استطلاع/ بشرى الغيلي / لا ميديا -
في كل ذكرى سنوية للشهيد نستلهم معاني العزة والعظمة لمن قدموا أرواحهم في سبيل الهدف المقدس، وهنا تتجسدُ الآية الكريمة: “ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل اللهِ أمواتا بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون”، ونتذكر في أسبوع الشهيد عطاء الشهداء بأغلى ما يمكن أن يقدمه الإنسان وهي التضحية بالنفس، والتضحية بالحياة وهي عطاء عظيم، وتضحية عظيمة جديرة بالتبجيل والاحتفاء، فشهداؤنا هم تاج رؤوسنا، وعنوان عزتنا وصمودنا، وكرامتنا، وهنا توجب علينا الاهتمام بأسر وأولاد الشهداء.
وسبق لصحيفةِ “لا” أن تحدثت مع أسر الشهداء في أعداد سابقة، وفي هذه الذكرى السنوية تم التركيز على ما يقوله أفراد المجتمع عن التعامل مع أولاد الشهداء، وأثناء جمع هذه الآراء تنوعت الكثير من القصص والمواقف التي تحدثت عنهم، وكيف يتعامل معهم المحيطون، وركزت تلك القصص على الاهتمام المستدام، والبعيد المدى وليس فقط في أسبوع الشهيد، وتطلب جمع الآراء جهدا وحرصا من محررة المادة أن تكون الآراء متنوعة، وكل منهم تحدث من زوايا ورؤى مختلفة، ومهمة.. نتركك عزيزنا القارئ مع سياق الاستطلاع..

يحتاجون إلى اهتمامٍ نفسي
“من ضمن قيمنا المجتمعية نحو أولاد الشهداء الإحساس والحنان وتقدير وضعهم”، بتلك الكلمات بدأت مداخلتها ياسمين الجمالي (مديرة مدرسة أهلية وأكاديمية ومعدّة ومقدمة برامج).. وتضرب الجمالي مثلا من واقعها كإدارية بأن “هناك تجاوبا من بعض المدرسين في المدارس الخاصة من خلال التعامل الخاص والراقي وحتى الإدارات تسهل لهم الكثير”.
وتضيف: “لأن ابن الشهيد وبنت الشهيد يأتون غالبا بعزةِ نفس، ويفرضون احترامهم على الآخرين ويحظون في المدارس الخاصة بنوعٍ من التسهيلات، ولديهم مقاعد مجانية وهذا شيء يحسب كثيرا لتلك المدارس”.
وتختم ياسمين مداخلتها باستدراك: “لكنني أرجو وأتمنى أن يكون الاهتمام بأولاد الشهداء نفسيا، وليس فقط في أيام ذكرى الشهيد، لأنه يعرف أن والده الشهيد قدّم نفسه فداءً للوطن، والشيء الآخر والمهم جدا أن أولاد الشهداء لديهم إحساس عال جدا بالمسؤولية، وينظرون أن شهادة آبائهم كانت واجبا مقدسا، وأعتقد أن أولاد الشهداء يحتاجون إلى نوع من الاهتمام النفسي الكبير جدا، لكي يشعروا أنهم مثلهم مثل باقي الأطفال، وأوجه رسالة لكل ابن شهيد فقد والده أو والدته أنك تعتبر الإرث الكبير الذي نتكئ عليه وأننا سنحاول بقدر المستطاع أن نقف معك بكلِ الطرق والوسائل”.

واجب وليس فضلا
صالح الضبياني (تربوي وناشط اجتماعي) يقول: “الشهيد الذي أعطاه الله منزلة خاصة وقال إنه لم يمت بل هو حيٌ يُرزق ذلك الشهيد الذي بذل دمه رخيصاً في سبيل الله وترك خلفه أسرة سواءً كانوا أبناء أو والدين كبيرين في السن”.
ويضيف الضبياني: “نظرة الناس لأولاد الشهداء هي نظرة احترام وتقدير وشكر بالعرفان لأنهم قدموا شهيداً من أجل أن يعيش المجتمع حياة حرة وكريمة”.
من زاويةٍ أخرى أوضح الضبياني ضمن سياق مداخلته أن “مجتمعنا اليمني يتعاون مع أُسر وأولاد الشهداء بكل ما يستطيع ويقدم لهم الخدمات المتاحة، فابن الشهيد أو أسرته لهم الأولوية في أي خدمة يقدمها المجتمع، هكذا يتعامل الناس مع أسرة الشهيد وهذا واجب على مجتمعنا وليس فضلاً نقدمه لأقارب الشهيد”.

في القرى لهم اهتمام أكثر من المدن
أما صلاح القدسي (مواطن) فيصف تعامل المجتمع في قريته مع أولاد الشهداء بتقدير واحترام، واهتمام كبير من قبل الجميع، ويوضح أكثر: “فأي عزومة أو مناسبة اجتماعية تكون لهم الأولوية في الدعوة وإكرامهم، والوقوف معهم في كل قضية تخصهم، أما في المدن، ومن خلال ما أرى، فيحدث إهمال كبير ولا أحد يهتم بأولاد الشهداء مثل القرى”.

مساعدات مؤقتة
أم عبدالله (إدارية بإحدى المدارس) تقول: “أولاد الشهداء يريدون من يهتم بمستقبلهم، أما المساعدات الآنية المؤقتة فتنتهي بانتهائها، وهم بحاجةٍ لجهةٍ خاصة تؤمن لهم شققا سكنية تمليك، وكذلك من كان كبيرا منهم يؤهلوه للعمل، وأسر الشهداء يساعدونهم بمشاريع تدر عليهم دخلا أفضل من الصدقات”.
تختم أم عبدالله: “وهذا هو الصح، لأن الصدقات والنظر كمساكين مع الأيام يؤثر عليهم نفسيا، ونحن في المدارس نسهل لهم ونقف معهم مثلهم مثل بقية أفراد المجتمع، وشكرا لصحيفة “لا” طرحها ومناقشتها لهكذا مواضيع مهمة”.

عمهم يستولي على المساعدات
المحامي محمد علي ناصر يضيف إلى ما ذكره المتحدثون أعلاه أن أولاد الشهداء في حارتهم يحظون بتقدير واهتمام من الناس خارج بيوتهم.. وأورد ناصر قصة من واقع التعامل السلبي من قبل أقارب الشهداء، حيث قال: “إحدى أسر الشهداء لديهم عمهم (مولعي قات)، يستولي ويأخذ أي مساعدة تصلهم، وفي حال أعطاهم شيئا، لا يعطيهم إلا ما يسد الرمق، ويحرمهم مما يجود به عليهم الخيرون والجهات المختصة”.
وبعد أن أورد قصته، وجّه ناصر رسالة لكلِ من يساعد أولاد الشهداء أن يعطوهم مباشرة يدا بيد حتى لا يتم حرمانهم.

لم يعد نفس الاهتمام
يوسف العابد (عاقل حارة) أضاف نقطة مهمة بأنه من بعد 2020 لم يعد نفس الاهتمام بأولاد الشهداء وأسرهم، وساءت أوضاع الكثير منهم، وللأسف -والكلام للعابد- “أصبح الاهتمام بمن لديهم واسطات”، بمعنى أن أولاد الشهداء كانوا يحصلون على مساعداتٍ مستمرة ومتواصلة تعينهم على الحياة بعد فقد آبائهم وعائلهم، وحاليا يعانون الكثير من اللامبالاة بأوضاعهم.

الاهتمام ببنات الشهداء
فاطمة السقاف (طبيبة) تناولت الموضوع من زاويةٍ مغايرة وشددت على أن يتم التركيز على بنات الشهداء، كونهن يلاقين الكثير من التمييز عكس الذكور الذين يحظون باهتمامٍ أكبر حسب وجهة نظرها وما تعايشه في بيئتها المحيطة.. مضيفة: “يعود ذلك إلى التنشئة الخاطئة، والنظرة القاصرة تجاه البنات فيحصل تقصير تجاههن”.
وتمنت السقاف في ختامِ مداخلتها أن يتم تأهيلهن مثلهن مثل أشقائهن الذكور لمواجهةِ الحياة، وتكون مساعدتهن مستدامة، وبعيدة المدى.

زواج زوجة الشهيد
أبو فارس الهمداني (عضو مجلس محلي ومشرف اجتماعي) تحدث هو الآخر من زاويةٍ مختلفة قائلا: “من الأشياء التي تحز في نفسي هو زواج زوجة الشهيد، وعندما تتزوج الأم يواجه أولاد الشهيد الكثير من المعاناة ويكونون مشتتين من الجانبين، فقد تتزوج بزوجٍ لا يقدر المسؤولية”.
وختم الهمداني: “ولا بأس بذلك في حال تزوجت بمن يهتم برعايتهم ويتحمل المسؤولية”.

زيادة البركة
خلود خالد (موظفة ومحاسبة) تحكي عن قصتها مع أحد أولاد الشهداء فيها أثر جميل تقول: “توظفت ومرت علي عدة أشهر عانيت فيها من عدم البركة في الراتب الشهري، ولم أدر السبب، وبعد زيارتي لإحدى أسر الشهداء في حارتي قررت كفالة أحد أيتام الشهداء في هذه الأسرة، حباً مني له وطلباً للأجر من الله، وبعد كفالتي له حصلت لي بركة عجيبة في راتبي رغم كثرة نفقاتي، ومن هنا أنصح من لديهم القدرة على كفالة أولاد الشهداء ففي ذلك الأجر والثواب، وزيادة البركة، ووالله إنني في راحة وسعادة نفسية”.
حورية العابد (إعلامية) تقول: “بالنسبةِ لأولاد الشهداء الجميع يهتمون بهم، أفراد أو جهات مختصة من جميع النواحي، فلا قلق عليهم أبداً فهم يعيشون أفضل من الأولاد الآخرين، فسلام الله على أرواحهم”.

متى تستشهد يا أبي؟!
وأثناء أخذ رأي العابد، أورد أبو رعد (مواطن) قصة طريفة بأنه سمع أحد أولاد أصدقائه يقول له: “متى تستشهد يا أبي؟” فقلنا له لماذا يا بطل؟ فقال: “عشان يعطوني شنطة، وملابس، وزلط.. لأنهم ما رضيوا يعطوني، وقالوا لي لما يستشهد أبوك مثل جيرانكم أبوهم شهيد”.
الشاهد من القصة -حسبما أوردها أبو رعد- أن طفل صديقه لاحظ العطاء والمساعدات لأولاد الشهداء، وهو طفل لديه أب لكنه محدود الدخل، فجعله يتمنى لو أنه ابن شهيد.
وبهذه القصة الطريفة نختم استطلاعنا وندعو بالرحمةِ والغفران للشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن ليعيش أبناؤه بحريةٍ وكرامة، ومن باب إكرامهم الاهتمام بأولادهم وأسرهم.