دمشق / أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -

اللقاء مع الدكتور بسام أبو عبدالله هو لقاء مع متخصص متميز في العلوم السياسية، والأهم أن له قدرته المتميزة على القراءة الصحيحة والرؤية الاستشرافية الواضحة للأحداث في سورية والمنطقة.
له تجربته الأكاديمية الكبيرة، وخبرته الدبلوماسية ونشاطاته العملية المتميزة داخل وسورية وخارجها، والتي جعلت لديه ما يكفي من الخبرة والقدرة على تحليل ما يجري من أحداث، ومعرفة مساراتها وقراءة استنتاجاتها.
لمع اسمه خلال العدوان على سورية كأحد أهم المحللين السياسيين والخبراء في شؤون المنطقة، مما جعله الضيف الدائم على القنوات الإذاعية والتلفزيونية ومختلف وسائل الإعلام المهتمة بشؤون المنطقة.
«لا» التقت الدكتور أبو عبدالله وكان الحوار التالي..

حرب فاشية على سورية
 من الطبيعي أن نبدأ من الوضع المعقد في سورية.. بنظرة عامة كيف ترى هذا الوضع؟
لقراءة موضوعية للوضع في سورية الآن دائما يجب أن نقارنه بما مضى، وإذا قارنا الوضع الآن بما كان عليه من 2013، وحتى عام 2015 فإن الوضع الآن بشكل عام هو أفضل، ولكن عوامل الخطورة لم تزل، إلا أن الأهم في هذه المرحلة هو أولاً ظهور اللاعبين الحقيقيين مكان الوكلاء، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تقود مشروع العدوان، والدول الإقليمية المنخرطة معها في هذا العدوان الذي أسميه دائما حرباً فاشية على سورية، ظهروا الآن بشكل مباشر. كانوا سابقاً يعتمدون على مجموعات المرتزقة وتحت تسميات مختلفة سواء كانت قاعدية أو تسميات أكثر نعومة أو ليبرالية، ولكن هي في الأساس مجموعات مرتزقة سورية وغير سورية.

مجموعات إرهابية تأكل بعضها البعض
 هاك بؤرتان لاتزالان ساخنتين في إدلب ومنطقة الجزيرة في الشمال الشرقي، لنبدأ في إدلب؟
الوضع الآن في إدلب تحكمه اتفاقيات روسيا والدولة التركية، والوضع هناك معقد، فهناك صراعات بين مجموعات إرهابية مسلحة تأكل بعضها البعض، وهذه المجموعات تتبع لأجهزة استخبارات مختلفة، ولكن في الأساس المحتل التركي هو الذي يديرها.
وتركيا لديها مشروع لا يمكن إغماض العين عنه، وهي محاولات تتريك هذه المناطق وإبقاء هذا الواقع لفترة أطول ظناً من أردوغان أنه في 2023 تكون اتفاقية لوزان الثانية قد انتهت مدتها بعد 100 عام، وبالتالي يمكن له أن يطرح الاستفتاء في هذه المناطق.
الدولة السورية وحلفاءها يعملون لتحرير هذه المناطق، وحرر الجيش السوري عدة مناطق منها خان شيخون، ونحن نتحدث عن جغرافيا بدأت تتفكك وتحصر الجماعات الإرهابية في منطقة جغرافية محدودة، وهذا يضغط على تركيا في مسألتين، وهما اللاجئون والجماعات الإرهابية أين سيذهب بهم أردوغان.
والنقطة الأخرى أنه ملتزم أمام روسيا في كل اتفاقياته بوحدة أراضي سورية واستقلالها وسيادتها، وطبعا هذا الكلام يبقى نظرياً، والدولة السورية تدرك أن هناك مشروعاً عثمانياً حقيقياً وتغييراً ديموغرافياً ومحاولات ربط هذه الجغرافيا بالمدن التركية وتسمية وال لهذه المناطق وارتباط جماعات المرتزقة في تلك المنطقة بالاستخبارات التركية وبالجيش التركي، وهذا الأمر تلاحظه الدولة السورية، ولكنه يحتاج إلى توقيت مناسب، خصوصاً وأننا نقاتل هناك حلف الناتو، والولايات المتحدة منخرطة فيه، وهي تقدم الدعم المباشر والكامل وتنسق مع تركيا، والوضع الآن مرتبط بالتوقيت المناسب لتحرير هذه المنطقة إما بالتسويات أو باستخدام القوة العسكرية.

المشروع القائم تقسيم 4 دول أساسية في المنطقة
 وماذا عن الوضع في منطقة الجزيرة في الشمال الشرقي؟
في المنطقة الشرقية هناك مشروع آخر يهدد الدولة السورية، وهو ما يسمى المشروع الكردي، وهذا المشروع أيضا أفقه محدود بالرغم من كل ما تضخه الولايات المتحدة الأمريكية من دعم ومحاولات للتقسيم والانخراط بشكل مباشر، فهناك دعم بالسلاح للعملاء من «قسد» (قوات سورية الديمقراطية)، وهناك قواعد أمريكية موجودة، والمشروع القائم وهو تقسيم 4 دول أساسية في المنطقة، وهي سورية والعراق وتركيا وإيران، ومحاولة ربط مناطق شمال شرق سورية بشمال العراق بجنوب شرق تركيا بغرب إيران، وهذا المشروع تقاومه الدولة السورية، ولكن طبيعة التعاطي تختلف عن إدلب حيث توجد التنظيمات القاعدية، أما في شمال شرق سورية فنحن نتحدث عن تنظيمات ذات طابع مختلف نظريا وذات ارتباط بالمشروع الأمريكي الصهيوني، وهذه المليشيات تقوم باحتجاز النفط والقمح، وهذا ما يزيد من حجم الضغط على الدولة السورية والشعب السوري الذي يحاصر حصارا قاسيا، ولكن أنا على ثقة بأهلنا في الحسكة وبالقوى الوطنية والعشائر العربية في تلك المناطق، لأن الانتماء الوطني قوي، وسوف يقاومون هذه المليشيات، وبأنها لن تستمر لأن لا أفق لديها.
إذن هناك مخاطر لاتزال تهدد وحدة الدولة السورية، ولكن يحتاج الأمر إلى التعاطي باتجاهين: الأول باتجاه التسويات والعمل السياسي والدبلوماسي، والثاني باتجاه العمل العسكري.

حرب مفصلية
 هناك سؤال كبير يُطرح.. لماذا كل هذا التكالب على سورية؟
بتقديري هناك أكثر من سبب، فالقضية السورية ليست حديثة، فسورية شكلت عقبة أمام المشاريع الغربية الأمريكية، فمنذ خمسينيات القرن الماضي واجهت الكثير من المشاريع ومنها مشروع حلف بغداد والأنظمة الرجعية، وهذا طبعا بفضل القوى الوطنية والقومية العربية والتقدمية، ولكن إذا أحذنا سبعينيات القرن الماضي منذ وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى الحكم وحتى العام 2000 مع مجيء الرئيس بشار الأسد، وحتى المرحلة الراهنة، نجد أن الولايات المتحدة كانت تنظر إلى سورية على أنها عقبة حقيقية، فهي دعمت المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي أصبحت تشكل توازن ردع حقيقياً مع العدو الإسرائيلي، ودعمت المقاومة العراقية، ورفضت شروط وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، وفي عز قوة الولايات المتحدة بعد غزو العراق، وفي الوقت الذي كان الكثيرون في المنطقة يرتعدون من ذلك، ورفضت محاولات تطويعها لتدخل ضمن حظيرة المطبعين العرب.
ومع موجة ما سمي «الربيع العربي»، كان الهدف إزالة النظام السياسي في سورية وتدمير الدولة السورية واجتثاثها كثقافة وصاحبة رسالة، لأن قوة سورية وأهميتها في أنها صاحبة رسالة مؤثرة إسلاميا ومسيحيا وبإرثها التاريخي والفكري والثقافي وبعدها العروبي وموقعها الجغرافي الحاكم، وهي دولة نقيض تماما للمشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري، ولهذا قسمت سورية بعد الحرب العالمية الأولى، واقتطعت منها أجزاء ضمتها تركيا ثم أنشئت إمارة شرق الأردن، واقتطع لبنان، ثم أقيم كيان الاحتلال الإسرائيلي، إلى أن وصلنا بعد 100 عام من «سايكس بيكو» إلى محاولات ضرب هذه الدولة بشكلها الحالي المختلف عن سورية الطبيعية.
كل هذه العوامل جعلت الحرب شرسة على سورية إلى هذا الحد، لأنهم يعتقدون أنهم لو استطاعوا إسقاط النظام السياسي في سورية، ونصّبوا نظاماً سياسياً عميلاً لكانوا غيروا تاريخ وخريطة المنطقة والعالم، وكانوا استطاعوا أن يواجهوا ويقطعوا دابر ووجود الروس والصينيين وإيران، ومنعوا ظهور أي منافسين حقيقيين، كما أن الحرب زادت شراسة، لأن الدولة السورية صمدت وصمد الجيش والشعب السوري صمودا أسطوريا، وهذا الأمر أتعبهم كثيراً، وهذه الحرب مفصلية لأنها ستحدد شكل العلاقات الدولية والنظام العالمي الجديد، وبالتالي بدأنا نرى تداعيات الحرب على سورية بظهور روسيا كقوة عظمى أكثر على صعيد الشرق الأوسط والساحة الدولية وقوة الصين تجاه القضايا الأخرى، وإيران كقوة إقليمية، وهذا الأمر أظهر دور سورية ومركزيتها ووزنها وتأثيرها وعلاقتها بنشوء نظام عالمي جديد، لأنه من رحم الصمود والانتصار السوري سيولد النظام العالمي الجديد.

الانتخابات شأن داخلي
 سورية مقبلة على انتخابات رئاسية، وهذا الاستحقاق أصبح محل استقطاب كبير وبوابة لمحاولة التأثير في الملف السوري.. برأيك كيف ستنجز سورية الاستحقاق الرئاسي؟
الدولة السورية ومنذ بدء الحرب على سورية ركزت على تنفيذ الاستحقاقات وفقا للدستور، ولا يوجد استحقاق دستوري إلا ويجب أن يتم وفق موعده.
القوى الخارجية كانت تستهدف تفريغ مؤسسات الدولة ونزع الشرعية والقول بأنه «لا دستور»، ولهذا فالاستحقاق الرئاسي نفذ في 2014، والآن سينفذ في 2021 في موعده احتراماً للدستور، وهناك حملة شرسة جداً، لأن انتخاب الرئيس الأسد هو رسالة حاسمة من الشعب السوري لكل القوى التي تكالبت على سورية، والشعب السوري أثبت أنه متمسك بالرئيس الأسد ليس كشخص أو فرد، وإنما برسالته وصموده وحكمته وببقائه قائدا لسورية طيلة هذه الحرب الطاحنة والشرسة، وعلى الآخرين أن يفهموا ذلك، وهذا شأن داخلي سوري وليس له علاقة بلجنة مناقشة الدستور ولا بأي اعتبارات أخرى، ولا ننتظر من أحد أن يعترف أو لا يعترف، وعلى الدول الغربية أن تهتم بشؤونها، وبخاصة الولايات المتحدة التي قدمت لنا مشهدا مريعا عن ديمقراطيتهم.

سورية واليمن جبهة واحدة
 لننتقل من الملف السوري الساخن إلى ملف اليمن الذي لا يقل سخونة.. كيف ترى الوضع في اليمن؟
أنا برايي لا يوجد أي فصل بين ما يجري في سورية واليمن، وما جرى في كل العالم العربي.. اليمن أولا بلد ذو موقع مهم جداً وفيه ثروات كبيرة، ولا مصلحة خليجية بالمطلق بأن يتقدم اليمن ويصبح دولة مستقلة في هذا الموقع الحساس وبهذه الثروات ويهذا الحجم من السكان، ولا مصلحة للخليجيين بأن يتحول اليمن إلى يمن مقاوم أو مستقل أو حريص على قراره الداخلي والسيادي، ويريدون اليمن تابعاً للسعودية، وهو ما كسره الشعب اليمني في هذه المقاومة والصمود الأسطوري، برغم كل هذا الحصار، وبعد أكثر من 5 سنوات يصمد الشعب اليمني، ويتحول إلى قوة ردع حقيقية لقوى العدوان، وهذا الأمر بالطبع يعطي اليمن أهمية مضاعفة، ونحن الآن نتحدث عن يمن دخل في قلب الصراع العربي الصهيوني وأصبح يهدد الصهاينة.. والإسرائيليون عندما قرروا نصب القبة الحديدية في الخليج فهذا يؤكد أنهم باتوا يخشون الاستهداف من قبل اليمن، ونحن متأكدون أن العدو الإسرائيلي يشارك كما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وبني سعود وغيرها، بشكل مباشر في العدوان على الشعب اليمني.
أعتقد أن الشعب اليمني أثبت أنه شعب أسطوري عروبي قومي ملتزم بقضايا أمته، وهذا لم يعد نظريا، وإنما تحول إلى قدرة عملية، استطاع من خلالها اليمنيون أن يطوروا أسلحة جديدة وصواريخ بعيدة المدى، وأصبحت لديهم القدرة على استهداف السعودية ونظامها، وهذا الأمر ظهر في أرامكو وجدة وغيرهما، وأصبحت المطارات السعودية تُضرب حين يريد اليمنيون أن يوجهوا رسائل ردع، لإفهام قوى العدوان بأن هذا العدوان يجب أن يتوقف.
والعدوان على اليمن هو من أكبر الجرائم التي ارتكبت في هذا العصر، ولكن الشعب اليمني صبر وأظهر أنه قوة ليست فقط عربية، وإنما قوة إقليمية حقيقية بالرغم من ضعف الإمكانيات.


السعودية بلا ورقة توت
 هذا يقودنا إلى السعودية وتداعيات الفشل في عدوانهم وأثره على السعودية كدولة وعلى نظام بني سعود؟
كل من يقرأ ما تكتبه الدراسات والصحف وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحديداً، باعتبار أن الإنكليز هم الآباء المؤسسون لنظام بني سعود، ثم أتى الأمريكان وورثوا ذلك، كل من يقرأ يجد أن هناك إجماعاً على وجود واقع صعب ينتظر الأسرة المالكة في السعودية.
السعودية فقدت صفتين كانت تحتمي خلفهما، هي أولا خادم الحرمين الشريفين، لأنه بعد حرب اليمن، وقتل الأبرياء المسلمين هناك، ومساهمة السعودية في الحرب على سورية وإرسال القتلة والمجرمين، وفي تدمير الشعب العراقي، وفي أكثر من مفصل، فأنا أعتقد أنه لم يعد أحد ينظر إلى ورقة التوت هذه.
ورقة التوت الثانية التي سقطت وجعلتهم عراة، هي البعد العروبي والقومي، فقد شاهدنا ما فعله بنو سعود في ما يتعلق بقضية فلسطين، والدفع باتجاه التطبيع الذي يجرى بدعم سعودي مباشر، وهذا سيضعف دور السعودية على صعيد المنطقة والعالم الإسلامي، ولم تعد تحظى بأي احترام سوى احترام الريالات السعودية، وهذا الأمر أيضاً لم يعد عاملاً أساسياً، لأن السعودية بدأت تعاني ولديها تراجع اقتصادي وديون، بعد أن قام ترامب بنهب الخزينة السعودية، وأيضا لديها مشاكل داخلية اجتماعية واقتصادية، وهناك أصوات بدأت تعلو، خصوصاً بعد انكشاف قضية العقيدة الوهابية ودورها في توليد التنظيمات الإرهابية، وانتهاء مدة استخدام الوهابية، وأصبح الآن مطلوباً من السعودية أن تغير باتجاه يخدم وجود الكيان الصهيوني، وحتى تغيير مفهوم الإسلام باتجاه إسلام مؤمرك، وبالتالي أنا أرى أن مستقبل بني سعود لم يعد واضحاً ولن يكون مستقراً، والعدوان على اليمن ترك أثراً عميقاً داخل المجتمع السعودي، بخاصة بعدما ثبت أنه لا يوجد جيش سعودي ولا توجد قدرات، وأن هناك كذباً في ما يتعلق بأنواع الأسلحة، وبأنه لا أحد يرغب أن يقاتل، ولذلك أنا أعتقد أن السعودية أمامها مستقبل غامض وغير واضح، بخاصة مع وجود ولي العهد محمد بن سلمان، الذي أحدث شرخين أساسيين؛ الأول داخل العائلة الحاكمة، وهذا يحدث لأول مرة، والشرخ الثاني هو التطبيع مع العدو الصهيوني، وأنا أعتقد أن هذا الأمر يسقط ورقة التوت الأخيرة لدى السعودية، وللأسف هم يعيشون وهم أن «إسرائيل» قادرة على أن تدافع عنهم وتقويهم لدى حماتهم في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أعتقد أن وضع المملكة بشكل عام في المستقبل قد يكون باتجاه إما التقسيم أو إيجاد نمط آخر من أنظمة الحكم في السعودية.

الكيان الإسرائيلي آيل للتفكك والانهيار
 في هذا العالم المتغير في موازين القوى والقوة، أين هو الكيان الصهيوني اليوم؟
للحديث عن الكيان الإسرائيلي سأستشهد بما تكتبه الدراسات الإسرائيلية والصهيونية التي تتحدث عن الكثير من النخر في المجتمع الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه يتحدثون عن تحديات يواجهها هذا الكيان لأول مرة، فحرب عام 1967 لم يعد بالإمكان تكرارها.. يمكن لهم أن يشنوا غارة هنا أو هناك، ولكنه لم يعد قادراً على شن حروب واسعة، خصوصاً وأن شعوب المنطقة ومحور المقاومة استطاع أن يؤسس مرتكزات أساسية لضرب كيان الاحتلال الإسرائيلي.
هم يتحدثون عن صواريخ حزب الله التي وصلت إلى أكثر من 150 ألف صاروخ حسب المعلومات التي يروجونها بأنفسهم، ولكن هنا نتحدث عن صواريخ نقطية (دقيقة) يمكن أن تدمر كل العمق والشريط الساحلي الإسرائيلي، ونتحدث عن قطاع غزة وحركات المقاومة، ونتحدث عن اليمن الذي أصبح بإمكانه أن يضرب ميناء إيلات، ونتحدث عن سورية وعن فصائل المقاومة العراقية.
إذن، كيان الاحتلال وصل لأول مرة إلى حالة دفاعية ولم يعد في الحالة الهجومية، ولذلك أعتقد أن هذا الكيان صحيح أنه يمتلك قدرة عسكرية وتكنولوجية عالية ويتلقى دعماً بمليارات الدولارات، ولكنه حقيقة يواجه تحديات داخلية إذ المجتمع بدأ يتفكك وهناك صراع سياسي، وقد أجرى 4 انتخابات خلال أقل من عامين ويتجه أكثر نحو الفاشية، ووجود تأفف من الكثير من القوى العالمية التي لم تعد تستطيع أن توجد حتى الحد الأدنى من الحلول للقضية الفلسطينية، وهذا الأمر أوصل كيان الاحتلال إلى مرحلة أصبح فيها عبئاً على مشغليه ومنشئيه.
أولئك الذين يتحدثون عن انهيار كيان الاحتلال معهم الحق في ذلك بسبب توفر عوامل كثيرة بالرغم من توفر هذه القوة الكبيرة التي يمتلكها، ومكمن عوامل انهياره هي داخلية، ولا يمكن لمجتمع عنصري توسعي أن يسير في هذا الشكل، ولذلك إما أن يوجد حلول أخرى، أو أن هذا الكيان آيل للتفكك والانهيار خلال عقد أو عقد ونصف في أكثر حد.

عصر ما بعد أمريكا قد بدأ
 الولايات المتحدة الأمريكية اليوم أمام تغير بين إدارة ترامب وإدارة بايدن، لكن الجميع يقولون إنها أمام تغيرات أبعد من ذلك، ويطال حتى وجودها كدولة وكإمبراطورية تتحكم بالمسارات السياسية والاقتصادية في العالم.. 
في الولايات المتحدة شيء مهم وهو أن ترامب كشف عورات الولايات المتحدة، وليس هو بحد ذاته كان المشكلة. صحيح أنه رئيس أحمق كما يصفونه، ولكن هو أتى من خارج منظومة الدولة العميقة التي كانت تجمّل النظام الأمريكي العنصري البشع، والذي أرسى منظومة الليبرالية المتوحشة تجاه شعبه وتجاه الشعوب الأخرى، ولهذا أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه تحديات داخلية، وهناك انقسام أفقي وعمودي داخل الدولة العميقة التي يحاول الآن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يرممها، وانقسام في المجتمع، وهذا الانقسام بين البيض والسود، وبين البيض والملونين، وهذا الاتجاه العنصري الفاشي الذي ظهر مع ترامب، وهذه الظاهرة الشعبوية ستستمر ولن تتوقف، وبالتالي أمريكا تسير باتجاه تحديات داخلية اقتصادية واجتماعية، وكذلك تحديات خارجية، متمثلة بظهور منافسين جدد، وبالذات الصين كمنافس اقتصادي وتكنولوجي، وروسيا كقوة عسكرية كبيرة، ونتحدث عن دول إقليمية بدأت تأخذ آفاقاً كبيرة مثل إيران، ونحن أمام نظام دولي جديد، وأعتقد أن أمريكا ستكون مرغمة على أن تقبل بنظام دولي جديد تتشارك فيه مع الآخرين وتقبل أن عصر ما بعد أمريكا قد بدأ.

عوامل التفكك الأمريكي قائمة
 هل هذا يهدد أمريكا كدولة؟
هنا لا بد من القول بأن أمريكا لاتزال تمتلك إمكانية التحكم بالدولار، والمنظومة المصرفية العالمية، لذلك أعتقد أنه لا يمكن الحديث عن تفككها على الأقل في المدى المنظور، في مدى عقدين، لأن الولايات المتحدة مازالت تمتلك عوامل قوة، ولكن لديها أيضاً عوامل ضعف، وكثير من هذه العوامل يمكن أن تسبب تفككها، بخاصة بعدما بدأ الحديث بين بعض الولايات الغنية بضرورة استقلالها، ومع مشهد دخول المتظاهرين إلى الكونغرس لأول مرة، ومع الصراع داخل الحزب الجمهوري وداخل الولايات المتحدة، عوامل التفكك قائمة ولكن أيضاً ليس بهذه البساطة والسرعة، خصوصاً وأن البدائل للولايات المتحدة الأمريكية والعملة الأمريكية ليست موجودة حتى الآن.

لا نعول كثيرا على بايدن
 وماذا عن تداعيات التغيير في الإدارة الأمريكية وفي موقف ومكانة الولايات المتحدة على أزمات سورية والمنطقة؟
في سورية لا نعول كثيراً على ترامب أو بايدن، ولا يمكن أن نعول على أنفسنا، ولكن أعتقد أننا قد نرى مقاربات أكثر نعومة، وأكثر واقعية، لأن تحديات أمريكا وأعباءها المالية وسعيها إلى الانسحاب من المنطقة باتجاه المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، سيكون له الأولوية في المرحلة المقبلة، ولذلك قد تعمل على إيجاد حلول للحرب في سورية، وكذلك في اليمن، كما سمعنا في الكثير من التصريحات والمواقف، ونحن مضطرون للانتظار لمعرفة كيف ستتبلور الأمور مع مجيء إدارة بايدن، وإلى أين تتجه الأمور في الولايات المتحدة.