قادت واشنطن أكثر من 75 حرباً وتدخلاً عسكرياً ودعماً للانقلابات في عدة دول
الولايات المتحدة.. تاريخ منسوج بالأشلاء والدماء

مروان أنعم / لا ميديا -
«إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين. ويا الله، ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض! هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون كذلك، إن جلّادنا المقدّس واحد».
(مايكل هولي إيجل، من نشطاء الهنود الحمر) بكثير من التمجيد والكذب والخداع والسطوة على الاقتصاد العالمي، يحاول النظام الإجرامي الأمريكي أن يمحو قروناً من جرائم الإبادة الجماعية، وسلسلة طويلة من سياسات العنف القائمة على العنصرية والتمييز العرقي والنهب والتجريف لكل ما هو إنساني.
إن ثقافة العنف والاستغلال وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي نشأت عن الاستعمار والاحتلال الأبيض، تشكل الأساس للأيديولوجية والاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، التي تمثلت في العمليات الخاصة من وجهة نظر العسكر الأمريكيين، بسحق المقاتلين من الهنود الحمر وقتل السود وإطلاق أطنان من القنابل والمتفجرات على اليابان وفيتنام والعراق وأفغانستان، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الدول والشعوب التي عانت من أعظم وأكبر دولة ارتكبت جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الإنسانية. وعندما نلقي نظرة سريعة على تاريخ النشأة الأمريكية سنلحظ البدايات الدموية والوحشية والتي كانت جزءاً أصيلاً من الاعتلال النفسي في الحمض النووي الثقافي الأمريكي.

ذبح الهنود الحمر على مدى قرون
حط كريستوفر كولومبس قدميه على أراضي القارة الأمريكية عام 1492، ومنذ ذلك الوقت بدأت الحروب بين المحتلين الأوروبيين والسكان الأصليين للبلاد، ولم تتوقف أنهار الدماء إلا مع بدايات القرن العشرين.
بالرغم من أنه لا توجد إحصائية دقيقة حول أعداد السكان الأصليين الذين كانوا موجودين على أراضي أمريكا الشمالية لحظة قدوم المحتلين الجدد، فإن بعض الدراسات تشير إلى أن أعداد السكان الأصليين للأمريكيتين كانت تتراوح بين 40 و100 مليون عام 1500، ويرى الكثير من المتخصصين أنها كانت نحو 80 مليونا، منهم نحو 15 مليونا من قبائل وعشائر الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وحدها.
ومنذ لحظة قدوم الأوروبيين، بدأت أعداد الهنود الحمر تتناقص بسرعة خيالية بسبب الحروب والمجازر الجماعية والمجاعات والأوبئة، حتى وصلت إلى أقل من 238,000 هندي أحمر فقط مع انتهاء الحرب الأمريكية الهندية في القرن التاسع عشر، مما يعني أن القوات الأوروبية ذبحت أكثر من 95 % من السكان الأصليين لما يُعرف بالولايات المتحدة الأمريكية اليوم، رغم أن بعض الباحثين يرى أن مجموع أرقام القتلى الحقيقية في الأمريكيتين قد يصل إلى 200 مليون قتيل.
هذه الإبادة الكبرى للهنود الحمر، مما يقارب 15 مليون إنسان إلى 200 ألف، لم تكن عشوائية أو محض مصادفة، وإنما كانت عملية مقصودة خُطّط لها من قِبَل المستعمرين، فقد تم القضاء على السكان الأصليين ومحوهم من الوجود، واستخدم فيها الرجل الأبيض كافة الأسلحة والأساليب والطرق التي لا تخطر على بال أحد ولا يفكر فيها حتى الشيطان نفسه.
أقدم المستعمرون البيض بواسطة البنادق على قتل كل من صادفوا من نساء وأطفال أو شباب، وأحرقوا المحاصيل ليفتك بهم الجوع، وسمموا الآبار، وارتكبوا أبشع المذابح في حق آلاف الهنود، وعندما ضاق زعماء القبائل الهندية بما يحصل لشعبهم طلبوا عقد معاهدات سلام، في محاولة يائسة منهم لمنع الأمريكيين البيض من الاستيلاء على أراضيهم أو خطف بناتهم وأبنائهم للعمل في الحقول والمناجم حتى الموت.
وافق المستعمرون وفرحوا بهذا الطلب ونفذوه مباشرة بشرط أن يرحل الهنود الحمر من أماكن معينة حددوها لهم.

أول استخدام لسلاح جرثومي في العالم
قام المستعمرون بعد هذه المعاهدات بإهداء الهنود الحمر مئات البطاطين واللحف بعد كل معاهدة يعقدونها معهم، ولكن ما لم يكن يدركه الهنود الحمر أن هذه الهدايا تم جلبها من المصحات الأوروبية محملة بجراثيم ووباء الطاعون والدفتيريا والحصبة والسل والكوليرا، لتحصدهم حصداً دون أدنى جهد يبذله العدو، ومن تبقى منهم يتم حصده يدوياً بالبنادق.
إنها حرب بيولوجية تم التخطيط لها بدقة، قضت على حوالي 80 % من الهنود الحمر خلال عقود من الزمن، ثم رصدت السلطات الاستعمارية المكافآت والجوائز لمن يقتل هندياً أحمر ويأتي برأسه سواء طفلاً أو امرأة أو رجلاً، وقد كانت الجوائز عبارة عن 100 جنيه إسترليني لرأس الرجل الهندي و50 جنيهاً لرأس المرأة أو الطفل، كأسلوب جديد للإبادة الوحشية. وسرعان ما انتشر الصيادون في أرجاء القارة يجلبون الرؤوس بأعداد هائلة، ثم اقتصروا على فروة الرأس ليخف عليهم العناء، ولكي لا تزدحم عرباتهم الخشبية بالرؤوس، وليستطيعوا تحميل أكبر عدد من  فروات رؤوس الأطفال والنساء التي يتم سلخها، وكان كثير من الصيادين يتباهون أن ملابسهم وأحذيتهم مصنوعة من جلود الهنود تفاخراً بقوتهم ومهارتهم في الصيد.
ويروي السفاح الإنجليزي لويس وتزل أن «غنيمته من فرو رؤوس الهنود لا تقل عن 40 فروة في الطلعة الواحدة»، وهذا يعني أن عدد من يقتلهم في الشهر 1200 إنسان، وربما أنه عمل سنوات طويلة في هذه المهنة الدموية. ويعتبر وتزل اليوم من أبطال الروايات والتاريخ الأمريكي الحديث والمعاصر.
من المؤسف اليوم أن توصف هذه الإبادة الشاملة بأنها مجرد أضرار هامشية لنشر الحضارة، فكما يرى كلاوس كونور، الأستاذ بجامعة برينستون، فإن المستعمرين الإنجليز «هم أكثر القوى الاستعمارية الأوروبية ممارسة للإبادات الجماعية، فكان هدفهم في الدول التي يحتلونها كأستراليا ونيوزيلاندا وكثير من المناطق التي يجتاحونها، هو إفراغ الأرض من أهلها وتملّكها ووضع اليد على ثرواتها».

20 مليون قتيل منذ الحرب العالمية الثانية
قتلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية وشوّهت وشرّدت وأصابت الملايين من الناس بشكل مباشر أو عن طريق دعم الانقلابات والفوضى المسلحة وحروب الوكالة، وضمت في سجلها الحافل بالقتل والخداع ما يفوق الـ20 مليون قتيل موزّعين على أكثر من 93 دولة حول العالم!
وكانت مدينة هيروشيما شاهداً على فداحة القتل المفرط واستهداف المدنيين، إذ قتل أكثر من 146 ألف شخص بقنبلة نووية أمريكية واحدة، ذلك ما سمّاه هاري ترومان الرئيس الأمريكي «أعظم إنجاز في التاريخ»، بالإضافة إلى الهجوم على ناغازاكي بقنبلة نووية أخرى تسببت بمقتل 80.000 شخص.
ورغم معرفة القيادة الأمريكية العليا أن اليابان قد خسرت المعركة وهي على استعداد لقبول شروط الاستسلام، قامت واشنطن بإلقاء القنبلتين.

فيتنام شاهد على السادية الأمريكية
السلوك الوحشي الأمريكي ضد الفيتناميين، أمة الفلاحين التي يبلغ عدد سكانها سدس سكان الولايات المتحدة الأمريكية، يجب أن يصنف بالتأكيد كواحدة من أسوأ حالات البربرية في القرن العشرين، فقد ألقت الولايات المتحدة الأمريكية على فيتنام 26 مليون قنبلة، ورشت 21 مليون جالون من المواد الكيميائية لتغيير الحمض النووي على المناظر الطبيعية والناس، وقتلت حوالي 6 ملايين من جنوب شرق آسيا، ودمرت أكثر من 13000 من أصل 21000 قرية فيتنامية، 950 كنيسة ومعبداً، 350 مستشفى، 3000 مدرسة ثانوية وجامعة، 15000 جسر، إلخ.
وهنا قد يتساءل القارئ لماذا كل هذه القوة النارية الساحقة والدمار بشكل لا يصدق؟ إنها الوحشية السادية الأمريكية التي شهدتها حرب فيتنام والتي تم فيها التطبيق الممنهج لممارسات التعذيب الوحشي المنافي للإنسانية، وفضلاً عن تعرض الآلاف من الفيتناميات لعمليات اغتصاب متكررة وجماعية على يد الجنود الأمريكيين، فقد نفذت أساليب تعذيب مخيفة، مثل إدخال قطع قصب البامبو التي تشبه الأشواك تحت الأظافر وفي أمكنة عديدة من الجسم، ووضع الرؤوس في الماء لفترة طويلة، وربط الأيدي وحلمات الأثداء والخصيتين بأشرطة الهواتف، وتعليق الأسير خلف عربة وجره في حقول الأرز حتى يموت، ورميهم من المروحيات أثناء تحليقها، والسحق تحت جنازير المصفحات، وقطع الرؤوس، وقطع الذراعين وترك الشخص يموت نازفاً دمه، وغير ذلك الكثير من الأساليب المتوحشة، اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية.

جرائم إبادة لا تنتهي
ليس من السهل في أي حال من الأحوال وفي هذه المساحة الصغيرة أن يتم سرد المئات من جرائم الإبادة الجماعية السادية التي ارتكبتها آلة القتل الوحشي المسماة «أمريكا» راعية الخراب والدمار العالمي والراقصة على جثث وأشلاء الملايين من الضحايا والأبرياء في الصومال وأفغانستان والعراق وإيران وجواتيمالا ونيكاراجوا والبرازيل ويوغسلافيا وغيرها، فقد قادت أمريكا أكثر من 75 حرباً وتدخلاً عسكرياً ودعماً للانقلابات والفوضى في عدة دول، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولايزال برنامج الحرب الأمريكية بدون طيار «الدرونز»، والذي حصد أرواح عشرات الآلاف من المدنيين منذ 2001 وإلى وقتنا الحالي في باكستان وأفغانستان والصومال وسوريا والعراق واليمن، شاهداً على راعية الإرهاب الأولى في العالم، وقد وصف المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، عمليات القتل الأمريكية حول العالم بطائرات الدرونز بأنها «أكثر الحملات الإرهابية تطرّفا في العصر الحديث».
لذلك فليس من المستغرب تماماً أن تقوم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بدعم الكيان الصهيوني الذي يرتكب المذابح وجرائم الإبادة الجماعية والتهجير في حق الشعب الفلسطيني، فالمبررات التي يعتمد عليها الكيان الصهيوني هي المبررات نفسها التي استخدمها المستعمرون الإنجليز من قبل، في سرقة أرض السكان الأصليين لأمريكا واستباحتهم وإبادتهم.

الدور الأمريكي في العدوان على اليمن
لا يخفى على أحد الأدوار الرئيسية التي لعبتها أمريكا في العدوان على اليمن منذ اللحظات الأولى للتخطيط والتنفيذ، فالوقائع والمعطيات وتصريحات المسؤولين الأمريكيين والدعم الاستخباراتي والعسكري واللوجستي، كلها تثبت مدى توغل آلة القتل الوحشي الأمريكي في الاعتداء على المدنيين والأبرياء، وتدمير البنى التحتية من خلال تزويد أدواتها من دول العدوان بكل الأسلحة والمعدات والمعلومات التي مكنتهم من الاعتداء على اليمن، ولعل الوثائق التي تم الكشف عنها مؤخراً من قبل القوات المسلحة اليمنية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، التوغل السابق لأصابع الشر الأمريكية في اليمن، والتي تم بترها لاحقاً عقب ثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر، وطرد عملائها وأدواتها، وتخليص البلد من رجس العمالة والانبطاح لأحفاد اليانكي المجرمين.