عادل بشر / لا ميديا -
التحق الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بأحبته ورفاقه الشهداء العظام الخالدين، وانتقل إلى جوار ربه ورضوانه شهيدًا عظيمًا قائدًا بطلًا مقدامًا شجاعًا حكيمًا مستبصرًا مؤمنًا، بعد رحلة كفاح ومقارعة للعدو الصهيوني امتدت أكثر من 32 عامًا، كان فيها وفياً للشعب الفلسطيني ولقضية الأمة الأولى “القضية الفلسطينية”، ومناهضة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.
وزف حزب الله، السبت 28 أيلول/ سبتمبر 2024م، أمينه العام، سماحة السيد حسن نصر الله، شهيداً مع ثلة من إخوانه القادة، في معركة طوفان الأقصى وعلى طريق القدس، وإسنادا للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في مواجهة الكيان الصهيوني.
يُعد نصر الله رمزا بارزاً من رموز محور المقاومة والجهاد ضد الكيان الصهيوني، ولديه كاريزما وشخصية قويتان، فخطبه الحماسية والواثقة في أيام الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، وفي حرب تموز/ يوليو 2006م، وغيرها من محطات النضال ضد كيان الاحتلال حتى معركة “ طوفان الأقصى” أثّرت في الكثيرين على مستوى العالم العربي والإسلامي.
كما يتمتّع بشعبية كبيرة خارج لبنان لمواقفه ضد الاحتلال ويحظى باحترام وتقدير مجموعة كبيرة من كبار علماء الدين السنة. وهو من الشخصيات القليلة التي كان الكيان الصهيوني يحسب ألف حساب لتهديداته ووعوده.
في هذا التقرير نتعرف أكثر على السيد حسن نصر الله (النشأة والتاريخ النضالي).
المولد والنشأة
ولد السيد حسن عبدالكريم نصر الله في 31 آب/ أغسطس 1960 في بلدة البازورية القريبة من مدينة صور في جنوب لبنان.
والده عبدالكريم نصر الله ووالدته نهدية صفي الدين، وهو الابن البكر من بين ثلاثة أشقاء وخمس شقيقات.
تزوج من فاطمة ياسين، وله منها خمسة أبناء هم: هادي وزينب ومحمد جواد ومحمد مهدي ومحمد علي.
واُستشهد ابنه البكر “هادي” في معركة مع الجنود الصهاينة بجبل الرفاعي، جنوب لبنان، في أيلول/ سبتمبر 1997م، وبقي جثمانه محتجزا إلى أن استعيد عام 1998 ضمن 40 جثة لشهداء لبنانيين وأسرى في عملية تبادل مع الاحتلال.
التعليم
تلقى السيد نصر الله تعليمه الابتدائي في مدرسة “الكفاح” الخاصة في حي الكرنتينا بالضاحية الشرقية لبيروت، وهو أحد الأحياء الفقيرة والمهمشة، وتابع دراسته المتوسطة في مدرسة “الثانوية التربوية” في منطقة سن الفيل.
وعادت عائلته إلى مسقط رأسه في بلدة البازورية عند اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وفيها واصل تعليمه في المرحلة الثانوية.
التحق بالحوزة العلمية في مدينة النجف في العراق عام 1976 وكان عمره 16 عاما، وبدأ مرحلة الدراسة الدينية، حيث التقى هناك بالسيد عباس الموسوي، الرجل الذي جمعته معه علاقة صداقة متينة وشراكة في تأسيس حزب الله لاحقا.
بعد أن أنهى المرحلة الأولى من دراسته، اضطر نصر الله الى العودة إلى لبنان عام 1979. بعد عودته إلى لبنان، درس ودرّس بالحوزة الدينية في بعلبك وأصبح لاحقا مندوب حركة أمل في البقاع، وعضوا في مكتبها السياسي المركزي.
التجربة السياسية والتنظيمية
انضم السيد حسن نصر الله إلى حركة أمل خلال مرحلة دراسته الثانوية، ورغم حداثة سنه عين مسؤولا تنظيميا للحركة في بلدة البازورية، وبعد عودته من الدراسة في العراق استأنف نشاطه السياسي والتنظيمي في الحركة، إذ عين سنة 1979 مسؤولا سياسيا لمنطقة البقاع وعضوا في المكتب السياسي.
وانسحب في عام 1982 من حركة أمل مع مجموعة كبيرة من المسؤولين إثر خلافات مع القيادات السياسية حول سبل مواجهة الاجتياح الصهيوني للبنان، ثم شارك في تأسيس حزب الله في العام نفسه، وتولى مسؤولية منطقة البقاع، وكانت مهمته تعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية.
في عام 1985 انتقل إلى بيروت وتولى مهمة نائب مسؤول المنطقة، وواصل الصعود في سلم المسؤوليات إلى أن أصبح مسؤول المدينة، ثم المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس الشورى، إلى أن انتخب أمينا عاما للحزب عام 1992.
تأسيس حزب الله
شارك نصر الله في تأسيس حزب الله وانضم إليه عام 1982، عندما كان بعمر 22 سنة.
في 16 شباط/ فبراير 1992، انتخب مجلس شورى حزب الله السيد حسن نصر الله أمينا عاما للحزب خلفا للسيد عباس الموسوي الذي اغتالته “إسرائيل” بضربة جوية. وعلى الرغم من أن نصر الله لم يكن نائبا للأمين العام، وكان أصغر أعضاء مجلس الشورى سنا، إلا أن المجلس انتخبه في هذا المنصب بالإجماع.
في عهده، طوّر حزب الله قدراته العسكرية وبات يمتلك أسلحة دقيقة متطورة قادرة على توجيه ضربات موجعة لـ”إسرائيل”.
كما أصبح حزب الله بقيادة نصر الله، عنصرا فعالا في الحياة السياسية اللبنانية ويشارك في مختلف الحكومات اللبنانية واللجان النيابية.
إثر غزو “إسرائيل” للبنان عام 1982، واحتلال الجنوب بالتعاون مع جيش لبنان الجنوبي بقيادة أنطوان لحد، قاد الكثير من العمليات العسكرية النوعية ضدهم، بين 1985 و2000، ما دفع “إسرائيل” في النهاية للانسحاب الكامل من الجنوب بعد احتلال استمر 22 عاما.
بعد النجاح أمام “إسرائيل”، زادت شعبية حزب الله في لبنان والعالم الإسلامي.
وفي عام 2004 كان لنصر الله دور أساسي في عملية تبادل الأسرى بين الحزب و”إسرائيل”، ووصفت هذه العملية بأنها أكبر صفقات تبادل الأسرى بين الطرفين، إذ لم يتم تحرير أسرى من لبنان فقط، بل شملت الصفقة مئات الأسرى من جنسيات عربية أخرى سورية وليبية ومغربية وفلسطينية.
وزادت شعبية نصر الله في حرب تموز/ يوليو 2006، عندما شن الكيان الصهيوني هجوماً عسكرياً على الجنوب اللبناني، بعد قيام حزب الله بأسر جنديين “إسرائيليين” ضمن عملية “الوعد الصادق”، واستمرت المعركة 34 يوما، تعرضت فيها “إسرائيل” لخسائر فادحة واضطرت للانسحاب من جنوب لبنان دون تحقيق أهدافها.
واكتسب السيد حسن نصر الله خلال هذه الحروب والمواجهات العسكرية مع “إسرائيل” سمعة كبيرة وشعبية واسعة في العالم العربي والإسلامي، وارتبط اسمه بمقاومة “إسرائيل” ومناهضة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.
العدوان السعودي الأمريكي على اليمن
كان السيد حسن نصر الله أول من وقف مع الشعب اليمني وقيادته، وساندهم ضد العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الغاشم الذي بدأ في 26 مارس 2015م. وكانت مواقفه واضحة ومشهودة في نصرة مظلومية الشعب اليمني، ولا تخلو خطاباته من التأييد والانحياز الكامل لليمن ضد تحالف العدوان.
طوفان الأقصى
منذ اندلاع ملحمة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 انخرط حزب الله في المعركة في اليوم التالي عبر قصف مزارع شبعا في ما اعتبره رسالة تضامن مع المقاومة الفلسطينية في غزة.
وشهدت الحدود الفلسطينية اللبنانية هجمات لحزب الله وفصائل فلسطينية في حين شن الاحتلال غارات عدوانية.
وبعد أسابيع من المواجهات العسكرية، ظهر حسن نصر الله في أول خطاب له في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 أوضح فيه أن عملية طوفان الأقصى كانت بقرار وتنفيذ فلسطينيين.
وأكد أن جبهة لبنان التي فتحها حزب الله هي “جبهة إسناد وتضامن لغزة” ضد حرب الإبادة الصهيونية، مشيرا إلى أن الجبهة مفتوحة والتطورات متغيرة والخيارات مفتوحة.
وفي خطبه التالية أكد السيد نصر الله أن التصعيد على جبهة الشمال الفلسطيني المحتل لن يتوقف قبل وقف الهجوم على قطاع غزة.
وقال في خطاب في 17 تموز/ يوليو 2024 إن التمادي “الإسرائيلي” في استهداف المدنيين سيدفع المقاومة إلى استهداف مستوطنات جديدة بالصواريخ، وتوعد الاحتلال بخسارة دباباته إذا جاء إلى لبنان.
واستمر السيد حسن نصر الله في موقفه المساند لغزة، طوال الأشهر التي تلت تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، واتبعت الجبهة اللبنانية أسلوب التصعيد المتدرج في معركة إسناد غزة، وكان لهذه الجبهة دور كبير في استنزاف جيش الكيان الصهيوني، وتكبيده خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، إضافة إلى تهجير نحو مائة ألف مستوطن من شمال فلسطين المحتلة.
الاستشهاد
في 27 أيلول/ سبتمبر 2024 شن الاحتلال الصهيوني غارات مكثفة على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأعلن الاحتلال أنه قصف ما سماه “المقر المركزي لحزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقال إن الغارة كان هدفها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
وبدوره أعلن حزب الله يوم 28 أيلول/ سبتمبر 2024 عن استشهاد السيد حسن نصر الله في الغارة التي استهدفته.
وتعهدت قيادة الحزب في بيان لها بـ”مواصلة جهادها في مواجهة العدو وإسنادا لغزة وفلسطين ودفاعا عن لبنان”.
مقولات خالدة
ومع استشهاده استحضر متابعون بعضا من كلمات سيد المقاومة السيد حسن نصر الله، من بينها ما قاله قبل أكثر من 20 عامًا عندما اغتال الاحتلال الصهيوني مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، حيث ظهر السيد نصر الله في خطاب، قائلاً: “اعتبرونا نحن في حزب الله من أمينه العام إلى قادته ومجاهديه وكباره ونسائه وصغاره أعضاءً في حركة حماس، واعلموا أنّنا بإذن الله سَنَفي وعدنا بهذا الالتزام والانتماء”.
وخلال الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني قبل العام 2000م، قال السيد نصر الله: “إذا كنا سنطرد الاحتلال الإسرائيلي من بلدنا، كيف نفعل ذلك؟ رأينا ما حصل في فلسطين، في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي الجولان وفي سيناء. وصلنا إلى قناعة بأننا لا نستطيع الاعتماد على الدول العربية، ولا على الأمم المتحدة.. الطريقة الوحيدة هي أن نحمل السلاح ونقاتل قوات الاحتلال”.
ومن مقولاته الخالدة: “اقتلونا تحت كل حجر ومدر، في كل جبهة وعلى باب كل حسينية ومسجد، نحن شيعة علي بن أبي طالب لن نترك فلسطين لن نترك فلسطين”.
وفي 2 أغسطس 2013، خلال مقابلة مع يوم القدس قال نصر الله: “إسرائيل سرطان يجب استئصاله”.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا