دمشق - خاص/ أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
بدأ مجلس الشعب السوري أولى خطواته لإنجاز الاستحقاق الدستوري بالإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية في 26 أيار/ مايو المقبل، وفتح باب الترشح لهذه الانتخابات اعتباراً من الاثنين 19 نيسان/ أبريل الجاري ولمدة عشرة أيام.
الانتخابات المقبلة ستجري وفق الدستور الذي تم إقراره عام 2012 إثر بدء العدوان على سورية، وجرت فيه تعديلات مهمة استجابة إلى آراء وملاحظات على الدستور الذي تم تعديله، وهدفت إلى سد الذرائع أمام المعارضين وما طرحوه من مطالب تمت الاستجابة إلى معظمها، حتى إن بعض المعارضين شاركوا في مناقشة الدستور الذي تم إقراره، ليتأكد في ما بعد أن ما جرى وأن معظم هؤلاء المعارضين كانوا مسيرين من جهات خارجية كانت تستهدف إسقاط الدولة السورية، وفقد مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الصهيوني الأمريكي، الذي كان يستهدف تقسيم سورية والمنطقة وفق أسس عرقية وطائفية، وجعلها مجرد كانتونات أو دويلات هشة تدور في الفلك الإسرائيلي.
من أبرز التعديلات التي تم إقرارها في الدستور المعمول به حالياً، والذي ستجرى على أساسه الانتخابات، كان فتح الباب أمام تشكيل الأحزاب، وترخيص الصحف ووسائل الإعلام، وأن تجري الانتخابات الرئاسية بوجود عدة مرشحين، وإلغاء الفقرة التي كانت تنص على أن حزب البعث هو القائد في الدولة والمجتمع، كما تم إلغاء الأحكام العرفية.
تكتسب الانتخابات الرئاسية المقبلة أهمية خاصة وكبيرة، كونها تأتي في مرحلة دقيقة وحساسة في تاريخ الشعب السوري، وهو يعمل لترسيخ أسس الدولة السورية وتثبيت أركانها بعد تأكد فشل محاولات إسقاطها وأن سورية على أبواب إعلانها الانتصار النهائي على العدوان.
فقد حاول حلف العدوان إسقاط سورية وتقسيمها وتمزيق شعبها، ولم يتركوا وسيلة من وسائل العدوان إلا وجربوها، بداية من العدوان الشرس الذي شنوه على الشعب السوري، على مدى أكثر من عشر سنوات، مستخدمين حشوداً وجيوشاً غير مسبوقة من المرتزقة والإرهابيين من تنظيمات الإسلام الصهيوني الوهابي الإخواني، ثم بالتدخل المباشر لدول تحالف العدوان، سواء بالاعتداءات العسكرية المباشرة أو باحتلال أراضٍ سورية، ثم حاولوا بالسياسة تحقيق ما عجزوا عنه في الميدان، ثم بالحصار والضغوط الاقتصادية والمعيشية وسرقة ثروات الشعب السوري.
وبعد كل تلك المحاولات الفاشلة لإسقاط سورية في براثن مشروعهم الصهيوني الأمريكي، حاول حلف العدوان وأدواته من المعارضات السورية، استغلال مناقشات اللجنة الدستورية التي عقدت عدة جلسات لها في جنيف للدخول من هذا الباب لتغيير الهوية الوطنية والقومية للدولة السورية، وكان الهدف النهائي دستوراً طائفياً يقسم الشعب السوري ويجعله فئات متناحرة، ليحققوا من وراء هذه الخطوة ما عجزوا عن تحقيقه في الميدان وفي السياسة وفي الضغوط الاقتصادية والمعيشية، منها تحديد عدد عناصر الجيش السوري لنزع الصفة القتالية عنه، والمطروح أن يكون عديده 50 ألفاً فقط، رغم أن سورية دولة مواجهة مع العدو الصهيوني، ومجاورة لتركيا بما هو معروف عنها من أطماع في الأراضي السورية، والمقصود بهذه النقطة تحديدا أمن الكيان الصهيوني، من خلال جعل الجيش السوري عاجزاً عن الدفاع عن أرضه وتحرير الجولان، كما تطرح إعادة هيكلة أجهزة الأمن السورية لجعلها مرتبطة بالأجهزة الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية، أيضاً لفتح الباب أمام الإخـــــوان المسلميــن للدخول في أجهزة الحكـم والسيطرة عليها لاحقــــاً، لكــــن الوفــــد الوطني إلـــى مداولات اللجنة الدستورية أكد أنه متنبه لهذه المحاولات، ولا يمكن أن يسمح لها بالمرور، مع التأكيد بأن إقرار أي دستور أو تعديلات دستورية لن يتم إلا بعد موافقة الشعب السوري عليها، في استفتاء حر كما تنص القوانين السورية والأممية.
بالتأكيد إن إفشال كل تلك المحاولات الواحدة تلو الأخرى رغم ما تم حشده من دول تحالف العدوان والتي بلغت (في مراحلها الأولى) بحسب اعتراف رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، 138 مليار دولار لم يأت من فراغ، وإنما بسبب صمود الجيش العربي السوري، والانتصارات التي حققها في الميدان، وتحريره معظم الأراضي السورية، وبصمود الشعب السوري، واحتضانه لجيشه، ووقوفه خلف قيادته، ليسقط بوعيه وصبره وصموده أهداف وغايات حلف العدوان وأدواته ومرتزقته.
وبعد فشل كل تلك المحاولات وبخاصة محاولة اختراق اللجنة الدستورية يعمل تحالف العدوان بما يمتلك من آلة إعلامية ضخمة ومن هيمنة على الأمم المتحدة ومؤسساتها، للتشكيك بهذه الانتخابات ومشروعيتها.
كما يحاول بما يمتلك من إرهابيين، ومن تواجد على الأرض السورية سواء بشكل مباشر عبر الاحتلالين الأمريكي والتركي، أو من خلال المرتزقة والإرهابيين في ما تبقى من بؤر لم يحررها الجيش السوري، يحاولون ترهيب وتخويف المواطنين السوريين عبر محاولة تحريك مرتزقتهم للقيام بأعمال إرهابية، إما لمنع إجراء الانتخابات أو للتشويش عليها وجعلها تجري على وقع عمليات الإرهاب والقتل، وهو ما كشفت عن بعض تفاصيله وزارة الدفاع الروسية قبل يومين، حينما أعلنت عن وجود مخطط لتنفيذ عمليات إرهابية خلال الانتخابات الرئاسية، والكشف عن قيام الطيران السوري والروسي بتدمير مراكز لتجميع الإرهابيين ومخازن أسلحة لهم قرب تدمر وقتل حوالي 200 إرهابي منهم.
ورغم كل تلك المحاولات تؤكد القيادة السورية تصميمها على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وبما ينص عليه الدستور السوري، ولن تترك الأمور إلى الفراغ مهما كلف الأمر، وبأن شرعية أي انتخابات أو سلطة تأتي من الشعب، وليس من خلال رأي أو موقف أو مصلحة أي طرف خارجي آخر أيا كان هذا الطرف وموقعه، بخاصة إذا كان هذا الخارج يقف في صف العدو للشعب السوري وللدولة السورية.
وفي أول ترشيح إلى منصب الرئاسة تقدم الوزير السابق عبدالله سلوم عبدالله بطلب ترشيح إلى منصب رئيس الجمهورية. وهو من مواليد عام 1956، من منطقة أعزاز في ريف حلب الشمالي، ويحمل إجازة في الحقوق من جامعة دمشق.
شغل المرشح عبدالله منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب سابقاً، وكان قد انتخب لعضوية مجلس الشعب بالدور التشريعي الثامن بين عامي 2003 و2007 والدور التشريعي الأول (بعد إقرار دستور عام 2012) بين عامي 2012 و2016 وهو عضو في المكتب السياسي لحزب الوحدويين الاشتراكيين (الناصري).
ويتوقع إن تزداد عمليات الترشح خلال الفترة المقبلة، ثم تعرض هذه الترشيحات على المحكمة الدستورية العليا المشرفة على الانتخابات، للبت بها وتحديد الترشيحات المستوفية للشروط القانونية والدستورية.
ورغم كل محاولات منع إجراء هذه الانتخابات أو التشويش عليها، فمن المؤكد أنها مستمرة لاستكمال خطواتها حتى إنجازها بشكل نهائي، لأن الانتخابات الرئاسية هي استحقاق دستوري يخص الشعب السوري وحده، ولا يحق لأحد التدخل به، تحت أي حجة أو شعار أو عنوان، خصوصاً وأن إجراء الانتخابات وفق مواعيدها الدستورية ستكون خطوة أخرى تقرب سورية من إعلان الانتصار النهائي على تحالف العدوان ومشاريعه ومخططاته، وخروجها منتصرة من هذه المعركة الشرسة، كطائر الفينيق السوري، وهي أكثر قوة وتجدداً وحيوية، وإن الموعد مع هذا اليوم قريب.