«عاصفة الحزم» الخائبة تعصف باقتصاد المملكة السعودية من النفط إلى الجباية
- تم النشر بواسطة غازي المفلحي/ لا ميديا
غازي المفلحي/ لا ميديا -
في تقرير لـ«bbc»، أغسطس الماضي، قال مايكل ستيفنز، خبير شؤون الخليج في مركز الخدمات المتحدة الملكي في لندن: «الحرب لم تحقق فائدة تذكر للسعودية، ومن الناحية الاستراتيجية يمكنك القول إن الرياض في وضع أضعف مما كانت عليه عام 2015».
بعد قرابة الـ5 أعوام عدواناً على اليمن، أخفقت السعودية عسكرياً بشكل كبير، وتكبدت خسائر اقتصادية فادحة جعلتها أقل ثباتاً واستقراراً، ودولة جبايات على مواطنيها وأيضاً العمالة الأجنبية المتواجدة فيها، وبدأت الدولة التي تنفق إنفاق من لا يخشى الفقر، بالاستدانة.
السعودية باتت تخشى الفقر
أنفقت السعودية في سنوات العدوان أموالاً طائلة قدرتها جهات كثيرة بأرقام مهولة، مع استدراكها بالقول إن التكلفة قد تكون أكبر، فمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مثلاً قال إن نفقات الحرب المباشرة التي تصرفها السعودية تقدر بـ6 مليارات دولار شهرياً، أي أن إنفاقها تجاوز حتى الآن 342 مليار دولار في الـ57 شهراً للعدوان كأقل تقدير.
أما الخسائر الكاملة للسعودية، المباشرة وغير المباشرة، فقد قدرت على الأقل بنحو 800 مليار دولار، حسب ما نشرته مواقع إلكترونية كثيرة، غير أن موقع «فورين بوليسي» الأمريكي ذهب بعيداً بتقدير تكاليف حرب السعودية على اليمن، وقال إن المملكة أنفقت حوالي 725 مليار دولار، في الأشهر الـ6 الأولى فقط، منها الصفقات العسكرية.
كل تلك المصروفات السعودية ذات الأرقام الفلكية في عدوانها على اليمن، انعكست خسائر في حلقات أخرى من الاقتصاد، وتليها حلقات أخرى تواليا.
فحسب تقارير، تراجع احتياطي النقد الأجنبي للسعودية من 787 مليار دولار عام 2014 إلى 487 مليارا عام 2017، فضلا عن تراجع فائض الميزان التجاري بنسبة 6.1% في النصف الأول من العام 2019، أي ما يعادل 4 مليارات دولار، ولجأت السعودية للاستدانة الداخلية والخارجية، حيث ارتفع دين السعودية من 91 إلى 149 مليار دولار خلال فترة العدوان، ومن المتوقع أيضاً أن يستمر الدين العام السعودي في الارتفاع ليصل إلى حوالي 180 مليار دولار في 2019، وفقاً لموازنة العام الجاري. وزيادة الديون السعودية الداخلية والخارجية تعني زيادة فوائد الديون ومعاناة المواطن السعودي من تدني مستوى المعيشة، لأن الفوائد عموما تقتطع من جميع فئات المجتمع لتسديد ديون الدولة.
كما بدأت الرياض بيع أصولها في الأسواق الأوروبية، فحسب تقرير لـ«رويترز» فإن السعودية باعت 1.2 مليار دولار من الأسهم الأوروبية من أصل 9.2 مليار دولار تمتلكها.
وأفادت بيانات مؤسسة النقد العربي السعودية التي تلعب دور البنك المركزي، أن الحكومة السعودية سحبت ما يزيد على 25 مليار دولار من أرصدتها الاحتياطية.
وتتوقع السعودية أن يبلغ العجز في ميزانية العام الجاري 35 مليار دولار تقريباً، تمثل نحو 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
جدير بالاحتساب، الخسارة التي سببها استهداف الجيش واللجان منشأتي «أرامكو»: «بقيق» و«خريص»، بطائرات مسيرة، حيث يتم فيهما معالجة معظم خام النفط السعودي، قبل تصديره أو تكريره، وقد أدت الضربة لخفض إنتاج المملكة من النفط الخام بمقدار 5.7 مليون برميل في اليوم، ما يعادل نصف إنتاج السعودية من النفط تقريباً، وهو ما يؤثر على الاقتصاد السعودي النفطي الذي يعاني أساساً من انخفاض سعر النفط في السوق العالمي.
لم تكن المعالجات المصرفية في أعلى الهرم الاقتصادي والمالي السعودي كافية للملمة جروح السعودية المفتوحة، وهو ما جعل النظام السعودي يتجه صوب الشعب السعودي والمستثمرين والعمالة الأجنبية، في محاولة لجني ما يمكن من مال، لعلها تتمكن من ترقيع جيبها المثقوب بفعل عدوانها على اليمن وابتزاز ترامب وأصدقائه.
«عاصفة حزم» مرتدة
أعلنت الحكومة السعودية، يوليو الماضي، رفع أسعار الوقود، وهو الارتفاع الثاني خلال عام ونصف، حيث ارتفعت أسعار الوقود بنسبة 126%، بالإضافة إلى رفع أسعار الكهرباء والغاز والماء، إذ تسعى الحكومة السعودية لجني أكثر من 30 مليار ريال سعودي من رفع أسعار الكهرباء والبنزين، يتحمل فيه المواطنون السعوديون دفع ما نسبته 80% من هذا المبلغ، مع زيادة سنوية بحوالي 16 مليار ريال سعودي تنتظر السعوديين لدفعها، كما قالت صحيفة «عكاظ» إن السعوديين على موعد مع 8 إصلاحات اقتصادية قادمة.
بدأت السعودية تطبيق القيمة المضافة بمقدار 5% على السلع والخدمات، وتطبق هذه الضريبة على المواد الغذائية، والبنزين والنقل المحلي، وبعض الخدمات العقارية والتعليم الأهلي والرعاية الصحية في المراكز الخاصة والاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات الإلكترونية، وقد حققت إيرادات الضرائب لعام 2019 مبلغ 182 مليار ريال، أي ما نسبته 18.6% من الإيرادات العامة للسعودية، خصوصاً بعد فرض الضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة. والضريبة الانتقائية هي ضريبة مفروضة على بعض أنواع المشروبات والتبغ، أما ضريبة القيمة المضافة فهي ضريبة تفرض بنسبة 5% على إنتاج السلع والخدمات، وكذلك على الواردات في كل مرحلة من مراحل إنتاجها، وتعتزم السعودية رفع نسبتها سنويا، ولأن هذه الضريبة تقع في سعر السلعة أو الخدمة، فهي بالتأكيد ستؤدي إلى ارتفاع أسعارها. كما قامت السعودية بخصخصة الكثير من الشركات العامة في مختلف المجالات، وهو ما انعكس في ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تقدمها الشركات التي تمت خصخصتها، وبالتالي تدني مستوى معيشة المواطن السعودي.
وحسب تقارير اقتصادية، زادت نسبة التضخم في السعودية إلى 11.1% في 2018 من 10.6% عام 2017، نتيجة زيادة إيجارات المساكن وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مسجلاً بذلك أعلى مستوى تضخم في 30 عاما على الأقل، وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية والمشروبات بنسبة 7.1%، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل العام.
بالإضافة إلى شكاوى السعوديين من تلاعب شركات الاتصالات بالأسعار وفرضها زيادات تصل إلى 5%.
كما تسعى الحكومة السعودية إلى تقليص الاعتمادات الماليـــــــــة المخصصـــــــة للمرتبــــــــــــات والأجـــــــور التي تستهلك حوالي نصف نفقات الميزانية العامة، وإلغاء الحد الأدنى لبدل السكن، ودمج فواتير شركة المياه، وإيقاف بعض العلاوات. وارتفعت تكاليف خدمات الكهرباء لتصل إلى متوسط 700 ريال شهرياً، بعد أن كانت بحدود 70 ريالاً شهرياً قبل العدوان.
مملكة الاستعباد
لم تكتف السعودية بضريبة الدخل والأرباح على العمال الأجانب والشركات المملوكة لغير السعوديين التي تبلغ 20%، والتي تعد أعلى ضريبة في السعودية، فسياسات محمد بن سلمان الاستعبادية الجديدة أضرت بالعمال بشدة، دفعت العديد منهم إلى مغادرة المملكة بعد فرض رسوم عالية على إقامتهم مع عائلاتهم، وفرض ضرائب جديدة على الشركات التي توظفهم. وبذلك تضرر أصحاب الشركات والاستثمارات الذين كان هؤلاء العمال موظفين لديهم، فتدنى مستوى أرباحها وصارت مهددة بالإفلاس أو الرحيل، وحسب تقارير فقد رفعت 500 قضية إفلاس أمام المحاكم السعودية لشركات كبرى، منها 382 شركة موجودة في الرياض، وهو ما دفع عدداً كبيراً من رجال المال والأعمال إلى المغادرة نحو بيئات أكثر استقراراً وتشجيعاً للاستثمار، بعد أن أصبحت المملكة بيئة طاردة للاستثمارات، حيث انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية إلى 2.4 مليار دولار خلال عام 2018، بعد أن كان 7.4 مليار دولار عام 2016.
وعموما، فقد انخفضت الاستثمارات الأجنبية في المملكة بنسبة قياسية بلغت 80% في 2017، وجاءت السعودية في المرتبة 92 عالميا، وما قبل الأخيرة خليجياً، من حيث سهولة ممارسة أنشطة الأعمال لسنة 2018، حسب تقييم منظمات اقتصادية دولية، ولهذا ارتباط بالوضع السياسي للمملكة، فقد حصلت المملكة على نقطة بقيمة - 0.62 (على سلّم من - 2.5 عدم استقرار تامّ إلى + 2.5 استقرار تامّ) سنة 2017، في مؤشر الاستقرار السياسي الصادر عن البنك الدولي، مقارنة بـ - 0.46 سنة 2016.
إجراءات ضد الوافدين
نفذت السعودية حزمة إجراءات خاصة ضد الوافدين، ومنها رفع رسوم المرافقين إلى 400 ريال، وأظهرت بيانات صادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية السعودية، تسريح نحو 1.36 مليون موظف أجنبي من القطاع الخاص فقط خلال 21 شهرا عامي 2017 و2018. ونقل موقع «الخليج أون لاين» عن صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن الاستثمارات الحالية التي كانت متوقعة في السعودية، تأثرت بسمعة ولي العهد السعودي، بسبب العدوان على اليمن وفضيحة قتل خاشقجي. وركزت الصحيفة الأمريكية على ما سُمي «الإصلاحات» الاقتصادية التي أطلقها ابن سلمان، والتي لم ترضِ المواطنين السعوديين، حسب استطلاع الصحيفة.
اليمني الأكثر معاناة
المغترب اليمني هو الأكثر تعرضاً لضربات سيف بطش السعودية الاقتصادي، صحيح أنه لم يكن في نعيم بغربته قبل العدوان، بسبب ظروف العمل السيئة وكثرة الابتزاز سواء من الحكومة السعودية أو «الكفيل»، ولكنه تحلى بالصبر لأجل لقمة العيش، قبل أن يفقد صبره بعد إصلاحات ابن سلمان وفرض الرسوم التعجيزية على شاكلة رسوم الإقامة، والكفالة، ورسوم المرافقين، وغيرها من الرسوم التي لم تفد أحداً باستثناء ترامب والأوروبيين بالتأكيد.
وتضرر أكثر من مليون و200 ألف مغترب يمني مع أسرهم المقيمة في اليمن أو في السعودية، ما جعل الآلاف منهم يخسرون أعمالهم إما بتركها أو بترحيلهم وإقالتهم منها، ليخسروا بذلك مصادر دخلهم، وتخسر أسرهم عمل من كان يعيلهم، فرسوم إقامة العامل في السعودية تبلغ 800 ريال سعودي، أي ما يساوي 9600 ريال سعودي في السنة، وإذا كان لدى العامل أسرة ويسمونهم «المرافقين»، فإن على كل مرافق رسوماً بمبلغ 400 ريال سعودي شهريا.
فمثلاً المقيم الذي لديه زوجة و3 أولاد، يدفع شهرياً مبلغاً وقدره 800 ريال سعودي رسوم إقامة عليه، إضافة إلى 1600 ريال سعودي على أولاده وزوجته، أي أنه يدفع رسوم إقامة له ولأسرته مبلغ 2400 ريال سعودي شهرياً، وسنوياً يدفع ما مجموعه 28.800 ريال سعودي.
والنظام السعودي يعوّل على تحصيل 65 مليار ريال سعودي سنوياً من هذه الرسوم. كما أن الـ400 ريال تزيد كل سنة 200 ريال حتى تصل إلى 800 ريال عام 2020.
كثير من المغتربين ممن رحلوا من السعودية أو ممن لازالوا يعملون وينتظرون دورهم للرحيل، تحدثوا لصحيفة «لا»، وقالوا إن رواتب المغتربين اليمنيين في السعودية تتراوح بين 2000 و3000 ريال سعودي، فكيف يمكن تقسيم هذا المبلغ على نفقات معيشتهم في السعودية ومعيشة أسرهم في اليمن وبقية الالتزامات الأخرى المفروضة عليهم سابقا والجديدة، مثل دفع 650 ريالاً سعودياً سنوياً، كرسوم تجديد الإقامة، إلى جانب دفع مبلغ مستحدث (2500 ريال سعودي) لما يسمى رسوم مكتب عمل، أيضاً مبلغ يتراوح بين 600 و1600 ريال سعودي تأميناً صحياً، لا يستفيد منه العامل أو يجد خدمة حقيقية مقابل دفع التأمين، حسب ما أخبرنا به مغتربون يمنيون، كذلك مبلغ 100 ريال سعودي كضريبة عن كل شهر إجازة، إذا كان العامل في إجازة من عمله، إضافة إلى مبلغ 2000 ريال سعودي رسوم نقل الكفالة، وأخيراً مبلغ غير محدد أو مقيد يدفع سنوياً لصالح الشخص ذي السمعة السيئة في أوساط المغتربين المسمى «الكفيل»، ويعتمد حجم هذا المبلغ على حجم أخلاق وضمير هذا الكفيل، فأفضلهم قد لا يأخذ إلا في حالات نادرة، أو يأخذ 1000-2000 ريال سعودي، أما أسوأهم فقد يبتز من يقعون تحت كفالته، ليدفعوا له مبالغ تصل إلى 5 أو 10 آلاف ريال سعودي.
كل هذه الجبايات التي يفرضها النظام السعودي على أبناء البلد والوافدين تحت مسمى إصلاحات اقتصادية، إنما تؤكد بجلاء أن المملكة النفطية التي كانت تنفق ببذخ ومواطنوها يعيشون في بحبوحة ورغد قبل أن تشن عدوانها على اليمن، أصبحت اليوم تعيش أزمات اقتصادية متعددة، لتتحول من مملكة ثرية إلى دولة جبايات لعل وعسى تتمكن من ترقيع جيبها المثقوب بفعل عدوانها على اليمن وابتزاز ترامب وشلته.
المصدر غازي المفلحي/ لا ميديا