
ارييل بيري * صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» العبرية
ترجمة خاصة إياد الشرفي / لا ميديا -
لقد ارتكب الغرب العديد من الأخطاء بعد السقوط السريع لنظام صدام حسين الدكتاتوري في العراق. وأزعم أن أكبر خطأ هو أنه تصور وجود شيء مثل العراق؛ أي العراق كأرض محددة بعلامة كبيرة على خريطة تعود إلى أوائل القرن العشرين بواسطة الإنجليزي السير مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو.
العراق كيان يضم العرب السنة والشيعة والأكراد واليزيديين والآشوريين وعرب الأهوار وغيرهم. وبغض النظر عن تاريخهم أو تفضيلاتهم، كلهم سحقهم المنطق الإمبراطوري وأخضعهم بقبضته الحديدية.
الآن، بعد عشرين عاماً، لدينا فرصة للتعلم من أخطائنا. إن التفكير في سورية على نطاق ضيق بدلاً من التفكير في أمور كبيرة والسعي إلى الحفاظ عليها على أمل أن تتطور إلى ديمقراطية متعددة الأعراق، لدينا الفرصة للتفكير على نطاق ضيق: دعم الشعوب المضطهدة من قبل أسياد الاستعمار الذين يسعون إلى تقرير المصير في دول وجيوب أصغر حجماً تحددها ولاءاتهم المجتمعية، وتعكس قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم.
إن التفكير على نطاق ضيق في سورية يبدأ بالاعتراف بالكذبة التي تتمثل في الشرق الأوسط العربي/ الإسلامي. من المؤكد أن جميع الأمم والمجتمعات السياسية هي بطريقة أو بأخرى مختلقة، أو على حد تعبير بنديكت أندرسون: «متخيلة». والفرق بين ما ينبغي للناس الأخلاقيين أن يدعموه وما لا ينبغي لهم أن يدعموه يكمن في مصدر الخيال. فعندما يتقاسم المجتمع صورة ذاتية كأمة ذات سيادة، ينبغي للناس الأخلاقيين أن يدعموا تقرير المصير. وعندما تسعى قوة إلى تخيل للآخرين كيف ينبغي لهم أن يعيشوا، فينبغي رفض مثل هذا الفرض باعتباره إمبريالية مباشرة أو غير مباشرة.
إن سورية ولبنان والعراق -على سبيل المثال لا الحصر- البلدان التي تم تحديدها على أساس استعماري في منطقتنا، كانت كلها من خيال الآخرين، وفُرضت على أولئك الذين يعيشون على أرضها. لقد ظلوا متحدين لأن الأقليات في السلطة -مثل العلويين في سورية- فرضت إرادتها على شعوب مختلفة كانت تفضل ألا يحكمها آخرون. وكانت هذه الجماعات الثقافية المتميزة تتعرض للقمع الوحشي عندما تسعى إلى التعبير عن رغبتها الجماعية في الاستقلال.
إن محاولات الحفاظ على سورية أو لبنان أو العراق ينبغي أن تُفهَم باعتبارها دعماً صارخاً للعنف الإمبريالي. إن محاولات إخضاع الأكراد الذين يعيشون داخل حدود تتخيلها أنقرة أو دمشق هي محاولات إبادة جماعية، إذا ما أردنا استخدام العبارة كما حددتها منظمة العفو الدولية وأنصارها الصريحين عبر المؤسسات الدولية. ويتعين على الأشخاص الأخلاقيين معارضة مثل هذا القمع الجماعي في كل منعطف.
على النقيض إسرائيل، التي وُلدت عندما قاتلت الجالية اليهودية -التي تعيش في أرض أسلافها- جيوشاً غازية سعت إلى فرض رؤيتها للحدود الاستعمارية عليها. وعلى النقيض أيضاً إسرائيل، حيث تسعى جماعة متميزة إلى الحفاظ على استقلالها داخل كيان سياسي يعكس تاريخها وثقافتها وتقاليدها. وعلى النقيض إسرائيل، التي لديها الكثير مما يتعين عليها إصلاحه مع أقلياتها التي تستحق تقرير مصيرها، ومع ذلك فهي التعبير الوحيد في المنطقة عن ولادة شعب قديم من جديد بعد الغزو.
ولهذا السبب، ومع انقشاع الغبار الناجم عن الهبوب الذي يجتاح بلاد الشام، لدينا الفرصة لوضع حد للإمبريالية في المنطقة، شعباً مستقلاً واحداً في كل مرة. إننا نملك الفرصة للتفكير على نطاق ضيق: كيانات سياسية صغيرة مستقلة تعمل معاً في إطار اتحادي لحماية استقلالها من الطموحات الإمبريالية الإيرانية والتركية. ولدينا الفرصة لمراجعة افتراضاتنا عند الباب الذي فتحه رحيل الأسد والتوقف عن تخيل أن الأرض التي كانت تُعرف سابقاً باسم سورية لا بد وأن توجد ككيان واحد؛ أو لبنان، أو العراق.
إن أولئك منا البعيدين عن خطوط المواجهة وخارج دوائر السلطة لديهم مهمة يجب القيام بها في هذه الأيام الفاصلة: التفكير والتحدث عن الصغار، عن الأقليات واحتياجاتهم؛ من خلال تحدي الخطاب لتبرير سبب إعطاء الأولوية لحل «سورية» أو «لبنان»، بدلاً من الشعوب المتميزة التي تعيش داخل تلك الحدود الاستعمارية والتي سعت لفترة طويلة إلى حكم شؤونها الخاصة؛ ومن خلال الاعتراف بأن الولاء للحدود الماضية هو إدامة لقمع تلك المجموعات التي تستحق أصواتها أن تُسمع؛ ومن خلال الاستجابة لنداء الأكراد للمساعدة، لدعم الآشوريين واليزيديين المحتاجين؛ ومن خلال نقل قضيتهم إلى الأمم.
من خلال التفكير والتحدث على نطاق ضيق، يمكننا فتح نافذة من الفرص لصناع السياسات لاتخاذ خيارات مختلفة عما فعلوه قبل عشرين عاماً. يمكننا دعم الجهود لمساعدة الأكراد على بناء دولتهم أخيراً، ومساعدة الموارنة على تحديد مصيرهم بأنفسهم دون طلب الإذن من السنة والشيعة. يمكننا دعم الآشوريين واليزيديين في سعيهم لتحديد مصيرهم بأنفسهم. يمكننا أن نحث العالم على الاستفادة من انسحاب الأسد الجبان إلى الإمبراطورية الروسية لإنهاء الإمبريالية في الشرق الأوسط أخيراً.
* أرييل بيري، استراتيجي وباني مؤسسات مكرس لبناء مستقبل أفضل لـ«إسرائيل» والشعب اليهودي.
المصدر ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا