استطلاع: دنيا حسين فرحان / لا ميديا -
شتان بين الماضي والحاضر. ألعاب رياضية انقرضت ونشاط رياضي متوقف.
لطالما اشتهرت عدن بالعديد من الرياضات والألعاب الشعبية في الحارات وفي موسم رمضان، لكن مع ظروف البلاد الصعبة بدأت تتلاشى هذه الألعاب والرياضات، ولم يتبق منها سوى دوريات شعبية تقام في رمضان وبين الحين والآخر. ومع ظهور بعض الأوبئة في العامين الأخيرين تم توقيف الأنشطة الرياضية في عدن خوفاً من انتشار المرض، ليشل النشاط الرياضي مخلفاً وراءه الكثير من الحسرة والحزن بين عشاق الرياضة.
في البداية، تقول الصحفية الرياضية صفاء الدبعي:" الحديث عن الأنشطة الرياضية الرمضانية في زمنين مختلفين من الأحاديث المشوقة التي تثار كلما حل علينا هذا الشهر الفضيل، في ظل حالة الركود والغياب شبه الكامل في الوقت الحالي للأنشطة الرياضية والمسابقات والبطولات الرسمية، لمختلف الألعاب الرياضية وبمختلف فئاتها العمرية".
وتكمل: "إلا فيما ندر تقام بعض الفعاليات وباجتهادات شخصية لبعض الجهات المهتمة بالشأن الرياضي. لكن هذا الغياب يدعو القائمين على الشأن الرياضي لمراجعة حسابات عودة عجلة النشاط الرياضي والشبابي في هذا الشهر الكريم بمخططات لأنشطة تلبي طموحات الرياضيين، وعلى خلاف سنوات سابقة كانت بطولة المريسي وغيرها من البطولات الكروية إلى جانب منافسات كرة السلة واليد والطائرة، تمثل سهرات رياضية رمضانية ممتعة للجماهير الرياضة العدنية. هذا الغياب للنشاط الرياضي يشكل عائقاً في وجه الشباب والرياضيين الذين لا يجدون أي حركة رياضية تستطيع مواكبة روحانية هذا الشهر".
نعم، كانت للرياضة في عدن مكانة خاصة لدى شريحة واسعة من الشباب، لتنوع الألعاب والبطولات، ومن أهمها: كرة القدم، والفروسية، وكرة الطاولة، والسباحة، والألعاب الشاطئية، والتنس الأرضي، وغيرها من الألعاب الشعبية.

وضع ميت وكئيب
ويؤكد فاروق المرحلي، رئيس أكاديمية المرحلي ومدرب براعم نادي التلال: "كانت جميع الملاعب في محافظة عدن نشطة، وكان المشجعون هم المستفيد الأبرز، كباراً وصغاراً وشباباً، يذهبون إلى الملاعب، وكان وقت العصر فترة لكرة القدم. كانت الملاعب تمتلئ تماماً، وكنا نستمتع، وبالوقت نفسه يمر الوقت ولا نشعر بالعطش، وهكذا كانت تمر أجمل الأيام في شهر رمضان المبارك. طبعاً الرياضة طوال العام مستمرة والرياضيون يمارسونها، ولكن في شهر رمضان المبارك لها طعم خاص".
ويضيف: "أما الآن، فحدث ولا حرج؛ ملاعب لا يوجد فيها دوريات، وإن وجدت لا يوجد فيها إلا قلة من جمهور، لأن الناس أصبحوا خائفين على أنفسهم وعلى أولادهم من الأمراض. بصراحة الوضع ميت وكئيب".
وعن الألعاب المشهورة في عدن يقول: "كان يوجد الكثير من الألعاب، وكنا نعرف رمضان بها، وانقرضت اليوم، مثل الورق الطائر (الفحول) الذي كانت تشتهر به سماء عدن وكرة القدم الشعبية وغيرها".
بدوره، يوضح الإعلامي وعد أمان: "كان المهتمون بالشأن الرياضي بعدن يستعدون منذ وقت مبكر قبل حلول شهر رمضان المبارك ويضعون برامج وفعاليات رياضية وبطولات، ليس في كرة القدم فحسب، بل وفي بعض الألعاب الأخرى، إذ كانت تُنظم على سبيل المثال بطولات رسمية في كرة القدم، مثل بطولة علي محسن المريسي، التي تقام منافساتها في الفترة المسائية على ملعب الحبيشي تحت الأضواء الكاشفة، وكان لهذه البطولة جمهورها العريض، وللأسف اختفت هذه البطولة وفقدت جمهورها. وفي الوقت نفسه كانت تُقام أيضاً بطولات في الكرة الطائرة والسلة والشطرنج والألعاب القتالية كالكاراتيه والجودو والتايكواندو، وهذه كانت تُقام في الصالة المغطاة. هذه أيضاً اختفت نهائياً وتوقفت وانصرف اللاعبون والمواهب كل في حال سبيله".
ويستدرك: "إلا أن الملاعب الشعبية لكرة القدم مازالت محتفظة بالزخم ذاته، من حيث عدد البطولات وعدد اللاعبين المشاركين والجمهور المداوم على الحضور، وجميع هذه البطولات تُقام في فترة العصر في ملاعب شعبية ترابية منتشرة في جميع مديريات العاصمة عدن".
وهنا يوافقه الرأي مشتاق عبدالرزاق، نائب رئيس اتحاد الإعلام الرياضي بعدن، قائلاً: "رياضة زمان أيام الشهر الفضيل كانت رياضة بحق وحقيقة، ينتظرها أهالي وشباب عدن بفارغ الصبر، فما إن تحل نفحات وليالي الشهر الكريم، ينطلق قطار الأنشطة الرياضية، بمختلف ألعابها، في الحركة والدوران في كل ملعب ومكان وحارة، رغم الإمكانيات الشحيحة، إلَّا أن لبطولات زمان في شهر رمضان نكهة ويا لها من نكهة!".
ويضيف: "طبعاً التجار والوجاهات في عدن كان لهم دور كبير في إنجاح مثل هذه الفعاليات الرمضانية. أما اليوم، وما أدراكم ما اليوم؟! غابت النشاطات والفعاليات في الشهر الفضيل، وما ظهر منها فهو بحكم النادر".
ويستطرد مشتاق: "كان بالإمكان عدم اتخاذ قرار إغلاق وتوقيف البطولات والفعاليات، لتستمر البطولات والفعاليات الكروية في ملاعبنا من دون جماهير، مثلما يجرى في كل بقاع المعمورة، ويتم نقلها على الهواء مباشرة، أو تسجيلها عبر التلفاز، ليشاهدها عشاق المستديرة بعد حين، لكن ماذا نقول لمسؤولينا الذين فقط "شخطوا" على قرار الإيقاف بجرة قلم ليس إلا، وكله على ظهر الأوبئة".
ويختم بالقول: "طبعاً هناك ألعاب شعبية اشتهرت بها عدن أيام الزمن الجميل، لكنها انقرضت، وأبرزها لعبة الكريكيت والمباريات الكروية السباعية، والتي كان لها شروط ومعايير رائعة".

تكنولوجيا بديلة.. وشماعة كورونا
يوضح علي الحنشي، مسؤول الصفحة الرياضية في صحيفة "عدن الغد"، بقوله: "كانت مدينة عدن سابقاً تشهد حراكاً رياضياً خلال شهر رمضان، حيث تقام عشرات البطولات الرياضية في الكثير من الألعاب، وتشهد هذه البطولات حضوراً جماهيرياً لا تراه إلا في رمضان. استمر هذا الحال إلى الحرب الأخيرة التي شهدتها عدن والبلاد ككل في العام 2015، ومعها توقفت جميع الأنشطة، وتأثرت الرياضة كثيراً بسبب تدمير الملاعب، قبل أن تعود بشكل تدريجي، لكن خلال هذا العام والعام الماضي توقفت الأنشطة الرياضية بسبب الأوبئة المنتشرة".
ويضيف: "كان المجتمع العدني يُحيي العديد من الألعاب الشعبية في الأحياء في شهر رمضان، مثل ألعاب الكيرم والدمنة والبطة (الكوتشينة) والفتاتير (الخرز) للأطفال الأصغر سناً... وكان الأطفال يمارسون بعض الألعاب الشعبية والرياضية التي تطفو على السطح في شهر رمضان. كما كان الشباب يلعبون الكرة الطائرة في الحارات والشواطئ... بعض هذه الألعاب انقرضت وبعضها مايزال موجوداً لكن بشكل نادر. أعتقد أن سبب انقراض الألعاب الشعبية هو انتشار الألعاب الإلكترونية الحديثة في الجوالات التي بات يمتلكها غالبية الناس، وكذا الألعاب الإلكترونية المتواجدة داخل المنازل والمحلات التي جذبت الأطفال للجلوس ساعات طويلة أمام شاشات الجوال أو الكمبيوتر".
وفي الختام، يتحدث الكابتن علاء الصاصي، نجم المنتخب الوطني الأول لكرة القدم سابقا: "عندما تسأل على الأنشطة الرياضية الرمضانية في مدينة عدن وفرقها الشعبية فرق الحارات، تلاحظ أن بعضها فاقت في العمر العشرين والثلاثين عاماً وأكثر، أي أنها تاريخية بامتياز، وكل نجوم عدن تخرجوا منها، ولكن حالياً مع الإغلاق بسبب الأوبئة أصبح من لا يستطيع تنظيم بطولات يرمي بشماعته على الأوبئة، والمصيبة أننا في هذا البلد لم يتوقف شيء غير الرياضة فقط، وفي الأخير الكل متفق على كلمة: ارجع يا زمان".
ويختم: "أعتقد أن ظروف الناس المعيشية ودخول السوشيال ميديا للمجتمع غيرت عادات وتقاليد كثيرة كانت بالماضي له شغفها وحبها وأصبحت اليوم مجرد تحصيل حاصل".