يفرس في حضرة الباهوت
- تم النشر بواسطة موقع ( لا ) الإخباري
لا ميديا -
الصوفية كما يعرفها أصحابها هي ذلك العالم الذي تدخله فتغلق أبواب ملذات الحياة خلفك لتخاطب الله الخالص إلى العشق الإلهي القائم على النقاء لتستشعر في قرارة نفسك أنك في حضرة النبي صلى الله عليه وآله، نشأت الصوفية في اليمن على الزهد في ملذات الحياة وأهوائها، والعزلة المرادفة للانقطاع الكامل عنها من أجل التعبّد. تُجمع المصادر التاريخية على أن نشأة الصوفية في الإسلام بدأت من العراق. بعد حوالي قرنين انتقلت إلى اليمن وبقيت قرابة القرن في حالة سكون، إذ لا يوجد في مصادر التاريخ الإسلامي في اليمن ما يشير إلى أنشطة صوفية خلال القرن الثالث الهجري، لكنها بعد ذلك انتشرت في البلاد، لاسيما الأجزاء الغربية والشرقية والجنوبية منها. وعلى مدى 1200 سنة، تغلغلت الصوفية في المجتمع اليمني حتى صارت بمثابة مذهب ديني ثالث يحمل طابع الفقه السُّنّي والشيعي، وإن كان في الغالب أقرب إلى الأخير نظراً للتبجيل الإضافي الذي يحظى به أقطاب الصوفية الذين ينتمون الى الأسر الهاشمية.
الفقيه والمتصوف والفيلسوف والشاعر أحمد بن علوان «الباهوت» نشأ في منطقة تسمى ذي الجنان، وتوفي في بلدة يفرس، جبل حبشي إحدى مناطق محافظة تعز وتقول الروايات إن والده علوان بن عطاف، أحد الكتاب المشهورين في اليمن في نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع الهجريين، أصله من بلد (خاو) وهي قرية شرق مدينة يريم محافظة إب حالياً. وعمل كاتباً للإنشاء لدى الملك المسعود بن الكامل الأيوبي.
وقد نشأ إمام الصوفية وفيلسوفهم أحمد بن علوان في عصر الدولة الرسولية في اليمن، نشأ في أحضان الرئاسة والعلم، وكان والده في خدمة السلطان ومن كتابه، وقد كان بصدد أن يعمل كاتبا للسلطان كما كان والده إلا أنه تحول الى التصوف، ولزم الخلوة والعبادة، واشتهر بحب الوعظ، فقد كان يسلك في وعظه طريقة ابن الجوزي حتى لقب بجوزي اليمن، وله رسائل كثيرة ومؤلفات جمعت في مجلدات منها كتاب «الفتوح المصونة والأسرار المخزونة»، فضلاً عن ديوانه الشعري الذي جاء أغلبه في التصوف، وبعد أن توفي صار لضريحه مكانة مقدسة وتقام زيارة سنوية له في منتصف شهر ربيع الأول من كل عام، سمتها المصادر التاريخية باسم «يوم الجمع المبارك».
يقع جامع أحمد بن علوان في مديرية يفرس غربي محافظة تعز ويعد أحد أهم المساجد الأثرية في اليمن، فقد أمر ببنائه الملك عامر بن عبدالوهاب أحد ملوك الدولة الطاهرية في اليمن سنة 921 هجرية أي قبل 523 عاما، حيث أمر ببناء مسجد بثمان قباب الى جوار ضريح إمام الصوفية الثائر أحمد بن علوان وبناء قبة إضافية على ضريح الشيخ. وتقول الروايات إن العثمانيين كانوا يعظمون الشيخ بن علوان فكان إذا قدم حاكم جديد الى اليمن مر من يفرس لزيارة ضريح الشيخ أحمد بن علوان قبل تسلمه مقاليد الحكم.
والجامع هو عبارة عن بناء مربع الشكل طول ضلعه 8.30 مترا يفتح في جداره مدخل عرضه 2.70 مترا وارتفاعه 3 أمتار عليه عقد نصف دائري له قبتان كبيرتان وتجاورهما 4 قباب من الجهة الشرقية ومثلها من الجهة الغربية منها صماء وأخرى ركنية واحدة تسمى قبة السلام والأخرى توجد فوق الضريح والقباب لا تخرج عن مثيلاتها في الجوامع التي بناها الرسوليون ويفتح مدخل الضريح على قاعة مربعة الشكل وله 4 أبواب رئيسية ومنها باب السلام -الباب الشرقي -الباب العدني الذي عليه المدرج من أسفل القرية وقد تعرضت القباب للتشقق وخاصة الكبيرة منها والأربع التي في الجهة الشرقية وتم إصلاحها بالجص ولكن آثار التشقق مازالت باقية وله منارتان إحداهما قديمة كانت تستخدم مئذنة وطولها يتراوح بين 6 و7 أمتار وله منارة أخرى كبيرة مركبة على شكل حرف واو مصنوعة من الياجور وتحتوي على 3 أحواج والرابع الذي فيه هلال المنارة وكذلك القباب التي توجد فوق الحمام البخاري الذي تعطل لاحقاً، ويوجد في باحة الجامع 3 برك كبيرة وتسمى بركة الأسطى وهي تتوسط بين بركة القناديل، وهذه صغيرة والبركة الكبرى التي وجد فيها المساتر وعددها 12 وهي عبارة عن حجرة كبيرة تم نحتها من تحت وهي في هيئتها تدل دلالة عميقة على عبقرية الإنسان اليمني على مر العصور ومدى مهارته وإجادته للفن المعماري.
وتتم تغذية الجامع من حوض مائي يوجد على بعد 1.5 كيلومترا إلى الغرب ويتم إيصال المياه عبر ساقية تخترق جبلين تسمى «الهدارة».
ولم يؤسس الشيخ أحمد بن علوان طريقة صوفية بالنمط الذي يعرفه أصحاب الطرق الصوفية، كانت أُمنية ابن علوان أن يظل فِكره مائدة يلتقي عليها الجميع فقد عوَّل على المضمون قبل الشكل وعلى الجوهر دون الظاهر. قال ابن علوان: «فالحب فيه مذهبي وديني»، مفلسفاً بعد ذلك كل قول وفعل وعمل واعتقاد في خدمة هذا الحُب للهِ ولرسوله. فالحب في فكره هو لله ولرسوله وآل بيته وللمؤمنين وقد تحقق له من أمنيته ذلك فيقول عبدالهادي السودي في رثائه:
يا حادي العيس بالألحان والنغمِ
عرج بخيف منى من أيمن العلمِ
إن كان سفك دمي يا سُعدَ بغيتهم
دمي حلالٌ لهم في الحِلِّ والحرمِ
ما لي على عودها عون أصول بهِ
إِلا الوليُّ الصفي ذو الجود والكرمِ
ذاك ابن علوان من شاعت فضائلهُ
بحرُ المعارف قطبُ الأرض من قدمِ
تخالف الناس إلا في محبته
فبينهم في هواهُ وصلة الرحمِ
المصدر موقع ( لا ) الإخباري