حاوره: مارش الحسام / لا ميديا -
فنان من الزمن الجميل سطعت نجوميته مبكرا وخفتت مبكرا وهو في سن السابعة عشرة من عمره بعد ثلاث سنوات حافلة بالعطاء فجأة ودون مقدمات سكت صوته واختفى أثره ولم يعد له وجود.
الشهرة والنجاح أحياناً لا يكونان كافيين للنجوم للاستمرار في عالم النجومية ضاربين بتوقعات الجمهور عرض الحائط.
غاب العوامي أم تم تغييبه؟ سؤال حزين، لأننا في الحالتين فقدنا فناناً كان يمكن أن يكون ضمن الصورة الأنيقة والجميلة للفن اليمني.
بعد أكثر من 40 عاما عن اعتزاله الفن صحيفة  «لا»  تلتقى صاحب الأنشودة الوطنية الشهيرة “عمال في المصانع”، الفنان يحيى العوامي الذي ترك الساحة مبكرا فجأة مخلفا وراءه متابعين افتقدوا وجوده من جهة ويتساءلون عن أسباب اختفائه من جهة أخرى.

 يحيى العوامي بدأ الفن مبكراً وهجره مبكراً وهو في قمة نجوميته.. قبل الحديث عن الاعتزال المبكر.. ممكن تطلعنا عن بدايتك المبكرة؟
بدأت مشواري الفني في أواخر 1969 وكان عمري حينها 14 سنة وأنهيت المشوار في بداية 1973، أي بعد حوالي ثلاث سنوات فقط، وكنت حينها في سن 17.

صدفة في الحالمة
 السؤال كان كيف كانت بدايتك أو أول خطوة لك في عالم الفن؟
البداية كانت بالصدفة، حيث سافرت إلى الحالمة تعز، إذ كان خالي مدير القضاء العسكري هناك وكان في ضيافته الفنان المرحوم محمد حمود العوامي، بعد جلسة القات طلب مني خالي أن أعد له الشاي ودخلت المطبخ وكنت أدندن بأغان من حق البلاد. وسمعني الفنان محمد العوامي ولما أحضرت الشاي قال لي سمعني الأغنية التي كنت ترددها قبل قليل، وقمت أغنيها وهو أخذ العود ويعزف وأنا أغني وشجعني على الاستمرار في الفن وثم بدأت أغني مع الفنانة نبات أحمد العماري.

اعتزلت لسببين
 السؤال الذي يراود الجمهور هل غاب العوامي أم تم تغييبه؟
أنا اعتزلت الفن لسببين، الأول مشواري الفني الحقيقي بدأ مع الفنان المرحوم علي السمة، وهذا المشوار لم يكتب له الاستمرار بسبب سفر السمة إلى الاتحاد السوفيتي لإكمال دراسته العليا لأنه خريج هندسة من روسيا وهو سافر وأنا سافرت البلاد.
وهناك سبب آخر للاعتزال هو محاكمة أدبية لي في الإذاعة وصاحب الادعاء كانت زهرة طالب رحمها الله وسامحها.

محاكمة أدبية
 لماذا تمت محاكمتك أدبيا؟ وماذا كان في الادعاء؟
الادعاء كان بأني غنيت أغاني ليست أدبية: “لا سامحك يا الحب”، “اتركوني أسير قتيل المحبة”، “يا أهل الهوى اتركوني”، بالرغم من أني غنيتها في الإذاعة وبعدما عرضت كلماتها على إدارة المصنفات وتم قبولها وبعد سنة ظلت الإذاعة تذيع هذه الأغنية بشكل شبه يومي وبعدها قالوا الكلمات ليست أدبية.. طيب ليش ما قلتوا هذا الخبر من البداية.

الحمدي والصماد قدوتي
 فنانون يعتبرهم العوامي قدوته وأساتذته وسبب شهرته؟
الفنان المرحوم علي السمة هو أستاذي وهو أول من قدمني للإذاعة وغنيت أغنية من كلماته وألحانه وعزفه “اتركوني أسير قتيل المحبة”، ثم غنيت له “دلا بنفسك دلا”، و”لا سامحك يا الحب”، وهذه بداية الانطلاقة والشهرة وكانت على يد المرحوم السمة.
ولكن قدوتي من خارج الوسط الفني هم زعماء عرب صنعوا تاريخا وذهبوا: الزعيم جمال عبدالناصر والرئيسان الشهيدان إبراهيم الحمدي وصالح الصماد.
فيما أجمل فترة عشتها كانت مع الأستاذ والأخ الصديق شرف الشهاري وعادل الأصبحي.
 علاقتك بالمرحوم السمة كيف تصفها؟
علاقة قوية، فقد احتضنني كابنه حتى إنه منعني من تناول القات والدخان حفاظا على صحتي.. وكانت نصيحته الدائمة لي والتي مازلت أعمل بها حتى اليوم هي الابتعاد عن القات والدخان.

شلال دموع يقطع الحوار
 من أشهر أعمالك أنشودتك الوطنية “عمال في المصانع”.. ما قصة هذه الأنشودة؟ وما سر نجاحها؟
هذه الأنشودة اشتهرت كثيرا وكتب كلماتها الأستاذ عبدالعزيز الشائف ولحنها وعزفها المرحوم محمد قاسم الأخفش وغنيتها في 1972 في احتفال بمناسبة الأول من مايو، وأقيمت الحفلة في مصنع الغزل والنسيج وكان حاضرا الشهيد إبراهيم الحمدي قبل أن يكون رئيساً كان قائدا عسكريا آنذاك، وأعجب جداً بالأغنية وبصوتي، واعذرني عن إكمال الحديث، أمهلني خمس دقائق لإطلاق سراح دموعي المحبوسة ثم سنستأنف الحوار.
 بعد هذه الاستراحة القصيرة هل تمانع أن نستأنف الحوار من حيث قاطعتنا دموعك أم ننتقل إلى موضوع آخر؟
ليس لدي مانع.

تنهيدة للشائف ودموع للحمدي
 حين تطرقنا لأهم أعمالك وأشهرها “عمال في المصانع” كنا نتوقع أن يكون حديثك عنها بفخر وعظمة ومعنويات عالية لكنك فاجأتنا بالعكس من بداية حديثك عنها وبمجرد ذكر اسم عبدالعزيز الشائف صدرت منك تنهيدة كبيرة وواصلت حديثك بنبرة حزن، وعند ذكرك لاسم الحمدي انفجرت باكيا، بل إنك خلطت علينا الأوراق ولم نعد ندري من المعني بتلك التنهيدة وهل تبكي الشائف أم الحمدي؟
التنهيدة كانت لأجل الأستاذ عبدالعزيز الشائف، والدموع كانت من أجل الرئيس الشهيد الحمدي الذي أبكيه كلما تذكرت مقتله.
حادثة مقتل الرئيس الحمدي تحز في نفس كل يمني وتبعث على البكاء. بكاؤك عليه لا يحتاج إلى تفسير بعكس تنهيدتك تجاه الشائف والتي نتطلع لمعرفة لمغزاها.
العملاق عبدالعزيز الشائف كان أسطورة، مذيع لامع وشاعر وأديب، وكان يقدم “حماة الوطن”، وله برامج إذاعية لا حصر لها، كان هامة وطنية لم يحظ بأي تكريم خلال مشواره، وحالياً حالته الصحية يرثى لها حد البكاء، مقعد الفراش فاقد الذاكرة وعالة على أسرته.
قرارعادي
 عمرك الفني قصير جدا واعتزالك كان بعد ثلاث سنوات حافلة بالنجاح.. السؤال هل من السهل على الفنان أن يتخذ قرارا باعتزال وهو في قمة نجوميته أم أن القرار يكون صعبا؟
بالنسبة لي كان قرارا عاديا، لأني لست مرغما على تركه، بدأته بقناعة وتركته بقناعة، لأن السمة كان الحافز لي ومشجعي وقدمني للإذاعة وللجمهور وأحييت معه كثيرا من الحفلات في أكثر من مناسبة، بعد سفره توقفت عن الغناء وبعد قرار المحاكمة الأدبية قررت الانسحاب نهائيا.

دعوة الشاطر
 نعود إلى قضية المحاكمة هل تعتقد أنها مدبرة؟ ولماذا جاءت بعد سنة وليس في حينها؟
خلفيات المحاكمة بدأت حين دعاني علي الشاطر لإحياء حفلة في إحدى المناسبات الوطنية ورفضت، بعدها بدأ موضوع المحاكمة.
 لماذا رفضت الحضور طالما هي مناسبة وطنية؟
بعد غياب السمة لم أجد البديل الذي يحل محله ولم أنسجم مع فنان مثل السمة كان بيننا تناغم وانسجام هو يعزف وأنا أغني وسافر قبل أن يعلمني كيف أتقن العزف على العود، ورفضت الدعوة لأني وقتها لم أجد الفنان المناسب الذي ينسجم معي أو يحل محل السمة.

نلت حقي
 هل يعتبر العوامي مهضوما إعلامياً ولم ينل حقه من الشهرة؟
وقتها نلت حقي من الشهرة.

هضموا الأغنية
 ما رأيك بالفنانين الحاليين الموجودين على الساحة؟ وهل تعتقد أنهم ارتقوا بالأغنية اليمنية أم العكس؟
هضموا الأغنية اليمنية.
 بماذا تنصحهم؟
ألا يقلدوا الكبار وعملاقة الفن اليمني إلا بجدارة.

تجارة الفن
 ما الفرق بين فناني الجيل الأول وفناني الجيل الحالي؟
الآن أصبح الفن تجارة، من عرس إلى عرس، بعكس زمان، وأذكر أني دعيت الفنان علي السمة (رحمه الله) في عرس أحد أقاربي، تصور أنه اشترى قات العريس من جيبه.. كان الفنان زمان مستحيل يأخذ فلسا واحدا من العرس، ولم يكن لديهم دعم ولا إمكانيات كانوا يسجلون أغانيهم على شريط كاسيت، وحين يذهب الفنان إلى الإذاعة لتسجيل أغنية لا يستطيع أن يحتمل تكاليف فرقة إنشاد، كانوا يستعينون بالمذيعات العاملات في الإذاعة للقيام بدور فرقة الإنشاد، أنا شخصيا استعنت بهن أثناء تسجيلي أغنياتي في الإذاعة ومنهن أمة العليم السوسوة لما كانت مذيعة كنت أخليها تردد بعدي الكلمات وأنشدت معي في أكثر من أغنية.

السوسوة نسيتني
 هل مازالت علاقتك بأمة العليم السوسوة؟
بعد اعتزالي الفن انقطعت علاقتي بها وبعد سنوات كثيرة لقيتها وقد أصبحت وزيرة لحقوق الإنسان وسألتها: هل تعرفينني وهل تذكرين من أنا؟!
أجابت أنها لا تعرفني، وسألتني: من أنت؟!
أجبتها: كنت تعرفينني أيام نجوميتي وبعد أن طلعت وزيرة نسيتني، أنا يحيى العوامي الذي كنت تنشدين بعده.

 كلمة أخيرة؟
نشكر صحيفة “لا” الرائعة والتي أدمنت على متابعتها.. وعاش اليمن حرا مستقلا شامخا و”هيهات منا الذلة” و”الله أكبر”، و”لن ترى الدنيا على أرضي وصيا”.