الحصار حرمني من النظرة الأخيرة لأبي وأمي وشقيقي

حوار عبدالرقيب المجيدي / لا ميديا -
من أي طرف نمسك بأطراف الحديث عن عبدالحافظ معجب؛ الإعلامي، الحقوقي، الإنساني.
تبقى الفراغات شاسعة بين الكلمات، لتملأها مساحات من القول تتحدث عن جهود كثيرة بذلها معجب في برنامجه «مع الخبر» عبر قناة «الساحات» الذي من خلاله سيطر على أسماع المشاهدين اليمنيين والعرب.
هو إعلامي عميق أنبتته أرض التحدي كنخلة باسقة فروعها في سماء الحقيقة تظلل مساحات واسعة من الصمود والمواجهة. بتفرد أصيل يقدم فصول تجربة إعلامية مهمة لها إشراقاتها الساطعة.
عطاؤه بحجم طموحه، لذا حقق في سنوات قليلة ما يحتاج إنجازه إلى عقود ممتدة.
يعد مثالاً رائعاً للإرادة والمواقف الشجاعة والتفاني الحر في خدمة شعبه ووطنه، ويمتلك ثقافة واسعة وذكاءً فطرياً، يستنهض طاقته الإعلامية ليتدفق بجهد كبير في مواجهة الزيف والتضليل الإعلامي التابع لقوى العدوان وأدواته.
انسجم عبدالحافظ معجب مع ذاته في نقل كل ما يشعر به وما يراه، حتى أصبح لبرنامجه «مع الخبر» مكانة سامقة، لأنه يتناول قضايا 
مهمة لا قضايا هشة.

هدفي فضح زيف العدوان وتضليله
 حقق برنامج «مع الخبر» الذي تقدمه على شاشة «الساحات» الفضائية شهرة كبيرة في الوسط الإعلامي المرئي على المستويين المحلي والعربي.. ما هو سر هذا النجاح؟ وكيف استطاع البرنامج أن يلفت انتباه المشاهدين اليمنيين والعرب؟
في البداية يطيب لي أن أشكر شخصكم الكريم وكل الزملاء على مبادرتكم الطيبة بإجراء هذا الحوار الذي يسعدني فيه أنه لجمهوري الحبيب والمفضل من قراء صحيفة «لا» التي جاءت لسد فراغ كبير في الصحافة الورقية، والتحايا الخالصة للناشر ورئيس التحرير أستاذنا القدير صلاح الدكاك.
أما بالنسبة لبرنامج «مع الخبر» فالعمل الذي يكون خالصاً لله يحبه الله ويحبه كل خلق الله، عندما قررت تقديم برنامج «مع الخبر» لم أعد مشروع أو خطة برنامج، ولا فكرت بموازنات تشغيلية، ولا خطر ببالي أنني بحاجة إلى شهرة أو مردود من هذا البرنامج، بل كان شغلي الشاغل وهدفي الأول والأخير هو أن أمنع أو على الأقل أخفف من أضرار زيف العدوان وتضليله على المشاهد اليمني والعربي، والحمد لله وبتوفيق من الله تحول البرنامج من مرحلة الدفاع إلى مراحل متقدمة في الهجوم، وحقق أكثر بكثير مما كنت أطمح.

الجمهور هم مصدر «مع الخبر»
 بلا شك أن برنامجاً بحجم «مع الخبر» هو نتاج عمل كبير وجهد متفان خلف الكواليس.. كيف تعد وتجهز نفسك لبرنامجك اليومي؟ وهل هناك طاقم كبير لتجهيز هذا البرنامج، خصوصا وأن فكرة البرنامج تتناول مختلف الأحداث الطارئة بشكل يومي؟
الجميل في برنامج «مع الخبر» هو أنه يعيش فيَّ وأعيش فيه، أقصد أنه أصبح جزءاً من حياتي اليومية، ولم يعد يقتصر وقت إعداد الحلقة على أوقات الدوام في القناة، بل إن كل الوقت هو للتفكير والتحضير والاستفادة من أية فكرة لإضافتها أو التعديل عليها، بالإضافة إلى وجود فريق مساعد، وهو بطبيعة الحال فريق متواضع بحسب إمكاناتنا، ولكن بعد هذه السنوات من الاستمرارية أصبح لدينا عنصر قوي في الإعداد، وهو الناس (الجمهور) الذين يشاركوننا في الإعداد للحلقات واقتراح المواضيع وبشكل مباشر، فكثير من الأفكار التي تم تقديمها والفيديوهات التي تم عرضها مصدرها هم المشاهدون والمتابعون الذين أصبحوا جزءاً لايتجزأ من حياة برنامج «مع الخبر» اليومية.

برامج جديدة بعد إعلان النصر
 «مع الخبر» هل سيستمر بعد العدوان؟ أم أن لديك أعمالاً برامجية جديدة ستواكب المراحل القادمة؟
لدي كثير من الأفكار لبرامج جديدة، وقبل حوالي عام كانت لدي فكرة لبرنامج جديد، وكنت بدأت بالتجهيز له، لكني تراجعت عن الفكرة وتوقفت عن استكمال التجهيز لإيماني بضرورة الاستمرار في مواجهة الإعلام المعادي حتى ينتهي العدوان، لأني أرى أن «مع الخبر» لم يعد مجرد برنامج تلفزيوني، بل أصبح متراساً مهماً في الجبهة الإعلامية، ويجب عدم ترك هذا المتراس قبل أن تنتهي الحرب، وبعد إعلان النصر بكل تأكيد سيكون هناك فرصة للعودة إلى صنعاء، وفيها يمكن إنتاج برامج جماهيرية وميدانية يلمس مردودها الناس بشكل ملحوظ من خلال معالجة قضاياهم وتلمس همومهم بقوة وجرأة، وإيجاد الحلول للمشاكل التي يعانون منها.

أرى عودتي قريبة
 بعيدا عن الإعلام والسياسة.. كيف تعيش في بيروت بعد حياة غربة طالت بعمر العدوان على البلد؟
في البداية كان الأمر مزعجاً بالنسبة لي، ولكن بعد أن استشعرت أهمية ما أقدمه في هذه المرحلة أحببت البقاء في بيروت، وتأقلمت مع سنوات الغربة التي أقضيها في العمل واستكمال دراستي الجامعية، لكن في الحقيقة مهما كانت بيروت جميلة، إلا أن القلب دائماً ما يحن ويبكي كل يوم شوقاً للوطن، وأرى العودة قريبة إن شاء الله.

إعلام وطني مختلف
 بغض النظر عن ميزة إظهار الحقيقة التي يتميز بها إعلامنا الوطني.. ما الذي ينقص وسائل الإعلام الوطنية المحلية عن وسائل الإعلام الدولية؟ ومن أي النواحي بالضبط؟ 
إعلامنا المحلي والوطني لا تنقصه الخبرات ولا الكوادر ولا حتى الإمكانات المادية، ما ينقصه هو الابتكار وعدم التقليد، نحن بحاجة إلى إعلام مختلف يواكب العالم ويواكب العصر، بحاجة إلى جذب المتابع بكل الوسائل الممكنة، إنه زمن الإعلام والتكنولوجيا.

في العلن وفي الغرف المغلقة
هناك أخبار تفيد بأنكم تشاركون في جلسات مفاوضات سرية في دول عربية لها علاقة بالأوضاع في اليمن.. ما طبيعة هذه المفاوضات؟ وما أهمية مشاركتكم فيها تحديدا؟
هي أقل من مفاوضات، ويمكن تسميتها ورش عمل للتشاور لبحث بعض الملفات والقضايا الهامة، وهي سلسلة طويلة ممتدة منذ العام 2016 تنظمها منظمات مدنية بالتعاون إما مع مكتب المبعوث الأممي أو مع وزارة الخارجية الألمانية، وفيها يتم جمع قيادات من الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، وقد شاركت فيها أكثر من مرة كممثل لطرف القوى الوطنية في صنعاء أنا وزملاء آخرون من اليمنيين المناهضين للعدوان المقيمين خارج اليمن، لعدم القدرة على إرسال مشاركين من صنعاء جراء الحظر المفروض على مطار صنعاء، فيما يحضر أيضاً مشاركون من الأحزاب اليمنية الأخرى المقيمين في الرياض وإسطنبول وأبوظبي والدوحة والقاهرة.
وأهمية المشاركة في هذه الأنشطة هي تبني وجهة نظر الشعب اليمني المحاصر أمام من ينظم ويدير هذه اللقاءات، وأمام المرتزقة القادمين من الفنادق بإسطواناتهم المشروخة، والتي يجب أن يكون هناك من يتصدى لهم ويكشف زيف ادعاءاتهم وتضليلهم، يعني نعمل «مع الخبر» في التلفزيون وفي الغرف والقاعات المغلقة.

العدوان في طريقه للانتهاء
بصفتك أحد رموز الإعلام الوطني المناهض للعدوان.. برأيك كيف سيكون حال العدوان على اليمن في المستقبل القريب؟
ستضع الحرب أوزارها قريباً إن شاء الله، ونتيجة لمتغيرات إقليمية كبيرة ستشهدها المنطقة في التوقيت الزمني القريب، فإن هذا العدوان لن يستمر، لاسيما مع تطوير منظومات الدفاعات الجوية وتعاظم قدراتنا الصاروخية وسلاح الجو المسير، فالعدوان حتى وإن لم يعلن عن خسائره، إلا أنه سيلجأ لإنهاء هذه الحرب بأية طريقة، حتى وإن لم يستطع الحصول على ما يحفظ ماء وجهه، لأنه غير قادر على الاستمرار أكثر.

آلام الغربة
 دائما ما نسمع عن معاناة المواطن المغترب، فماذا عن معاناة الإعلامي المغترب إذا ما جاز التعبير؟
الغربة كُربة على الإنسان، سواء كان مواطناً أو إعلامياً، والمؤلم فيها عندما تكون إجبارية ولا خيارات أخرى أمامك، وأسوأ ما في هذه الغربة الإجبارية هو أنك تتابع أخبار الأهل وأوجاعهم من بعيد، ولا تستطيع أن تمسح دمعتهم أو تخفف من وجعهم بوجودك إلى جوارهم، فقدت كثيراً من أهلي وأحبابي؛ من بينهم أبي وأمي وشقيقي، ولم أستطع أن ألقي النظرة الأخيرة عليهم أو أشارك في حمل جنازاتهم، وكل هذا بسبب العدوان والحصار المفروض على بلادنا، وأنا في غربتي الإجبارية.

المهم خدمة الناس والمجتمع
في بداياتك اشتهرت بالاهتمام بالجانب الإنساني والحقوقي.. هل لك أن تحدثنا كيف اتجهت إلى حقل الإعلام؟ وكيف تجمع بين عملك الإعلامي والحقوقي حاليا؟ 
لا يوجد فرق بين العمل الحقوقي والعمل الإعلامي، فكلها واجبات مهنية وإنسانية مترابطة، ومن خلال العمل في منظمات حقوق الإنسان أو الإعلام، أجد أن الإنسان يستطيع أن يساعد الناس من الموقع الذي هو فيه، وتجربتي بدأت مع الصحافة الورقية والإلكترونية في 2004، بعدها انتقلت للعمل في مجال حقوق الإنسان، العام 2009، ثم عدت مجدداً للعمل الإعلامي المرئي في 2011، ولازلت أحمل نفس الفكر والمشروع في خدمة قضايا المجتمع وقضايا الأمة مهما اختلف الموقع الذي أمارس عملي ونشاطي فيه.

صحافة اليمن تحت العدوان والحصار
في يناير 2019م تم انتخابك عضواً للهيئة الإدارية في لجنة دعم الصحفيين التي تتخذ من سويسرا مقراً لها.. هل لك أن توضح لنا أهمية هذه الهيئة في عملك الإعلامي؟ وكيف تم ترشيحك للعضوية فيها؟ 
لجنة دعم الصحفيين هي منظمة غير ربحية تُمثل الصحفيين والكتاب والمذيعين والمراسلين والمحررين والمصورين والعاملين في وسائل الإعلام والصحفيين في الإعلام الإلكتروني، وأعضاؤها من البحرين ولبنان وفلسطين واليمن والعراق وسوريا وتونس وتركيا، وتتخذ من جنيف مقراً رئيسياً لها، وفي آخر انتخابات للهيئة الإدارية ترشحت أنا وزملاء آخرون، وكنت ضمن الحائزين على ثقة الناخبين من أعضاء الجمعية العمومية في اللجنة، ونعمل جاهدين على خدمة الصحفيين والإعلاميين في اليمن وغيرها من مناطق الصراع والحروب، كما تقيم اللجنة فعاليات هامة في عدد من العواصم العربية والغربية، وتقدم تقارير دورية للمنظمات الدولية عن واقع الصحافة والصحفيين في ظل العدوان والحصار على اليمن.

لبنانيو الجنوب والبقاع أصولهم يمنية
في ظل التظاهرات الراهنة التي يعيشها لبنان.. هل أثرت هذه التظاهرات على مجرى عملكم كإعلاميين أو مقيمين في لبنان بشكل أو بآخر؟ وكيف هي نظرة الشارع اللبناني للعدوان على اليمن؟
في البداية عندما كانت التظاهرات في كل المناطق اللبنانية نعم تأثرت حياتنا وأعمالنا بشكل كبير جداً، حيث كانت أغلب الطرقات مقطوعة، ولا نستطيع الوصول إلى مقر القناة، وفي بعض الأوقات كنا نلجأ لقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام حتى لا نتأخر على المتابعين، وفي إحدى المرات اضطررت للوصول إلى القناة على متن دراجة نارية قطعت حواجز اللهب والإطارات المشتعلة، وكان فيها مخاطرة كبيرة جداً، هذا كله كان في الأسبوع الأول للتظاهرات، وبعد أن اتضحت الصورة وأصبحت المظاهرات في أماكن محددة، خف الضرر كثيراً.
أما الشق الثاني من السؤال حول نظرة الشارع اللبناني للعدوان على اليمن، فالحقيقة أن كل من أقابلهم من اللبنانيين هم محبون بصدق لليمن، ويقول أغلب اللبنانيين، لاسيما أهل الجنوب والبقاع، أن أصولهم يمنية، وعند كل انتصار تحققه قواتنا المسلحة ولجاننا الشعبية يشعر اللبنانيون إن هذه الانتصارات تمثلهم وتعبر عنهم، ودائما يرددون أن راية الإمام المهدي قادمة من اليمن، وهذا ليس بغريب على جمهور المقاومة الذين هزموا إسرائيل وأسطورتها.

النصر حليف المؤمنين
  من بيروت المقاومة.. ما هي الرسالة التي تريد أن توجهها لأبناء الشعب اليمني الصامد في وجه العدوان للعام الخامس على التوالي؟
ونحن على مشارف العام السادس للصمود اليمني العظيم، أقول لكل اليمنيين: إن الاحتلال الصهيوني دخل إلى وسط بيروت، ولكنه طُرد شر طردة، وكسرت شوكته بفعل المقاومة التي لم تستسلم، ودافعت عن الأرض والعرض والعزة والكرامة، وبالمثل فإن العدوان السعودي على بلادنا لن يدوم طويلا، والنصر حليف المؤمنين.