نشوان دماج / لا ميديا -
إن أردت القضاء على فكرة ما فلا تقف في وجهها، بل تقمصها فحسب، وافعل بعد ذلك ما تشاء.
لا أسهل من تقمص الأفكار للقضاء عليها. وأقصد هنا تلك الأفكار العظيمة التي تكون بحجم رسالة ودين.
لم يفعل بولس (شاؤول اليهودي) شيئا من كل مطارداته للنصارى الأوائل وتنكيله بهم طيلة عقود. لكن بمجرد أن تقمص الفكرة استطاع أن يقلب الدين العيسوي رأسا على عقب، فيصبح هو الرسول الذي باسمه قامت المسيحية وعاشت الكنيسة، فيما المسيح عيسى بن مريم لم يعد سوى أيقونة تعبدية مسرفة في غيبيتها.
الأمر كذلك إلى حد كبير بالنسبة للدين المحمدي، فثمة من تقمص الفكرة وأصبح حريصا عليها أكثر ربما من النبي نفسه، لدرجة أن القرآن نفسه كان ينزل موافقا له في كثير من المواقف ومخالفا للنبي، ولدرجة أنه صار يسلك واديا فيسلك الشيطان واديا آخر، بحسب ما ورد في كتب الأحاديث والسير والأخبار.

معاوية تم تنصيبه ملكا في كنيسة القيامة بفلسطين، وحين كان يأتي المدينة يصيح مناديا على النساء ألا يتبرجن في الأسواق. صليبي في الشام و”مطوِّع” في المدينة، على حد وصف المفكر والباحث حسن فرحان المالكي. وحين يموت يوصي بأن يحنط بشيء من شَعر وأثر النبي، قبل أن يقول التاريخ على استحياء بأن صليبا انتُزِع من على صدره في المغتسل.
يزيد ابنه يذبح الحسين ويسبي بنات النبي، فيدخل عليه ذات يوم أحدهم بحذاء يزعم أنه للنبي، فيقوم ليضع الحذاء فوق رأسه.. وتستمر الحكاية من بني مروان إلى بني العباس إلى بني عثمان إلى ما شاء الشيطان من ملوك وحكام، كلهم اتخذ الدين جلبابا وتقمصه فكرة وجاء بالكهنوت لحىً وعِصِيا ومنابر تخطب باسمه وتدعو باسمه وتقيم الجُمَع والصلوات باسمه، ففعل ما فعل وهو مايزال “أمير المؤمنين”؛ فيما ظل أولئك الأوائل ومن سار على نهجهم منبوذين “قد وَعَظوا حتى مَلوا وقُهِروا حتى ذَلوا وقُتلوا حتى قَلوا”، على حد وصف الإمام علي. وما أشبه اليوم بالبارحة، بل ما أشبه التاريخ بالتاريخ.
يجمع المؤرخون والباحثون على إسرائيليات اخترقت العقيدة الإسلامية في المراحل الأولى من تاريخ الإسلام، وعادة ما يلقون بوزرها على شخصيات محددة يمكن إجمالها بكعب الأحبار وتميم بن أوس الداري وعبيد بن شرية وآخرين؛ غير أن هؤلاء حُمّلوا الوزر كله فقط حتى لا يتقاسمه معهم من كان قد سبقهم بمراحل وهيأ لهم الجو والمكان والزمان، بحيث عندما أتوا لم يفعلوا أكثر من مواصلة المشوار والتفرغ له، باعتبار الآخرين مشغولين بـ”الفتوحات” و”خمد الفتن”.
فبمجرد “إسلامه”، هُيئ لكعب الأحبار كرسي إفتاء وحلقة درس في المسجد النبوي، في الوقت الذي لم يكن لأُبَي بن كعب الأنصاري وغيره إلا أن تعلو ظهورهم “الدرة” مع كل حرف يفوهون به عن نبيهم. وحين يُصرَخ في وجهه: “أتعلمنا ديننا يا ابن اليهودية”، يضيق مجلس الخليفة ذرعا فيُصدر أمرا بنفي صاحب الصرخة.
قبل كعب الأحبار جاء تميم بن أوس الداري الذي لم يكتفوا بجعله صحابيا؛ بل جعلوه الوحيد الذي روى عنه النبي حديث الـ”جساسة”! ففيما الجميع يروون عن النبي يأتي تميم ليروي النبي عنه، هكذا قالت كتب “الصحاح”.
أما عبيد بن شرية فسمير معاوية الأثير في الليالي الدمشقية العامرة.
استمر الأمر ودار الزمان وقامت دول وذهبت أخرى، والمنوال ذاته: الحاكم بأمر الله، ورجل الدين الذي عادة ما يكون يهوديا أو ذا ثقافة يهودية فـ”يعتنق الإسلام” وعلى الفور يصبح مستشارا للأمور الدينية. وما هو إلا وقت حتى كانت عقيدة الناس قد غدت في مجملها “نصبا وجبرا وتشبيها وإرجاء”، على حد قول الحسن الهبل في قصيدة له. أينما وجدت غلوا ومزايدات على الدين وباسم الدين فابحث عن يهود وراء الأمر أو عن ثقافة متشربة منهم، حيث أصبح للثقافة اليهودية والتشريعات اليهودية أثر في الاعتقاد والفقه، بل مجمل الثقافة الإسلامية.
لكن بالرغم من ذلك ظلت هنا وهناك شذرات من النَّفَس المحمدي تقاوم لقرون كل تلك الريح العاتية، حتى في وسط أشد المذاهب تطرفا ومغالاة (الحنابلة مثلا). فمع أنه كان هناك العديد من الكتب التي طرحت تصورا للعقيدة الإسلامية دار النقاش فيها حول صفات الذات الإلهية والجبر والاختيار، ولكن لم يرد فيها تناول لمسألة التوسل والوسيلة باعتبارها من القضايا العقدية. حتى جاء ابن تيمية بهذه القضية وانفرد باعتبار التوسل شركا مخرجا من الملة مضيفاً لذلك ضرورة هدم أضرحة الأنبياء والأئمة بعد أن أعلنها أصناما وأوثانا تعبد من دون الله. وبذلك استطاع أن يفعل ما لم تستطعه “الأوائل”، تاركا إرثا زاخرا ستقوم عليه الحركة الوهابية التي كانت بحق وبشكل حصري هي التيار الفكري الذي يبلور الرؤية اليهودية الصهيونية.
جاء محمد بن سعود فجاء محمد بن عبدالوهاب، وقام رجل السياسة والكاهن كصنوين ليحرقا كل شيء باسم الدين، يحرقاه بعصا ذلك الكاهن قبل أن يكون بسيف ذلك السياسي الذي أصبح يقال له في كتبهم “الإمام محمد بن سعود”. لحية ابن عبدالوهاب كانت كفيلة بصقل سيف ابن سعود وجعله يحز رقاب الخلق بلا سبب. كانت من الكثافة والورع لدرجة أنها أصبحت هي دار الإيمان وغيرها دار الشرك، وظلت تستقي عروقها من حاطب ليل اسمه ابن تيمية الذي رأى نفسه يوما وقد أصبح “شيخ الإسلام”. أما حطبه كله الذي احتطبه طيلة حياته، فأضغاث استقاها من موسى بن ميمون، اليهودي العريق في بلاط صلاح الدين، والمؤصل لفكرة “الوطن الموعود” و”هيكل أورشليم” قبل هرتزل النمساوي وغيره.

الوهابية والصهيونية
هناك تشابه كبير بين الحركة الوهابية والحركة الصهيونية من حيث النشأة والدعوة إليها. فالصهيونية حسب تعريف ويكيبيديا: “هي حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر ودعت اليهود للعودة إلى أرض الآباء والأجداد (إيريتس يسرائيل) ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات، وبعد فترة طالب قادة الحركة بإنشاء دولة منشودة في فلسطين، والتي كانت على جزء من الأراضي التي تسيطر عليها الدولة العثمانية. وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي هرتزل الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث الذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم. وبعد تأسيس دولة “إسرائيل” أخذت الصهيونية توفر الدعم المالي والمعنوي وهناك طرف آخر يصفها بالأيديولوجية والعنصرية المتطرفة كطرد الفلسطينيين من أرضهم. وأول من استخدم مصطلح الصهيونية هو ناثان برنباوم الفيلسوف اليهودي النمساوي عام 1890. وقد عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بازل في سويسرا ليتم تطبيق الصهيونية بشكل عملي على فلسطين فعملت على تسهيل الهجرة اليهودية ودعم المشاريع الاقتصادية اليهودية”.
وبحسب تعريف ويكيبيديا للوهابية، هي: “حركة سياسية دينية، ظهرت في وسط الجزيرة العربية في نجد في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي ودعت المسلمين للعودة إلى نشر الدعوة السلفية في أرض الآباء والأجداد والسلف ورفض اندماج المسلمين في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة المسلمين والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات، وبعد فترة طالب قادة الحركة بإنشاء خلافة إسلامية منشودة في الجزيرة والتي كانت على جزء من الأراضي التي تسيطر عليها الدولة العثمانية. وقد ارتبطت الحركة الوهابية الحديثة بشخصية الداعية من درعية محمد عبدالوهاب (1703-1792) الذي يعد الداعية الأول للفكر الوهابي الحديث الذي تقوم على آرائه الحركة الوهابية في العالم. وبعد تأسيس دولة بني سعود أخذت الوهابية توفر الدعم الديني والمعنوي. وهناك طرف آخر يصفها بالأيديولوجية والعنصرية المتطرفة كطرد غير الوهابي من أرضهم. وأول من استخدم مصطلح الوهابية هم أتباع الحركة الوهابية. وقد عقد أول مؤتمر وهابي في مدينة الدرعية في الجزيرة العربية (السعودية). “يرى الوهابية أنهم هم أهل السنة الحقيقيون وهم الفرقة الناجية الوحيدة من النار” ليتم تطبيق الوهابية بشكل عملي على الجزيرة العربية فعملت على دعم سلسلة من الحروب التي يسمونها الغزوات والجهاد ودعم المشاريع الاقتصادية الوهابية”.

من ابن ميمون إلى الحاج فيلبي
موسى بن ميمون (1135-1204) جاء إلى مصر قبل سقوط الدولة الفاطمية ببضعة أعوام، وأمضى ما يقرب من 35 عاما في بلاط الدولة الأيوبية طبيبا ومستشارا. اختير طبيباً خاصاً لنور الدين علي، أكبر أبناء صلاح الدين، وللقاضي الفاضل البيساني وزير صلاح الدين. فاستخدم نفوذه لحماية يهود مصر، ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد، واضعا أساس الدولة الصهيونية المعاصرة.
كان الأمر في عهد صلاح الدين مايزال بحاجة إلى أن يكون الاختراق عبر رجل الدين. فالرجل كان يهوديا بحتا بالرغم من تخصيص محاضرات يومية له في المسجد لتعليم الناس أمور دينهم. ومثلما تتحدث الكتب عنه كان يزعجه أن يحاضر يوم السبت، فهو يوم استراحة بالنسبة له، ومع ذلك يتكلف الحضور تأدية لواجبه، لأن الوقت كما يبدو لا يحتمل الإجازات والراحات.
بيد أن الأطم من هذا أن موسى بن ميمون قد استخدم نفوذه في البلاط الأيوبي أولا “لحماية يهود مصر”، ثم لما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها.
يضاف إلى ذلك ما يقوله المؤرخون: وعبر القرون توالت الفتاوى، حول ضرورة بناء الهيكل، والذي أصّل لذلك “موسى بن ميمون” الذي زار القدس عام 1267م (أثناء العصر الأيوبي) ولفت انتباه اليهود إلى ضرورة بناء هيكل، ليكون رمزاً لوحدتهم..
هيكل مركزي وحيد موحد يكون بديلاً عن أماكن عبادتهم في الكنس بحيث يتوقف عصر الحاخامات ويبدأ عصر الكهنة ممن يعودون بالعبادة من بدعة المزامير إلى عادة تقديم الأضاحي والقرابين. وذهب موسى بن ميمون إلى أن الهيكل الثالث لن يُبْنى بأيدٍ بشرية، وإنما سينزل كاملاً من السماء، وبالتالي كان من فتح باب الاستيطان اليهودي في فلسطين وهو المؤسس الحقيقي للمشروع الصهيوني المعاصر وليس حاييم وايزمان أو هرتزل.
جاء العصر الحديث فتطورت معه جملة من الأمور ومنها أن ثوب رجل الدين لم يعد لائقا لتقمصه، فجاء جون فيلبي البريطاني الذي يشار إلى يهوديته بقدر ما يشار إلى قوميته كـ”بريطاني”، جاء بثوب رجل السياسة، فاعتنق الإسلام هو الآخر على يد عبدالعزيز بن سعود، ليصبح “الحاج عبدالله”، المستشار الأكبر في بلاط “الإمام سليل الأئمة” الذي قامت دولته على “التزام هدي الكتاب والسنة والسلف الصالح”، بحسب مؤرخي ابن سعود.

فيلبي وبن غوريون: جلالة الملك ابن العم
يقول جون فيلبي: “لقد أصبحت مهمتي المكلف بها من المخابرات الإنجليزية بعد مقتل الكابتن شكسبير، قائد الجيش السعودي، هي: الدعم والتمويل والتنظيم والتخطيط لإنجاح عبدالعزيز بن سعود في مهمته”.
ويتابع: “وبعد سقوط حكم ابن الرشيد في حائل وسقوط عرش الحسين بن علي في الحجاز أنشأنا إمارة شرق الأردن ونقلنا إليها الأمير عبدالله بن الحسين، وكلف الإنكليز أشخاصا غيري لمراقبة وتوجيه عبدالله وتنظيم الإمارة الجديدة، إلا أن هؤلاء الأشخاص ما استطاعوا ترويض الأمير عبدالله الذي ظن أن هذه القطعة الجديدة من الأرض التي منحت له ما هي إلا ملكه الخاص وعرشه البديل للعرش الضائع في الحجاز.. ومن أجل ذلك رأى قادتي أنه لا مناص من ذهابي إلى الأردن في مهمة ترويضية. وكانت أول جملة كلفني السير برسي كوكس بنقلها للأمير عبدالله هي أن يقبل عبدالله بما قسم الله له وألا يجعل من عشه الجديد ثكنة حربية ضد عبدالعزيز بن سعود وأن يتعاون مع الوجود البريطاني واليهودي في فلسطين، ويسلم لابن سعود الحجازيين والنجديين والشمامرة الذين هربوا معه أو لجأوا إليه فأخذ يعدهم في الأردن لمضايقة ابن سعود.. هذه هي أسس المهام التي كلفت من قيادتي بترويض الأمير عبدالله عليها”.
ويواصل جون فيلبي سرد الذكريات قائلا: “وبعد شهرين من وصولي إلى الأردن قمت بجولة في أنحاء فلسطين وكانت الثورة الفلسطينية في بدايتها ويعيش الإنكليز في قلق منها، فحاول بعضهم توسيط الأمير عبدالله لدى الثوار الفلسطينيين بإيقاف الثورة، فحبذت الفكرة لعلمي أن عبدالله سيفشل في وساطته لعدم نفوذ الأمير عبدالله بين الفلسطينيين، وبالتالي سيكون الجو مهيأ لصديقنا العزيز عبدالعزيز فتنجح وساطته فترتفع أسهمه لدى الإنكليز أكثر فأكثر، وهذا ما تم فعلا وما اقترحته بعد فشل عبدالله في الوساطة إذ اقترحت توسيط عبدالعزيز بن سعود، وهكذا نجح عبدالعزيز بما فشل فيه عبدالله عام 1936، بل إنه بمجرد أن عرض عبدالعزيز بن سعود وساطته لدى وجهاء فلسطين قبلوا وساطته بإيقاف الثورة ضد الإنكليز واثقين مما تعهد لهم به وأقسم لهم عليه قائلا: إن أصدقاءنا الإنكليز تعهدوا لي على حل قضية فلسطين لصالح الفلسطينيين، وإنني أتحمل مسؤولية هذا العهد والوعد.
وكان لنجاح وساطة عبدالعزيز بن سعود صداها القوي لدى الإنكليز واليهود وكانت المنعطف الأكبر في تاريخ فلسطين، وعزز ذلك النجاح الباهر كافة آرائي بعبدالعزيز أمام رؤسائي بل حتى أمام خصومي في المكتب العربي بالقاهرة. وأثناء رحلتي تلك إلى فلسطين عرجت إلى تل أبيب وقابلني الزعيم اليهودي ديفيد بن غوريون وكان فرحا لنجاح الوساطة السعودية التي أوقفت الثورة الفلسطينية، إلا أنه أبدى قلقه من سبب ابتعادي عن عبدالعزيز بن سعود وقال إن وجودك يا حاج عبدالله مهم بالقرب من عبدالعزيز هذه الأيام، فقلت لبن غوريون: إننا لم نعد نخشى على عبدالعزيز بن سعود فلديه من الحصانة ما يكفي لتطعيمي وتطعيمك! كما قد حصناه سابقا بعدد من المستشارين العرب، بالإضافة إلى أن هناك من يقوم الآن بدوري لديه، مع أنني لم أبتعد هذه الأيام عنه لغير صالحه في ترويض خصومه في شرق الأردن. هنالك ظهرت على وجه بن غوريون علامة الارتياح، وتشعب الحديث في أمور هامة تتعلق بالشؤون العربية ومستقبل اليهود.. وبذلك اطمأن بن غوريون وابتسم معبرا عن غبطته باستقرار الأمور لصالح ابن سعود وبما توصلت إليه من ترويض للأمير عبدالله بن الحسين. وقال وابتسامة الرضا بادية على وجهه من حديثي: إذن مازلت أيها العظيم على علاقة حسنة بالرجل العظيم. قلت لبن غوريون: من تقصد بالرجل العظيم؟ فقال: وهل هناك مقصود في المنطقة العربية خلاف ابن العم عبدالعزيز بن سعود. قال بن غوريون كلمة ابن العم وهو مدرك تمام معرفتي بتسلسل النسب السعودي المنحدر من قبيلة بني قينقاع اليهودية، ثم أخذ بن غوريون يعدد لي زعماء وملوك وقادة اليهود الذين دخلوا الدينين المسيحي والإسلامي وغيرهما من الأديان لخدمة الهدف اليهودي والذين حكموا العالم عملا بتحقيق الغاية الكبرى لبني إسرائيل فأورد أسماء كثيرة.
وسافرت من الأردن إلى مكة وهناك قابلت الصديق الصدوق عبدالعزيز بن سعود المتلهف لأخباري، وما إن قابلته في مجلسه الواسع وسألني عن “العلوم” أي الأخبار حتى أفهمته بإشارة يفهمها مني تمام الفهم وتعني “أن فض هؤلاء الناس الموجودين في المجلس” ففضهم، ولم يبق سوانا نحن الاثنين عبدالله فيلبي وعبدالعزيز فطمأنته من أنني صفيت الوضع في الأردن لصالحه وصالح بريطانيا، ثم قرأت عليه رسالة بن غوريون التي جاء فيها قول بن غوريون لعبدالعزيز: يا صاحب الجلالة رنت في أذن عبدالعزيز. فهي أول كلمة يسمعها عبدالعزيز بعد توليه العرش، إذ لم يتعود من عرب نجد سماعها أو دعوته إلاّ باسمه المجرد (يا عبدالعزيز) أو (يا طويل العمر) على أكثر تقدير..
وعندها استوقفني عبدالعزيز عن تلاوتي لرسالة بن غوريون متسائلا يقول: “لماذا يدعونني بن غوريون صاحب الجلالة وأخاه في الله والوطن؟!” فقلت لعبدالعزيز إن جميع أهل أوروبا لا يلقبون ملوكهم إلا بأصحاب الجلالة لأنهم ظل الله في الأرض! أما قول بن غوريون عن الأخوة في الله والوطن فكلنا إخوة...”.
إذن فبن غوريون هو أول من أطلق على ابن سعود لقب صاحب الجلالة، مثلما أن كعب الأحبار أطلق على أحدهم لقب الفاروق. وربما مثلما رنت الكلمة في أذن ابن سعود، رنت الكلمة الأخرى هي أيضا في أذن ذلك الـ”أحدهم” وهو يسمعها من كعب الأحبار بأنه هو المذكور في كتبهم! راجعوا التاريخ.

إتش جلوبال.. اليهودية الأرثوذكسية الوهابية الجديدة
في الوقت الذي يواجه فيه باحث ومفكر بحجم حسن بن فرحان المالكي حكما بالإعدام، فضلا عن سجنه منذ سنوات والتضييق عليه في وظيفته ومعيشته لعقود بأكملها من قبل سلطات بني سعود، تأتي هذه السلطات ذاتها وبكل صفاقة لتتحدث عن رغبة ملكية “قديمة” في إنشاء مركز عالمي لـ”حوار الأديان” وإقامة مؤتمرات بين الفترة والأخرى للتخفيف من وطأة “التشدد والغلو”، وها قد حان الوقت لمثل ذلك المركز وتلك المؤتمرات، وقد تجمع إليها شذاذ الشيعة والسنة، المنبطحون من أصحاب العمائم واللحى، بالإضافة إلى حاخامات ورجال دين مسيحيين (مخضرمين تماما كشاؤول) لإدارة مثل هكذا حوار.
هكذا تكتمل جوقة الدين الإبراهيمي كما يسمونه (بنسخته الموسوية والعيسوية والمحمدية) فيكون الدين كله لليهود وليس لله.
فبافتتاح السعودية مركزا لحوار الأديان، لم يعد أمام “اليهودية الأرثوذكسية” التي يرأسها الحاخام ستيفن بورج ومقرها “أورشليم”، إلا أن تصبح “اليهودية الأرثوذكسية الوهابية” ومقرها الرياض أو مكة. من يدري؟ فـ”كونك يهودياً بشكل علني ومؤيدا لـ”إسرائيل” في المملكة لم يعد مشكلة بالنسبة لهم”، فهم “مفتونون جداً بما يحدث هنا في أورشليم (القدس المحتلة) وينتظرون نوعاً ما منا المضي قدماً”؛ هكذا صرح ستيفن بورج مؤخرا بعد لقاء له مع “جلالة الملك خادم الحرمين الشرفين” سلمان بن عبدالعزيز ونجاح مؤتمر الرياض لـ”حوار الأديان”.