تواري الثقافي ببروز السياسي سبب التدهور

حاورها: نشوان دماج / #لا_ميديا -
في مجموعتها الأولى «فتاة القبيلة»، تحاول القاصة إنصاف أبوراس الانتصاف للمرأة اليمنية من خلال طرح ومعالجة مجموعة ظواهر يعاني منها المجتمع بشكل عام والمرأة على وجه الخصوص، كظاهرة الزواج المبكر وعمالة الأطفال والحرمان من حق التعليم وغيرها. 
تكتب قصصها بنفس شاعري شيق، ويجتذبها الوصف كإحدى ركائز كل بداية. ينعكس روح البذل دون قصد على الشخصية الرئيسية التي تكون قد اتخذتها لكل قصة. 
إنصاف أبوراس كاتبة متميزة، تثابر لتطوير أسلوبها السردي وتقطع أشواطاً مهمة في هذا الجانب. «مرافئ لا» التقى الكاتبة
 في حوار شيق حول تجربتها في كتابة 
القصة القصيرة.. فإلى الحوار:

بانتظار اكتمال النمو
 بداياتك مع كتابة القصة.. متى وكيف كانت أولى المحاولات؟ 
- بدأت الكتابة في المرحلة الإعدادية. كتبت العديد من القصص ما زلت أحتفظ بها حتى الآن. نعم.. لم تكن مكتملة الشروط لأطلق عليها اسم قصص لأنها تفتقر لشروط الكتابة التي يجب أن تكون متوفرة، لكنني مرتبطة بها كثيرا لأنها تظل جزءا من تجربتي والبداية لمولدي ككاتبة مازالت تنتظر اكتمال نموها في هذا المجال الذي تحب. أضف إلى ذلك محاولات الكتابة من خلال صفحتي على «فيسبوك»، والتي كانت نافذة لي أصل من خلالها إلى عالم الإبداع، وأتاحت لي فرصة التعرف على الكتاب والمبدعين الذين صقلوا موهبتي من خلال نقدهم البناء، منهم أستاذي القدير سمير حزام المقطري الذي دعمني كثيرا بالكتب والروايات إلى جانب متابعته لمجموعتي هو والأستاذ والكاتب محمد المقطري حتى خرجت للنور.

دعم شريكي الشهيد
  هل كان للتشجيع دوره في بداية مشوارك؟ ومن قبل من كان ذلك التشجيع؟
- بالتأكيد، التشجيع له دور فاعل في بداية مشواري، ولكن ذلك يسبقه الميل الشخصي والتخيل الذي يدفعك للكتابة في أي لون من ألوان الأدب، ثم بعد ذلك يأتي التشجيع الذي كان بمثابة المحرك الوجداني الذي ساعدني كثيرا على الاستمرار بالمحاولات الأولى لي، حيث كان لأخي خالد أبوراس دور بارز في توجيهي للطريق الصحيح المتمثل بحب المطالعة منذ كنت في المرحلة الابتدائية، وكذلك دور شريك حياتي الشهيد مراد أبوراس الذي وقف إلى جانبي ودعمني ماديا ومعنويا برغم انشغالاته الكثيرة.

ليست تمرداً على القبيلة
 مجموعتك القصصية الأولى «فتاة القبيلة» هل يمكن اعتبارها محاولة للخروج على مجموعة الأطر التي تحكم المجتمع القبلي عموما؟ أم معالجة للمشاكل التي تخلقها تلك الأطر بالنسبة للمرأة؟
- مجموعتي الأولى كانت البداية الحقيقية لاختبار ذاتي ككاتبة، لها على الأقل شرف المحاولة، لم تكن بالتأكيد محاولة للخروج من الأطر التي تحكم المجتمع القبلي، خاصة وأن تلك الأطر جزء من هويتنا الثقافية، ولكن حاولت أن أتعاطى معها سلبا وإيجابا، هناك بالتأكيد انحراف لبعض العادات والتقاليد التي كانت إيجابية وجميلة وتشكل منها وعينا بوجودنا الاجتماعي حاولت أن أبرزها، كما حاولت الانتصار لوضع المرأة من خلال القصة، لا أدري إن كنت قد استطعت إبراز جوانب تلك الانحرافات والاختلالات في واقعنا الاجتماعي لكني حاولت أن أكون أكثر واقعية.

تشخيص مشاكل المجتمع
 ما الذي أرادت القاصة إنصاف أبوراس مناقشته في مجموعتها تلك؟
- ما يدفع أي كاتب للكتابة هو الوضع السائد في المجتمع الذي يكون هو -أقصد الكاتب- جزءاً منه. أنا كأي شخص ينتمي إلى مجتمعه حاولت التركيز على المشاكل التي يخلقها الواقع في حياة الأشخاص كقضية زواج القاصرات، عمالة الأطفال، استغلال الشباب والزج بهم في مستنقع الموت باسم الدفاع عن الدين، وغيرها الكثير من القضايا التي لا حصر لها في واقعنا، قد لا أكون وفقت تماما بطرحي، ولكن عزائي أنني حاولت أن أقدم بعضا من معاناة هدفي كان أن تجد لها يوما العلاج المناسب.

«السياسي» غيب «الثقافي»
 كيف تنظر القاصة إنصاف أبوراس إلى الوضع الثقافي في اليمن، والقصة القصيرة بشكل خاص؟
- الحديث عن الوضع الثقافي في اليمن متشعب بالتأكيد، أعتقد أن المثقف في بلادنا متشظٍّ تماما، والمشهد الثقافي غائب ومتوار ولم يلعب الدور الحقيقي له. بل إن التدهور الحاصل لوضعنا الاجتماعي هو تواري المشهد الثقافي وبروز المشهد السياسي، إذ كان ينبغي أن تبرز الأنماط الثقافية التي تشكل هويتنا ويقوم المثقف بدوره ويكون الدور الحقيقي للجانب الثقافي حاضراً يبنى من خلاله جسد المجتمع.
هناك أسباب كثيرة أدت إلى هذا التشظي وهذا الغياب، أبرزها الاغتراب الوجودي وغياب الوعي بالذات وعدم التعرف عليها، وبالتالي يبرز سؤال الهوية هنا من نحن؟
والإجابة على هذا السؤال ليست بالبساطة بمكان، وما يجري من أحداث وانهيار لمنظومة القيم الإنسانية يضعنا أمام العديد من الأسئلة التي سنظل نبحث عن إجابات لها.
يجب علينا قبلا أن نبحث عن شخصيتنا اليمنية وما هي أسباب الغياب وهذا الانهيار، ولماذا وجد المثقف نفسه تابعا لا غير.

دور مقدس
 أين هو دور القصة القصيرة في طرح فداحة الحرب ومعاناة الناس؟ وما الذي تستطيع القصة القصيرة فعله في هذا الصدد؟
-  أظن أنها كانت ولا تزال حاضرة وإن كان الوضع الراهن ربما جعلها لم تحظ بفرصة الظهور بشكل مكثف، إلا أن الكثير من الأقلام كتبت بشكل أو بآخر. الكاتب تؤثر فيه العوامل المحيطة؛ ذلك أن الأحداث التي تعصف بأي مجتمع عادةً ما تحدث تغييراً في الوعي الجمعي وتبرز خلال الأحداث وبعدها أعمال وكتابات متأثرة بالواقع الذي فرض نفسه على أنماط التفكير والسلوك، القصة والرواية والمسرح انعكاس لسيرورة المجتمع. كما أنها أيضاً انعكاس للجانب النفسي للكاتب الذي تأخذه مشاعره بشكل لا إرادي ليضع على السطور تلك الأحاسيس على شكل خاطرة أو قصة. أعتقد أن هناك روايات صدرت خلال السنوات الماضية كانت تحكي فداحة الحرب، وأظن بأنه كان لها تأثير كبير. فعلى الأقل جسدت صورة المعاناة بشكل يحرك مشاعر الناس وأوصلت مأساة شعب ليقرأها الآخر بهيئة سطور وحروف لها روحها فلامست القلوب، وهذا بحد ذاته يعد دوراً عظيماً بل ومقدساً في نظري على الأقل.
 هل لديك أنت قصة أو قصص تطرقت إلى هذا الموضوع؟ وإن وجدت تلك القصص حدثينا عنها..؟
- موضوع الحرب أمر يستثير غريزة الكاتب ويدفعه بشكل قوي لتتبع مساراتها والغوص في معاناة وآلام الناس المعايشين لها. نعم.. بدأت منذ أكثر من عامين كتابة رواية عن هذا الأمر لم تكتمل بعد، لكنني سأعمل على أن ترى النور قريبا إن شاء الله.

أحلام تحملني إلى أقاصي المتعة
 بمن تأثرت القاصة إنصاف أبوراس من كتاب القصة اليمنيين أو العرب أو الأجانب؟
- قرأت للعديد من الكتاب، يمنيين وعربا وعالميين، مثل دوستويفسكي، شولوخوف، إليف شافاق، هاروكي موراكامي، نجيب محفوظ، الغربي عمران، حبيب سروري... وغيرهم الكثير، ولكن لم يشدني كاتب كما فعلت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي التي كلما قرأت لها تحملني إلى أقاصي المتعة 
وتُسكنني قلب الدهشة.

قصة في لوحة
 هل هناك علاقة بين اللوحة والقصة، خصوصاً أن لديك عدة محاولات في مجال الرسم؟ بمعنى آخر: هل يمكن للوحة ما أن نعتبرها قصة ولقصة ما أن تكون بمثابة لوحة؟
- تشترك ألوان الفن بكونها تعبيراً وجدانياً كل له طبيعته في التعبير عن الواقع وسيرورة الحياة وعلاقة الإنسان بها. فالكتابة لون من ألوان الفن ينجذب إليه العقل وتتمايل على إيقاعه المشاعر، وكأنه أشبه بمقطوعة موسيقية كلاسيكية مدهشة. والرسم فن بصري يأخذنا إلى عالم الألوان فيناغي ذائقتنا بطريقة عذبة. لست رسامة محترفة، أنا فقط أتتبع مسارات الجمال، أينما وجد أجدني وقد اندمجت فيه بشكل أو بآخر. ومجالات الفن يكمل بعضها البعض. لذلك يمكننا أن نقول ثمة قصة تحكيها لوحة وبالمقابل يمكن للقصة أن تستحيل لوحة تعج بالألوان.

لم أعد كما كنت
 في قصصك الجديدة أو ما بعد مجموعتك الأولى هل تجدين فارقاً ما من حيث الموضوع وتطور اللغة أو الحبكة القصصية؟
- أظن ذلك. وإن لم يكن بشكل كبير. عرفت ذلك من خلال نظرتي الآن لمجموعتي «فتاة القبيلة» التي أصبحت أنظر إليها بأنها لم تعد بالمستوى الذي كنت أراها عليه حين صدورها. الإنسان بطبيعة الحال يكتسب الخبرة مع مرور الوقت، خصوصاً إذا ما كان مهتما بتطوير أي من جوانب حياته. دعني أقل لك إنني ربما بت أفضل الآن، ولكن ليس للحد الذي سأعتبر نفسي فيه أنني أديبة محترفة، فمازلت بحاجة للكثير حتى أصل إلى ذلك فيليق بي وصف أديبة. 

العمل الأدبي بناء مكتمل
 هل تجدين سحر القصة في اللغة أم الفكرة؟
- أجده في كليهما، لأن الفكرة روح القصة، واللغة شكلها. إن أي عمل أدبي هو بناء ينبغي أن يكتمل شكلا ومضموناً. اللغة ساحرة وحين نمتلك ناصيتها نتمكن من تأثيث النص بالمجاز الجميل والصور. والفكرة هي ما يحدد مسار النص وما يذهب إليه السارد. هناك أيضاً العمق الفكري والفلسفي للعمل الأدبي؛ كل هذه الجوانب تشكل بمجملها تقديم عمل إبداعي متميز. النص الأدبي برأيي هو ذلك النص الذي لا يسلم نفسه للوهلة الأولى ويشد المتلقي للغوص في أعماق نص متجدد دائما.

أعمل على مجموعة ثانية
 ماذا عن آخر نتاجاتك؟ هل يمكن أن نشاهدها قد صدرت ضمن مجموعة ثانية؟
- لم أكتب سوى القليل من القصص التي بعضها لم يكتمل لأنني انشغلت قليلا ًعن الكتابة. إن شاء الله سأعمل على أن أخرج للوجود مجموعة ثانية أكثر اكتمالاً من الأولى، ومن خلالها سأحاول تصحيح الأخطاء التي كانت في «فتاة القبيلة». 

 كلمة أخيرة..؟
- لا أدري كيف أعبر لكم عن سعادتي باستضافة صحيفتكم لي، لكنني أحسست أن بدايتي الحقيقية هي هنا في هذه المقابلة التي وجدت نفسي بها أمام أسئلة فتحت أمامي آفاقا رحبة في فضاء الأدب. التقدير والامتنان لكم أستاذ نشوان دماج ولصحيفتكم الرائعة، والتي أتمنى أن تكون نافذة يطل من خلالها الكثير من المبدعين الذين لم يجدوا معينا وظلت أعمالهم حبيسة الأدراج كما يقال ولم يلاقوا أي اهتمام. ممنونة جداً لكم. وستكون هذه المقابلة دافعاً لي بالتأكيد للكتابة، فنحن نكتب كي نتجنب السقوط ونكتب لأن الكتابة هي اللغة، والنقد هو صقل لنتاجنا الأدبي. سيكون لنا لقاء في أعمال قادمة أتمنى أن أستطيع من خلالها أن أكون لوني الخاص بي بعيداً عن التأثر بالآخرين.