شيرين فلاح صعب -  صحيفة «هآرتس» العبرية
ترجمـة خاصة:إياد الشرفي / لا ميديا -
من إعطاء المتحدث باسم الجيش «الإسرائيلي» وقتًا متكررًا على الهواء إلى توجيه أسئلة صعبة إلى قادة حماس.. قناة العربية، البديل السعودي للسردية المختلفة
حتى السابع من أكتوبر، كان المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية الأدميرال البحري دانيال هاجاري وجهًا غير مألوف في المملكة السعودية. لم يفكر أي من الصحفيين الذين عملوا في قناة العربية الإخبارية الناطقة بالعربية المملوكة للدولة السعودية في إجراء مقابلة معه أو بث تصريحاته.
ومع ذلك، فإن هجوم حماس في ذلك اليوم، والحرب التي تلت ذلك في غزة وقرار حزب الله بالانضمام إلى القتال أعاد رسم حدود تغطية القناة.
أجرت قناة العربية، وهي قناة إخبارية فضائية مقرها الرياض، مقابلة مع هاجاري في 19 يونيو بعد زيارة إلى لبنان قام بها آموس هوكشتاين، وهو مستشار كبير للرئيس الأمريكي جو بايدن. حوالي الساعة 5 مساءً. في الساعة 11:30 بتوقيت السعودية، ظهر هاجاري على الهواء مباشرة. وقال هاجاري باللغة الإنجليزية: «أنا هنا في الشمال»، وسمعت كلماته متأخرة بضع ثوان بسبب الترجمة الفورية إلى العربية. وقال إن حزب الله يستغل الشعب اللبناني، الذي قال إنه قد لا يعرف الحقيقة الكاملة عن الوضع.

وسائل الإعلام
وقد أثارت المقابلة انتقادات في العالم العربي. فسأل أحد المعلقين: «هل هذه قناة العربية أم قناة إسرائيلية؟». وكتب آخر: «إنها قناة عبرية صهيونية».
في الظاهر، يبدو هذا كأنه مناوشة بسيطة في حرب متعددة الجبهات قد تتصاعد. لكن المشاهدين في العالم العربي لا يرون المتحدث العسكري الرئيسي لإسرائيل في كثير من الأحيان. وهذا جزء من القصة الأكبر لقناة العربية، التي تتنافس على تشكيل السرد والوعي الجماعي في دول الخليج الفارسي، والتي لا تخشى الإبلاغ عن وجهة نظر إسرائيل. ويعكس تاريخ القناة وصعودها جهود العائلة المالكة السعودية لجعلها واحدة من أكثر وسائل الإعلام نفوذاً في العالم العربي.
وبرزت القناة في تغطيتها المتعاطفة لاتفاقيات إبراهيم الإسرائيلية مع الإمارات والبحرين، حتى إنها بثت لقطات من الكنيست وقت توقيعها. وفي وقت لاحق، استضافت القناة بواز ليفي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية منذ عام 2020. وناقش أهمية التعاون الاقتصادي بين إسرائيل ودول الخليج.
في فبراير/ شباط، أجرى الأمير تركي الفيصل، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة وبريطانيا، مقابلة مع قناة العربية تناولت احتمالات التطبيع.
«قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إن اتفاقيات التطبيع هي طوق نجاة لإسرائيل في إنهاء الحرب. فماذا يعني هذا للسعوديين؟» سأل المحاور. فأجاب الأمير تركي: «قدمت السعودية موقفها بصدق للإسرائيليين والأمريكيين حتى قبل السابع من أكتوبر. والخطوة الأولى لمثل هذه الاتفاقيات هي حل القضية الفلسطينية. وكل ما يتعلق بالعلاقة بين المملكة وإسرائيل يعتمد على هذا.

مقابلات حادة
خلال الحرب الحالية في غزة، كانت قناة العربية بارزة في مقابلاتها الحادة مع قادة حماس. بعد أسبوعين من السابع من أكتوبر، أجرت القناة مقابلة مع المسؤول الكبير في حماس خالد مشعل. سألته الصحافية رشا نبيل: «لم يجرؤ أحد في عالم الإعلام العربي على سؤالك عن الهجوم: «هل هناك فرصة أن تعتذر عما حدث للمدنيين الإسرائيليين؟ ما شاهده العالم الغربي على شاشات التلفزيون كان هجوماً غير مشروع من قبل حماس على المدنيين الإسرائيليين. أنت المسؤول عن صورة الحركة في العالم، والآن يتم مقارنة الحركة بداعش».
في 27 يوليو، أجرت نبيل مقابلة مع مسؤول آخر في حماس، غازي حمد، سألته عن العلاقة المعقدة بين حماس وإيران. «لقد اغتيل [الزعيم السياسي لحماس إسماعيل] هنية على الأراضي الإيرانية. لماذا لم ترد ولم تبدأ حرباً مع إسرائيل؟» أجاب حمد: «إيران أفضل من الدول العربية الأخرى، التي تلوح الآن بالعلم الإسرائيلي أثناء الحرب».
ولكن نبيل أصرت على سؤاله: «لماذا لا ترد إيران؟» فأجابها حمد، الذي بدا كأنه يتعرض للهجوم: «أنت ضد الوطنية ورأي الجمهور العربي، وتحاولين تشويه صورة حماس من خلال جعلها ذراعاً لإيران. هذا ما أسمعه منك، أن حماس وصمة عار على جبين العالم العربي والإسلامي. هذا هو نهجك في القناة».
إن العلاقة المتوترة بين «العربية» وحماس تعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ففي يناير/ كانون الثاني 2007، تعرضت مكاتب القناة في غزة للقصف، مما تسبب في أضرار جسيمة بالممتلكات. وغادر موظفو القناة غزة بعد تلقيهم تهديدات بالقتل من قبل عناصر مسلحة محلية. وحملت ريهام عبدالكريم، رئيسة مكتب «العربية» في غزة، حكومة حماس مسؤولية الانفجار. وفي عام 2022، حظرت وزارة الداخلية التي تديرها حماس في غزة القناة بعد تقارير تفيد باعتقال خلية في كتائب عز الدين القسام بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.
وحتى الآن، تعمل القناة كبديل للأصوات المعادية لإسرائيل في وسائل الإعلام العربية. ويعزو ياناي هذا إلى السياسة التي وضعها ولي العهد محمد. ويقول: «عند صعوده إلى السلطة، أعلن عن تعزيز الإسلام المعتدل في المملكة وإزالة الرسائل المعادية للسامية من وسائل الإعلام والكتب المدرسية».
وتقول أوريت بيرلوف، الباحثة في اتجاهات الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي في معهد دراسات الأمن القومي والمستشارة السابقة في وزارة الخارجية، «إن هذا ليس من حب إسرائيل أو الرغبة في إظهار أن إسرائيل تنتصر، بل من الكراهية المطلقة للإسلام السياسي. تعمل العربية كثقل موازن للجزيرة من حيث تشكيل الوعي العام... تخشى الحكومة الاتجاهات التي تعزز الإسلام السياسي في البلاد، وبالتالي يُحظر تصوير حماس على أنها هزمت إسرائيل في الوعي الجماعي العربي. لا يُسمح للمواطنين السعوديين بالاعتقاد بأن جماعة الإسلام السياسي قد فازت».
على الرغم من المعارضة لحماس، لايزال من الصعب النظر إلى «العربية» كقناة مؤيدة لإسرائيل. «يجب أن تتذكر دائماً أنهم يوازنون رواية الجزيرة»، كما يقول بيرلوف. «لقد استضافت الجزيرة أبو عبيدة [المتحدث باسم الجناح العسكري لحماس]، لذلك استعانت العربية بالمتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية. والهدف هو منع نشوء موقف حيث يتشكل تصور الجمهور العربي من خلال صوت حماس وحده. من جانبها، تتعاون إسرائيل وتنقل الرسائل إلى القناة».

نوع جديد من الحوار
كانت صحيفة «نيويورك تايمز» أول وسيلة إعلام غربية تدرك الثورة الهادئة التي كانت القناة تمر بها. وقد أوضح مقال خاص نُشر في مجلة «نيويورك تايمز» في عام 2005 تحت عنوان «الحرب داخل غرفة الأخبار العربية» الدوافع وراء إنشاء «العربية».
كانت فترة مزدحمة في الدول العربية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وصعود تنظيم القاعدة، والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق. كانت «الجزيرة» اللاعب الوحيد في اللعبة الإعلامية، حيث عكست وجهة نظر جماعة الإخوان المسلمين، التي أيدت الحرب التي أعلنها تنظيم القاعدة على الغرب. ولم يكن السعوديون مستعدين للوقوف صامتين وقرروا اتخاذ إجراء.
تولى مؤسس قناة «إم بي سي»، الشيخ السعودي وليد الإبراهيم، مهمة البدء في إنشاء بديل أكثر اعتدالاً لقناة «الجزيرة». وقال لصحيفة «نيويورك تايمز» إن رؤيته كانت تتمثل في وضع قناة «العربية» في مكانة «سي إن إن»، على النقيض من «الجزيرة»، التي قال إنها تعمل مثل «فوكس نيوز».
من الصعب تجاهل المصالح السياسية والشخصية للإبراهيم، فهو صهر الملك السابق فهد ملك المملكة السعودية، ورفضت العائلة المالكة نهج «الجزيرة»، الذي أعطى مساحة كبيرة للبث لتنظيم القاعدة. لقد اعتبروا ذلك تهديدًا للحكومة، التي تعارض بشدة الإسلام السياسي الذي يمثله الإخوان المسلمون.
وتوضح بيرلوف أنه خلال تلك الفترة، تمتعت «الجزيرة» بسيطرة شبه كاملة على تدفق المعلومات وتشكيل الرأي العام في العالم العربي. وتقول: «ما هو مهم في [إطلاق قناة العربية] يكمن في المنافسة بين القناتين، وفي توفير فرص لمصادر إضافية للمعلومات والروايات».
ويضيف شاؤول ياناي، الباحث في شؤون دول الخليج، أنه خلال سنواتها الأولى، كافحت قناة العربية لتصبح مصدرًا إخباريًا شديد التأثير. وهو يعزو ذلك إلى التنظيم من قبل حكومة الرياض. «كانت العربية تفتقر إلى نهج الجزيرة الجريء، الذي أثر بشكل خاص على الشباب. وعلى مر السنين، اتخذت قيادة القناة خطوات لتحسين مكانتها في العالم العربي من خلال الحد من قوة الجزيرة وزيادة انتقادها لجماعة الإخوان المسلمين وطالبان وداعش وإيران».
وقال عبدالرحمن الراشد العقل المدبر للقناة: «يصبح الناس متطرفين لأن التطرف يُحتفى به على شاشة التلفزيون. إذا بثت رسالة متطرفة في مسجد، فإنها تصل إلى 50 شخصًا. لكن هل تعلم كم عدد الأشخاص الذين يمكن بيعهم من خلال رسالة على شاشة التلفزيون؟» وبالتالي، لم تخجل القناة من إجراء تحقيقات في قضايا مثل الإرهاب في العالم العربي أو تورط البلدان في أنشطة داعش.
ومن بين برامج القناة البارزة «المهمة الخاصة»، وهو مشابه في أسلوبه لبرنامج التحقيقات الإخبارية الإسرائيلي «أوفدا». في إحدى الحالات، بث البرنامج جزءًا يتناول الإرهاب في المغرب وتحقيقًا كشف عن دعم تركيا للجماعات الإرهابية في ليبيا. وفي عام 2019، بث برنامج آخر، «صناعة الموت»، حلقة عن نشاط داعش في سوريا والعراق.
ومع صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة في أعقاب الإطاحة الدرامية بابن عمه محمد بن نايف، أصبحت القناة بمثابة لسان حاله. وتقول ميخال يعاري، الباحثة في شؤون دول الخليج من جامعة بن جوريون في النقب والجامعة المفتوحة: «من غير المسبوق أن يعين الملك ابنه وليًا للعهد دون دعم واسع النطاق من العائلة المالكة. في هذه الحالة، غضب بعض أفراد الأسرة من الإطاحة، لكن العربية قدمت واقعًا مختلفًا».
وتتذكر مقطع فيديو يظهر فيه ولي العهد محمد بن سلمان وهو يوجه رسالة إلى الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز.
وتتذكر مقطع فيديو يظهر فيه ولي العهد وهو يقبل يد ابن عمه، مشيرة إلى أنه «تم تصويره هناك على أنه شخص يحترم ابن نايف بشدة ويُفترض أنه مجبر على قبول قراره بالاستقالة. يوضح هذا المثال أن القناة لاتزال بعيدة كل البعد عن حرية الصحافة».
ويضيف ياناي أن ولي العهد مهتم بشدة بالرأي العام الدولي. ويقول: «تلعب العربية دورًا مهمًا في صدى الرسائل ضد المنظمات الإرهابية. من المهم أن يكتسب ابن سلمان الشرعية كزعيم، وأن يوحد العالم العربي حوله وأن يخلق جبهة موحدة ضد العدو الإيراني».