غازي محمد / لا ميديا -
بالتزامن مع ذكرى يوم الولاية تعود «لا» إلى عام 2010، العام الذي يعده البعض مع الأعوام التي قبله فترة الأمن والأمان وأيام الزمن الجميل. لكن الأمان والحياة الجميلة كانت متوفرة فقط لفئة معينة كانت تسير البلاد، كما يعجب الولايات المتحدة و«إسرائيل»، وليست متوفرة للجميع بخاصة من أراد أن تسير البلاد بعيداً عن المسارات الأمريكية التدميرية.
فقد استشهد الشيخ حسين حمد عرفج هضبان، والعلامة حمود بن درهم العزي، في محافظة الجوف عام 2010، ومعهما 21 شخصاً، بدون جرم إلا أنهم كانوا ذاهبين لإحياء ذكرى يوم الغدير، فسبقتهم إلى الفعالية يد الإجرام الأمريكية الوهابية على متن سيارة مفخخة تابعة لتنظيم «القاعدة».

صور من العدوان القديم
في يوم الأربعاء الموافق 24 نوفمبر 2010، كانت تجري في مديرية المتون بمحافظة الجوف الترتيبات لإحياء يوم ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأول مرة.
حينها لم تجد الوهابية مانعاً من استخدام أي وسيلة دموية لإفشال الفعالية ومنع الناس الذين يتوجهون إليها طوعاً وقناعة لحضورها بإخافتهم وإرهابهم بجريمة تكفيرية.
حسب ما يروي يحيى هضبان، نجل الشهيد الشيخ حسين حمد عرفج هضبان، ففي صبيحة ذلك اليوم (الأربعاء 18 ذي الحجة 1431هـ)، وبعد أن توافدت الجموع إلى نقطة الإطلاق في سوق الاثنين في مديرية المتون، كان والده وبرفقته العلامة الشهيد حمود بن درهم العزي على متن سيارة نوع شاص، وكان على صندوقها 21 مجاهداً، وكان هناك موكبان إلى جانبهما، موكب مديرية الغيل، وموكب مديرية المصلوب، وكالعادة فإن المخابرات الأمريكية-»الإسرائيلية» كانت تستخدم «القاعدة» لرصد تحركات الشيخ حسين هضبان والعلامة حمود العزي بشكل خاص، وهو الذي اتضح من خلال تركيزهم على تصوير موكبهما.
وعندما تحركت مجاميع المواكب، فجأة سابقت الريح سيارة من نوع «فيتارا» سوداء اللون باتجاه موكب الشهيد حسين هضبان، وانفجرت بجوار سيارته فارتقى شهيداً ومعه رفيقه العلامة حمود بن درهم العزي، إضافة إلى 21 مجاهداً كانوا في صندوق السيارة؛ منهم ابن الشيخ حسين هضبان، جعفر ذو الـ15 عاماً.

محاولات وهابية لوأد المسيرة
حدثت الجريمة بالقرب من سوق الاثنين، الذي كان نقطة الانطلاق لجميع المواكب في ذلك اليوم في المتون، وقد جرى العُرف بأنه سوق آمن، فلا يؤخذ فيه ثأر ولا يكون فيه شجار، ويسمى «مهجر»، ويعتبر نقطة أمان، يلجأ إليه الجميع، ولهذا ازدهر، لكن التنظيمات التكفيرية ومشغليها لا يراعون عرفاً قبلياً ولا حرمة دينية أو إنسانية.
كان استهداف الشيخ حسين بن هضبان وموكب الاحتفال بيوم الغدير، محاولة لقتل فكرة المسيرة في نفوس المناصرين لها الذين أدركوا فيها النصير للبلد المستهدف من معسكر الاستعباد الصهيوني الأمريكي والنصير لقضاياهم ومظالمهم، باعتبارها مسيرة قائمة على إعلاء القيم الإسلامية التي حفظت للإنسان كرامته وكينونته.
كما استشعر من أراد أن تسود الوهابية أو ليهلك الجميع، خطر الشيخ الشهيد حسين بن هضبان صاحب التأثير في محافظة الجوف، خصوصاً بعد رفضه في اجتماع ضم شخصيات وهابية، وضع محددات غير عقلانية لإقامة فعالية يوم الغدير حينها، مثل منع دخول أي وافد من خارج مديريات الجوف، بقصد إعاقة التوسع الذي كانت المسيرة القرآنية تحظى به في المحافظة، إذ حذر الشهيد هضبان حينها من المساس بأي شخص قادم إلى المحافظة.
ولم تقم السلطة حينها بفتح تحقيق بالجريمة أو تعزية أسرة الشيخ حسين هضبان حسب حديث نجله يحيى لـ«لا».

نبذة عن شهيد يوم الولاية
تعلم وحفظ الشيخ الشهيد حسين حمد عرفج بن هضبان الكثير من القرآن عندما كان رهينة لدى الإمام أحمد، فقد كان أحد أبناء المشائخ الذين كانوا عند الإمام كرهائن ليضمن عدم خروج المشائخ عن حكمه.
كما تلقى العلم والمعارف من العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي والعلامة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي.
وفي 2002، كان أول من استقبل ملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، وعمل على نشرها كفكر يحث على القيام بالمسؤولية تجاه الدين والوطن، كما أن ابنه الشهيد محمد حسين كان أول شهيد من محافظة الجوف، إذ كان هو ومعه مجموعة أول من شارك من محافظة الجوف في الحربين الأولى والثانية في جبهة نشور والرزامات، وارتقى شهيداً في الحرب الرابعة، كما كان حلقة الوصل بين السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي والمجاهدين من مديريات صنعاء وبقية المحافظات الأخرى بعد استشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
خلف استشهاد الشيخ حسين بن هضبان فراغاً يصعب شغله بسهولة، فقد كان القلب الكبير والداعم السخي والمدافع القوي عن قضايا المستضعفين، والساعي بالصلح بين أبناء المتون والجوف عامة، وبعد موته اشتعلت عدد من الحروب داخل المحافظة وأهمها حرب «سدباء والغيل»، وكان إشغال المحافظات اليمنية وقبائلها بالحروب في ما بينها إحدى وسائل الأنظمة السابقة المدفوعة أمريكياً حتى يبقى اليمنيون في عداء بينهم ولا يوجهوا عداءهم لقوى الاستعباد والاستكبار الصهيونية التي تريد جعل اليمن أرضاً وشعباً جزءاً طيعاً وخانعاً في خطة مطامعها.

مواقف مشهودة
من مواقف الشهيد حسين بن هضبان المشهودة، أنه بعد الحرب الثانية قام إخوته الموالون للسلطة بأخذه لمقابلة علي محسن، حينها كان السيد العلامة بدر الدين الحوثي وأسرته تحت الإقامة الجبرية، وبينما هم منتظرون قبل اللقاء في مجلس الجنرال محسن، أرسل الأخير شاعراً بصفة ضابط كبير بدأ شعره بسب السيد العلامة بدر الدين الحوثي وأسرته، فقال له الشهيد حسين بن هضبان: «اسكت يا كلب لعنة الله عليك»، وأسكته أيضا الحاضرون، فأبى ذلك الشاعر إلا أن يواصل، فنهض عليه بالجنبية يريد مقاتلته، مما اضطر الحاضرين إلى تهدئته وطرد ذلك الشاعر.
يقول يحيى هضبان، نجل الشهيد: «حينها يئس علي محسن من شراء موقف الوالد. ومما دار بينه وبين علي محسن الرد على الافتراءات التي أعدها الجنرال العجوز بأن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي يريد الكرسي، وأنه يقول إن الخلافة في البطنين لا غير، فكان جوابه بأن هذا كذب، والدليل أن السيد حسين بدر الدين الحوثي كان مشروع فكر وثقافة قرآنية، هدى للناس، وأنه لم يقبل الإغراءات التي قدمت له من السلطة مقابل السكوت عن الشعار فقط، وكان ثمن ذلك هو أن ضحى بنفسه وأسرته وعدد كبير من أقاربه، وقال لعلي محسن من يريد الكرسي حسب قولك هو من يحب الحياة والبقاء ولن يضحي بنفسه وجميع أحبابه في هذه الحياة مقابل ذلك، أما قضية البطنين والخلافة فهي بيدك أنت وعلي عبدالله صالح، وأنتما لستما من البطنين ولم ينازعكما عيلها أحد، وإنما قمتم بالحرب نيابة عن أمريكا وإسكاتاً للسان الحق».
ويستطرد: «وهنالك موقف له أيضاً مع قبائل الرزامات عندما طلبوا منه التراجع عن انتمائه للمسيرة القرآنية، وكانوا مرسلين من رئيس الجمهورية، فقال لهم: الله المستعان يا قبائل همدان بن زيد أول من أثنى عليهم الإمام علي عليه السلام قائلاً: «لو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان بن زيد ادخلوها بسلام»، ومن ناصروا رسول الله وأهل بيته على مدى التاريخ، واليوم تقفون مع الظالم ضد أهل البيت وعلمائهم الأجلاء، فماذا ستقولون لرسول الله يوم المشهد؟ وبأي وجه ستواجهونه وقد أتى أبناء اليمن من الجوف وعمران وصنعاء ومعظم أنحاء اليمن لمناصرة السيد العلامة بدر الدين الحوثي، والوقوف إلى جانبه وأنتم الأقرب، والأولى بكم أن تكونوا السابقين إلى ذلك، فدمع بعضهم من كلامه».

نجوم أضاءت طريق المسيرة
رحل الشيخ حسين هضبان، وقد قدم روحه وأرواح أبنائه جعفر ومحمد وعبدالسلام شهداء ونجوماً رائدة مع المسيرة القرآنية، ونجحت المسيرة في النجاة بنفسها وبالبلاد رغم صنوف الحروب العدوانية المتنوعة المستدامة التي تعرضت ومازالت تتعرض لها.
ومازالت المسيرة تحقق الانتصارات لليمن لأن منطق رجالها يتجسد بقول يحيى هضبان نجل الشهيد حسين، إذ يقول: «ظنوا بتلك الجريمة التكفيرية أنهم سيخيفون الناس ليعودوا أدراجهم، فخابوا، إذ تواصلت المواكب المشاركة في التوافد، وأحيينا ذلك اليوم المبارك، بل إننا وأهالي كل الشهداء الذين راحوا ضحية هذا العمل الإجرامي عشنا فرحتين فرحة عيد يوم الولاية وفرحة نيل الوالد الشهادة في ذلك اليوم».