جوش فيليبس
ترجمة خاصة:زينب صلاح الدين / لا ميديا -
تمحورت السياسة الخارجية لأمريكا طيلة العقدين الماضيين حول الحرب العالمية على الإرهاب غير أن هذه الحقبة بدت أنها تقترب من نهايتها بشكل منتظم. 
على ضوء ذلك مع استمرار أمريكا في الابتعاد عن سياسات الحرب العالمية على الإرهاب وعملياتها يجب ألا تقلل من معارضتها للعنف الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان. وبدلاً من فعل ذلك يجب عليها أن تتذكر أن تبقى ثابتة في التزاماتها تجاه جهود المساعدات الإنسانية الدولية التي بدأت أثناء الحرب العالمية على الإرهاب. لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل تراجعها في التقدم في تخفيف حدة العنف الأجنبي ويجب ألا تنسى الأدوات التي بحوزتها للحفاظ على هذا التقدم. وهذا يعني أن الشيء الذي ينبغي على أمريكا مواصلته هو تصنيف الإرهاب الأجنبي وهو أداة سياسية مهمة تستخدمها أمريكا لتحديد ومعاقبة مرتكبي العنف الدولي بشكل علني وتعد أزمة جماعة المتمردين الحوثيين في اليمن (جماعة قامت أمريكا بشطبها من قائمة الإرهاب في العام 2021) مثالاً على كيفية استخدام هذه الأداة لحماية المصالح الأمريكية.

التدخل الدولي الأمريكي ما بعد «الحرب العالمية على الإرهاب»
كانت أمريكا منتظمة في تحويل تركيزها بعيداً عن سياسة الحرب على الإرهاب لعدة سنوات وهو تطور يمكن رؤيته في العديد من السياسات الخارجية التي وضعتها الإدارات السابقة والحالية. وذلك يشمل استراتيجية أوباما «المحيط الهادئ» لعام 2012 التي سعت لتحويل سياسة أمريكا الخارجية بعيداً عن الشرق الأوسط ونحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ فشهدت فترة الاستراتيجية غياب استراتيجيات التدخل المباشر لمكافحة الإرهاب في الاستراتيجيات الحديثة لوزارة الدفاع والدفاع الوطني؛ والقيود الصارمة لمنح وسام خدمة الحرب العالمية على الإرهاب من قبل وزارة الدفاع في العام 2022 والذي يفسره الكثيرون على أنه بداية نهاية رمزية للحروب التي بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. أشارت هذه التطورات في السياسة الخارجية إلى تغيير بارز في السياسة الأمريكية لا يقل أهمية عن نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة.
حتى الآن ورغم هذا الغسق المحتمل لـ»الحرب العالمية على الإرهاب» لاتزال أمريكا مشاركة في مئات من عمليات منع الصراعات وعمليات تعزيز الاستقرار في كل أنحاء العالم؛ حتى لو كانت تلك المهمات المشاركة فيها ليست مصنفة رسمياً على أنها مهمات مكافحة الإرهاب. بالتالي حتى إذا كانت إجراءات مكافحة الإرهاب «الرسمية» في تراجع لا يجب أن تنسى الولايات المتحدة الأدوات الموجودة تحت تصرفها (أدوات قادرة على منح الحكومة وسيلة لكبح منظمات العنف الأجنبية إلى جانب القوات الأمريكية). بهذه الطريقة يجب أن يستخدم تصنيف الإرهاب الأجنبي بحيث يحافظ على تقدم أمريكا في مكافحة الإرهاب بواسطة أمرين هما تقديم الدعم لعمليات الانتشار الأمريكية في مناطق الصراع ومكافحة أعمال تنظيمات العنف نفسها.

«تصنيف الجماعات الإرهابية»
يقدم «تصنيف الإرهاب الأجنبي» للحكومة الأمريكية الوسائل الرسمية لعرقلة تمويل الإرهاب عبر حظر الأموال والكيانات التي تدعم النشاط الإرهابي. بالنسبة لأمريكا فإن تحديد كيان تنظيم إرهابي أجنبي كان له تاريخياً القليل جداً من التداعيات ومن البسيط نسبياً إضافة أو إزالة التنظيمات من القائمة. وبينما توجد طرق أخرى لاستهداف ومعاقبة الجماعات الإرهابية الأجنبية يوجد الكثير من المزايا لأمريكا في استخدام قائمة رسمية كآلية لأغراض مكافحة الإرهاب. من أهمها حقيقة أن قائمة تصنيف الإرهاب تضفي وضوحاً قانونياً على الجهود المبذولة لتحديد ومحاكمة أفراد التنظيمات الإرهابية وأولئك الذين يدعمونهم وهو بند لا توفره السياسات الأمريكية الأخرى لمكافحة الإرهاب.
لعل الأمر الأكثر أهمية مع ذلك هو أن قائمة تصنيف الإرهاب لها أهمية فريدة من نوعها بسبب الدور الرمزي العام الذي تلعبه كأداة لسياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية. إن الاهتمام العام والنفوذ الدبلوماسي اللذين يأتيان من تعيين كيان على قائمة الإرهاب لا مثيل لهما. على الرغم من السياسات الحالية للإدارات الأمريكية الأخيرة في تقليل مشاركتها بانتظام في الحرب العالمية على الإرهاب فإن الرأي العام الأمريكي في العقدين اللذين أعقبا 11 سبتمبر يظهر القوة الراسخة للمأساة في ذاكرة الأمريكيين. حيث كشف استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث بيو أن الأمريكيين اعتبروا معالجة مخاوف الإرهاب كأولوية قصوى للكونغرس وتجاوزوا قضايا كالاقتصاد وتكاليف الرعاية الصحية والأمن الاجتماعي والبيئة. وكنتيجة لذلك تعتبر إعادة طمأنة العامة من الأمريكيين بأن الحكومة الأمريكية مازالت مشاركة في قتال الإرهابيين من حول العالم أمرا مهما لحفظ الاستقرار وتخفيف خيبة الأمل من الحكومة.
ويجب الاستمرار في استخدام تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية -كعمل رمزي قوي لجهود أمريكا ضد الإرهاب- كطريقة منخفضة التكلفة لإثبات معارضة أمريكا للعنف الدولي علناً وحتى مع تلاشي سياسة الحرب على الإرهاب يوماً بعد يوم.

الجماعة الحوثية وتداعيات السياسة الأمريكية
تعد الجماعة الحوثية في اليمن مثالاً قوياً على مدى إمكانية استخدام تصنيف الإرهاب في تخفيف العنف الأجنبي وطمأنة عموم الأمريكيين بشأن متابعة الحكومة موقفها المعارض للإرهاب.
كان الحوثيون «أنصار الله» نشيطين عسكرياً في اليمن منذ 2003 ومنذ ذلك الحين قاموا بالكثير من الأعمال الإرهابية. مع ذلك يأتي التهديد الأول للمصالح الأمريكية في اليمن من النواة العقائدية لجماعة الحوثي. إنهم يعادون أمريكا بشكل غير مبرر وإذا سمح لهم باستئناف هجماتهم قد يتحولون إلى حزب الله آخر وهو نموذج يحتذى به ويشكل خطرا ثابتا على المدى الطويل للأمريكيين والمصالح الأمريكية. يجب التعامل مع التنظيمات التي تمثل هذا النوع من التهديد لأمريكا وهو تهديد مباشر للمصالح الأمريكية يزداد مع مرور الوقت دون تدخل.
يبعث تصنيف الإرهاب رسالة قوية تتعلق بما تجده الولايات المتحدة أو لا تجده مقبولاً لكنه يمثل تحدياً لفاعلية هذه الرسالة بأن هذه الإشارة تعمل في الاتجاهات الأخرى أيضاً: من خلال عدم تحديد جماعات معينة تخاطر أمريكا بإرسالها إشارات غير مقصودة. في حين أنه من الصحيح وجود العديد من الأسباب السياسية الخارجية لشطب جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب بحيث يكون لهذا الإجراء بحد ذاته القدرة على إيصال رسالة لعامة الأمريكيين والمجتمع الدولي مفادها أن أمريكا لم تعد تعارض الأعمال الإرهابية للجماعة الحوثية. ونظراً لكون الحوثيين في مسارهم ليصبحوا حزب الله الثاني المحتمل فإن تهديدهم المباشر لمصالح أمريكا يجعل رسالة فك الارتباط هذه لها تداعيات أقوى.
الختام
بهذه الطريقة سيكون من مصلحة أمريكا استخدام الأدوات المتاحة لها لمعالجة أزمة الحوثيين والحفاظ على التزامها بمحاربة الإرهاب. ليست الجماعة الحوثية هي الجماعة الوحيدة التي تشارك في أنشطة إرهابية في اليمن وحتى إذا كانت أمريكا تحاول الابتعاد عن سياسة الحرب على الإرهاب لايزال هناك أفراد أمريكيون منتشرون في الخارج ممن يحتاجون دعم الحكومة الأمريكية وقد يأتي تصنيف الإرهاب على رأس هذا الدعم. هناك دليل قوي على التأثير الإيجابي لإعادة تصنيف الحوثيين وسوف تكشف هذه الإعادة للمجتمع الأجنبي أن الأدوات التي تم تشكيلها في الحرب على الإرهاب ستستخدم في دعم الجهود الأمريكية. لذلك تكون أزمة الحوثيين في اليمن مثالا جيدا على مدى تقييد أمريكا لتمويل جماعة العنف عن طريق إصدار تصنيف منظمة إرهابية مما قد يخفف أزمة إنسانية خانقة. حتى مع تراجع مشاركة الحرب الأمريكية على الإرهاب يجب أن تستخدم أمريكا هذه الأداة المنخفضة الكلفة في المستقبل لدعم وإثبات التزامها المستمر بقطع النسل الإرهابي حول العالم بالتالي ضمان عدم إرسال إشارات غير مقصودة من اللامبالاة إلى الجمهور الأمريكي أو المجتمع الدولي الأكبر.

سمول وارز جورنال 
 موقع أمريكي غير حكومي تابع لمؤسسة سمول وارز غير الربحية