غازي المفلحي / لا ميديا -
في مسعى الصين لتكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم، تحول التنين الصيني إلى أخطبوط اقتصادي لزج يتمدد في كل مكان. فما هو حال علاقات وصداقات الصين اليوم مع دول المنطقة؟! وهل تترجم تلك الصداقات إلى برامج مصالح متبادلة أم لا؟! وهل الصين وفية في علاقاتها مع من تسميهم أصدقاءها من دول المنطقة أم أن الأولوية لمصالحها بغض النظر عما إذا كانت تضر بعلاقاتها مع هؤلاء «الأصدقاء»؟! وعلى سبيل المثال، هل يمكن اعتبار أن علاقات الصين الاقتصادية والسياسية اللامعة إعلامياً مع إيران، تمثل بناءً استراتيجيا متميزاً يخدم البلدين، أم أن إيران ضمن «أصدقاء المصلحة» الكثيرين الذين تملكهم الصين؟

هنا وهناك
في الوقت الذي توقع فيه الصين مع إيران اتفاقيات ضخمة ويتم وصفها بأنها «استراتيجية»، وأنها بهذه الاتفاقيات ستبني تحالفاً يطاول أمريكا وحلفاءها في المنطقة، لكنها في المقابل تذهب لتوقع اتفاقيات أخرى أكبر مع السعودية والإمارات ودول الخليج (الأدوات الطيعة لأمريكا في المنطقة). وهي اتفاقيات توصف أيضاً بأنها استراتيجية وأنها تطابق ما تسمى «رؤية 2030» الخاصة بمحمد بن سلمان.
في العام الماضي (2021) وقعت الصين وإيران «برنامج التعاون الشامل»، وهو أكبر الاتفاقات المعلنة بين البلدين، وهو خطة عمل تهدف لشراکة استراتيجية طويلة الأمد. طُرحت فكرة هذا المشروع في يناير/كانون الثاني 2016، وتطلب الأمر مفاوضات وزيارات عالية المستوى بين الطرفين استمرت لمدة خمس سنوات، وتحديداً حتی نهاية مارس/آذار 2021، وهو الموعد الذي تم فيه التوقيع على الاتفاق.
ويهدف المشروع لتوسيع العلاقات بين الصين وإيران في إطار برنامج طويل الأمد (25 عاماً) محاوره الرئيسية، سياسية ـ استراتيجية، واقتصادية، وثقافية، تقدر قيمتها بـ400 مليار دولار، منها 280 مليار دولار حجم الاستثمارات المتوقعة في قطاعي الغاز والنفط الإيرانيين، و120 مليار دولار في شبكة الطرقات والمطارات والسكك الحديدية.
رغم أن المصالح المشتركة بين إيران والصين زادت بعد إعلان قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979؛ إلا أن ذروة التبادل التجاري بين البلدين لم تأت إلا في 2014 ليصل إلى 51 مليار دولار، وسجلت التجارة الثنائية 44.2٪ من إجمالي التجارة الخارجية لإيران، ثم ارتفعت هذه النسبة إلى 60.8٪ عام 2018، مع العلم أن هذه النسبة تُعتبر قليلة الأهمية في الميزان التجاري الصيني، الذي يعتمد على الهيدروكربونات (البنزين، غاز الميثان، الغاز الطبيعي، والفحم الحجري) في معظم وارداته من إيران.

«إسرائيل» تسبق إيران
تظهر إحصاءات الجمارك الصينية بشأن التجارة مع إيران عام 2020، أن حجم التبادل التجاري بين البلدين أقل من حجم التبادل بين الصين والمملكة السعودية أو بين الصين والإمارات أو حتى بين الصين والكيان الصهيوني، فكل هذه الأخيرة تتفوق على إيران في حجم التبادل التجاري مع الصين، رغم أن إيران توصف كواحدة من أهم الدول الصديقة للصين على عكس البقية.
فبحسب إحصاءات الجمارك الصينية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإيران في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020 نحو 11 ملياراً و190 مليون دولار، أي أقل بنحو 7 مليارات دولار عن نفس الفترة من العام السابق له.
كما تظهر هذه الإحصائية أن صادرات إيران إلى هذا البلد في ذات الفترة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق له تراجعت بأكثر من 58٪ إذ لم تسجل سوى 4 مليارات و570 مليون دولار فقط.
ويعزى تراجع صادرات إيران بشكل أساسي إلى النفط الذي تأثر بالعقوبات التي فرضتها الحكومة الأمريكية على إيران، إلى جانب تأثيرات جائحة «كورونا».
وقد بلغ متوسط الواردات الصينية اليومية من النفط الإيراني في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020 نحو 79 ألف برميل يومياً، بينما كانت الصين تستورد حوالي 700 ألف برميل من النفط يومياً من إيران قبل عودة العقوبات الأمريكية على إيران مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018.
ويأتي الانخفاض في واردات النفط الصينية من إيران مع زيادة وارداتها النفطية من الولايات المتحدة بأكثر من 7 أضعاف في 2020.
أما بالنسبة للمملكة السعودية، ووفقا لإحصاءات الجمارك الصينية، فإن حجم التبادل التجاري بين الصين والمملكة خلال عام 2020 وصل إلى نحو 49 مليارا و200 مليون دولار، أي ما يعادل تقريباً 4 أضعاف حجم التبادل مع إيران لذات العام، مع العلم أن هذا الرقم أقل بحوالي 30 مليار دولار عن العام 2019 الذي وصل فيه حجم التبادل التجاري بين الصين والمملكة إلى 79 مليار دولار، وأتى هذا التراجع بسبب جائحة «كورونا».
أما بالنسبة للإمارات فإن حجم التبادل التجاري بينها وبين الصين يصل إلى حوالي 3 أضعاف حجم التبادل التجاري بين الصين وإيران، وقد بلغ التبادل بين الإمارات والصين 32.1 مليار دولار.
والغريب في الأمر أن حجم التبادل التجاري بين الصين والكيان الصهيوني أكثر من حجم التبادل التجاري بين الصين وإيران، حيث بلغ 12 مليارا و660 مليون دولار، أي أنه يزيد على حجم التبادل التجاري مع إيران بنحو 1.5 مليار دولار سنويا.
أما حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فقد وصل خلال ذات الفترة إلى مبلغ 401 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 35 ضعف حجم التجارة مع إيران.

السعودية الأولى في التعاملات مع الصين
تعد السعودية أكبر مصدر للنفط إلى الصين، وشيدت شركة «سينوبك» الصينية أول مصفاة لها خارج الصين في المملكة السعودية، وهو مشروع مشترك مع شركة أرامكو السعودية التي استثمرت فيها الصين مبلغ 10 مليارات دولار تشمل استراتيجية الصين لتنفيذ مبادرة «الحزام والطريق»، وهو مشروع الصين الكبير الذي أعلن عنه عام 2013 والذي يهدف إلى إحياء «طريق الحرير» في صورة عصرية بإنشاء طرق وسكك حديدية ومرافئ تربط الصين عبر آسيا و»الشرق الأوسط» بأوروبا، وتلعب السعودية ودول الخليح وإيران دوراً جوهرياً في هذا المشروع.
كما زار الملك سلمان الصين في مارس/آذار 2017، ووقع البلدان اتفاقيات تجارية واستثمارية بقيمة 65 مليار دولار، منها إنشاء مصنع صيني للطائرات المُسيّرة في السعودية.
بلغ إجمالي حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية 239.8 مليار دولار أمريكي في 2020، وتأتي السعودية في المرتبة الأولى، تليها الإمارات.
وذكر مركز دراسات غرب آسيا وأفريقيا التابع لمؤسسة شنغهاي للقضايا الدولي (SIIS) أن هناك مشتركاً بين «رؤية 2030» التي يروج لها محمد بن سلمان وحلم «شي جين بينغ» المتمثل في مبادرة «الحزام والطريق»، وأن ذلك يمثل حجر الزاوية في خدمة المصالح العليا للبلدين وفق استراتيجية بعيدة المدى.

الشريك الأول في المنطقة ليس إيران
أعلن ولي عهد دبي، حمدان بن محمد بن مكتوم، في مارس/آذار 2019، عن خطط لـ33 مشروعاً؛ تهدف إلى تحسين القدرة التجارية واللوجستية للإمارة من أجل مبادرة «الحزام والطريق» أيضاً. وكانت الصين وقّعت عقوداً مهمة في تطوير البنية التحتية للإمارات في تلك السنة، لاسيما مشروع الاتحاد للقطارات الذي يربط المناطق الصناعية بالموانئ البحرية والبرية.
وشهد التبادل التجاري بين الإمارات والصين خلال عامي 2010 و2019، نمواً متصاعداً بنسبة 253٪ ليصل إلى 50 مليار دولار، فيما يسعى الجانبان إلى رفع القيمة إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2030.
وتعد الصين اليوم أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات، بينما تعد الإمارات أكبر شريك تجاري غير نفطي للصين في منطقة «الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا.
وتعد الإمارات ضمن قائمة أهم 20 سوقاً عالمياً، والأول عربياً للاستثمار الصيني المتدفق للخارج.
كما أن أسواق دولة الإمارات تحتضن أكثر من 5 آلاف شركة صينية، وتعد الإمارات بوابة العبور الأولى للتجارة الصينية لثلثي سكان العالم.
ومُنحت مؤسسة البترول الوطنية الصينية حصصاً في امتيازات نفطية في أبوظبي على اليابسة وفي البحر، وشاركت الصين عام 2018 بصورة كبيرة في مشروع بناء قسم للحاويات ومنطقة صناعية في مرفأ خليفة بأبوظبي.
وتُعد مساعدة الإمارات في تطوير بنية النقل التحتية من مصلحة الصين على المدى البعيد في توسيع وصولها إلى الأسواق، وما يظهِر نوايا الصين لمواصلة التعاون طويل المدى مع الإمارات هو خطط التبادلات التعليمية، حيث من المتوقع أن يتم تدريس لغة الماندرين الصينية في أكثر من 100 مدرسة إماراتية.

الصين لا تشتهر بالوفاء
يظهر أن الصين تتبنى مقاربات دقيقة في علاقاتها مع دول المنطقة جوهرها تأمين الاقتصاد الصيني وتأمين صعوده ومسارات مخرجاته. 
وبرغم وجود مصالح مشتركة مهمة بين إيران والصين إلا أن تحرك الصين هو البحث الدائم عن تأمين اقتصادها.
وتكمن أهمية إيران الاقتصادية بالنسبة للصين أن إيران أهم موردي النفط الموثوقين للصين حيث تمتلك احتياطياً نفطياً ضخماً يصل إلى 158.4 مليار برميل، وباحتساب احتياطي الحقل الإيراني الجديد الذي أعلنت عنه طهران في نوفمبر 2019، فإن إيران تأتي في المرتبة الثالثة عالمياً.
حيث تسعى الصين لتنويع مصادر حصولها على الطاقة خصوصاً من منطقة «الشرق الأوسط» كثيرة التقلُّبات الجيوسياسية المؤثرة على ثبات الإمدادات النفطية.
وكذلك تقع إيران ضِمن نطاق المشروع الصيني الطامح «الحزام والطريق»، الذي يخطط له أن يربط الصين بأفريقيا وأوروبا عبر طريقٍ يمر بآسيا الوسطى والهند وصولاً إلى دول الخليج نحو أفريقيا، مع تدشين مسارٍ يمر عبرَ إيران نحوَ العراق فسوريا فلبنان، إضافة إلى مسارٍ آخر يخرجُ من العراق باتجاه الأراضي التركية فقبرص ثم أوروبا.
يذكر أن اليمن كان صديق الصين الوحيد في الجزيرة العربية، وكان اليمن أول دولة في شبه الجزيرة العربية وثالث دولة عربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وكانت لليمن علاقات قوية مع الصين عندما عزلتها القوى الغربية في خمسينيات القرن الماضي، ثم تخلت الصين عن صداقة اليمن وأصبحت سياستها الخارجية تجاه اليمن قائمة على مصالح الصين أولاً وأخيراً. وأصبح اليمن مجرد عنصر ضمن استراتيجية الصين الإقليمية، المصممة لدعم أهداف الصين الاقتصادية، التي أعطت الأولوية للصداقة مع السعودية والإمارات، وقدمت العون لهما في العدوان على اليمن.