تضم ثلث سورية وكل الثروات الاستراتيجية، فيما الدلائل تشير إلى أن الأمور ذاهبة إلى التصعيد، وليس التفاهم بين الجانبين.
• لم يتم أي تواصل أو تنسيق مع ساحة الكرامة والحراك في السويداء، الذين أعلنوا رفضهم لسلطات الأمر الواقع، ومنعوا قواتهم من دخول السويداء، قبل التوصل إلى اتفاق على دستور، وإقامة سلطة وطنية شرعية.
• لم يعرف حتى الآن من سيترأس المؤتمر ويدير جلساته. وكان قد أعلن سابقا أن نائب الرئيس السابق، فاروق الشرع، سيترأس المؤتمر؛ لكن لم يتم حتى الآن تأكيد ذلك، لا من الحكومة، ولا من الشرع. ومن شبه المؤكد أنه لن يتم ذلك، وستكون إدارة المؤتمر من شخصيات وجهات تابعة للسلطات.
• دعوة هذا العدد الكبير، الذي سيصل إلى حدود 1200 شخص، وتحديد يومين لعقد المؤتمر، يعني أنه لن تتاح لمعظم الموجودين الفرصة للتحدث، وسيتحكم المنظمون باختيار المتحدثين.
• لن يتاح للحضور الاطلاع بشكل جيد على مسودة البيان الذي سيصدر عن المؤتمر، ووضع ملاحظاتهم ومناقشتها، ولم يتردد البعض في القول بأن نتائج المؤتمر، وبيانه الختامي، ستكون جاهزة قبل عقده.
من خلال هذه المؤشرات، وما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، وردود الأفعال والمواقف، من جهات عديدة، يمكن التأكيد أن المؤتمر بهذا الشكل سيلاقي رفضاً واسعا من القوى السياسية والاجتماعية التي تم استبعادها، ومن معظم القوى الحيوية وشرائح المجتمع السوري، والتي ترفض هذا الاستفراد، ولا تتوافق مع سياسات وتوجهات حكومة «هيئة تحرير الشام».
يضاف إلى ذلك أن القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن السوري لم تُبدِ حماساً للمؤتمر، وتشكك بإجراءات وسياسات السلطات الجديدة في دمشق. ويؤكد ذلك أن عدة مؤتمرات ولقاءات موازية ستعقد في أوروبا، وبرعاية دولية وأممية، وهذا سيعطيها قوة أكثر من المؤتمر الوطني المزمع عقده.
هذا الواقع يثير التساؤلات حول مشروعية المؤتمر، وقدرته على تمثيل المجتمع السوري، ووضع الأسس لدولة سورية مدنية وديمقراطية بالشكل الذي يريده غالبية المجتمع السوري. وهذه الإشكالات الجوهرية جعلت البعض يشبّه المؤتمر بأنه «يأتي بحمل سفاح، وفحوصات الجنين تؤكد بأنه منغولي».
ومع وجود شهر كامل على موعد عقد المؤتمر، ومع عدم صدور أي موقف من حكومة «هيئة تحرير الشام»، حول ما يثار من ملاحظات ومواقف حوله، يبدو حتى الآن من غير المعروف ما إذا كانت حكومة الجولاني ستأخذ بهذه الملاحظات، أو بعضها. ويسود اعتقاد كبير بأن الحكومة ستكون مخطئة كثيراً، وأول الخاسرين، إذا توهمت أنها قادرة على الاستفراد بالمؤتمر ونتائجه، خاصة وأن المؤتمر لن يكون قادراً على إيجاد حلول للوضع في سورية، ولا بناء دولة تحظى برضى المجتمع السوري، إذا ما فقد التبني الداخلي من معظم شرائح المجتمع السوري، ومن الاعتراف الخارجي المؤثر على الوضع في سورية.
المصدر خاص / لا ميديا