تحقيق: مارش الحسام / لا ميديا -

لجأت كثير من شركات الأدوية في العاصمة صنعاء لعرض أصنافها التي تشهد إقبالا كبيرا من المرضى عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو البيع عبر وسطاء ممن يعرفون بتجـار الشنطة وبأسعار خيالية، وذلك بهدف تحقيق أرباح مضاعفة على حساب أوجاع المواطنين.

جرائم حرب
ما تمارسه شركات الأدوية من احتكار للأدوية الضرورية المنقذة لحياة المرضى تعد جرائم حرب ضد الإنسانية، إلى جانب كونها أسوأ أنواع الاستغلال للمرضى المحكوم عليهم باستخدام تلك الأدوية طوال حياتهم وحتى نزولهم القبر.
الاحتكار لم يعد يقتصر على تلك الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والتي يحتاجها المرضى لمواصلة حياتهم، وإنما بات يشمل أيضاً الأصناف الدوائية الرائجة وكذا الأدوية والمستلزمات الطبية الموسمية التي تشهد إقبالا في مواسم معينة كتلك الخاصة بالحميات والوقاية منها والمنتشرة هذه الأيام.

أكثر من سوداء
تعد الأسواق السوداء أسرع الطرق للثراء، وهو ما يجعل الكثير من التجار يلجؤون إليها بمن فيهم تجار (أصحاب شركات) الأدوية، ومثلما هناك أسواق سوداء على أرصفة الشوارع تمعن في استغلال المواطنين المحتاجين للمشتقات النفطية، فهناك أيضاً أسواق أكثر من سوداء على منصات التواصل الاجتماعي وأشد قتامة وأكثر إمعانا في استغلال المحتاجين للدواء.
يبدو أن المقارنة هنا ظالمة بحق تجار المشتقات النفطية إذا ما تمت مقارنتهم بتجار الأدوية، بل إنه ومن نواح أخلاقية وإنسانية لا مجال للمقارنة بين من يحتكر الوقود ومن يحتكر الدواء، باعتبار الأولى سلعة بينما الثانية هي خدمة إنسانية أكثر منها سلعة، ولها قدسيتها وخصوصيتها وكل القوانين والأعراف الطبية والطبية تجرم تسويقها كسلعة في الأسواق الدوائية، أما أن يتم احتكار هذه الخدمة الإنسانية وتسويقها في مزاد الأسواق السوداء فتلك أم الكبائر التي لم يتخيلها أبقراط نفسه حين كان بصدد تأليف القَسَم الطبي وسن قوانين ومبادئ أخلاقيات المهنة.

عبر مواقع التواصل أو الوسطاء
يكشف عدد من الصيادلة أن كثيراً من شركات الأدوية وبدافع الجشع لجأت إلى بيع بعض أصنافها الدوائية التي تشهد إقبالا عبر وسطاء وموزعين، وذلك من أجل ضمان تحقيق أرباح خيالية.
ويؤكدون أن كثيراً من الوكلاء باتوا يعرضون منتجاتهم على سوق مفتوح للتسوق على مواقع التواصل الاجتماعي سواء في «فيسبوك» أو عبر جروبات في تطبيق «واتس آب»، لأن بيعها بهذه الطريقة مربح لهم أكثر من بيعها مباشرة للصيدليات.

«م. ص» في قفص الاتهام
وعلى سبيل المثال نلحظ هذه الأيام زيادة في الإقبال على كثير من الأصناف الدوائية سواء المقوية للمناعة أو تلك التي تستخدم لعلاج مضاعفات الوبائيات الفيروسية، ومنها أقراص السولبادين الخافضة للحرارة، إذ يؤكد عدد من الصيادلة أن شركة «م. ص» الوكيل الحصرى لهذه العقار قامت عن عمد بإخفاء هذا الصنف الدوائي، بخاصة مع تزايد الطلب عليه هذه الأيام جراء انتشار بعض الحميات الفيروسية. مشيرين إلى أن الشركة تقوم بعرض الصنف على مواقع التواصل الاجتماعي وبأسعار مضاعفة.

جروبات خاصة لتسويق الأدوية
كثير من أصحاب الصيدليات تحاشوا الحديث عن هذا الموضوع، خوفا من أن تتم محاربتهم من قبل هؤلاء السماسرة وإيقاف البيع عليهم، حسب زعمهم، أما من تحدثوا إلينا فقد اشترطوا عدم ذكر أسمائهم أو أسماء صيدلياتهم.
يؤكد أحد الصيادلة الذي اشترط عدم ذكر اسمه أو اسم صيدليته أن «هناك عدداً من الجروبات في (واتس آب) خاصة لتسويق الأدوية المعدومة، ويديرها سماسرة تابعون لشركات الأدوية وموزعون يعرفون بتجار الشنطة».
ويضيف: «كل الأدوية المعدومة والتى يخبرنا الوكلاء بأنها غير متوفرة لديهم، دائما ما تكون متوفرة في هذه الجروبات، وكل ما عليك هو كتابة اسم الدواء والكمية المراد شراؤها وإرسال ذلك إلى هذا الجروب أو ذاك، وستجد من يتواصل معك على الخاص ويفاوضك على السعر».

تحايل وجشع
وهو ما يؤكده صيدلي آخر، إذ يقول: «إن كثيراً من الوكلاء وبهدف تحقيق أرباح مضاعفة باتوا يعتمدون على جروبات (واتس آب) والسماسرة لبيع منتجاتهم وبأسعار استغلالية».
ويضيف: «هناك أكثر من سبب يدفع التجار الجشعين إلى هذه الطريقة، أحدها التحايل على ضرائب المبيعات، فالوكيل لديه تسعيرة رسمية لكل صنف دوائي وبموجبها يدفع ضرائب المبيعات، أي أن التجار لا يستطيعون أن يتجاوزوا هذا السعر إلا في حالة واحدة وهي رفع الأسعار وإقرار جرعة سعرية جديدة، وفي هذه الحالة لو رفع سعر الصنف رسميا فسيترتب عليه دفع ضرائب أكثر، الوكيل يجد نفسه محاصراً بتلك التسعيرة المعلنة، ومن غير المنطقي أن يبيع لك الدواء بفاتورة رسمية وبسعر يفوق السعر الرسمي المحدد في قائمة الأسعار وكشوفات الشركة، فيضطر إلى أن يبيع لك الدواء بطريقة غير مباشرة وعبر وسطاء وبالسعر الذي يريد».

احتكار وأسعار باهظة
ويؤكد صيدلي ثالث ما قاله سابقاه، من أن كل الأدوية التي تخفيها وتحتكرها عدد من شركات الأدوية بما فيها الأدوية المنقذة للحياة، يتم تسويقها عبر جروبات «واتس آب».
ويضيف: «غالبا ما يكون هذا الدواء أو ذاك لا تجده عند الوكيل الذي سبق أن أخبرك قبل سنتين أنه معدوم وغير موجود في مخازن الشركة، وحتى اليوم ستجده يكرر على مسامعك نفس الأسطوانة المشروخة وستسمع منه نفس الرد الذي سمعته قبل سنتين بأن الدواء معدوم وليس في مخزن الشركة حبة واحدة منه، والغريب أن هذا الصنف الدوائي الذي لا تجده لدى الوكيل منذ سنوات يتم عرضه عليك وبشكل يومي وعلى مدى العام وبأسعار باهظة من قبل عشرات السماسرة والموزعين، وما يثير الدهشة أن عليه ختم الوكيل وتاريخ التصنيع عليه حديث، وهذا يعني أن الوكيل استورد الكمية حديثا وأخفاها وباعها في السوق السوداء».

الدواء أيقونة واتس
ويتابع الصيدلي بالقول: «الوكيل غالبا يبيع الكمية المستوردة كلها لموزع أو عدد من الموزعين وبسعر مرتفع عن السعر الرسمي، وهؤلاء بدورهم يضاعفون السعر ويعرضون علينا إما بشكل مباشر أو يعرضونه كأيقونة عبر حالتهم في الواتس، لدرجة أننا صرنا نراقب يوميا الحالة التي سيضعها هذا الموزع أو ذاك كأيقونة له في (واتس آب)».

أعذار كاذبة
صيدلي آخر اشترط عدم ذكر اسمه يقول: «منذ أكثر من عام وأنا أتردد على أحد وكلاء شركات الأدوية لشراء أحد الأصناف الدوائية الخاصة بأمراض مزمنة، ويخبروني أن هذا الصنف غير متوفر لديهم، وحين كنت أسألهم متى ستوفرونه؟ كانوا مرة يقولون إن هناك شحنة في طريقها إلى اليمن ويحتمل وصولها بعد شهر أو شهرين، وأعود بعد شهر أو شهرين ويعطونني أعذاراً طوال السنة، ومرة يقولون لي بأن هناك مفاوضات مع الشركة المصنعة وهي بصدد إرسال الشحنة، ومرة يقولون بأن السفينة محتجزة أو عادت أدراجها بسبب تعسف العدوان في البحر، وغيرها من الأعذار».
ويضيف: «ولأن كثيراً من المرضى كانوا يعتمدون علي في توفير هذا الصنف الدوائي لهم، فقد كنت كثير التردد على الوكيل من أجل هذا الصنف، وذات مرة زارني إلى الصيدلية أحد الأشخاص الذي يدعي أنه موزع أدوية ويعرض علي ذات الصنف الدوائي الذي كنت أتردد على الوكيل بخصوصه، ويسألني عن مقدار الكمية التي أريدها، وكان السعر الذي عرضه علي مجحفاً جدا، وشككت حينها بأن هذا الشخص ربما يكون مُرسلاً من الوكيل لابتزازي، وليس موزع أدوية كما يدعي، لكني تأكدت بعد ذلك أن هذا الشخص لا علاقة له بالوكيل، وذلك حين استفسرته عن بعض الأصناف الدوائية الأخرى بصفته موزع أدوية، إذ اكتشفت أنه لا يفقه شيئا بالأدوية ولا يحفظ منها سوى هذا الصنف الدوائي».