علي النسي / لا ميديا -
بعد أسابيع من الترقب والانتظار، نفذت «إسرائيل» فجر السبت هجومها على إيران الذي قالت إنه رد على الهجوم الذي شنته إيران عليها مطلع هذا الشهر.
نفذ جيش العدو موجات من الغارات الشبحية على إيران امتدت لأربع ساعات (من الساعة الثانية بعد منتصف الليل حتى الخامسة والنصف فجرا بالتوقيت المحلي) 
ونفذت الموجات أكثر من 100 طائرة حربية متنوعة أهمها (F35) و(F16) إضافة إلى مسيّرات، بحسب بيان جيش العدو!
وسنحاول التعمق أكثر في تفاصيل وحيثيات الهجوم في الحيز التالي.
في البداية يجب علينا فهم طبيعة الغارات الجوية نفسها وكيف انطلقت وما هي التعديلات التي طرأت عليها بسبب التغييرات الميدانية.

مسارات الغارات:
تبعد الأراضي المحتلة عن إيران حوالي 1700 كيلومتر جوي وتبلغ المسافة برا ما يزيد عن 2000 كيلومتر. وعلى الخريطة تملك إسرائيل أربعة مسارات تستطيع عبرها تنفيذ هجومها على إيران وهي:

المسار الشمالي:
مسار يبدأ بالتحليق فوق البحر المتوسط ثم التحليق فوق الأراضي التركية ووصولا لمهاجمة إيران من شمالها، لكن تم استبعاد هذا المسار لأنه يعد طويلا ومعقدا ويحتاج لدعم لوجستي كبير مثل إعادة التزود بالوقود، كما أن تركيا سترفض حتما استخدام أجوائها لضرب إيران.

المسار الشرقي الأوسط:
مسار يبدأ بالتحليق فوق الأردن ثم التحليق جنوب العراق وصولا لمهاجمة إيران من جنوب غربها. يعتبر هذا المسار أقصر المسارات وأفضلها، ولكنه لم يستخدم لأسباب سياسية واستخباراتية بحتة.
ففي حالة استخدام هذا المسار سيتسبب بحرج سياسي للأردن ويجعله عرضة لقصف إيراني. فقد حذرت إيران أي دولة تفتح أجواءها للطيران «الإسرائيلي» في حالة الاعتداء عليها. كما يوجد تحذيرات من استخدام المجال الجوي لمنطقة جنوب العراق التي تسيطر عليها فصائل موالية لطهران ولا تريد «تل أبيب» أي مفاجآت في مسار الطيران حيث ربما تكون إيران زودت هذه الفصائل بأجهزة دفاع جوي تستهدف الطائرات الحربية «الإسرائيلية» قبل وصولها إلى حدود إيران.

المسار الجنوبي:
مسار يبدأ بالتحليق فوق البحر الأحمر مرورا بالأجواء السعودية وصولا إلى الخليح العربي وقصف إيران من الناحية الجنوبية.
ووفقا لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية فإن هذا المسار هو المسار الذي سلكته طائرات الاحتلال حين ضربت المفاعل النووي العراقي عام 1991. وتم استبعاد هذا المسار لسبب لوجستي وآخر سياسي، فالمسار يعد طويلا ومعقدا ويحتاج لدعم لوجستي كبير، والآخر سبب سياسي متمثل في عدم الزج بالسعودية لتكون طرفا بالصراع ويجعلها عرضة لقصف إيراني بسبب السماح لطائرات العدو بالتحليق فوق أرضها لضرب إيران كما ذكرت سابقا.

المسار الشرقي الشمالي:
وهو مسار يمر بسورية ثم شمال العراق وصولا إلى الأراضي الإيرانية من الجهة الغربية. ويعتبر هو أنسب مسار حيث تم الاتفاق مع روسيا بشأن عدم قيام قواعدها وأنظمتها الدفاعية المتواجدة في سورية باستهداف الطائرات «الإسرائيلية» في حين يمكن لطيران العدو تحييد أنظمة الدفاع الضعيفة التي يمكلها النظام السوري بكل سهولة.
كما أن أجواء وسط وشمال العراق أكثر أمانا لطائرات «إسرائيل» ويمكنها ضرب إيران منها وهذا ما استخدمته «إسرائيل».

تكنيك الهجوم:
استخدم العدو 100 طائرة ونفذ ثلاث موجات من الغارات الجوية، وهي كالتالي:
الموجة الأولى: قامت طائرات الاحتلال خلال الموجة الأولى بالهجوم على أنظمة الدفاع الجوي في سورية والعراق بهدف تسهيل حركة الطائرات أثناء تنفيذ الهجوم، كما قامت خلال نفس الموجة بإرسال ضربات استكشافية اختبارية ولم تقم بالتحليق داخل الأجواء الإيرانية خلال الضربة الأولى.
وهدفت بذلك تشخيص أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية ومدى فاعليتها وحداثتها، إضافة لتحديد عملي لمواقع الدفاعات الجوية الحيوية وكشف بقية الأنظمة غير المكتشفة بالأقمار الصناعية.
الموجة الثانية: استهدفت «إسرائيل» إيران بعدد 100 طائرة خلال الموجة الثانية وقامت الطائرات بالتحليق على محافظات غربي العراق وقصف إيران على بعد 100 كيلومتر دون الدخول في مجالها الجوي.
وتركزت هذه الموجة بشكل رئيسي على استهداف أنظمة الدفاع الجوي مثل 15 خرداد وS300 و400 التي تم تركيبها حديثا، إضافة لأهداف عسكرية مثل مخازن السلاح وشركات التصنيع الواقعة بعيدا عن تغطية هذه الأنظمة.
الموجة الثالثة: بسبب فشل الموجة الثانية في تقييد حرية العمل الجوي «الإسرائيلي» عبر تدمير أنظمة الدفاع الجوي بعد ضرب عدد محدود من أنظمة 15 خرداد وS-300 والفشل في تحييد أنظمة الدفاع الجوي S-400 الذي بقي فعالا بعد الموجة الثانية.
حيث نشر موقع «مينتل ورلد» المتخصص في الصور الفضائية صورة لموقع لنظام S300 جنوب طهران وهو مدمر خلال الموجة الثانية. كما توضح صور الأقمار الصناعية تدمير أنظمة الدفاع الجوي في قاعدة باتشين شرقي طهران.
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية نعت النقيب حمزة جيهان ديده عضو وحدات الدفاع الجوي الذي استشهد أثناء المواجهات مع الغارات في موقع للدفاع الجوي في بندر ماهشهر. وهذا يؤكد هذه الفرضية والرواية «الإسرائيلية» بأنها استهدفت أنظمة الدفاع الجوي في المنطقة وقامت بتحييدها.
لذلك اضطرت «إسرائيل» الى تضييق قاعدة الأهداف في الموجة الثالثة لتشمل الأهداف التي فقدت الغطاء الجوي مثل الأهداف في جنوب إيران والملاصقة للحدود الغربية، إضافة للمواقع التي تملك ممرا جويا آمنا يسمح لدخول طائرات العدو أجواء إيران وتنفيذ الموجة الثالثة مثل طهران وجنوبها ومشهد.
فقامت «إسرائيل» باستهداف مواقع إنتاج وتخزين الصواريخ والمسيرات الإيرانية في مناطق محدودة (4 مناطق)، وهو ما يعتبر ضربة محدودة مقارنة لما كانت تخطط له باستخدام 100 طائرة جوية من طرازات حديثة مثل إف 16 وإف 35، وكان يمكن تنفيذها بأقل من 30 طائرة.

أهداف الهجوم الفعلية
اختلفت الروايات بحسب الجهات المختلفة وكل طرف تبنى رواية تختلف عن الأخرى، وسنتناولها تباعا.
الرواية «الإسرائيلية»: أعلن المتحدث باسم الجيش «الإسرائيلي» أن القوات الجوية ضربت 20 موقعا عسكريا في إيران لمنشآت تمثل تهديدات فورية لـ«إسرائيل» وتهدف إلى تقييد حرية «إسرائيل» في العمل الجوي في إيران.
وأوضح أن هذه المنشآت تستخدم لإنتاج الصواريخ التي أطلقتها إيران على إسرائيل خلال العام الماضي. كاشفا أنه تم استهداف بضربات دقيقة بصواريخ أرض-جو مواقع تخزين صواريخ ومسيّرات وإنتاج أسلحة ومنظومات دفاع جوي.
وأكد الإعلام العبري أن الطائرات لم تدخل أجواء إيران ونفذت الغارات من غربي العراق وسورية ولم يتم استهداف المواقع النفطية أو النووية ولم تتحدث عن استهداف منشآت تابعة للحرس الإيراني.
الرواية الإيرانية: قالت إيران إن منظومة الدفاع الجوي نجحت في صد الهجمات «الإسرائيلية» بشكل كبير وفعال واعتبرت أن ادعاء «إسرائيل» باستهداف 20 موقعا في إيران غير حقيقي وأن الأهداف أقل من ذلك بكثير.
وأكدت أن الطيران لم يخترق أجواء إيران موضحة أن هناك أضرارا محدودة في مراكز عسكرية بمحافظات طهران وخوزستان (جنوب غرب) وإيلام (غرب) عند الحدود مع العراق.
كما اعترفت إيران باستشهاد أربعة جنود في الدفاع الجوي بسبب الغارات الجوية.
الرواية الميدانية: بعد قراءة الروايتين تبين أنهما اتفقتا على أنه لم يتم استهداف أي موقع نووي أو نفطي أو أي من مواقع الحرس الإيراني، كما أن الطيران لم يخترق الأجواء ونفذت الغارات من خارج الأجواء الإيرانية من فوق العراق وسورية.
وفي ذات الوقت نجد أن الروايتين متضاربتان لحد كبير خصوصا في النتائج ونجاح الغارت لذلك سنحاول الاستقصاء أكثر.
لحل ذلك لجأت لشبكات التواصل ومواقع OSINT التي ترصد أدلة واضحة إما بمقاطع فيديو أو صور أقمار على وجود أضرار، وتبين أن هناك عددا من الضربات وهي كالتالي:
مصنع «تاكسيم» للمبتكرين الصناعيين: وهو مصنع في مدينة شمس آباد الصناعية جنوب طهران ويعتقد أنها موقع لتصنيع بعض قطع الطائرات بدون طيار.
نشرت مقاطع فيديو تظهر آثار ضربة مباشرة على أحد المباني فيها كما نشرت تعاز لجنديين استشهدا في الضربة.
نظام S-300 بقاعدة بارشين شرق طهران: أظهرت صور للأقمار الصناعية تعرض بطارية النظام لضربات مباشرة.
نظام الدفاع الجوي بقاعدة بندر ماهشهر بمحافظة خوزستان: وهي قاعدة على الحدود العراقية ونشرت تعاز لاثنين من الضباط العاملين في دفاعها الجوي استشهدا في الضربة. والروايات المتداولة غير المؤكدة أن منظومة دفاع القاعدة ضربت بواسطة طائرات مسيرة FPV وليس من قبل الطيران الحربي.
نظام MIM-23 HAWK SAM للدفاع الجوي جنوب طهران: أظهرت صور للأقمار الصناعية تعرض بطارية النظام لضربات مباشرة.

ملاحظات:
- تم تأكيد 4 ضربات (مصنع وثلاثة أنظمة دفاع جوي) من أصل 20 أعلنت عنها «إسرائيل».
- لجوء الإعلام يوم أمس لصور ومقاطع قديمة تدل على انعدام آثار لأي ضربات.
- إن استشهاد 4 جنود فقط يعطي إشارة على محدودية الضربات.
- تدمير 3 منظومات جوية يعني أن إيران خسرت 10٪ من منظومتها الجوية (تمتلك أكثر من 28 وحدة متكاملة ومتنوعة من الدفاع الجوي).
- عدم تدمير منظومات S-400 يمنحها أفضلية وسيطرة على الأجواء حتى بعد الضربة.
- عدم دخول طائرات العدو أجواء إيران يعني أن قدرات دفاعها الجوي لاتزال فعالة حتى بعد عمليات الاستهداف.
- انتشار صور لحطام صواريخ مجنحة يدل على اعتراض معظم الصواريخ التي كانت متوجهة للعشرين الهدف المحدد.