غازي المفلحي / لا ميديا -

صحيح أن أمريكا هي التي صنعت التنظيمات الإرهابية كـ»داعش» و«القاعدة» ولكن الأخطر منها هو السمعة المرعبة التي صنعتها أمريكا لهذه التنظيمات، فصارت كابوساً مخيفاً ما إن يستوطن في أرض حتى يتأكد أهلها من استحالة إخراجه منها. وبالرغم من تجهيز هذه العناصر وتمكينها وحمايتها أمريكيا وغربيا وخليجيا وفساد عقيدتها حد التوحش في خوض المعارك دفاعا أو هجوما، إلا أن الهالة التي نسجت حولها تم تعمد المبالغة فيها، فخيل للكثيرين أن قتالها أصعب مهمة يمكن أن تلقى على عاتق جيش، وأن هزيمتها بمثابة طموحات غير واقعية. لكن سحق الإمبراطورية التكفيرية التي بنيت منذ عقود في محافظة البيضاء من قبل أبطال الجيش واللجان الشعبية وقبائل البيضاء، قدم للعالم التعريف الصحيح لهذه التنظيمات وكيفية هزيمتها بعيدا عن التعريف الأمريكي الغربي.

نشأة الشجرة الخبيثة
كانت جماعة «القاعدة» الإرهابية متواجدة في البيضاء وعدد من المحافظات اليمنية، ولكن في 2013 أسقطت محافظة البيضاء بالكامل بيد عناصرها، بكل مؤسساتها، وبعد طرد عناصر «القاعدة» من مدنها الرئيسية لجأت هذه العناصر الإرهابية إلى مديريات المحافظة البعيدة وذات التضاريس الصعبة كمديريتي ولد ربيع والقريشية.
ولأن سمعة هذه التنظيمات أقوى منها بمراحل، فإن اجتثاثها أو الوقوف في وجهها من قبل القوات الحكومية أو القبائل كان مغامرة خاسرة، إلى جانب أن القوات الحكومية منزوعة القرار المستقل للتحرك ضد الفزاعة الأمريكية حينها.
خلال فترة العدوان تم بناء ودعم تلك التنظيمات وافتتاح الفرع الآخر «داعش»، وقد اختيرت محافظة البيضاء كموقع لتواجدها، لأن للمحافظة موقعاً وسطياً مهماً بين الشمال والجنوب، وتحد 8 محافظات هي: صنعاء، ذمار، إب، الضالع، أبين، لحج، مأرب، وشبوة.
وكانت منطقتا يكلا والمناسح وكراً لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» ومقراً لقيادتهما في شبه الجزيرة العربية، وتخرج منها كثير من الإرهابيين الذين نفذوا أعمالاً إجرامية في عموم اليمن.
ولمنطقة «يكلا» في مديرية ولد ربيع التي تقع بمحاذاة مديرية رحبة أولى مديريات محافظة مأرب، خصوصية لدى التنظيمات التكفيرية المتشددة التي تعدها أرضاً مقدسة، بالتوهم إلى نصوص نسبت للنبي محمد (ص)، مدعية ورود اسم هذه المنطقة على أنها أرض ميلاد جيوش الإسلام ومبعث القحطاني أخي المهدي المنتظر، والذي سيفتح بلاد الروم ويهزم الصليبيين حد زعمهم. وتعد «يكلا» الإمارة الأم والمعسكر الأضخم للتكفيريين في الجزيرة العربية، وقد اتضح ذلك من حجم العتاد وعدد المعسكرات التي تم إسقاطها في المنطقة من قبل أبطال الجيش واللجان الشعبية، والتي بلغت 14 معسكراً تنتشر في المنطقة وبشكل حصين، إضافة إلى أن هذه المعسكرات كانت تضم عدداً من التكفيريين من جنسيات مختلفة.

سقوط الراية السوداء
بالرغم من حجم هذه الإمبراطورية السوداء التي تهزم الناس نفسيا، فقد جاءت ضربة أبطال الجيش واللجان الشعبية قاصمة شديدة على العناصر التكفيرية، حيث سقط العشرات من التكفيريين بين قتيل وجريح وأسير من مختلف النوعيات، مقاتلين وانتحاريين وقناصين ومدربين وخبراء صناعة المتفجرات والأحزمة الناسفة، وسقط أهم القيادات على مستوى الجزيرة العربية، فقتل 5 زعماء وأمراء، منهم زعيم تنظيم «داعش» ومسؤولاه الأمني والمالي، ومن أبرز الأسماء، المدعوان أبو حفص الباكستاني وأبو التركي.
كما أسفرت العملية العسكرية الناجحة للجيش واللجان ضد التكفيريين عن استرجاع مساحة قدرت بـ1000 كيلومتر مربع في منطقة شديدة الوعورة ومعروفة لتلك العناصر التي خبرتها وتحصنت بها جيدا.
وخطف النصر في معركة قيفة بهذه السرعة الكبيرة عائد لبراعة التخطيط والتنفيذ واختيار التوقيت من قبل قوات الجيش واللجان التي اعتدنا منها تنفيذ ضربات قاضية ومحكمة، وهي حصيلة عقيدة قتالية وطنية وإيمانية وخبرة ميدانية وعسكرية واستخباراتية طوال 5 سنوات في مواجهة عدوان دولي متعدد ومجهز بأحدث التقانات العسكرية.
إن البعد الميداني لهذا النصر هو الجهوزية القتالية العالية والتكتيكات العسكرية والخبرات المتراكمة العائدة إلى ما قبل العدوان أيام الحروب الست، كما يرى اللواء عبدالله الجفري، المحلل العسكري والاستراتيجي، إلى جانب الرصد الاستخباراتي، واحترافية وحدات الهندسة والقناصة وتكتيكات الاستدراج والالتفاف وعنصر المفاجأة.
أما أهم العوامل التي حققت هذا النصر فهي العقيدة القتالية، وهو أهم عامل في تركيبة الشخصية القتالية والعسكرية والمجاهدة، وما يترتب على ذلك من إيمان بعدالة القضية التي يقاتلون لأجلها، بحسب الجفري، الذي يضيف: «أبطال الجيش واللجان الشعبية يعتبرون من المقاتلين القلائل الذين قاتلوا التنظيمات التكفيرية من مسافة صفر، وجها لوجه، وقتلوهم وأسروهم».
ويتفق مع ذلك الإعلامي زيد الغرسي، الذي يقول: «هذا الانتصار المكين يأتي أولا بسبب وقوف الجيش واللجان في موقف الحق، وهي ذاتها نقطة ضعف التنظيمات، كذلك الإيمان بالله والقضية والعقيدة القتالية الصادقة التي يمتلكها الجيش واللجان الشعبية».

نتائج بعيدة لهذا النصر
هذا النصر زاد الضغط على جبهة العدوان ككل في معركة مأرب المفتوحة الآن، حيث إنه فتح وأمَّن بوابة جديدة نحو مأرب المحاددة للبيضاء، كما خفف الضغط عن الجيش واللجان، وردم هذه البؤرة الخبيثة التي كانت تسوم المواطنين والأهالي العذاب، فقد كانوا تحت رحمة عناصرها وهم يكفرون الناس ويعملون فيهم صنوف القتل والتعذيب، كما أن هذا النصر سيجعل الجيش واللجان في مأمن من غدر هذه التنظيمات وكمائنها في طريقه وظهره في حال دخل مأرب، كما أنه فتح بوابة جديدة إلى الجنوب باتجاه شبوة وأبين ولحج.
وقضى هذا الانتصار على مخطط المعركة الطائفية التي كان يتم مدها وتوسيعها، كما قضى على ذريعة أمريكا في التواجد وانتهاك السيادة اليمنية بدعوى محاربة الإرهاب.
يقول اللواء الجفري أن هذه العملية من أكبر العمليات الناجحة على مستوى العالم ضد هذه التنظيمات «الإرهابية». وستكون مفتاحاً آخر لهزيمة العدوان الذي نشر هذه التنظيمات على امتداد محافظات البيضاء والجوف ومأرب، والتي تصل حتى الشريط الحدودي لقطاع نجران المحتل، والتي أوجدها كخط دفاعي أول أمام الجيش واللجان، باعتبار أن هذه التنظيمات ستواجههم بشكل طائفي مستمر، ولأجل ما سمي حصار «التبة الزيدية» كما قال السفير السعودي محمد آل جابر، وهو يتحدث إلى المرتزقة في فيديو مسرب.

طي الراية السوداء
سقط في العملية أكثر من 250 من العناصر التكفيرية بين قتيل وأسير ومصاب، وتم تدمير أكثر من 12 معسكراً وتجمعاً لتلك العناصر في المنطقة نفسها.
يرى الإعلامي الغرسي أن معركة تطهير محافظة البيضاء من «داعش» و«القاعدة» هي معركة استراتيجية، واليمن البلد الوحيد الذي يخوض هذه المعركة باستقلالية تامة وبصدق وشفافية، ويكشف زيف أمريكا التي تدعي محاربة الإرهاب، ويوثق بالصوت والصورة أن أمريكا تدعم «القاعدة» و»داعش». ويضيف: «هذه العملية نسفت كل ذلك النفخ والترعيب الذي طليت به التنظيمات الإرهابية منذ عقود، واتضح أن الجيش واللجان الشعبية هم حقيقة من يكافحون الإرهاب في المنطقة وليس أمريكا (صانعته)».
ويشير إلى أن «القاعدة» و«داعش» في الواقع، هم عناصر استخباراتية أمريكية إسرائيلية سعودية إماراتية، وقد شاركت أمريكا وتحالف العدوان مباشرة في الدفاع عنها ومساندتها جوياً بجملة من الغارات أثناء المعركة.
ويرى أن كثيراً من الدول التي لم تستطع التغلب على التنظيمات الإرهابية ينقصها الإيمان ويملؤها الرعب، بسبب الأفلام والمشاهد الإجرامية التي تبث الرعب، وكذلك الدعم الأمريكي والحماية لهذه التنظيمات من الهزيمة أو الزوال، وكثير من الأنظمة تستجيب لتوجيهات أمريكا، التي تأمر بعدم القضاء على هذه التنظيمات.