مروان أنعم / لا ميديا -

مع تزايد مستويات الانحدار الواسع والتراجع الملحوظ في الاقتصاد السعودي، وبروز مؤشرات لهزات اقتصادية كبرى تعصف بأكبر بلد منتج للنفط الخام في العالم، والتي كان آخرها إفلاس عدد من الشركات الكبرى، واستمرار مسلسل تفاقم العجز في الميزانية، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة، والتوقف عن صرف بدل غلاء المعيشة، فإن المواطن السعودي يكون قد ودع رسمياً دولة الرفاه النسبي، وبات على موعد مع انهيار اقتصادي وثورة جياع أصبح الحديث عنها يتصدر «الترند» على «تويتر» وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.

«انهيار الاقتصاد فقر للسعودية» يتصدر «الترند»
لا يجد المواطن السعودي من فرصة للتعبير عن حالة الغضب التي يعيشها سوى مواقع التواصل الاجتماعي، وبأسماء مستعارة بالتأكيد، خوفاً من بطش وملاحقة كلاب محمد بن سلمان له، وبذلك يمكن استطلاع مزاج الشارع من خلال بعض من مواقع التواصل الاجتماعي.
انفجرت مؤخراً ظاهرة جديدة على مواقع التواصل في السعودية تمثلت بالعديد من الوسوم التي تعبر عن حالة الاستياء الحاد من تردي الأوضاع المعيشية في السعودية، ومعبرة في الوقت ذاته عن رفضها لحالة التقشف التي تنال من المواطن فقط، دون المساس بمصالح الطبقة العليا من الأمراء وذوي النفوذ. ومن أهم تلك الوسوم:
# بدل_غلاء_المعيشة
#ضريبة_القيمة_المضافة
#تجمع_العاطلين_السعوديين
أما في نهاية الأسبوع المنصرم، وتحديداً الخميس الماضي، تصدر الترند هاشتاغ «#انهيار_الاقتصاد_فقر_للسعودية» على منصة التواصل الاجتماعي «تويتر» في السعودية ودول الخليج، في مؤشر واضح لحالة الغضب الشعبي من التدهور الاقتصادي وغلاء تكاليف المعيشة، ورفع الضرائب وأجور الخدمات على المواطن السعودي الذي كان يتمتع بأوضاع اقتصادية جيدة نسبياً.

الدب الداشر يعوض نفقاته من جيب المواطن
بدأت مشاكل المواطن السعودي منذ سنوات قليلة، ولكنها تفاقمت مع مطلع العام الجاري عندما اتخذت الحكومة السعودية جملة من القرارات للحد من الآثار الاقتصادية لوباء كورونا وتراجع أسعار النفط، وتمثلت تلك الإجراءات أساسا في رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15٪ ووقف صرف بدل غلاء المعيشة للمواطنين والمقدر عددهم بمليون و300 ألف مواطن.
وأثارت تلك القرارات جدلاً كبيراً واعتراضاً واسعاً من السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دوّن المعارض غانم الدوسري: «لم يمر على أزمة كورونا سوى شهرين تقريبا وإذا بالسعودية العظمى ترفع الضرائب على مواطنيها وتلغي بدل غلاء المعيشة! الأزمة مرشحة للاستمرار مدة طويلة، فهل نصحو يوما ونجد الضرائب تجاوزت 50٪؟».
فيما غرد الناشط أحمد عبدالرحمن قائلاً: «القرارات الجديدة أحدثت صدمة للشعب السعودي، وتأكدوا فعلياً أنهم آخر هم الملك سلمان وابنه. جميع القرارات عبارة عن زيادة أسعار وخصومات على المواطن المسكين، أما مخصصات الأمراء والمستشارين والبطانة ومشاريع العهر السياسي فلن يقربها أحد، الدور على حساب المواطن».
نشر حساب «خط البلدة» المعروف على «تويتر»، تقريراً مصوراً قال فيه: «ألغت الدولة بدل غلاء المعيشة ورفعت ضريبة القيمة المضافة بنسبة 200٪ لكن الأزمة الحقيقية لم تأت بعد، فالدب الداشر سيستمر في تعويض نفقاته من جيب المواطن، ولن يترك طلبات ترامب حتى يُحلب منه آخر مليار».
وأضاف: «الأزمة الحقيقية ستبدأ حينما تمر أيام على المواطن لا يستطيع فيها شراء الدجاج والبيض، حين لا يكفيه راتبه أكثر من 10 أيام في الشهر، وحين تنفد السيولة ولا يبقى بين يديه أموال تسد حاجة أطفاله. السيناريو الأسوأ قادم وبقوة علينا، إذا لم يتم الأخذ على يد ابن سلمان وإيقاف عبثيته وصبيانيته».

زيادة معدل إفلاس الشركات
ودق عضو مجلس الشورى السعودي، عبدالله الحربي، ناقوس الخطر بإعلانه خلال مداخلة له بالمجلس، أن 10 حالات إفلاس لشركات سجلت في يوم واحد نهاية شهر مايو، في مؤشر على التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه مملكة بني سعود.
وأوضح الحربي أن هناك مؤشرات على زيادة معدل إفلاس الشركات، مؤكداً وجود زيادة في عدد القضايا التي يتم النظر فيها بالمحاكم التجارية بنسبة بلغت 60٪ خلال عام واحد. مبيناً أن عدد الشركات التي دخلت مرحلة الإفلاس تزايدت في السنوات الثلاث الأخيرة.
وشدد على أن الإفلاس يُعد مؤشراً غير جيد للاقتصاد، وبخاصة للمستثمر الأجنبي الذي يفكر في الدخول للسوق السعودي، كما أن له آثاراً سلبية على المستوى الاقتصادي ككل، يأتي في مقدمتها زيادة نسبة البطالة.
وكانت صحيفة «الاقتصادية» السعودية كشفت عن عدد قضايا الإفلاس في المحاكم التجارية السعودية، والتي بلغت نحو 500 قضية إفلاس منذ يوليو 2019 منظورة أمام المحاكم التجارية.
وأفادت الصحيفة بأن المحكمة التجارية بالرياض استحوذت على 73.6٪ من إجمالي هذه القضايا، بواقع 368 قضية.
وأشارت إلى أن المحاكم التجارية في جدة تنظر في 75 قضية إفلاس، في حين تنظر المحكمة التجارية بالدمام في 54 قضية، فيما كانت لجنة الإفلاس السعودية كشفت، في يونيو الماضي، عن تقديم عشرات الشركات طلبات تطالب فيها بإشهار إفلاسها، بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت السوق السعودية.
وبحسب ما نشرته لجنة الإفلاس حينذاك، فإن 33 شركة طلبت البدء بإجراءات التصفية، وإشهار الإفلاس، ومن بين هذه الشركات نحو 14 مختصة بالمقاولات، بما نسبته 42٪ من عدد الشركات المفلسة.
حجم الضرر الهائل الذي نال من الاقتصاد السعودي جاء بسبب حماقات ابن سلمان ومحاولاته للتتويج بالعرش الملكي على حساب الشعب اليمني والعدوان عليه.

العدوان والفساد سبب عجز الموازنة
وكنتيجة طبيعية للعدوان على اليمن والإنفاق الهائل لنظام بني سعود على هذا العدوان، إضافة إلى فساد رموز النظام السعودي في تبديد ثروات البلد الأكثر إنتاجاً للنفط في العالم، كنتيجة لكل ذلك سجلت السعودية عجزا في الموازنة العامة بنحو 30 مليار دولار، بحسب إحصائيات وزارة المالية في نظام بني سعود، عن نتائج الربع الثاني من العام الجاري، وهي الفترة نفسها التي تم خلالها تعليق الأنشطة الاقتصادية بسبب أزمة كورونا.
وقالت الوزارة، في بيان لها، إن مجمل إيرادات السعودية انخفضت بنسبة 49٪ على أساس سنوي في الربع الثاني من 2020، فيما تراجع مجمل النفقات للسعودية بنسبة 17٪ على أساس سنوي خلال الفترة نفسها.
يأتي ذلك فيما أوردت تقارير اقتصادية عالمية عديدة، في معرض تقييمها للاقتصاد السعودي وعجز الموازنة، حقيقة انخفاض فائض ميزان التجارة الخارجية للمملكة، تشمل المنتوجات النفطية وغير النفطية لفترة الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2020، بنسبة 60٪ على أساس سنوي.

«رؤية 2030» في مهب الريح
يرى خبراء اقتصاديون أن الأوضاع المالية الصعبة للمملكة والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان فيها والاحتقان داخل أسرة بني سعود تجعل «رؤية 2030» تبدو كسراب في الصحراء.
الخبير في الشؤون الاقتصادية عامر النهاري، قال إن «رؤية السعودية 2030» التي أعلن عنها محمد بن سلمان، مغامرة تدخل في إطار تكتيكات العلاقات العامة للمملكة، مشيراً إلى أنها لا تقل خطورة عن مغامرته السابقة في اليمن.
وأوضح النهاري أن الإحصائيات التي تحدثت عن أن الاحتياطي النفطي لدى المملكة 716 مليار برميل، هي إحصائيات أسطورية، وأن إصلاحات ابن سلمان التي أعلن عنها وإنشاء صندوق استثمار عالمي بقيمة تريليوني دولار، فضلاً عن بيع أسهم في شركة النفط السعودية الحكومية «أرامكو»، سيطاح بها جميعاً قبل الموعد النهائي للرؤية في 2030.
وأوضح أن الاحتياطي النفطي في المملكة أقل بكثير مما تتحدث عنه السعودية، وهو ما اتضح في تسريبات سابقة لـ«ويكيليكس»، التي كشفت أنّ سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الرياض حذرت واشنطن من أن الاحتياطي النفطي لدى المملكة أقل بـ40٪ مما هو متوقع.
وأكد أن تراجع الأرباح لكبريات الشركات السعودية، ومغادرة كثير من الشركات ورجال الأعمال الذين كانوا في المملكة، يؤكدان أن السياسات التي تنتهجها السعودية «كارثية»، مضيفاً: «ربما لن تتضح الآن نتائج هذه السياسات، لكن خلال الأعوام القادمة سيُصدَم المواطنون السعوديون مما سيرونه من تدهور في الاقتصاد، بسبب مغامرة المراهق ابن سلمان».

تجرع الهزيمة أقل ضررا من مواصلة النزيف في اليمن
ومن جانب آخر، أشار أستاذ العلاقات الدولية، الأمريكي غريغوري غوس، في مقال نشره موقع «فورين أفيرز»، إلى أن المملكة السعودية تعيش وضعاً صعباً وبحاجة ماسة لإنقاذ اقتصادها المتدهور، حيث قال في مقاله: «أصبحت السعودية في وضع صعب، وهي بحاجة ماسة لإنقاذ نفسها من حالة التردي والانحدار المتواصل لاقتصادها».
وأضاف غوس أنه «لا سبيل لها للخروج من مشاكلها الاقتصادية سوى بإيقاف حربها على اليمن التي أنهكت الدولة السعودية وأحرقت مدخرات سنوات طوال من فائض عوائد النفط».
وأوضح أن الخسارة كانت كارثية بشكل أكبر على ولي العهد، «وذلك بسبب الوعود التي أطلقها في 2016، عندما زعم أن العام 2020 سيسجل تجاوز المملكة لمسألة ارتباط اقتصادها بالنفط، وسيتمكن السعوديون من العيش دون هذه المادة التي تجني ثمنها مليارات الدولارات».
وأكد أن وعداً آخر أطلقه ابن سلمان ولم يطبّق، هو وصول الإيرادات غير النفطية إلى 160 مليار دولار، وبدلاً من ذلك، ارتفع العجز في موازنة المملكة، ورفعت ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15٪
وشدد على أنه يجب أن يتحلى ابن سلمان بخطوة شجاعة بالانسحاب من اليمن، على غرار ما فعلته الولايات المتحدة بالانسحاب من فيتنام، وأفغانستان، ويقول: «حتى لو اعتبر ذلك هزيمة عسكرية وسياسية له، فإن تجرع مرارة الهزيمة سيكون حتما أقل ضررا من مواصلة النزيف في اليمن».
كل المؤشرات والدراسات الاقتصادية تقول بأن الاقتصاد السعودي والدولة تمر بأيام صعبة وكساد كبير، خصوصاً في ظل استمرار تدني سعر برميل النفط حالياً والذي لم يتجاوز 45 دولاراً، في الوقت الذي تحتاج الحكومة أن يصل سعر البرميل 85 دولاراً للتعافي من العجز المسجل في الموازنة العامة.