محمد سلطان غالب / لا ميديا -
المسلسلات الدرامية الإذاعية لا تقل أهمية عن المسلسلات التلفزيونية. ورغم سيطرة مغريات الصورة في البث الفضائي على الإذاعة التي تعتمدُ على الخيال أكثر منها على الصورة، يبرز التحدي الأكبر لفرض وجودها رغم المنافسة التي تتطور وتتجدد في جذب المتابع والمشاهد على حدٍّ سواء.
وهنا نشيرُ إلى واحدٍ من المسلسلاتِ الإذاعية التي تم بثها موسم رمضان 1445هــ/ 2024م، هو مسلسل "الجليلة"، الذي اعتمد في معالجته الإذاعية على عدّةَ مرتكزات أساسية ومهمة جداً، مما جعله مسلسلاً رائجاً لدى الجمهور الإذاعي، حيث ساهمت تلك المرتكزات في نجاحه بشكلٍ ملفت، وهذا سبب توقفنا لتناولها وطرحها لقراء "لا"، الصحيفة التي دائماً ما تهتم بالدراما وتطورها وتتابع مستجداتها. وقد تم بث المسلسل من خمس إذاعات محلية.
وهنا نشيرُ إلى واحدٍ من المسلسلاتِ الإذاعية التي تم بثها موسم رمضان 1445هــ/ 2024م، هو مسلسل "الجليلة"، الذي اعتمد في معالجته الإذاعية على عدّةَ مرتكزات أساسية ومهمة جداً، مما جعله مسلسلاً رائجاً لدى الجمهور الإذاعي، حيث ساهمت تلك المرتكزات في نجاحه بشكلٍ ملفت، وهذا سبب توقفنا لتناولها وطرحها لقراء "لا"، الصحيفة التي دائماً ما تهتم بالدراما وتطورها وتتابع مستجداتها. وقد تم بث المسلسل من خمس إذاعات محلية.

المعالجة الدرامية 
انجذاب المستمع وردّة فعل الجمهور لم تأتِ من فراغ، بل كانت تلك المرتكزات مدروسة من حيث الفكرة، ومعالجة السيناريو لعلي الخمري، وحتى أداء الممثلين، والفكرة الأساسية معالجة الصراع بين الخير والشر، واحترام الأعراف اليمنية للمرأةِ على وجه التحديد المتجسّدة في دور بطلة المسلسل الإعلامية بثينة الجندبي، وزميلتيها سهام سعد ووردة الصبري. أيضا عالج المسلسل أن الآباء يعطون الأولوية للفتاة في اختيار شريك الحياة. كذلك اعتمد أيضا في المعالجة على أن الأسرار والمؤامرات ستنكشف يوماً ما، بالإضافة إلى فكرة مستجدة أدخلها المسلسل وقد تكون لأول مرة، وهي التعاون مع الفنانين الغنائيين، لإدخال أغانٍ خاصة بالمسلسل كشارة البرنامج والختام، بالإضافة إلى تجسيد أغانٍ ضمن مواقف المسلسل بكلمات خاصة وحصرية.
أيضا من خلال عنوان المسلسل "الجليلة" يتبادر إلى ذهن المستمع أنه عالج قضية المرأة وأعطاها رمزية تجسّد واقع المرأة اليمنية. وهنا من الطبيعي جدا أن يتابع المستمع ويهتم بمن يشاركه همومه ومعاناته، ويعطي له الأولوية في المتابعة.
وكما يقال، لكل مجتهدٍ نصيب، من هنا برز في المسلسل اجتهاد السيناريست محمد الداهية. ومسلسل "الجليلة" جاء في إطار السعي لتجديد الدراما الإذاعية اليمنية لخبرة مؤلفه من خلال ما يقدمه في مسلسلاته الإذاعية وبرامجه، ونرى أن إبداع فريق "الجليلة" سيذكر اليمنيين في الكثير من البيوت يوم كان الناس يتحلقون حول جهاز الراديو في المنازل والسيارات والمزارع أو في سهرات المقاهي ودكاكين الحلاقة والبقالات وغيرها...!

تحدي الصوت بالصورة
ورغم تطور التكنولوجيا الكبير وتهديد الصورة لكل ما سواها من الفنون، مسموعة ومقروءة، فإن الإذاعات بما توفره من مواد مسموعة تلقى انتشاراً كبيراً اليوم، حتى أنها تقدم العديد من الأعمال الدرامية اليمنية التي تراجعت في منافسة الأعمال المرئية. ولكن من خلال مسلسل "الجليلة" نلاحظ عودة منافسة الدراما الإذاعية، ونجد لها متابعين ومعجبين، رغم بعض الهنات التي يسقط فيها منتجو الدراما الإذاعية في العالم العربي ككل، إلا أنها تشهد استفاقة لافتة تذكّر بمرحلة الستينيات والسبعينيات، أي ما قبل الانتشار التلفزيوني الواسع.
ومن اللافت أن الدراما تعيش بدورها مواطن ضعف على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج، وإنما أحداث المسلسل والمحفزات والأطر التي تظهر فيها ومن خلالها تجعل الدراما الإذاعية اليمنية محل متابعة واهتمام هو تطورات الحياة المدنية، وهي مفارقة أخرى.

أليس من المتوقع أفول الدراما الإذاعية؟!
ومن المفترض والمتوقع أفول المسلسلات الإذاعية في ظل المنافسة الشديدة عقب تطور التكنولوجيا الهائلة في عالم الصورة. ثم إن الراديو هو الجد العجوز لوسائل التواصل منذ أواخر القرن التاسع عشر. والحقيقة من خلال ما سمعنا وتابعنا من مسلسل "الجليلة"، أن هناك شغفاً بسماع الراديو في السيارات ووسائل النقل، واهتمام نشره في وسائل التواصل الاجتماعي التي تتم متابعتها عبر الهواتف الجوالة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وذلك هو ما أعاد الشغف وتطوير الدراما الإذاعية اليمنية أسوة بغيرها من الدراما العربية على التوجه نحو الإذاعات، وذلك لأن الصورة تتعذر متابعتها في أوقات قيادة السيارات وساعات العمل المكتبي وحالات الحركة والتجوال.

جشع مدراء بعض الإذاعات المحلية
أصاب جشع مدراء بعض الإذاعات المحلية المستمع اليمني بالإحباط، بسبب كثرة الإعلانات التي تنفّر المستمعين، وكذلك التجار يعتقدون أنه كلما طالت مدة الإعلان وإعادته لأكثر من مرة أنه أفضل لهم. وهنا رسالة للتجار بدراسة نفسيات المستمعين، وهناك أفكار جديدة لإعادة المستمع لاستخدام حاسة السمع لملء ذلك الفراغ الحاصل في عصر لا بديل فيه عما يحدث أو "ما يجب أن يحدث" من وقائع على مستوى الأخبار ورصد الأحداث في الواقع الحقيقي المعاش في وكالات الأنباء أو الافتراضي التخيلي في التمثيليات الإذاعية من مسلسلات ومسرحيات.

نظرة على إذاعات العالم العربي
على مستوى التقييم الفني للدراما الإذاعية في العالم العربي من خلال استماعنا للكثير من الإذاعات العربية والمحلية فيتراوح بين الغث والسمين، والمتميز والعادي والضعيف، من بلد إلى آخر، وبحسب التصنيف الموضوعي، فالتاريخي يختلف عن المعاصر، والاجتماعي الدرامي يختلف عن الاجتماعي الكوميدي، بالإضافة إلى المقطوعات التمثيلية المتصلة ببرامج وثائقية وغيرها، نرى تصدر مسلسل "الجليلة" على المستوى اليمني مواكباً المسلسلات في الإذاعات العربية باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في إعادة الانطباع وإعادة المستمعين للإذاعة بقوة الأحداث والأفكار المتجددة في التمثيل الإذاعي المعروف أنه مبني على إيصال ملامح الشخصية وعمقها عبر الصوت، والصوت وحده، وهنا يبرز أبطال المسلسل، ولذلك يجنح الممثل نحو التفرد في هذا الجانب، كي لا يتماهى ويضيع مع الأصوات الأخرى، ويتوه المستمع بتداخل الأصوات داخل العمل الواحد.

التفريق بين المخرج ومهندس الصوت!
تبرز موهبة مخرج المسلسل في مهمة الإدارة الإخراجية المتمكن من أدواتها مع فريقه، والحرص على الأداء المتقن المقنع في مساحة ضيقة الاختيارات في غياب الصورة كما هو الحال في الدراما التلفزيونية.
وهنا، وجب التفريق بين وظيفتي المخرج الإذاعي ومهندس الصوت، ذلك أن قيام مهندس الصوت بأداء مهمة الإخراج خطأ خطير واستهتار بهذا الفن القائم بذاته، تماماً مثل أن توكل لمدير التصوير مهمة الإخراج التلفزيوني لمجرد أنه يمسك بناصية الصورة والإضاءة.
ويتميز سيناريو المسلسل بالاهتمام بتفاصيل الأحداث. وللأسف نرى البعض من كتّاب الدراما الإذاعية يحسبونها مجرد سرد حوارات لحكاية يستعين مخرجها عادة براوٍ للأحداث والربط بين الحوارات إن داهمه بعض الغموض والالتباس على المستمع في حال تكاثر الشخصيات وازدحام الوقائع.
والحقيقة أن إدارة الممثل مهمة صعبة وحساسة في الدراما الإذاعية، وليست مجرد التصرف في صوت واستغلاله كيفما اتفق في القيام بدور يقتصر على القراءة من الورق أمام الميكروفون.
وهنا نلفت انتباه الممثلين والمخرجين في الدراما الإذاعية اليمنية إلى أن آفة الدراما الإذاعية هي الاستسهال، فأغلب مخرجي الإذاعة يكتفون بتجميع الأصوات، ثم تسجيلها في ساعة أو ساعتين، مع الاكتفاء ببروفة أو بروفتين.
ويجب على الممثل في الدراما الإذاعية التعاون في تنفيذ أفكار المخرج بالاهتمام بالعمل. وليعلموا أن الفواصل الموسيقية وحدها لا تحل المشكلة عند كل مستمع، والمونتاج الإذاعي أصعب من التلفزيوني أحيانا، ذلك أن من أخطائه الشائعة غياب "الراكور النفسي للشخصية"، أي التسلسل المنطقي والزمني للأحداث.

مستقبل الفنان الإذاعي
صفوة القول إن الدراما الإذاعية هي علم فني له تقنياته وأدواته في التمثيل والكتابة والإخراج. وقد أجاد أبطال مسلسل "الجليلة" وكون له جمهوره من متذوقي الدراما الإذاعية، مما يجعل الممثلين فيه فنانين كباراً يحترفون التمثيل الإذاعي وحده في حال اشتغلوا على تطوير أنفسهم، وسيكون لهم مستقبل كبير، خصوصاً في فن الدوبلاج الذي يختفي فيه الممثل بوجهه ويجسد شخصية ممثل آخر أو الكارتون ويتجلى في عوالم وأحاسيس أخرى ومتشعبة حتى ليبدو فنّاً موازياً ومختلفاً تماماً عما نتصوره عنه.