«ديوان لا» شاعر الظل «نشوان دماج»
- تم النشر بواسطة «ديوان لا»

يبدأ «مرافئ لا» من هذا العدد نشر نتاجات شعراء الظل بصورة أكثر تركيزا تتيح للقارئ الوقوف على أبعادها وتخومها، لتصدر هذه النتاجات لاحقا في «ديوان لا» السنوي .
القصائد المنشورة في حواشي هذا الملحق لـ الشاعر نشوان دماج.
- نشوان محسن دماج.
- من مواليد 1979 إب - السياني.
- بكالوريوس لغة ألمانية، كلية اللغات - جامعة صنعاء.
- عمل في عدد من الصحف المحلية مراجعا لغويا ومحررا .
- يعمل لدى صحيفة «لا» مترجما ومشرفا ثقافيا.
لا أصدق أوطاناً منك
إلى كل أبي ذر في كل هذا العالم
لفَظَتْ أنفاسُ الليلِ بدايتَها الأولى
وانحدرَ الوقتُ
كمنعطفٍ لا يعرف معنىً فيه سوى الطُّلَقاء
أنت المنبوذُ الجائعُ في غسق الطرقات
وفي رَبَذاتكَ منكفئٌ
ترتقبُ الحرفَ وهالاتِ الشفقِ المنسدلِ بأرضِ الشعرِ
تلقّطُ أنفاسَ الشعراءِ لتبكي
أشقاك الشعرُ وإمعانُ الدمعةِ والأحلامُ
وما تحت أديمك من شَبَقٍ ودماء
أسرجْتَ سؤالَك والشهقاتِ وحبرَ الليل
تفتشُ عن عنقاءِ الضوء
فتحجبك النارُ عن الأمطار
وترميك شواظاً من جمرٍ كالموت
الموت.. الصوتُ القادمُ من أرض الطلقاء ومن وطنٍ يعرى
الموت.. الصوتُ الهمجيّ المتدفق
يزحفُ يركضُ يتدلى
من كل جهاتك جاءك يلهو
الموتُ مدينَتُكَ الأولى
ووحيدٌ أنت
هي لحظةَ شاءتك الأرضُ وحيداً
لحظةَ أن هجرتْك النخلُ وأوطانٌ خانتْ
فالوقتُ قبور
تأتيك عصورُ الويلِ تعلّبُ رأسك بالألق الوهميّ
وترسم حولك أنت على أخيلة الموت قياماتٍ أولى
وتقول:
«من للأموات إذا ما القبر تراجع واكتهلت عيناه
من للأموات إذا ما القبر يصد ويلفظ أموات الدنيا
القبر القبر.. رفقاً بالقبر!»
طُلقاءُ وذاكرةٌ لا تفتأ ترحل أصناماً
ووحيدٌ أنت
تسافرُ في ألمِ المشّاءِ لتبحثَ عن صوتٍ يحنو
لا صوتَ سواك
والموتُ جهاتك فاشمخ بالصوت بعيداً
واختصر الأوطان إليك هناك
لا صوت سواك
الموتُ مدينتُك الموبوءةُ بالطلقاء
وغريبٌ عنها أنت
وحيدٌ أنت
أتذكر أنك جئت وحيداً
يا هذا الراحلُ عن سَفَهِ الصحراء
وعن شِرَعٍ ثكلى
يا كلّ فراقِ أحبّتك الماضين
كأن على دمهم
من صوتك ألحاناً جذلى
يا أنت
أتذْكرُ أن الأرضَ صلاةً كانت
ومحمد.. هذا المحمول على هالات القلب
يسافر في الصوت بعيداً أنْ
لا أصدقَ أوطاناً منك
تجيء وحيداً
وتعيش وحيداً
وتموتُ.. ولكن أتراك تموت
فاشمخ بالصوت حراباً في صدر الطلقاء
وعلمنا ألَّا أصدق أوطاناً منك
تجيء.. تعيش.. تعود وحيداً.
معارج
يجيء مع الليل صوتك
يصعد بي
في معارج من فرح الأغنيات
يعود بقلبي إلى سدرة البدء
حيث أبي يمضغ القات منتشياً
والمواعيد في يده كالهدايا
يوزع ما شاء منها
كميقات يوم سعيد تراقبه الكائنات
أبي كان أكبر
كان يجيء مع الليل مثلك
يختار كيف يجيء
وتختار أنت
وأختار مثلكما فرحة القلب
لكنني الآن لا أستطيع
أبي كان مداً فسيحاً
وسداً منيعاً
وطوداً عنيداً بوجه الزمان
كموتٍ
كأقدار آلهةٍ
كرياحٍ .. كأغنيةٍ .. كانتماء
أبي كان أكبر
كنا نراه شهيّاً
فنأكل ملء يديه
ونشرب من كوزه جرعاتٍ
وننسى تعاويذنا عالقاتٍ هناك
يجيء مع الليل
هذا الضياء يذكّرني وجهه
حيثُ هو
حيث وجه الحقيقة
حيث المنى دافقات كنبعٍ
أنا الظامئ الأبديّ هنا
وهو الماء
أسمعه في الجهات التي تتحدّر
كالسيل يأتي
أسميه لحظتها صاعداً أبدياً
أبي كان أكبر
كان يعلمنا الأبجدية في سيرة ابن هشام
ونحو الخليل
ويهمس: عاشت قريش ابنة الله
كان يرى المتنبي حزيناً كليل العراق
ولا يزدري وجه كافور
كان يوجه أسئلة نحونا
منذ كم لم يمر شاعر من هنا أو هناك
نجيب بأنا فقدنا الحساب وأحجية العد
يسألنا ثم ماذا
ولا نستطيع الإجابة أكثر
عاشقاً كان مثل نبيّ
وكانت أصابعه العشر تحملنا عاليا كل يوم
كما يفعل العاشقون
وكنا نرى الأرض منها كقرصٍ صغيرٍ
كخبزٍ يذكرنا دائماً أن نجوع وأن نتذكر.
الكتابة الغربة
الكتابة عنك تكلفني باهظاً من جموحٍ ورغبة
تكلفني الاشتهاءَ الأخير
وحشداً من الشهواتِ أبدّدُها دفعةً
بارتعاشةِ حرفٍ
وفي شهقةٍ باردة
تكلفني كل يوم بلاداً بحجمكِ أخسرها
ثم لا أربح امرأةً واحدة
تكلفني أنت، أو هكذا كلما لستِ أنت
أتدرين كم تشبهينكِ لحظةَ لا تشبهينك
وكم أنت أخرى إذا لم تكوني سواك
وكم مدناً تلبسين لكي تخلعيها نساءً
وكي أرتديها صقيعاً وغربة.
يقين
أنا مؤمنٌ
أن انهمار الضوء حتماً سوف يأتي
لبيتِ الظنّ أو بيت السؤال
وأنني مازلت أرْقُبُ حشرجات الليل مقتنصاً
لأكسر حاجز الشبهات.
المصدر «ديوان لا»