حاوره/ نشوان دماج -  مرافئ -
للأدب المقاوم عنوانه العروبي السوري. وفي خضم الحرب القذرة التي تريد أن تعصف بسورية، يقف الأدب قلعة حصينة. ولا شك أن الكاتب والشاعر أحمد باشا إحدى تلك  الهامات السامقة في الأدب السوري.باشا من مواليد 1967 سلحب حماة، يكتب الشعر والقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً (ققج)، ويعمل مدرساً للمرحلة الابتدائية في إحدى مدارس سلحب. عشق السرد القصصي منذ طفولته، وكان يخزن ما يراه من أحداث في عقله الباطن ويصوغها بقالب عفوي.  
مرافئ «لا» أجرى حواراً مع الكاتب أحمد باشا، تناول تجربته السردية ومحطات من حياته ككاتب ومدرس، بالإضافة إلى تناول قضايا الوطن السوري، 
فإلى الحوار:

فن إبداعي بأسلوبية صادمة
 برأيك ما الذي يميز القصة القصيرة جدا عن الأجناس السردية الأخرى؟  
القصة القصيرة جدا في اعتقادي لا يجمعها مع الفنون السردية الأخرى إلا كونها نثرية، وهي فن سردي إبداعي له سماته الخاصة المستقلة، وتتناول نفس المواضيع التي تتناولها جميع الأجناس الأدبية الأخرى، ولكن بطريقة أسلوبية بيانية صادمة، تثير الإدهاش والإغراب والروعة الفنية، وتترك القارئ مشدوها حائراً أمام الشاعرية والاختزال، يسبح في عوالم التخيل والتأويل ويفك طلاسم النص ويتيه في غاباته الكثيفة مسحورا بالجمال الغنّاء.. وتأتي القصة القصيرة جداً كتطور طبيعي لفنون السرد متواكبة مع الإيقاع السريع للحياة والطفرة الهائلة للتقنيات التي نزعت الصبر من صدور أغلب القراء، وصدتهم عن القراءة المطولة.

«ققج» استجابة لعامل السرعة
  ظهور القصة القصيرة جدا في التسعينيات هل كان استجابة لمجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية؟ أم أن عامل السرعة هو الذي استوجب قراءة النصوص القصيرة جدا؟ 
في اعتقادي أن القصة القصيرة جدا ظهرت في منتصف القرن العشرين أو ربما قبل ذلك؛ حيث ظهرت في بعض ما كتب جبران خليل جبران، وذلك استجابة لمجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المعقدة والمتشابكة، والتي أقلقت الإنسان وماتزال تقلقه وتزعجه ذهنيا ووجدانيا، ولا تتركه يحس بنعمة التروي والاستقرار والتأمل، ناهيك عن عامل السرعة الذي يستوجب قراءة القصة القصيرة جدا، فظروف تلك المرحلة الصعبة بكل مراحلها جعلت الإنسان وخصوصاً المثقف يتسابق معنويا وماديا مع متطلبات تلك المرحلة السريعة، فعزف عن القراءة الطويلة التي كان قد تعودها إلى القراءة المتماشية مع ظروف حياته.

خصوصية واستقلالية
 هل أصبح للقصة القصيرة جداً خصوصيتها واستقلاليتها في أجناس السرد؟ أم مازال الوقت مبكرا للحديث عن ذلك، خصوصا في العالم العربي؟ 
من الطبيعي تجنيس «الققج» في عالمنا العربي، فكل جنسٍ أدبي يُثبتُ وجودَهُ بمميِّزاته الخاصة. والقصة القصيرة جدا لها سمات خاصة تشترك جميع نصوصها به، ولا تشارك أي جنس آخر من الأجناس الأدبية بشموليته، وهذا يبرهن على استقلاليتها وخصوصيتها، فمن خصوصيتها: اقتناصها اللحظة الهاربة والإيجاز والإضمار والحذف لإدهاش المتلقي وإرباكه، والشاعرية وخلق لغة الغموض والتخيل وتخييب أفق انتظار المتلقي مع دفعه اضطرارا وقسرا نحو التخيل وافتراض الأجوبة الممكنة، وتشويق القارئ لملء فراغ النص وبياضاته المسكوتة. كل ذلك جعل لـ»الققج» خصوصية واستقلالية.

تضارب المواقف
 في مقابل حالة التقبل لهذا الجنس السردي عند البعض، ثمة حالة رفض أو عدم تقبل عند البعض الآخر.. فهل نستطيع القول بأنها نفس المواقف التي أفرزها الشعر التفعيلي والقصيدة المنثورة ويفرضها كل جنس أدبي جديد؟ 
نعم.. هناك 3 مواقف نقدية متضاربة حولها على مستوى التجنيس: موقف إيجابي يدافع عن القصة القصيرة جداً؛ إذ يعتبرها الجنس الأدبي المفضل والصالح للمستقبل، وموقف سلبي رافض لهذا الفن، ويقوم على المكابرة والممانعة والعناد، وعدم الاعتراف بهذا الجنس المستحدث، وموقف وسط متردد ومحايد وحذر، لا يعبر عن نفسه بشكل واضح وصريح، بل ينتظر الوقت المناسب الذي يعلن فيه قرار الرفض أو التأييد. وهذا حال كل مولود أدبي جديد، فهناك من استسهل القصيدة المنثورة ليضرب بها، وأيضا هناك من يستسهل «الققج» نقدا جارحا لا تقويما؛ علما أن «الققج» فن صعب المراس لا يتقنه إلا الأديب الموهوب المبدع.
  أي الأجناس الأدبية أقرب إلى الكاتب أحمد باشا: الشعر أم القصة القصيرة أم القصة القصيرة جدا؟ وأيها أكثر احتواء للفكرة عنده؟ 
لا شك أن القصة القصيرة جدا هي أقرب الأجناس الأدبية إلى نفسي وألتقط وميضها بيسر ومتعة، وكذلك القصة القصيرة ولكن بشكل أقل، وأخيرا يأتي الشعر.

تفوق وتميز
  حدثنا عن تجربتك الشعرية والسردية وكيف استطاع الكاتب أحمد باشا أن يتبوأ موقعاً ريادياً في عداد الكتاب السوريين؟ 
بداية، كانت علاقتي مع الشعر؛ حيث نظمت قصائد متنوعة منها الوطنية والغزلية لاقت استحسانا في أمسيات أقمتها في مراكز ثقافية ومهرجانات أدبية عدة، ثم القصة القصيرة والقصيرة جدا. وشاركت بعدة مهرجانات أدبية، أولها مهرجان القصة القصيرة جدا الأول، الذي أقيم بطرطوس وشارك فيه كتاب كبار من مختلف الوطن العربي، ونلت شهادة امتياز من خلال مشاركتي الفاعلة فيه، وتتالت المهرجانات والأمسيات الثقافية. أما على صعيد العالم الافتراضي، فقد شاركت بمسابقات عدة لـ«الققج» حظيت جميع مشاركاتي بمراكز متقدمة كالأول والثاني والثالث، وهناك جوائز كثيرة ودراسات كثيرة لقصصي من خيرة النقاد، أمثال الدكتور زهير سعود مدير صفحة «الهراديبية»، والدكتور محمد ياسين صبيح مدير رابطة الققج السورية، والأستاذ يحيى أبو فارس حليس، والأستاذ محسن علي، والأستاذة أميمة الحسن.
  أيهما أثرى الآخر: أحمد باشا كمعلم أم أحمد باشا ككاتب؟ أم أن ثمة تماهياً في الشخصيتين؟ 
الشخصيتان مكملتان لبعضهما، فالطفولة عالم أغنى الكثير من كتاباتي، وكوني كاتباً منحني أسلوبي حب التلاميذ لدرسي، وبالتالي نجاحهم وتفوقهم. 

القيمة الجمالية الأدبية وليدة البيئة
  ما الذي تركته بيئة ريفية فلاحية كسلحب في الكاتب أحمد باشا؟ 
القيمة الجمالية في العمل الأدبي وليدة البيئة الأدبية، والبيئة التي أتحدث عنها ذات أبعاد زمانية ومكانية تلزم صاحبها بالتكيف لها ومجاراتها، وهي تنطلق معبرة عن خلجات النفس الإنسانية ذات المظاهر المتجددة المتطورة، مكونةً فكراً يجسد فيه الإنسان تجاربه ومشاعره تتحدث إليه في آلامه المريرة وفي آماله الكثيرة.

الكاتب شاهد أمين
  ما عاشه ويعيشه الوطن السوري من ويلات حرب وتكالبات مرعبة عليه.. كيف للكاتب أن يترجمه إلى لون أدبي؟ 
الكاتب يعيش الحدث بكل تفاصيله، فكيف إن كان هذا الحدث حربا مدمرة ومؤامرة عالمية على وطنه؟! الكاتب فنان يرسم مآسي وطنه من خلال لغته لينقلها إلى الآخرين بكل ويلاتها. نقلت أحداث وطني بكل مصداقية ودونتها لتكون دليلا على إجرامهم وتدميرهم لوطني.
  الحرب وتداعياتها على نفسية المبدع.. كيف تنعكس إيجابا بالنسبة له؟  
من المؤلم جدا أن نطلق على تصويرنا لمآسي وويلات الحرب وما تحدث من قهر وحرمان ووو.. تصويراً إيجابيا أو إبداعا جمالياً. هذا الضغط النفسي الذي تحدثه تلك الحالات على الكاتب تجعله أكثر دقة وألما في التصوير، وهذا يقتضيه واجبه، وسمه ما شئت أن تسميه. الكاتب الملتزم يتنقل بين الأحداث، يحمل قلمه لا لكي يبدع أو يصطاد حدثا ما، بل لكي يكون شاهدا على حالة سيسأله عنها وطنه وضميره يوما ما.

الوضع المادي أعاق طباعة أعمالي
   منصات التواصل الاجتماعي هل نستطيع أن نعتبرها النافذة التي يطل منها الكاتب أحمد باشا للقراء؟ وهل لتلك القصص والكتابات أن تجد نور الحبر والورق، بدلا من أسرها فقط ضمن منصات رقمية؟ 
لا أنكر أن منصات التواصل الاجتماعي قد زودتني بخبرات ومعارف من خلال الصفحات الأدبية والتعرف على أدباء كبار، ولكن أيضا الكتابة الورقية لها دورها الفاعل حاليا: فلقد اشتركت بعدة قصص مطبوعة في كتاب «أشرعة من ضوء»، وهو لمجموعة من كبار كتاب «الققج» في الوطن العربي. وأيضا لدي مجموعة قصصية مطبوعة تحت عنوان «صراخ الحروف»، ولدي مخطوطة شعرية وأخرى قصصية لم تلقيا النور بعد بسبب الوضع المادي.

طليعة الارتقاء بالمجتمع
  ما الهموم التي يحملها الكاتب والمثقف الملتزم تجاه وطنه وتجاه قضايا أمته؟
الكاتب الملتزم يجمع بين هموم نفسه وهموم الناس من حوله، أي هو طليعة قد تنتمي إلى أية فئة أو طبقة من المجتمع، لكن تحاول الارتقاء بالمجتمع ككل إلى وضع أفضل ممّا هو عليه. ونراه جادا بتصوير حالات المجتمع ووضع حلول إيحائية...

المعركة واحدة
 صمود الشعبين اليمني والسوري في وجه العدوان والمؤامرات، كيف تنظرون إليه؟ 
في اعتقادي أن معركتنا واحدة وعدونا واحد، ولذا نجد الصمود الأسطوري المعجزة هو نفسه في سورية واليمن، وهنا أناشد الأدباء السوريين واليمنيين أن يرفعوا من جاهزيتهم أكثر بالوقوف مع شعبهم ضد قوى الاستكبار العالمي وأدواتهم في منطقتنا.
  هل لديكم اطلاع على المشهد الثقافي اليمني؟ 
للأسف الحرب ومآسيها غيبتنا عن المشاهد الثقافية الحالية، فنحن لا نرى إلا الدمار والقتل، ولا نسمع إلا الهدير والقصف والبكاء.. نصرنا الله على عدونا الحاقد.

  كلمة أخيرة..؟
 أشكرك من قلبي لهذا اللقاء الشيق، ونصر الله سورية الحبيبة ويمننا السعيد على أعداء الإنسانية.