غازي المفلحي / لا ميديا -
من خلال تاريخ تجارب تطوير كرة القدم في العالم، هناك إجماع على أن مدارس وأكاديميات اكتشاف المواهب هي مناجم الذهب بالنسبة لهذه الرياضة.
وأصبحت هذه الأكاديميات اليوم جزءاً مهماً من منظومة الاتحادات الرياضية لكل بلد، فهي
رافد مهم للأندية والمنتخبات بنجوم كرة القدم. ولعل خير دليل على ذلك، أن العديد من الأسماء المشهورة واللامعة في عالم كرة القدم اليوم أمثال ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، ظهرت من مدارس اكتشاف المواهب.
كما أثبتت هذه المدارس أنها المصنع الحقيقي لإنتاج اللاعبين، والنهج الواقعي لتطوير كرة القدم.

رياضة على باب الله
في اليمن، قبل العدوان وبعده، وكرة القدم في مستوى متواضع جدا ومتخلف بمراحل طويلة عن كرة القدم العربية فضلاً عن العالمية، رغم أن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية وممارسة في اليمن كما هو حالها في العالم.
هناك جملة من أسباب الخيبة التي تعيشها كرة القدم اليمنية، لكن أبرزها يتمثل في عدم وجود استراتيجيات مبنية على التخطيط الصحيح لتطوير هذا المجال.
فمنذ عقود لم يوجد عمل واعٍ وجاد يلتفت إلى خامات نجوم كرة القدم الذين تزخر بهم الأرض اليمنية، وبالتالي التخطيط الاستراتيجي لتطوير كرة القدم اعتمادا على هذه الخامات. ولم يكن هناك وعي بأهمية اكتشاف وتجميع المواهب الناشئة وتطويرها وإنشاء المدارس والأكاديميات للاهتمام بها، ثم تسويقها للأندية وصولا إلى إيجاد دوريات يمنية قوية تفرز أقوى منتخبات كرة القدم في كل الفئات.

خطوة على الطريق الصحيح
في يوليو 2017 استجد شيء ما في هذا الجانب، وأصبحت فكرة مدرسة الموهوبين في اليمن مجسدة -وإن بشكل متواضع- على أرض الواقع بقرار من وزير الشباب والرياضة حينها، الشهيد حسن زيد.
صحيح أن هذا التجسيد كان بشكل مبسط إذا ما قورن بمدارس الموهوبين المنتشرة في الكثير من دول العالم، إلا أن وجود مدرسة الموهوبين اليمنية كان بذرة سيجرها العمل الجاد لتكبر معرفياً وفنياً وتثمر مخرجات رياضية من المواهب المكتشفة.
بدأت المدرسة بقرار تشكيل «الفريق الفني لاكتشاف مواهب كرة القدم»، وهو فريق مكون من 5 أعضاء من قُدامى الرياضيين اليمنيين، وهم: سعيد العرشي (رئيس الفريق)، وعلي النونو، وعبدالوهاب الحواني، وحسين طنطن، ومحمد سالم الزريقي.
وقد بدأ عمل الفريق الفني لاكتشاف مواهب كرة القدم بدون تجهيزات مؤسسية ولوجيستية خاصة به، وكانت نشاطات الفريق تنجز في المؤسسات الرياضية الأخرى.
ملاعب المدرسة كانت الملاعب الخارجية لمدينة الثورة الرياضية، وملعب الظرافي، وملعب نادي بلقيس، وهي ملاعب أغلبها ترابية، كما أنها ليست متوفرة تحت طلب مدرسة الموهوبين في أي وقت.
كما لم تكــــــــن تتوفر للمدرسة وسائل نقل للمدربين واللاعبين، وكل ما هنالك أنه تم تخصيص مبلغ 15 ألف ريال يمني كبدل مواصلات لكل مجموعة من المدربين واللاعبين.

اقتناص المواهب في ثلاث فئات عُمرية
بدأ الفريق الفني ممارسة مهامه بالنزول الميداني إلى المديريات والمدارس واختيار أفضل اللاعبين الموهوبين، ثم تم إنشاء مراكز للموهوبين في بعض المدارس والمديريات والأحياء يتولى عملية التدريب فيها المدربون الثانويون المعاونون، وتحت إشراف الفريق الفني.
يقول اللاعب علي النونو، أحد أعضاء الفريق الفني في مدرسة الموهوبين، في حديثه مع «لا» إن «مشروع المدرسة كان فكرة الشهيد حسن زيد، والمشروع يستهدف المواهب من شرائح الأطفال من كل الأحياء والملاعب الصغيرة والمدارس، في كل المحافظات، وأصبح للمدرسة 10 مدارس في 10 محافظات».
يتم اقتناص المواهب في ثلاث فئات عُمرية، حسب النونو، «الفئة الأولى من عُمر (9-11 عاماً)، والفئة الثانية من عُمر (12-13 عاماً)، أما الفئة الثالثة فهي من عُمر (14-15 عاماً). ويتم توزيع هؤلاء المواهب على الأندية بعد إعدادهم بشكل جيد، وعندما تصبح أعمار اللاعبين بين 15 و16 سنة، يمكن لهم اختيار الأندية المناسبة لهم لو أرادوا. والأندية هي من ترشحهم للالتحاق بالمنتخب».
ويضيف النونو: «بعدها تقتصر مهمة المدرسة على الاطلاع على وضع اللاعب في الأندية، ويمكن أن تحل الإشكالات النفسية وعدم الانسجام الذي قد يحصل بين اللاعب والمدرب أو النادي».

نجاح الوجود
بعيداً عن مناقشة المعايير والمنهجية المتبعة سواء في انطلاقة المدرسة أو بحثها واصطيادها الموهوبين من مختلف المحافظات أو تدريبها إياهم، فإن بداية المدرسة كانت بحد ذاتها تمثل نجاحاً منفصلاً، لكنه سينسحب تلقائيا على نجاح العمل كاملاً بالتأكيد.
وبدأت المدرسة بالتوسع في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، مستهدفة جميع الفئات وشرائح المجتمع، وكل ذلك ضمن توجه وطني ثوري، ومن ضمن فروع المدرسة، هناك مركز لمدرسة الموهوبين من فئة «أحفاد بلال». 
كما كانت المدرسة تدعم قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وقد أقيم دوري تحت عنوان «القدس»، وسميت الفرق فيه بأسماء المدن الفلسطينية.
كما أقيمت أنشطة كالدوريات والمسابقات المختلفة للفئات العمرية، والدورات التدريبية لمدربي المدرسة خلال 3 سنوات من عمر المدرسة، وتم التعاقد مع طبيب لمتابعة إصابات اللاعبين الموهوبين خلال البطولات، وصرف بدلات وأحذية رياضية للاعبين.
وكان الفريق الفني لاكتشاف المواهب في مدرسة الموهوبين يخرج ما يزيد عن 60 موهبة متميزة كل عام، إذ يتم إعدادها وإرسالها إلى الأندية. 
هنا تنتهي الأخبار الجيدة بالنسبة لمدرسة الموهوبين في اليمن، ونبدأ الآن بالأخبار السيئة.

إلى الوراء مجددا
المدرسة الآن متوقفة عن العمل منذ حوالي 8 أشهر، فقد توقفت أنشطة المدرسة هذا العام بسبب عدم صرف المخصص.
يقول النونو: «إذا توقف المخصص نحن نتوقف، لأن المخصص عبارة عن مبالغ بدل مواصلات للاعبين والمدربين ومساعديهم وماء وعصير للاعبين».
ويضيف: «جهدنا يضيع بسبب توقف المخصص، ويكون العمل غير منتظم، ونعمل فترات ونتوقف فترات. المخصص متوقف حالياً، وعندما يصرف فهو يصرف بدون انتظام بالرغم من أن مدرسة الموهوبين قد فتح لها حساب في البنك المركزي».
هناك مواهب كبيرة، حسب النونو، ولكنها تتسرب من بين يدي المدرسة بسبب التوقف، ولأن اللاعبين في هذه المرحلة يحتاجون لتدريب وإعداد وتأهيل مواكب لأعمارهم، وعندما تتوقف المدرسة وبرامجها واللاعب يتقدم في العمر، وبالتالي يحدث اختلال في الإعداد السليم للاعب، «إذ يجب أن يتدرج اللاعب في الفئات السنية ويتأسس على يد مدربين مختصين في تطوير وبناء شخصية اللاعب وهو لايزال صغيراً، وذلك من أهم مراحل صناعة لاعب محترف».

مشاريع مقتولة
وبحسب النونو، فقد كان من المخطط له أن يصبح للمدرسة اتحاد ويقام دوري بين فروع مدرسة الموهوبين في المحافظات، ويتم إخراج منتخب للمدرسة من ألمع الموهوبين، ويلعب ضد المنتخب اليمني ليستعرض مهاراته، وأيضاً ليتمكن الفريق الفني للمنتخب من اختيار لاعبين للمنتخب من منتخب مدرسة الموهوبين ويذهب من لا يختارهم المنتخب إلى الأندية ليتطوروا أكثر.
كما كان ضمن الخطط -وبدعم الشهيد حسن زيد- تخصيص أحد ملاعب حديقة السبعين التي تم تعشيبها مؤخراً، وأن تتطور الفكرة ويصبح هناك نادٍ خاص بالمدرسة تحت اسم نادي «21 سبتمبر»، ولكن بعد وفاة حسن زيد فإن المدرسة «اهتزت»، حسب ما قاله النونو.
كما تم رصد موازنة سنوية قدرها 50 مليون ريال لمدرسة الموهوبين ضمن الرؤية الوطنية للدولة الحديثة عام 2020، ولكنها لاتزال حتى الآن حبراً على ورق، بحسب ما عبر عنه أعضاء الفريق الفني لاكتشاف المواهب، والذين اشتكوا أيضاً ممن سموهم «أعداء النجاح»، وهم -حسب قولهم- «أشخاص في الوزارة يعرقلون مشروع مدرسة الموهوبين».
يوضح عبدالوهاب الحواني أحد أعضاء الفريق الفني لاكتشاف المواهب، لـ«لا» أن «الموازنة التي كانت مرصودة لمدرسة الموهوبين عند بداية انطلاقها هي 14 مليون ريال في السنة، بينما لم يكن يصرف منها سوى 5 ملايين ريال فقط، قبل أن تتوقف نهائيا هذا العام. أما الـ50 مليوناً التي أقرتها الرؤية الوطنية فمازالت حبراً على ورق».
ويؤكد الحواني أن «هناك توجيهات من وزير الشباب والرياضة بصرف المخصص وإعادة الاهتمام بالمدرسة والعودة للعمل فيها من بداية العام المقبل، ولكن صندوق النشء، هو من يعرقل إعادة مخصص المدرسة».

عودة المقبرة الجماعية
تنتشر مواهب كرة القدم في كل بقاع اليمن وليس فقط في حارات المدن وأزقتها، بل حتى في قراها المعلقة على سفوح الجبال والمتناثرة في السهول والصحارى، وهذا ما يستلزم دعم مشاريع ومدارس اكتشاف المواهب وتوسيع عملها وتطويره بكل الطرق العصرية.
يقول النونو: «يوجد في اليمن مواهب كثيرة جداً ومتميزة أيضاً، وقد وجدت في عبس بمحافظة حجة مواهب استثنائية وأردت أن يصبحوا ضمن منتخب الشباب الحالي، ولكنهم استبعدوا بسبب فحص الأعمار».
الآن، وبعد الومضة المشعة لمدرسة الموهوبين لكرة القدم التي بدأت ثم توقفت، عاد شبح المقابر الجماعية ليخيم على مستقبل مواهب اليمن في كرة القدم من جديد.
وفي العصر الذي تعتمد فيه الكثير من دول العالم على تطوير مستقبلها في كرة القدم من خلال الاهتمام بالفئات السنية وإنشاء الأكاديميات والمدارس لها، يعود الإهمال ليخيم على هذا الجانب في بلادنا بشكل ينبئ بأن كرة القدم اليمنية ستبقى على حالها التعيس والمتواضع إلى ما شاء الله.