بشرى الغيلي / لا ميديا -

لم يهتز فقط الرأي العام بعد حادثة مقتل عبدالله الأغبري، بل انعكست سلبا على العاملين بالمهنة، وتعرضوا لمضايقات أدت بالبعض منهم إلى الانتقال لمهن أخرى، وصار الناس يبحثون عمن يثقون بهم ويأتمنونهم على خصوصياتهم لما لهذه من حساسية خاصة. من خلال هذا الاستطلاع تباينت الآراء في إمكانية السماح للمرأة باقتحام هذا المجال من عدمه، ومنهم من قال إن المجتمع لا يتقبّل أن تكون امرأة في محل بالشارع العام للصيانة، لأن طبيعة المجتمع المحافظ لم يتعوّد على ذلك، بينما آراء أخرى أكدت أن وجود مبرمجات هو الحل لإصلاح هواتف النساء وضمان الحفاظ على خصوصياتهن، آراء أخرى اقترحت سن قوانين خاصة بالجرائم الإلكترونية. الكثير من التفاصيل ضمن السياق الذي ناقشته «لا» مع المعنيين والجهات المختصة والمواطنين في الميدان.

سند رسمي
ملوك ناصر (تربوية) تبدأ استطلاعنا بقولها إن التخوّف بات كبيراً جداً لدى المواطنين من إصلاح هواتفهم، خصوصاً بعد حادثة الأغبري، وخشيتهم من ابتزازهم في خصوصياتهم، وصار الأغلبية يفضل الاستغناء عن هاتفه في حال تعطل على أن يأخذه لمهندس لا يثق فيه، مضيفة أن لديها مقترحاً لو تم تطبيقه يضمن الجميع سلامة الحفاظ على بياناته ومقاضاة من يتعدى حدوده، كأن يدخل الزبون إلى محل إصلاح هاتفه بسند رسمي من المهندس ويكتب عليه اسمه وبياناته، وهويته، وفي حال حدث شيء لا سمح الله كسرقة صوره الشخصية، وخصوصياته، يتم التبليغ عنه.

يستحسن إيجاد مبرمجات نساء
مريم الرداعي (إعلامية) تقول إنه عندما كان يتعطّل هاتفها تأخذه إلى مهندس، لكن بعد حادثة الأغبري مستحيل أن تكرر ذلك وتثق بأي مهندس جوالات بسبب من ليس لديهم ضمير أو أمانة، أو (رجولة) حسب وجهة نظرها. مضيفة: حادثة الأغبري جعلتنا نشعر بالخطر من حولنا، ومن الطبيعي أن تخاف الفتاة على سمعتها وشرفها، وتختم: أنا لا أحتفظ بصوري في هاتفي، أو أتصور به، ولكن الاحتياط واجب، وأفضل وجود مبرمجات نساء مؤهلات لهذا العمل.

حواجز تحجب الرؤية
ماهر الحمادي (مخرج بإذاعة يمنFM) يقول إنه عقب حادثة الأغبري أصدرت نقابة صيانة وبرمجة الجوالات بياناً تبرأت فيه من مجموعة السباعي، وهذه خطوة جميلة تحسب لهم، وكذلك إثارة القضية من خلال تضامن أصحاب المحلات العاملين في هذه المهنة، ويرى الحمادي أن وجود كوادر نسائية صار ضرورة ملحة وبادرة جميلة في حال تم ذلك، ويقترح أن تكون الصيانة أو البرمجة بعد ما حدث أمام الزبون وبدون أي حواجز تحجب الرؤية عنه، ليتابع بنفسه خطوات إصلاح هاتفه.

الأهالي منعوا نساءهم من إصلاح هواتفهن
آلاء عبدالكريم الخيواني (إعلامية) تقول: أثرت كثيرا قضية الأغبري على محلات إصلاح الهواتف، وذلك لتجنب النساء إصلاح هواتفهن وخوفهن من سرقة صورهن وبياناتهن من هواتفهن الخاصة، وقام الكثير من الأهالي بمنع نسائهم من إصلاح تلفوناتهن، الأمر الذي أدى إلى ركود العمل في محلات صيانة الجوالات، مضيفة أن الأمر لم يعد كالسابق بالذهاب لأي محل صيانة هاتف، فأصبح الكثير يذهب لمن يعرفه معرفة شخصية أو أن يكون شخصا من الأهل على سبيل المثال.
أما إذا كان هناك مبادرات لإيجاد محلات صيانة الهواتف من خلال كوادر نسائية تعلق آلاء أنها رأت إعلانا لمحل صيانة في أحد المحلات، واعتبرتها خطوة ممتازة حسب وجهة نظرها. وتختم أن أحد محلات إصلاح الهواتف قام بوضع شاشة ليراقب الزبون كل خطوات إصلاح هاتفه وطمأنته بأنه لا يقوم بنسخ صوره وبياناته لكي يكسب ثقة زبائنه.

قوانين خاصة بالجرائم الإلكترونية
كريمة مختار الأصبحي (إعلامية) تضيف لما سبق من الآراء أن التخوّف ليس فقط لمجرد إصلاح الهواتف، بل أيضا على مستوى الشراء، وصار الناس أكثر حذرا وخيفة، وهذا قلل من إيرادات المحلات وانعدمت الثقة بين عملائهم، مؤكدة أنها مع تأهيل الكوادر النسائية الذي بدأ البعض للمبادرة في هذا المجال، والثقة لن تعود بين المواطن ومحلات إصلاح الجوالات إلا بعد أن يتم توفير ضمانات لهم بعدم استخدام بياناتهم الشخصية، وذلك عن طريق وضع قوانين خاصة بالجرائم الإلكترونية تعاقب كل من تسول له نفسه الإضرار، أو الاتجار بأعراض الناس، وفتح خط ساخن يمكن من خلاله الإبلاغ عن تلك الجرائم، حسب اقتراح كريمة.

«لا».. بالقرب منهم
 ولأهمية الموضوع نزلت «لا» ميدانيا إلى بعض محلات إصلاح الهواتف وأخذت وجهات نظرهم كونهم محور القضية وما واجهوه من ردَّات فعل انعكست سلبا على مهنتهم ومصدر رزقهم، فبادر كل منهم بطرح وجهة نظره، وما تعرض له من مضايقات عقب حادثة الأغبري.

«فوبيا» الصيانة
 بدأنا مع المهندس علي العريفي، صاحب محل لصيانة الجوالات زارته «لا» وهو منهمك في إصلاح جوالات زبائنه لما اشتهر به من أمانة وسرعة في الإنجاز حسب شهادة زبائنه المتواجدين بالمحل. يقول: النقطة الأولى صحيح أنها انعكست سلبا على أصحاب المحلات، بخاصة محلات الصيانة الذين معهم غرف صيانة في الداخل، أقصد ليس أمام الزبون، إلى درجة أصبح الخوف شديداً جداً، وبعض الناس أصبح لديهم «فوبيا» من الصيانة أو البرمجة، أما النقطة الثانية يرى أن المواطنين من شدة الخوف أصبحوا يبحثون عن بديل، وخصوصاً أن تكون الصيانة أمامه وليس من خلفه، ويكون هذا شرطاً أساسياً لديه، وبالنسبة لأصحاب المحلات التجارية يبحثون عن كادر نسائي للصيانة والبرمجة، فهذا صعب جدا أن تتواجد في المحل امرأة للصيانة والبرمجة، والبنت مستحيل توافق، مضيفاً: وإذا وجدت امرأة تعمل لها محلاً خاصاً بها للصيانة والبرمجة، والبيع والشراء، يكون أفضل، لكن عليها أن تتحمل المسؤولية الاجتماعية، خصوصاً لوجود ناس ضعيفي عقل ودين.
ويختم العريفي: أنا لي تعليق على المحور الرابع الذي طرحتموه وهو لماذا أغلب النساء تصور نفسها في جوالها، أو بعض الرجال يصور عائلته في الجوال، أخي اعمل لك ذاكرة وتكون على رمز وصور براحتك، وبعد أن تكمل التصوير وتعمل ذكريات جميلة تخرج الذاكرة من الجوال وتحتفظ بها، أو تقوم بنقل ذكرياتك إلى فلاش.
أما عملية زرع الثقة بين الزبون وأصحاب المحلات فيرى العريفي أنها تحتاج إلى وقت طويل، والحل يكمن في العمل السريع وأمام الزبون مباشرة.

الزبائن الجدد لا يثقون
عبدالعزيز الصلاحي، مهندس جوالات، يقول: قضية الأغبري انعكست على الزبائن الجدد، أما الزبائن القدامى فالأمر طبيعي بالنسبة لهم، لأنهم يثقون بالمحل نتيجة التعامل معه من سابق، مضيفاً: الإقبال خف كثيرا ولم يعد كما كان قبل قضية الأغبري، والمواطن صار يبحث عن المهندس الثقة ليس فقط الذي يأمنه على تلفونه، وإنما حتى الأمانة على المحل ليطمئن قلبه ويسلمه جواله، ويختم: نحن نحاول إيجاد مهندسات نساء في صيانة الجوالات حتى من قبل قصة الأغبري، وأما الثقة فهي تتولد من خلال الصلة والتواصل بين المهندس والزبون الذي تعوّد أن يأتي إليه دائما، أما الزبائن الجدد، بالذات بعد قصة الأغبري، لم يعد لديهم ثقة بأي محل إصلاح الأجهزة. 
محمد الفودعي، عامل بمحل للهواتف الذكية، يقول: بعد حادثة الأغبري ليس فقط من يقومون بإصلاح الجوالات تأثروا بركود المهنة، بل حتى على مستوى التجار الذين لديهم محلات لبيع التلفونات تضرروا بشكل كبير، مضيفاً: لا نفكر أبدا بأن نجلب مهندسات للصيانة، فالموضوع لا يحتاج ذلك، أما عن كيفية إعادة جسور الثقة بين المواطن وأصحاب هذه المحلات، فهي ستعود بعد انتهاء الحادثة.

رقابة دورية
محمد الخزاعي، صاحب محل جوالات، يقول: عرفت الكثير من المهندسين عن قرب، وللأسف أغلبهم انعدمت لديهم الأمانة، فقد يسقط هاتف الزبون وترتفع عليه (الفلاته) ويذهب به للمهندس فيخبره أنه يحتاج شاشة، وبضغطة واحدة على الفلاته يعود الجوال كما كان، فيطلب ثمن شاشة وسعراً باهظاً، بينما الخلل بسيط، وهذا دليل انعدام المصداقية والأمانة، وبعض الزبائن يأتي بتلفونه وقد فيه ألف عيب و(يتسلبط) على المهندس، لكن المهندس الخطير يقول له أنت جبت لي تلفون طافي خلاص، لا تحملني أي مسؤولية، ويتصرف بالجوال حسب مزاجه المنعدم من الضمير.
ويضرب الخزاعي مثالا عن نفسه أنه تعرض لموقف يؤكد كلامه، بأنه وضع لاصق ليزر، وتوقف اللمس في جهازه، فذهب به إلى أحد أصدقائه المهندسين ولم يجد من كان يتعامل معهم، بل وجد مهندسا آخر، واستلمه مقابل الصيانة رغم أن هاتفه اشتغل طبيعي بعد أن نشف الغراء.
ويختم أن الأمانة هي أهم شيء في هذه المهنة سواء بين ذكر أو أنثى، وأحيانا قد يأتي الضرر من امرأة على أخرى بشكل مؤسف، والأمر يحتاج رقابة دورية من قبل الجهات المختصة والمتابعة المستمرة لتعاد الثقة المفقودة.

البنات لا يقبلن هذه المهنة
أما محمد الغولي، مهندس صيانة بمحل جوالات، فيقول: الزبائن قلّوا كثيرا وبالذات العنصر النسائي، لم تعد تأتي إلينا نساء لإصلاح تلفوناتهن، حتى وإن جاءت لتصلح جوالها ترفض أن تسلمه للمحل، بل تطلب أن نقوم بإصلاحه أمامها وهي موجودة، ما عدا الزبائن الذين يعرفوننا من سابق ويتعاملون معنا بشكل دوري، يضعون تلفوناتهم وهم مطمئنون، وهؤلاء زبائن المحل.
ويضيف الغولي: لم نفكر أن نوفر كادراً نسائياً، خصوصاً في المجتمع اليمني الذي لن يتم تقبّل هذه الفكرة بسهولة، فسألناه ما الذي يمنعكم عن ذلك؟ أجاب: إذا كان ذلك في شركات خاصة ممكن، لكن في المحلات الصغيرة والتي هي في شارع عام وأمام المارة، فالمجتمع اليمني مجتمع محافظ ومن الصعوبة بمكان أن يتقبل ذلك، وأيضا البنات لا يقبلن على هذه المهنة، وتخصصن إما ممرضات، أو مدرسات فقط.
ويختم: أما إعادة جسور الثقة فمع الوقت ستعود، ومن خلال حسن التعامل والأمانة، ومع انتهاء التحقيقات وتنفيذ الحكم سيعود كل شيء إلى طبيعته.
 
فكرة مستبعدة
أيمن الهزبر، مبرمج في محل جوالات، يقول: للأسف انعكست سلبا هذه القضية على مهنتنا، فكل من يمر من أمام المحل ينادي لنا يا سباعي... يا سباعي! وصارت كل المحلات لديهم سباعي، مع أن أول من بدأ بإثارة مظلومية عبدالله الأغبري أصحاب المحلات أنفسهم الذين لم يرضوا بالظلم الذي تعرّض له، وقاموا بالمظاهرات ونشرها على مواقع التواصل لمناصرته حتى يتم إنصافه، أما البحث عن المهندسين الثقة فهم موجودون بين من يتعاملون من سابق مع المحل، وصار التخوّف ممن قاموا بفتح محلات جديدة، خصوصاً بعد ظهور قصة الأغبري، وصار التخوف بشكل كبير من التعامل معهم، فيقول الزبون: أروح عند من أثق فيه أفضل من أن أذهب عند محل لا أعرفه.
ويضيف: البحث عن كادر نسائي لإصلاح الجوالات فكرة مستبعدة لدى البعض، إلا إذا كانت أمام الجامعات، أو المدارس، ومن بعد الظهر حتى المغرب ممكن، لكن تواجدهن في المحلات هذا من غير الممكن لأنه لا يوجد المكان المناسب، فالشارع العام لا يصلح أن تتواجد فيه مهندسة امرأة نظرا لخصوصية الشعب اليمني، ومن المستحيل أن يسمح الرجل بأن تشتغل زوجته في الشارع العام وأمام المارة، لأننا في مجتمع محافظ، والثقة مبنية على الخوف من الله، فهناك من يخاف الله، وهناك من لا يخافه، وهنا أنصح الأخوات اللواتي يصلحن تلفوناتهن بألّا يضعن شيئا بالذاكرة الداخلية، وتضع ملفاتها وكل ما يخصه بالذاكرة الخارجية، وأول ما تخرج من البيت تضعها، بمعنى لا تخرجها من بيتها نهائيا.

قضية جنائية
لأهمية الموضوع طرحته «لا» على المهندس محمد محمد القديمي، مدير نقابة صيانة وبرمجة الجوالات، الذي بدأ حديثه بأن قضية الأغبري جنائية بحتة وتم البت فيها من جهة القضاء العادل الحر النزيه، ولكن تأثر جميع العاملين في هذه المهنة بسبب الإشاعات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي وشوهت وزعزعت الثقة التي بين العاملين في مجال الصيانة والبرمجة وبين المجتمع اليمني، هذه الثقة التي عمرها أكثر من 15 سنة، الإشاعات صورت العاملين في هذا المجال أنهم مجرد مبتزين، وهذا ما نعاني منه، ونريد توضيحه للمجتمع عبر صحيفة «لا»، فمثلاً إذا هناك دكتور فاسد، فليس جميع الأطباء فاسدين، وإذا هناك مهندس فاشل؛ أو سائق متهور.. فليس الجميع بنفس الأخطاء.
ويضيف القديمي أن النقابة أصدرت بيان إدانة واستنكار، وحضرت جلسات المحكمة، لأن ابن الأغبري هو منا وفينا، وعامل في هذا المجال، ونحن ضد الظلم، وقد تعقبنا كل الحسابات التي نشرت إشاعات ابتزاز، وهذا غير وارد، وأن نسبة من قاموا بذلك لا تتجاوز 1٪، وتابعنا قنوات، وتتبعنا اتصالات، ووجدنا أن من يقوم بذلك إما قريب، أو صديق، أو من يحفظ الرقم، أو لص سرق الجوال، أو من يرسل روابط مهكرة، ولكن الحملة علينا شرسة والثقة تزعزعت بشكل كبير، مستدركاً: لكن حالياً هناك خطوات لإعادة هذه الثقة بين العاملين في المهنة وبين المواطنين، والتنسيق بين الجهات الأمنية، والجهات المختصة، وجهات الدولة، وسنشرع بها قريباً.

بصدد تدريب كوادر نسائية
ويؤكد القديمي أن نقابة صيانة وبرمجة الجوالات في صدد تدريب نساء للصيانة، والإقبال كبير جدا على ذلك، والمحلات صارت تطلب كوادر نسائية مؤهلة لهذه المهمة، ولدينا بعض العاملات بالمهنة، ويعملن مع تجار وفي محلات، وكذلك يوجد محل خاص في «الصباحة» عصر لمهندسة عضوة بالنقابة، وحضرت مقابلات في قنوات تجهز حاليا كوادر نسائية في هذا المجال، وبإذن الله الكادر النسائي سيغزو السوق في الفترة القادمة، وسيكون له بصمة في هذا المجال، ويكون رابط ثقة بين المرأة والمرأة لتسلم جوالها وهي مطمئنة، ولدينا خطوات سيلمسها الجميع في القريب العاجل بإعادة جسور الثقة من خلال ميثاق شرف المهنة، وتراخيص مزاولة المهنة، وفحص جميع المهندسين لهذه المهنة هل هو مؤهل ليتم تسليمه بطاقة، وستكون هناك حملات رقابة عليهم وسيتم تفتيشهم، برغم أن 95٪ باحثون عن رزقهم ورزق أطفالهم وعوائلهم، ولا يمثلنا الابتزاز ولا 1٪
تظل الأمانة هي مختصر ما حدث، ولا فرق فيها بين ذكر أو أنثى، وإعادة ما هدم من جسور الثقة، واتفق جميع من شملهم الاستطلاع أنها حل لكل شك، كما وعدت نقابة صيانة وبرمجة الجوال بأن حزمة من الحلول القوية ستشهدها الساحة لإعادة الثقة المفقودة.