اليمن بالحبر الغربـي -
تستوجب الأحداث المتعاقبة في اليمن الدراسة عن كثب، وخاصة لمن يعتقد أن وقف إطلاق النار في الحرب التي تشنها إسرائيل على حماس في غزة سوف يمهد الطريق لمستقبل أكثر سلاماً، أو يضع حداً لمعاناة الفلسطينيين.
بحلول عام 2018، كان التحالف العربي يقترب من ميناء الحديدة الحيوي. تقع الحديدة على البحر الأحمر، على طول الساحل الغربي لليمن، وكانت بمثابة شريان الحياة للحوثيين من حيث الإيرادات والإمدادات. توقع محللون ذوو خبرة ويحظون باحترام كبير أن نظام الحوثيين قد يسقط في غضون شهر إذا استعاد التحالف العربي الحديدة. لكن المنظمات الإنسانية زعمت أن القتال في الحديدة سيعطّل إيصال المساعدات الدولية. وفي ضوء ادعاءاتها بأن اليمن كان على شفا كارثة إنسانية، ضغطت الحكومات الغربية والمنظمات الإنسانية الدولية على التحالف للتراجع، لتبقى الحديدة تحت سيطرة الحوثيين.
وتحت ضغط غربي مكثف، دخل التحالف العربي في اتفاق الحديدة بوساطة الأمم المتحدة. وقد تطلب ذلك انسحاب الحوثيين من الميناء وتسليمه إلى طرف ثالث محايد حتى يمكن استخدام عائدات الميناء لدفع رواتب الموظفين الحكوميين في جميع أنحاء اليمن، مثل المعلمين. ومع «الانسحاب» الاحتفالي لقوات الحوثيين من ميناء الحديدة، فقد نالوا عملياً حماية بسبب الاتفاق دون الالتزام بتعهداته. ويحتفظ الحوثيون بالسيطرة المطلقة على ميناء الحديدة، ولم يتقاسموا بعد أياً من إيراداته لدفع الرواتب الحكومية. وبدلاً من إنهاء الحرب، أعاد الحوثيون توسيعها واستهدفوا البنية التحتية للطاقة والنقل في السعودية والإمارات بطائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى.
وبينما يحدث هذا، تواصل الأمم المتحدة دفع تكاليف ترميم ميناء الحديدة وتدريب موظفيه؛ مما يدعم إلى حد كبير شريان حياة آلة الحرب الحوثية.
تبنت إدارة بايدن سياسات للضغط على السعوديين لإنهاء مشاركتهم في حرب اليمن. في شباط/ فبراير 2021، صرح الرئيس المنتخب حديثاً بأن «هذه الحرب يجب أن تنتهي- نحن ننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية [السعودية] في الحرب باليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة». ولم تكن هذه سوى قراءة خاطئة خطيرة للوضع. لقد أدى ذلك إلى تعقيد الجهود السعودية لتخليص نفسها من الصراع. وفي ظل دفع الرياض إلى مزيد من اليأس وتزويد صنعاء بمزيد من الزخم، تحولت المحادثات إلى مفاوضات مطوّلة حول استسلام السعودية. وتتفاوض السعودية الآن على اتفاق من المتوقع أن توافق بموجبه على الدفع في صندوق سيستخدم جزئياً لدفع رواتب موظفي الحكومة الحوثية، ومن بينهم قوات الحوثيين ذاتها، التي كانت تهاجمها، في إطار اتفاق سلام شامل في اليمن.
لقد تجلت حماقة نهج «السلام بأي ثمن» في التعامل مع حرب اليمن في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، عندما بدأ الحوثيون حملة شعواء من الهجمات على حركة الملاحة التجارية المدنية في البحر الأحمر. ظاهرياً، استهدفت هذه الحملة في البداية الشحن المرتبط بإسرائيل، وسرعان ما تطورت إلى حملة ابتزاز موجهة إلى العالم - أو بتعبير أدق، إلى العالم الحر، لأن السفن الروسية والصينية لا تتعرض عمداً لهجوم. يدعي الحوثيون أنهم سيتوقفون إذا «انتهت الحرب على غزة»، لكن هجماتهم المستمرة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على السعودية والإمارات حتى بعد اتفاق الحديدة تشير إلى أن التهديد لن يختفي قريباً. ويبدو أن كلاً من الإمارات والسعودية مترددتان في التعاون مع الجهود الأمريكية لمحاربة الحوثيين عسكرياً، بعد أن غدرت بهما الولايات المتحدة مسبقاً.
إن أوجه التشابه مع حماس في رفح واضحة ولا تحمد عقباها. ويعد معبر رفح الحدودي شرياناً تجارياً رئيسياً. إن السيطرة على هذا الشريان تمنح حماس القدرة على فرض ضرائب على البضائع الداخلة والخارجة من غزة، فضلاً عن منع خروج المنشقين والمعارضين. إن حماس مستعدة تماماً لإحداث كارثة إنسانية كي تدافع عن قبضتها الخانقة على غزة؛ لكن السماح لها بالاحتفاظ بالسيطرة يعني الخضوع لحربها الأبدية التي تستهدف وجود إسرائيل، واستمرار جهودها لإذلال الغرب والدول العربية المعتدلة. من المرجح أن يكون أي اتفاق مع حماس لتسهيل نوع من التسوية بشأن معبر رفح مثل اتفاق الحديدة، هو بمثابة تغطية لاستمرار سيطرة المسلحين الذين يعطون الأولوية للحرب قبل كل شيء، ويتعاملون مع المخاوف الإنسانية باعتبارها فرصة للتربح والدعاية.
أين يكمن خطأ النهج الأمريكي في التعامل مع هذه الصراعات؟ قد يميل المرء إلى البدء بالنظر إلى صرخة الحرب الشهيرة التي يطلقها الحوثيون، وهي: «الموت لأمريكا! الموت لإسرائيل! اللعنة على اليهود! النصر للإسلام!». إن المنظمة التي تجعل من التعصب وإبادة الأعداء جوهر هويتها هي مرشح ضعيف للتوصل إلى تسوية. إن أوجه الشبه بينه وبين ميثاق حماس الذي يدعو إلى قتل كل اليهود في كل مكان، واضح. كما أن تعليم الأطفال الكراهية والاستشهاد، ومعسكرات التدريب العسكري للمراهقين، وعسكرة المجتمع في غزة واليمن التي يسيطر عليها الحوثيون، كلها أمور قابلة للتبادل تقريباً.
قبل توقيع هدنة مع مثل هذه المجموعات، ينبغي لنا أن ننظر إلى «الهدنة» بالطريقة التي يرونها، باعتبارها هدنة مؤقتة حتى يتمكنوا من حشد مزيد من القوات، وتطوير المزيد من الأسلحة، وابتكار تكتيكات جديدة، ثم خرق الهدنة بهجوم مفاجئ لبدء معركة أخرى في حملات الغزو.
قد تكون هناك بالطبع ظروف تبدو فيها الهدنة المؤقتة للقتال منطقية لأسباب إنسانية أو سياسية أو حتى عسكرية، لكن الدافع إلى الهدنة لا يمكن أن يرتكز على أمل ساذج بالتوصل إلى تسوية أو أمل بعيد المنال في أن تتخلى هذه الجماعات عن أهدافها المعلنة. عندما نواجه عدواً استراتيجيته هي الحرب المستدامة، وتكتيكاته تعتمد على استغلال المعاناة الإنسانية، فإن الاستراتيجية المبنيّة على المفاوضات وحسن النية هي في حد ذاتها خيانة للمبادئ الإنسانية. إن أي صفقة يعرضها الحوثيون أو حماس هي صفقة يرون أنها تعزز قدرتهم على المدى الطويل على تحقيق أهدافهم المتطرفة والخطيرة. إن السبيل الوحيد للمضي قُدماً هو تغيير الواقع في الميدان؛ لإضعاف قدرات هذه الجماعات العسكرية، وربما الأهم من ذلك منعها من سرقة المساعدات وإحكام قبضتها الخانقة على المجتمعات الخاضعة لحكمها، أو مواصلة تعزيز أهدافها الوحشية.
أري هايستاين وناتانئيل رابكين
موقع (thecipherbrief) العبري
المصدر اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا