حوار: أحمد عطاء - عبدالرقيب المجيدي / لا ميديا -

أما هذا الشاعر فهو مختلف تماما، مختلف بهيبته وصرامته وبديهته، حتى في حواراته  تشعر أنه ذو ثقل كبير.
قبل أن أجري معه الحوار لم أكن أعرف أنه صاحب الزامل الشهير "للبطولة سجلوني يماني"، فقط كنت أقرأ له قصائد كل يوم، يدهشني أكثر ما يصوغه من ملاحم شعرية باليستية تجذبك قسراً، وتعزز فيك الإيمان بالشعر الشعبي وتأثيره في الوسط الاجتماعي.. نعم، هو شاعر يتلذذ بما يكتب ويعي ما يقول، وفيه من الإبداع الكثير، ومن التفرد والبلاغة النصيب الوافر، لذلك هيأ قصائده كلها ضد العدوان، فأثار في حرفه المعاناة والمجازر، وأيضاً العنفوان اليماني الشامخ، فوظف ذلك في نصوصه. في كل قصيدة تجد نفسك مضطرا للوقوف أمامها والتمعن في هذا السحر البديع، فهذا هو الشاعر اليماني وهكذا يجب أن يكون. أجد نفسي مقلاً في تقديمه لما تركه في نفسي من إعجاب كبير ودهشةٍ بإبداعه، والاحتفاء به واجب على الجميع. إنه الشاعر الرائع أحمد يحيى الحمزي، المعروف بـ"أبو حيدر الحمزي".

• شاعرنا القدير، أهلا وسهلا بك في صحيفة "لا".
ـ الله يبقيك ويطول عمرك أخي أحمد، ودعني بدايةً أوجه التحية إلى صحيفتكم الكريمة "لا" وكافة العاملين فيها، ولي الشرف الكبير باستضافتكم الكريمة لي.
كما أتوجه بالسلام والإجلال والمحبة إلى سيدنا ومولانا وقائدنا عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، وإلى الوالد المجاهد عبدالله عيضة الرزامي حفظه الله، وإلى كافة المجاهدين المرابطين في جبهات الشرف والبطولة.

وفاة أمي أبرزت موهبتي
• كيف كانت بداياتك الشعرية؟ ومتى كانت الانطلاقة؟
ـ صراحة كنت أحب الشعر منذ صغري، ولكن بداية كتاباتي التي اشتُهِرت وأبرزت موهبتي كانت بعد فقدي والدتي رحمة الله عليها، حيث إنها توفيت في ظروف صعبة وقاسية، وكان ذلك أثناء الحروب السابقة، عـــــام 2008, فكان لفقدي إياها الأثر الكبير في نفسي، وقد كتبت بعد سنة من وفاتها قصيدة عنها، وهذه القصيدة مثلت بداية ظهور موهبتي, لكنني أحسست أنها لم تخرج ما في نفسي، أعتقد لأني لم أكتبها إلا لكي لا يقولوا: كيف شاعر ولا يكتب في والدته قصيدة؟!
وبعد حوالي 10 سنوات كتبت قصيدة لمعشوقتي بنت الأكابر، وشعرت أنها أخرجت ما في نفسي من مشاعر بالشكل المطلوب.

• من الذي شجعك وصقل موهبتك؟
ـ في الحقيقة هم كُثر، وأولهم الوالد المجاهد عبدالله عيضة الرزامي حفظه الله، وكذلك نجله يحيى، إضافة إلى أصدقائي وأخص بالذكر أخي وصديقي ورفيق دربي أبو ياسين الناظري، وكذلك المنشد الكبير عبدالخالق النبهان، الذي كان له الدور الكبير في إبراز موهبتي وتشجيعي على الاستمرار. 

تحدٍّ حتى آخر رمق
•هل تأثرت بالعدوان في قصائدك؟ وكيف؟
ـ بالتأكيد تأثرت، لكنه التأثير الإيجابي، وذلك في الجانب الجهادي الثوري، حيث أضفى على شاعريتي شعوراً بالحماس والتحدي والمواصلة حتى آخر رمق، إذ إنه كشف لي ولكل حر وشريف مدى حقارة وانحطاط الباطل، وحبب إلى نفسي درب الحق ونور الإيمان ونعمة الهداية المتمثلة في المسيرة القرآنية ومؤسسها وقائدها.

يعني لي الكثير
• زامل "للبطولة سجلوني يماني" من الزوامل التي كان لها انتشار واسع داخل وخارج الوطن وكان له دور كبير في مواجهة العدوان وفي رفع معنويات المقاتلين في الجبهات.. ماذا يعني لك هذا الزامل؟
ـ زامل "للبطولة سجلوني يماني" يعني لي الكثير، يعني لي الإنجاز, يعني لي انعكاس شموخ شعب يأبى الضيم والإذلال، كذلك أثبت للجمهور قدرة الشاعر على خوض جميع أنواع الشعر؛ حماسي وغيره، فليس صحيحاً تقييم الشاعر مثلاً أنه شاعر وجداني فقط من خلال قصيدة أو اثنتين، بالعكس الشاعر يستطيع خوض جميع المجالات، وإن كان للوجدان النصيب الأكبر، فأنا أسمي هذا ميولاً للمجال المحدد وليس عجزاً. وأكثر ما يعني لي هذا الزامل هو أن الله وفقني لأن يكون واحداً من آلاف الزوامل التي شكلت دافعاً معنوياً للمجاهدين في جبهات الشرف والعزة والكرامة، وهذا بحد ذاته يكفيني، وكل الفضل يعود لله سبحانه وتعالى وتوفيقه لي.

إلى سماحة سيدي عبدالملك
• ما هي أول قصيدة كتبتها ضد العدوان؟
ـ أول قصيدة كتبتها كانت قصيدة "إلى سماحة سيدي عبدالملك" والتي حرص الوالد المجاهد عبدالله عيظة الرزامي على إنشادها، وقد أنشدها المنشد المتألق عبدالخالق النبهان، والتي أقول في مطلعها:
يا هاجسي قم شد بالقيفان في ضوح القمر 
 صوب الذي له في ضمايرنا معزّة زايدة 
إلى سماحة سيِّدِي عبدالملك شد السفر 
 جِعلي فِدا راسه ووصِّل ذي الرسالة لا يده 
 سلام منا ما لمع بارق وما شن المطر 
 واروى جِديب القاع والزارع يحصِّل مقصدِه 
 سلآم يتسطَّر ولا مثله على الدنيا عَبَر 
 بالمسك والعنبر وبانواع العطور الواجدة 
 واصدَق تحيات الوفا باسمى المعاني والصور 
 من قلب شاعر من "فَـرَد" وابن الرزامي قايدِه 

• هل لديك زوامل غيره منشدة؟
ـ نعم، لدي حوالي 60 زاملاً منشداً بأصوات العديد من المنشدين.

مستوى متميز
• كيف تقيم مستوى الشعراء في هذه المرحلة؟
ـ ما شاء الله، هم في مستوى متميز يرفع الرأس، قوة القوة، وخصوصاً من سخر موهبته في سبيل الله لإعلاء كلمته ونصرة دينه والمستضعفين من عباده، لأن الله ينمّي المواهب لمن يسخرونها لدينه كما ذكر سيدنا ومولانا حسين بدرالدين الحوثي سلام الله عليه، وهذا الأثر ملموس لمن يتأمل.

الألم يستفزني ويحبطني
• ما هو الموقف الذي يستفزك للكتابة؟
ـ الموقف الذي يستفزني للكتابة هو الشعور بالفقد والألم، لأن ما أكتبه حينها أجده أصدق الشعر وأقرب ما يلامس قلوب الناس وخصوصاً المستضعفين.
 
• متى تشعر بالإحباط من الكتابة؟
ـ يراودني هذا الشعور في حالتين، أولاهما عندما أود التعبير ولا يطاوعني الهاجس خصوصاً لحجم الألم في داخلي وشعوري أني لا أملك من التعبير ما يشرح ما بداخلي ويخرجه، والثانية عندما أكمل الكتابة وتحذف من جهازي قبل الحفظ.

لا يستحقون العزة والشرف
• هل هناك قصيدة كتبتها وندمت عليها؟
ـ لا أعتقد أن هناك نصاً أشعر بالندم عليه، لأني لا أكتب شيئاً إلا بعد دراسة عميقة في نفسي، وكذلك لأني أكتب ما أشعر به وليس ما يُملى عليّ.

• ماذا تقول في الشعراء الذين انحازوا إلى طرف العدوان؟
ـ أقول إنهم ليسوا جديرين ولا يستحقون أن يكونوا ممن خلدهم التاريخ في أنصع صفحاته، ناهيك عن الجزاء الحسن في الآخرة، ولا يستحقون العزة ولا يستحقون الكرامة ولا يستحقون الشرف الذي يتمتع به شعبنا اليمني المجاهد والمناهض للعدوان، لأنه لا يبيع موقفه وموهبته لأعداء الأمة إلا إنسان بلا قيم ولا مبادئ.

النصر حليفنا
• كشاعر.. كيف ترى مستقبل الوطن؟
ـ أقول إننا في نعمة عظيمة جداً يجهلها الكثير مع الأسف الشديد، وهي أننا من وفي الأرض التي أشاد بها وتكلم عنها خير الخلق محمد صلوات الله عليه وآله، حيث قال: "إذا اشتدت الفتن فعليكم باليمن فإن فيها نَفَس الرحمن"، فلله الحمد والشكر، ونسأله الثبات والنصر في ظل المسيرة القرآنية ولواء أعلام الهدى الأطهار، أرواحنا وما نملك لهم الفداء، فالإسلام إلى خير والعدو منهار والنصر حليفنا بإذن وحول وقوة الله الواحد الأحد.
يهمني رأي المستضعفين
• متى تشعر أنك حققت إنجازاً في حياتك الشعرية؟
ـ يراودني هذا الشعور عندما أكمل القصيدة وأنشرها وأتلقى ردة فعل الجمهور، وأهمهم "المستضعفين" على وجه الخصوص، الذين يقولون: نشهد أنك أديت ما في نفوسنا ـ في ذمتنا وكأنك تشعر بما نحن فيه بالقيراط و... و... و... إلخ.
الناس ليسوا بحاجة لمن يعبر عن مشاعر السرور والفرح لديهم بقدر ما هم بحاجة إلى من يتلمس أوجاعهم، يعبر بكل مصداقية عن حزنهم وألمهم الذي يعيشونه ولا يستطيعون التعبير عنه، لذا يجدون من خلال شعرك متنفساً لهم وترجماناً لما في أعماقهم من حزن دفين عجزت ألسنتهم عن الإفصاح عنه. 
والحمد لله تحقق بعض أو قل جزء كبير من هذا الطموح في الواقع الملموس الذي أعيشه. 

شاعر أسال دموع الكثيرين
• ما هو هدفك أو طموحك من خلال شعرك؟ 
ـ الإجابة قد تكون غريبة نوعاً ما، فطموحي أن أصل إلى مستوى يكون فيه مجرد ما يمر على الناس اسم الشاعر أبو حيدر الحمزي يتبادر إلى أذهانهم مباشرةً الشاعر الذي أسال دموع الكثير من مستمعيه. نعم، هذا هو طموحي منذ بداية كتابتي للشعر، ليس تلذذاً بهذه الدموع أو شعوراً بالطغيان، أستغفر الله العظيم، وإنما لأني أحس أن الدموع أصدق معيار أو مقياس لنجاحي في التعبير عن مشاعرهم والعيش في واقعهم المرير.

• هل هناك سؤال غفلت عنه؟
ـ نعم. في البداية كنت أتوقع أنك سوف تسألني كما سألني الكثير ممن سبقوك: لماذا شعرك حزين؟ والجواب هو: لأن معظم من يتابعني ويقرأ أو يسمع قصائدي وزواملي يتبادر إليه هذا التساؤل، وقد أجبت في الفتره الأخيره بقصيده مطلعها:
دايماً يسألوني ما لشعرك حزين..!
يا خي اشتد واكتب شعر كله حَمَاس
إلى آخر القصيدة.

• كلمة أخيرة تود قولها؟
- أولاً أعتذر على الإطالة واعتذر كذلك إذ لم يرق كلامي إلى مستوى القراء الأكارم، فأنا شخص ثقافتي متواضعة وتظهر على أجوبتي البساطة والبديهية.
والكلمة الأخيرة التي أود أن تصل عبر صحيفتكم الكريمة لمن يتابع حواري هذا، خصوصاً من سبق وطلب مني مرثية أو رداً على كذا أو... أو… إلخ, أقول لهم إن أمراً كهذا ليس شيئاً بسيطاً بالنسبة للشاعر، وهذا فهم غلط لدى البعض للأسف الشديد الذين يظنون أنك كشاعر بإمكانك أن تكتب لهم ما يريدونه.
الخلاصة هنا، أنه ليس كل شاعر يستطيع التعبير في أي وقت، حتى ولو عاش الموقف وتأثر به. فهناك من الشعراء من يكتب القصيدة، ومنهم من تكتبه القصيدة, وأنا من هؤلاء الآخرين.
لهذا أنا أعتذر لكل من لم أستطع تلبية طلباتهم، ليس تكبراً أو غروراً مني، ويشهد الله على ذلك، ونسأل الله أن يوفقنا لأن نكون عند حسن ظن الجميع.