فيبكه ديل / موقع: العالم الفتي (junge Welt)
الترجمة عن الألمانية:نشوان دماج / لا ميديا -

تبحث السعوديــة وحلفاؤها الغربيون عن طريقة لحفظ ماء الوجه للخروج  من الحرب، فيما المعارك مستمرة.
بدأ العام 2022 في اليمن بضربة مدوية ترمز إلى زيادة الثقة بالنفس لدى أنصار الله "الحوثيين": ففي الثاني من كانون الثاني/ يناير، احتجز الحوثيون في عرض البحر الأحمر سفينة ترفع علم الإمارات. وعلى عكس مزاعم أبوظبي بأن "روابي" كانت تقل إمدادات طبية، عرضت قناة المسيرة، التابعة لأنصار الله، مقاطع من داخل السفينة لمركبات عسكرية وحاويات بها أسلحة وذخائر مرسوما عليها بشكل واضح شعار القوات المسلحة السعودية. هذا فضلا عن كون السفينة دخلت "المياه اليمنية دون إذن" وارتكبت "أعمالا عدائية" هناك، بحسب بيان لجماعة أنصار الله.
لم تكد تمضي ثلاثة أسابيع بعدها، حتى جاء المستوى التالي من التصعيد في شكل عملية هجومية وسط أبوظبي، عاصمة الإمارات. تم في العملية استهداف مصفاة نفطية، ليعلن عن انفجار ثلاثة خزانات نفطية واندلاع حريق بالقرب من مطار أبوظبي الدولي أسفر عنه مقتل ثلاثة أشخاص. أما خلفيات الهجوم، الذي رد عليه تحالف الحرب بقيادة السعودية والإمارات بضربات جوية مكثفة على مناطق سكنية في العاصمة اليمنية صنعاء المسيطر عليها من أنصار الله، فهو مشاركة أبوظبي المتجددة في القتال المباشر بمأرب. تلك المدينة، التي كان أنصار الله يتقدمون صوبها باطراد منذ العام السابق، هي آخر معقل في شمال البلاد لـ"حكومة" لم تعد تتمتع بأي شرعية ديمقراطية منذ 2014، لكنها معترف بها من قبل أطراف في "المجتمع الدولي". وخسارة هذه المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، والغنية بالنفط والغاز، تُعتبر أمراً حاسماً للحرب، كذلك لأنها يمكن أن تكون بمثابة قاعدة لمزيد من التقدم العسكري في جنوب اليمن، وصولاً إلى عدن حيث مقر "الحكومة".
عام 2019، كانت الإمارات قد انسحبت في الأصل من العمليات القتالية المباشرة وسط اليمن، وذلك بسبب ارتفاع عدد القتلى في صفوفها. ومنذ ذلك الحين تراجعت باتجاه جنوب البلاد، حيث أصبحت السيطرة على الموانئ والجزر والطرق البحرية محور اهتمامها.
في موقف دفاعي إزاء المواجهات المباشرة حول مأرب وهجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أخذ يشنها أنصار الله على كل من السعودية والإمارات، كثف تحالف الحرب وحلفاؤه الغربيون جهودهم في الأسابيع والأشهر القليلة المنصرمة، لإيجاد طريقة يحفظ بها ماء وجهه، والخروج من الحرب التي لا يمكن لهم تحقيق أي انتصار فيها. وعلى الرغم من عدم الإيفاء بمعظم شروطهم، إلا أن جماعة أنصار الله وافقت على وقف إطلاق النار، والذي بدأ في 2 أبريل، وتم تمديده مرتين أخريين حتى أوائل أكتوبر. وفي سياق دخول الهدنة حيز التنفيذ قدم "الرئيس" عبد ربه منصور هادي استقالته وسلم "السلطة" إلى مجلس رئاسي لم يتم بطبيعة الحال انتخابه هو الآخر، فاعتُبر دمية في يد الرياض مثل هادي. ومع ذلك، لم يهدأ القتال أبداً: يتهم أنصار الله تحالف الحرب بخرق الهدنة حتى حلول نهاية أغسطس بما لا يقل عن 25 ألف خرق.
واصل التحالف العسكري مصادرة ناقلات الوقود وشحنات الأغذية والأدوية التي تظل الحاجة إليها ماسة. وظلت الرحلات عبر مطار صنعاء، والتي تم الترويج لها كثيراً، في حدها الأدنى هي أيضاً. وقبل هذا وذاك، لم تجر أي مفاوضات بشأن اتفاق سلام طويل الأمد أُعلن عنه كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، لأسباب ليس أقلها أن تحالف الحرب يرفض بشدة رفع الحصار البحري والبري والجوي غير القانوني المفروض على اليمن والمتسبب وفق الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في عصرنا.
في الواقع، لا يمكن التخفيف بشكل ملحوظ من وطأة الكارثة الإنسانية حتى أثناء وقف إطلاق النار، بل على العكس من ذلك: نتيجة الحصار ووباء كورونا وحرب أوكرانيا والعقوبات الروسية، ارتفعت أسعار الغذاء والدواء والوقود بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة مستمرة في الجوع والوفيات من أمراض يمكن الوقاية منها أو علاجها في الظروف العادية. بالإضافة إلى ذلك، يتراجع منذ سنوات الاستعداد للتبرع للبلد، الذي كان يُعتبر "ملجأ" العالم العربي حتى قبل الحرب، ولهذا السبب اضطرت منظمات الإغاثة منذ فترة طويلة إلى تقليص الحصص الغذائية بشكل كبير وإيقاف برامجها بالكامل. في مؤتمر للمانحين في مارس 2022، كان الوضع أسوأ من أي وقت مضى: تم التعهد فقط بثلث مبلغ الـ3.9 مليار يورو الذي قدرته الأمم المتحدة لتوفير الإمدادات الضرورية للسكان الجائعين. تم التعهد بتقديم 9 مليارات يورو في مؤتمر للمانحين نظمته سويسرا والأمم المتحدة. أعطت الحكومة الألمانية ما يزيد قليلاً عن نصف المبلغ الذي قدمته العام الماضي، على الرغم من أن ما لا يقل عن ثلثي سكان اليمن يعتمدون الآن على المساعدات، كما أن الانخفاض المستمر في قيمة العملة المحلية والتضخم المفرط المتفاقم باستمرار يزيد الوضع سوءاً.
وبدلاً من تحميل تحالف الحرب المسؤولية عن معاناة الشعب اليمني ومقتل أكثر من 400 ألف حتى الآن، يواصل حكام الدول الصناعية الغربية تزويده بدعم سياسي ودبلوماسي ولوجستي وعسكري واسع النطاق. وبدون صادرات الأسلحة الغربية، لا يمكن استمرار الحرب. تشير التقديرات في الولايات المتحدة وحدها إلى أن الرياض اشترت ما قيمته 63 مليار دولار من الأسلحة منذ بدء العدوان في مارس 2015. كما أن هناك أدلة على تورط مباشر لعسكريين أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين في الحرب. وفي وقت مبكر من عام 2015، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أهداف الرياض الحربية، وأعاد تأكيد ذلك نهاية فبراير 2022 من خلال القرار 2624.
إن موافقة السناتور الأمريكي برنارد ساندرز في 13 ديسمبر على "قرار صلاحيات حرب اليمن" تشير أيضاً إلى أن مسعري ومؤيدي الحرب على اليمن لن يتم إجبارهم في المستقبل المنظور على الحد من التدخل الأمريكي في اليمن وقطع دعم إدارة بايدن للعدوان الذي تقوده السعودية، وإعادة التأكيد على سلطة الكونجرس في تفويض المهام العسكرية لواشنطن في الوقت الحالي. وقد سبق ذلك ضغط مكثف من قبل البيت الأبيض، حيث قدم مستشارو بايدن نصيحة له باستخدام حق النقض ضد المبادرة لو تم تمريرها، كما فعل سلفه دونالد ترامب عام 2019. ومن شأن محاولة مسؤولي البيت الأبيض إقناع أعضاء الكونجرس تمرير القرار أن "تعقد الدبلوماسية". بالإضافة إلى ذلك، قد يصبح دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا "في الحرب على روسيا" أكثر صعوبة. وبحسب ما قاله ساندرز، فإنه يريد الآن "العمل مع الحكومة"، وبالتالي يجب أن تكون المفاوضات حول الاتفاق على "لغة وسط".