حاوره:أنور عون / لا ميديا -
لأنه من زمن الكبار وأحد أهم المدافعين الكرويين الذين لم يتكرروا منذ الثمانينيات زمن الكباتن الحقيقيين، حاولت مراراً محاورته، وحينما حانت الفرصة والتقيت الكابتن عبدالواحد عتيق حزنت، لأن ذلك المدافع الشامخ القوي الذي أوقف أخطر المهاجمين وأخرجهم عن الخدمة يعاني على سرير المرض، متعب القلب والبدن؛ لكن حزني تبدد بعض الشيء عندما نهض مبتسماً ورحب بالحوار.

  كان لتواجد صديقه ورفيق دربه، الكابتن والقاضي والموسوعة الرياضية جمال درهم، دور كبير في تفاصيل الحوار. وقبل أن نذهب لحوار الذكريات سألته عن صحته وسبب وعكته، فقال:
- تعرضت لبداية جلطة وأنا في منزلي في تعز بالحوبان، ودخلت في غيبوبة وكدت أفقد حياتي؛ لكن الله لطف. سعيت جاهداً ألا يعلم أحد من زملائي وأصدقائي. ومع تفاقم وضعي الصحي تواصلت مع أحد الأصدقاء الممتدة صداقتي به من أيام كنا لاعبين مع الصقر. أخبرته بحالتي وأني متجه للعلاج في صنعاء؛ لكنه صدمني ببرودته، وقوله: اتصل لفلان وعلان... وأغلقنا الموضوع.
هو يعلم أني لست بحاجة للمال بقدر حاجتي للوقوف معي معنوياً في هذه اللحظات المؤلمة. سافرت إلى العاصمة، والحمد لله تعالجت وتجاوزت مرحلة الخطر بفضل عناية الله، ثم شخصين عزيزين عليَّ، مهما قلت ومهما فعلت لن أفيهما حقهما. صديقي وأخي الكابتن خالد الناظري رجل المواقف عند الشدائد والأهوال، لم يفارقني أبداً. وكذلك الأستاذ عبدالله محمد بشير، المدير التنفيذي لشركة "كاك" للتأمين، شخص نادر في هذا الزمان، إنسان بمعنى الكلمة، لم يقصر معي إطلاقاً.

   وإدارة الصقر؛ ماذا قدمت لك؟
- لم يعلموا بمرضي إلا بعد أن تعالجت تماماً. لم يخبرهم صديقي الذي خذلني. ولكنهم بعد أن علموا تواصل معي الأخ رياض الحروي، واعتذر عن التقصير؛ لأنه لم يكن يعلم؛ ولم يقصر. كذلك الأخ زيد النهاري تواصل معي واطمأن على صحتي. وكلاهما نقلا لي تحيات الأستاذ شوقي هايل. كل الشكر لهم جميعاً على موقفهم.

   بعد الاطمئنان على صحتك، هل يمكننا العودة بك إلى بداياتك الكروية ولعبك للصقر والزهرة؟
- نعم، لا تقلق، سأجيبك على ما تريد. بدايتي في الحارة حارسا ومهاجما، قبل أن أصبح مدافعا مع الصقر والزهرة والمنتخبات الوطنية. بالنسبة لالتحاقي بالصقر كان بواسطة الكابتن عبدالرقيب عبدالله العديني، فقد كان يستقطب المواهب للنادي، وسجلني وشجعني كثيراً إلى أن تم تصعيدي للفريق الأول المرصع بالعمالقة، أبرزهم علي ناجي الرويشان، فهد شهاب، فضل ومنصور الدهبلي، عبدالرقيب العديني. ونجوم آخرون، وكلهم كانوا في موسمهم الأخير 77/78، وصعد إلى جانبنا حينها أحمد ناصر وبسطام الشيباني، ولعب معنا أيضاً محمد وعلي قاسم حزام ومحمد سعيد الحميري... وقدمنا مواسم جيدة، أفضلها ذلك الموسم الذي قدم فيه إلى الصقر أكثر من سبعة نجوم من الجنوب بعد الأحداث السياسية في عدن، وكان على رأسهم القيصر عبدالله الهرر. وبهذا الفريق قدمنا مستويات كبيرة وبلغنا دور الأربعة في كأس الجمهورية، وكنا الأحق بالوصول للنهائي لولا التحكيم الذي أهدى الفوز لوحدة صنعاء بصورة فاضحة وواضحة.
وبالمناسبة هنا أود الإشارة إلى اللاعب الكبير عبدالله الهرر، هذا اللاعب عندما لعبت بجانبه ذلك الموسم تعلمت منه الكثير واعتبرته مثلاً أعلى، لما يملكه من قدرات ومهارات وأخلاق... رحمه الله.

   ومتى انتقلت إلى الزهرة؟
- أكملت الثانوية العامة فقال لي والدي: تسافر إلى صنعاء لدراسة الجامعة وأصرف عليك، أو تبقى هنا بلا مصروف. فاخترت الدراسة، والتحقت بالجامعة، وكنت أنوي اللعب مع وحدة صنعاء، إلا أن زميليّ عبدالخالق الحيمي وعبدالحميد الشاوش أقنعاني باللعب مع الزهرة، وبقيت معهم خمسة مواسم، ومن المباراة الأولى تألقت وحملتني الجماهير على أعناقها، وفي الموسم الثاني حققنا لقب كأس الجمهورية عقب فوزنا على الجيل والأهلي والوحدة، وكلها انتصارات بركلات الترجيح.

   بعد مواسمك الزهراوية عدت صقراوياً. كيف كانت العودة؟
- عدت منتصف الثمانينيات، وكان الصقر في المواسم السابقة يصارع الهبوط. ومع عودتي قدمنا أفضل المستويات والنتائج، وتصدرنا الدور الأول مع أهلي صنعاء؛ لكن الدور الثاني شهد انتكاسة صقراوية وكدنا نهبط.

   ما الذي حدث لكم؟
- أول الأسباب سفر مدربنا السوداني تاج السر، وهذا المدرب كان رائعاً بكل المقاييس، وتم التعاقد مع المدرب عبدالقادر حسن القادري شفاه الله، ومن هنا بدأ الانهيار.
فبعد أن لعبت أساسياً وكنت متألقاً في الدور الأول، وجدت نفسي في معظم المباريات احتياطيا، وظهرت الشللية من زملاء يلعبون بجانبي، ولا أعلم لماذا تلك الحرب ضدي! وزاد الطين بلة في سوء النتائج إصابة الحارس الطائر محمد درهم، ووصل بنا الحال إلى لعب المباراة الأخيرة أمام الزهرة من أجل البقاء، وفزنا وبقينا بفارق نقطة.

   وكيف كانت مواجهة البقاء أمام فريقك السابق؟
- كانت صعبة على نفسي، فلم أكن أتمنى أن يهبط الصقر أو الزهرة؛ لكن الظروف حتمت هبوط أحدهما، وهبط الزهرة. وبعد المباراة لم أتركهم، تعشيت معهم وجلست عندهم؛ لأنهم فريق راقٍ وعلى قدر من الأخلاق. كانوا يعتبرونني أخاً لهم. وعدت في الموسم الثاني ولعبت مع الزهرة في تصفيات الصعود. وكان الفريق في مرحلة تجديد، اللاعبين الذين تم تصعيدهم أصبحوا بعدها نجوماً كباراً؛ أولاد عبدالحفيظ: باسم وبهاء وعمر، والكندي وبسباس والذاري... وخضنا التصفيات وصعدنا للأضواء قبل أربع جولات وحسمنا التأهل في صعدة أمام نادي السلام.

   والمنتخبات، ما حكايتك معها؟
- مثلت المنتخبات في عدة مناسبات، أبرزها مع منتخب الشباب في تصفيات آسيا، وكنا قاب قوسين من التأهل لولا مؤامرة الإمارات علينا، وفي تصفيات آسيا بالهند كنت خلالها كابتن المنتخب الوطني الأول.

   في الثمانينيات كانت فرق مثل الزهرة، الطليعة، المجد، أهلي الحديدة، الجيل، والصقر، تمتلك نجوماً كباراً جداً؛ لكنها كانت تصارع الهبوط دائماً؛ لماذا؟
- لأن الإدارات لم تكن بمستوى النجوم والطموح. والأهم من ذلك: لجنة التحكيم كانت غالباً تسير البطولات لفرق بعينها، وهذا كان يحبطنا كلاعبين.

 لم نرَ الكابتن عبدالواحد في مجال التدريب والإدارة كثيراً...؟
- عملت في التدريب والإدارة مع الصقر في البداية بطلب من الأستاذ شوقي أحمد هائل، كمدرب، وحدثت مؤامرة ضدي من زميل لي هو نفسه الذي قاد الشللية في موسم 85. ثم عملت مساعداً للمدرب العراقي حسين دعمور، وأيضاً مساعداً للكابتن أمين السنيني، وتوليت تدريب قطاع الناشئين والشباب. وعندما عُينت مديراً تنفيذياً للنادي، أسهمت في تعشيب الملعب بالنجيل الصناعي، ودمج ملعب ألعاب الظل: السلة، الطائرة، اليد، وأنشئ ملعب بجانب البوابة.

 وماذا عن عملك باللجنة المؤقتة لكرة القدم 2006؟
- تم اختيارنا كلجنة مؤقتة، لأنها جاءت في ظروف صعبة تمر بها الكرة اليمنية، ومع قامات عملاقة: إبراهيم صعيدي، وصادق حيدر... وكان اختيار عناصر اللجنة وفق معايير، وتم التقديم لأسماء كثيرة، وكان الصراع بين العيسي وشوقي هائل، وتجلى ذلك بوضوح في إقامة الدوري؛ العيسي لا يريد إقامة الدوري أو إقامته على مجموعتين؛ لأن فريقه (الهلال) ليس جاهزا، ويخشى من الصقر الجاهز للبطولة... وحسب اللوائح فرضنا إقامة الدوري بتأهل، وفاز الصقر بالبطولة، ثم هيأنا للانتخابات بصورة مثلى. وأذكر أن مندوب الاتحاد الدولي، الذي حضر والتقى بالجميع ومنهم شوقي هائل، خرج بانطباع أن شوقي هو القادر على رئاسة الاتحاد وإدارة الكرة اليمنية، لما يتمتع به من عقلية فذة.

   وماذا عن بطولات جامعة تعز التي أشرفت على رياضتها لفترة طويلة؟
- الحمد لله، بشهادة كل من تابع تلك المرحلة، تركت بصمات دامغة، أسهمت في إصلاح ملعب الجامعة، وأصبحت بعدها البطولات حديث الجميع. تسع دورات شارك فيها نجوم من داخل وخارج المحافظة سنوياً، وشاركنا في بطولة الجامعات العربية وحققنا مركزا متقدما، وكلها كانت بتكاتف الجميع، مجلس إدارة الجامعة ومن عمل بجانبي. لكن بعد ذلك الألق والزخم اندثرت اليوم بطولات الجامعة، واستبدلوا بالملعب إنشاء مبنى فيه!

   قبل الختام، من هم أبرز المهاجمين الذين واجههم المدافع الصلب عبدالواحد عتيق؟
- كان هناك مجموعة من اللاعبين عندما كنت أواجههم أشعر كأنني أخوض معركة قتالية عنيفة: خالد الناظري، عزيز الكميم، يحيى جلاعم، ناصر الرويس، عبدالرقيب حسن، شكيب البشيري. هؤلاء مهاجمون لم أرً مثيلاً لهم حتى اليوم.

 وأفضل لاعب شاهدته؟
- جيلنا كان مليئاً بالنجوم المتكاملين؛ لكني كنت معجباً بالكابتن علي الأشول. حضوره داخل الملعب غير عادي، وقوفه، تحركه، استلامه للكرة، توزيعاته الساحرة... يذهلك حتى يأسرك وأنت تشاهده يلعب. كما أنه قمة في الأخلاق والتواضع والاحترام.

   كلمتك الأخيرة، ماذا تحب أن تقول فيها؟
- كل الشكر لمن سأل عني في مرضي. وشكراً لك أخي العزيز، ولصحيفة "لا" الرائعة وملحقها الجميل.