شوقي بزيٌـع -

قميـص التجربـة
قُبّراتُ الحقول
تقافُزُ قلبِ الثعالبِ
حول الينابيع
نومُ النمالِ الطويل
على طرقات الشتاء
عِراكُ المجرات 
من أجل نجمٍ تغادره الشمسُ من خلف ظهر الفَلَكْ
كلُّها الآنَ 
تسجد لكْ
كلها الآنَ 
تجثو على قدميكَ الإلهيتين
ميممةً شطر أهدابك السود
مسرعةً كي تُقَبّلَ ثغرَ الهلال
الذي قَبّلكْ
ولكن سرّكَ 
في أن تكونَ جديراً بسحركَ 
في أن تخط المياه التي سكنتها الشياطين 
كي تستعيدَ البراءةَ 
أو تستعيذ بدرع اختيارك 
من حاسد حسدكْ وسِرُّكَ 
في أن تعودَ إلى نقطة الصفر كيما ترى جسدك 
نظيفاً كجوهرة في العراء وكيما تُخَلّصَ نرجسكَ المتوجسَ من نفسهِ 
لا تصدق جمالكَ 
صَدّقْ ظلالكَ فوق الجدارْ
وغُصْ نحو وحْلِ الحقيقة
كيما تُجَسّدَ 
ما قوّضَ الطينُ فيكْ 
فهذا الزمان 
الذي برّأ الذئبَ من سبحة الدم فوق قميصِكَ
ليس زمانكْ
وهذا الحصان
الذي لم تكن برْقَهُ المترددَ خانكْ
وإخوتك اتحدوا مع قميصكَ ضد دموع أبيك 
فلا تتعلقْ بدلْوِ الأمان الذي انتحلوه
لكي يخدعوك
تَوَقَّ أحابيلَهم 
وابتكر من خيوط الهلاك جبالكْ
دعْ قميصَكَ للذئب 
كي تنتهي عالياً مثلما كنت واهبط 
إلى آخر البئر
كي تستحقَّ جمالكْ

من قصيدة مرثية الغبار 
غبارٌ على أفق الروح يعلو
ويبتعدُ الطفلُ فِيَّ إلى ظلمةٍ لا تؤوبُ
مضاءً بأحزانهِ
أنهَرُ الأرضَ مثل قطيعٍ من الذكريات أمامي
وأتبعُ أقدامَه صارخاً في هشير الصباحات 
لكنه لا يجيبُ
أحدّقُ مثل المجانين داخل مرآتهِ 
فأراه على وشك الموت يرمقني من بعيدٍ 
ويسأل: من أنت؟
لكننا سيدي واحدٌ 
مزقته الحروبُ
لا تمتْ
قبل أن يُزهرَ اللوز في الأرض
لا تتذرعْ بهذا الخرابِ الذي تلمح الآن
ما هي إلا شهور
وتنبلج الروح ثانيةً من وراء الجبال
وقد شقّ ظلمتها العندليبُ
شهورٌ وتعلو الشقائق أضرحةَ الشهداءِ
كل شيءٍ أُعِدّ كما ينبغي
في نهايات هذا المساءِ
وبعد قليل سيجترح الضوءَ عشبٌ وليدُ
سيأتي الأحبة ثانية للحياة
تواكِبهم 
ثلةٌ من عصافير أحلامهم 
ودم طازج 
ونهار جديدُ
شهورٌ
وتنهض تلميذة في الصباح 
لتصنعَ من زرقة البحر مريولها المدرسيّ
ويورق بين يديها الكتابُ 
ولكنني لا أرى غيرَ شمسٍ تجرجر أمعاءَها فوق رأس الخليقةِ
والأرضُ تفاحةٌ 
تتناهشها في الظلام الذئابُ
ولماذا استتبَّ ولم تشرق الشمس هذا الخرابُ
والذين قضوا تحت أنقاض أحلامهم 
من يعيد لهم أعيناً 
أطفؤوها ليحيا الترابُ
سرابٌ سرابُ
لماذا الترابُ 
إذا لم نجد فوقه من نقول له:
عِمْ صباحاً 
ولم يبق متسعٌ ليجيءَ الجوابُ