تقرير:عادل عبده بشر / لا ميديا -
فجأة تحولت العيون الشاخصة نحو قاضي محكمة غرب الأمانة، الذي يتوسط منصة قاعة التقاضي، إلى حيث يقف المتهم الأول في قفص الاتهام، عندما قلب الأخير الطاولة على بقية المتهمين في جريمة الدواء الملوث الذي تسبب بوفاة 11 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم  في مستشفى الكويت، وإصابة 10 آخرين بمضاعفات، بينهم طفلان في مركز الأورام في سيئون بمحافظة حضرموت، أواخر أيلول/ سبتمبر 2022، وجميع المتهمين الآخرين، وعددهم تسعة، يتواجدون خارج القفص.
وكالعادة ازدحمت القاعة الكبرى في محكمة غرب الأمانة،يوم الثلاثاء، بالمتهمين ومحاميهم، بينما تواجد عدد من أهالي الأطفال الضحايا مع محاميهم، بسحنات يكسوها الألم والتعب، حيث واصل قاضي المحكمة أسامة الجُنيد، الجلسات لمحاكمة المتهمين في القضية.

مستجدات المحاكمة
في جلسة الثلاثاء، التي حضرتها صحيفة «لا» افتتح القاضي أسامة الجُنيد، إجراءات التقاضي بالنداء على المتهمين، وعددهم تسعة (وهم: فيصل محمد محمد عوض، وفهد أبوبكر محمد سالم، ويوسف على صالح صويلح، وعبدالله رشيد على العريقى، ومحمد عبدالله الغيلي، وصلاح الدين عبدالواحد عبد القادر العامري، وصلاح عبدالله غانم الحميري، وهيثم أحمد عبدالله البكاري، وعمر رشيد العريقي)، حيث تبين حضور المتهمين ومحاميهم؛ ماعدا الثاني فهد أبوبكر، والثامن هيثم البكاري.
بدأت الجلسة بتجديد محامي أهالي الأطفال الضحايا، عبدالمجيد صبرة، الطلب من المحكمة إلزام الهيئة العامة للأدوية بتسليم التعويضات التي أقرت المحكمة، في جلسة سابقة قبل شهر رمضان المبارك، تسليمها لأهالي الضحايا، بمبلغ مليون ريال لكل أسرة طفل، كجانب إنساني، وكجزء من التعويض المستحق لهم، ومازالت هيئة الأدوية ترفض تنفيذ القرار حتى اللحظة.

كما طلب المحامي صبرة فرصة لتقديم دعوى ضد وزير الصحة العامة والسكان، طه المتوكل، باعتباره المسؤول عن الحقوق المدنية، كونه مسؤولاً عن هيئة الأدوية، ومديرها السابق محمد الغيلي.
وقال صبرة، في مرافعته، إنه ينبغي على المحكمة إيقاف حسابات الهيئة حتى ترضخ للعدالة وتُنفذ قرار المحكمة بدفع التعويضات، مشيراً إلى أن أهالي الأطفال الضحايا، تعبوا وهم «يلاحقون» الهيئة للحصول على التعويضات المالية؛ فكان رد القاضي الجُنيد بأن الأهالي لا ينبغي عليهم متابعة هيئة الأدوية بأنفسهم، بل عليهم متابعة النيابة وتقديم طلب بإيقاف حسابات الهيئة.
المحامي صبرة طالب المحكمة، أيضاً، بإعادة المتهمين المفرج عنهم بالضمان إلى السجن، «طالما وهم مستهترون بإجراءات المحكمة»، وخصوصاً المتهم الثاني فهد أبوبكر سالم، باعتبار أنه «لم يدخل السجن إطلاقا»، وهو ما دفع محامي هذا المتهم إلى طلب فرصة لإحضاره في الجلسة القادمة، بينما طالبت النيابة عدالة المحكمة بالتوجيه بالإحضار القهري لمن لم يحضر الجلسة، وبالأخص المتهم يوسف يعقوب.

اتهامات متبادلة
الجلسة، التي بدت في الدقائق الأولى رتيبة والقاعة باردة، لم تلبث أن صخبت والمحيط سخُن وارتفعت حرارته، مع اشتعال المواجهة بين المتهمين بعضهم وبعض، حيث قلب المتهم الأول، فيصل محمد محمد عوض، الطاولة على الهيئة العليا للأدوية ومديرها السابق محمد الغيلي والمتهم الثاني فهد أبوبكر سالم، مُلقياً بالجريمة على عنقيهما.
وبحسب محامي أولياء الدم فإن المتهم فيصل عوض هو من قام بتوزيع الأدوية على الصيدليات، وهي الأدوية التي يقول محامي المتهم الثاني ومحامي هيئة الأدوية بأنها التي تسببت بوفاة وإصابة الأطفال، بينما أفاد المتهم فيصل عوض بوجود مذكرة مرفقة بملف القضية، موجهة إلى النائب العام من وزير الصحة، مفادها أن الدواء تم إدخاله عبر منفذ الراهدة في محافظة تعز باسم المتهم فهد أبوبكر، وصرحت الهيئة العليا للأدوية بدخول الدواء، مشيراً إلى أن وزير الصحة في هذه المذكرة كتب بصحيح العبارة أنه يبرأ إلى الله مما قامت به الهيئة ويُحمّلها كامل المسؤولية في هذه الواقعة.
من جهته رفض محامي المتهم فهد أبوبكر ما جاء في حديث المتهم عوض، قائلاً بأن ما أثاره المتهم الأول لا أساس له من الصحة ولا يوجد في ملف القضية ما يدل على أن الدواء المتسبب في وفاة الأطفال هي الأنبولات التي صرحت الهيئة بدخولها لموكله فهد أبوبكر، موضحاً أن المتهم الأول، ومن خلال الثابت في أوراق ملف القضية، اعترف بقيامه ببيع وتصريف الفيالات التي تسببت بوفاة الأطفال، ولذلك فإنه يحاول أن يلقي بالتهمة على غيره.
أما محامي الهيئة العليا للأدوية فقد أفاد بأن ما ورد على لسان المتهم الأول عن أن مذكرة وزير الصحة للنائب العام تؤكد دخول الصنف عبر الهيئة العليا للأدوية، كلام غير صحيح وعار عن الصحة، مشيراً إلى أن المحكمة باطلاعها على الرد المقدم من قبله مطلع الجلسة ستجد أن الرد تضمن مذكرة بأن الدواء لم يمر عبر الهيئة، ومذكرة أخرى بأن الدواء تم توفيره من صيدلية خارجية، وأن المتهم الأول هو الذي جلب التشغيلة الدوائية التي استخدمت للأطفال وتسببت بالوفاة والإصابة.
وتعقيباً على ذلك أفاد المتهم الأول بأن التشغيلة التي يقصدها محامي الهيئة هي تشغيلة سليمة، بحسب إفادة وزير الصحة ورئيس المجلس الطبي الأعلى ومختبر الرقابة الدوائية بالهيئة، وأن الأطفال الذين تم حقنهم يوم السبت 24 أيلول/ سبتمبر 2022، تم حقنهم بتشغيلة سليمة، مستدلاً على ذلك بإفادة الممرض (ص. ع) في مستشفى الكويت خلال تحقيقات المجلس الطبي الأعلى، وهو الممرض الذي قام بتحضير الدواء للأطفال المرضى، الأمر الذي دفع محامي الهيئة إلى المقاطعة والقول بأن تلك الفيالات كان يتبقى لانتهائها أربعة أيام فقط.
واستأنف المتهم الأول حديثه بالقول إن الممرض ذاته «كشف في تحقيقات المجلس الطبي أنه قام بخلط ثلاث فيالات (ميتروكسات وانسولين وهايدروكورتيزون)، وأنه يقوم بسحب واحد سيسي وشرطتين لكل طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات، ويتم حقن الطفل في الظهر، كما أفاد في التحقيق نفسه بأن الجرعة المقررة للطفل بعمر ثلاث سنوات من الانسولين هي خمس وحدات فقط؛ ولكنه في الواقع يحقنه بمائة وحدة وليس خمس وحدات، وهذه الجرعة كفيلة بقتل الشخص البالغ فما بالك بالطفل؟!».
وطالب المتهم الأول المحكمة بالإفراج عنه، أسوة ببقية المتهمين،  الذين قال إنهم «يسرحون ويمرحون مع عوائلهم وفي أعمالهم».
بدوره اعتبر محامي أولياء الدم، عبد المجيد صبرة، اعترافات المتهمين بعضهم على بعض، أحد أدلة الدعوى بالحق الشخصي والمدني للمجني عليهم.
وفي ختام الجلسة أقرت المحكمة تكليف النيابة بالإحضار القهري لوكيل شركة «سيلون» الهندية، يوسف يعقوب، للجلسة القادمة.

وفاة أب كمداً على نجله
مأساة أخرى تقف عليها صحيفة «لا» في هذا العدد، لأسرة أحد الأطفال المتوفين بسبب الجرعة القاتلة، حيث التقينا خارج قاعة المحكمة بالمواطن نجيب أحمد السوادي، عم الطفل هاشم محمد السوادي (14 عاما)، والذي أفاد بأن «هاشم» أُصيب بمرض اللوكيميا قبل نحو ثلاث سنوات، وتم الذهاب به إلى مستشفى الكويت لتلقي العلاج، وتحسنت حالته كثيراً.
«هاشم كانت صحته عال العال، وعندما ذهبنا به إلى المستشفى آخر مرة في أيلول/ سبتمبر 2022، كان بخير وزي الريال، يمارس حياته بشكل طبيعي، يدرس في الصف الثامن ويسوق السيارة، ولم يتبق له سوى جرعتين فقط، وينتهي منه المرض تماماً».
وكبقية الأطفال الضحايا، تم عمل خُزعة في الظهر لهاشم، ليُصاب بمضاعفات خطيرة، دفعت بأسرته إلى أعادته للمستشفى في اليوم التالي، وتم إدخاله قسم الرقود، وبعد ذلك العناية المركزة، لُيفارق الحياة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2022.
يقول العم: «كان هاشم هو الوحيد من الأبناء الذكور في عائلتنا، فكنتُ أعتبره مثل ابني، خصوصاً وأن والده مصاب بمرض السكري؛ وحين توفي هاشم، أخفينا الأمر على الأب؛ لكنه سرعان ما عرف، فأصيب بانتكاسة كبيرة، ودخل في غيبوبة، وبعد ثلاثة أيام من رحيل هاشم، توفي الأب، وقُمنا بدفن الجثتين مع بعض في يوم واحد».
جُل ما يريده العم حالياً هو أن يتم محاكمة المجرم المتسبب بقتل الأطفال، وإنزال أقصى العقوبة عليه شرعاً وقانوناً.