غازي المفلحي/ لا ميديا -

يستهلك اليمنيون المياه المعدنية بشكل كبير جداً، ويرى البعض أنهم أكثر الشعوب على مستوى العالم في استهلاك واستخدام المياه المعدنية، خاصة تلك المياه المعبأة في قوارير بلاستيكية (قوارير الصحة)، لارتباطها بجلسات تناول القات؛ العادة اليومية لدى غالبية أفراد المجتمع اليمني.
هذا التهافت الكبير لليمنيين على استهلاك المياه المعدنية تم استغلاله تجارياً من قبل رؤوس الأموال والمستثمرين صغاراً وكباراً لإغراق السوق المحلية بعديد المسميات والأنواع من المياه المعبأة بقوارير بلاستيكية (سعة 0.75 لتر)، والتي تعلن جميعها أنها مياه معدنية معالجة ومعبأة بأحدث الوسائل ووفق أعلى معايير ومواصفات الجودة العالمية.

تزاحم على جيوب المستهلكين
تكتظ السوق اليمنية بالمئات من المسميات لمنتجات جديدة من المياه المعدنية المعبأة في قوارير بلاستيكية، فبعد أن كانت هذه المنتجات لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، باتت اليوم ـوبحسب معلومات رسميةـ تناهز 800 شركة ومحطة ومعمل لتعبئة وبيع المياه، ولعل أغلب هذا الرقم يخص المحطات الصغيرة التي تقوم بتنقية المياه لتصبح صحية أكثر، لكنها ليست مياهاً معدنية، كما تدعي.
منتجات كثيرة ومتشابهة، وكل منتج يقلد الآخر في الشكل والعبوة، لدرجة يمكن القول معها بأننا في كل شهر نشهد ولادة منتج جديد، والمسألة لا تحتاج إلى ذكاء لإدراك أن كثرة منتجات «المياه المعدنية» وبأشكال عديدة وتحت أسماء مختلفة، هي لأجل الربح ولا شيء سواه.
نظراً لرخص العبوات البلاستيكية وسهولة الحصول على كميات تجارية كبيرة منها أو حتى تصنيعها، راجت عملية إنتاج وبيع «المياه المعدنية» المربحة أساسا لكثرة الطلب عليها.
أغلب منتجات المياه الجديدة (غير تلك المعروفة منذ سنوات) تنتجها معامل بسيطة، وتطلق عليها صفة «ماء معدني نقي»، هذه المعامل تسمي نفسها شركات، بينما هي لا تختلف كثيراً عن تلك المحطات الصغيرة لتعبئة ومعالجة الماء المتعارف على تسميتها بـ»الماء الكوثر»، أما عملية تعبئة القارورة بالمياه وإغلاقها بغطاء مختوم ووضع لاصق يحمل الاسم التجاري للمنتج، فهو عمل في غاية البساطة، ولا يعني بالضرورة أن يكون خلفه مصنع عملاق متطور، فمثل هكذا عمل من الممكن أن يقوم به صاحب دكان صغير من دكاكين «العلاج بالقرآن» لينتج بدوره «الماء المقري» و«ماء زمزم»، الذي يحمل ماركة مركز الشيخ التجارية، وهو ما يحصل فعلاً، وبالتالي فإن عدداً كبيراً من منتجات المياه الجديدة تخرج من معامل ومصانع متواضعة، أما بالنسبة لكفاءة معالجة هذه المياه ودرجة نقاوتها وجودتها ووجود المواد المعدنية فيها من عدمه ونسبتها الصحية ـ إن وجدت ـ فهذا شيء لا يمكن للمستهلك معرفته، إلا إن كان لديه مختبر، وبالتالي فإن هذه المهمة منوطة بوزارة الصناعة والتجارة وهيئة المواصفات والمقاييس.

معايير بسيطة
قلة من المستهلكين اليمنيين من يحرصون على اختيار أنواع معينة من المياه المعدنية، وهي تلك المعروفة منذ سنوات، لثقتهم بها، كما يقولون، أو لأن جلسة «القات» لا تكتمل إلا بهذا النوع من المياه المعدنية، كما أن بعض الذين يعانون من مشاكل في الكلى أشاروا إلى جودة نوع معين من المياه المعدنية (المعروفة)، حيث إنهم لمسوا نتائجها في جانب أمراض الكلى لديهم، كما قالوا.
غير أن الأغلبية عادة عندما يشترون قنينة مياه ـ معدنية أو يُفترض أنها معدنية ـ فهم لا ينظرون سوى لشيئين هما: سعرها، وكونها تحمل الشكل المعتاد لعبوات المياه المعدنية، دون مراعاة لأي معايير أخرى، ودون أن يخالجهم الشك بأن العبوة التي اشتروها قد لا تختلف كثيراً عن «الماء الكوثر»، لكنها بضعف السعر؛ فقط لأنها معبأة في قنينة بلاستيكية تشبه العبوات المعروفة للمياه المعدنية.

منافسة بالأسعار
تحصد منتجات المياه الجديدة مبيعات عالية، وتنافس في السوق، ولا يقلق منتجوها من احتمال فشلها، فهي في الغالب ناجحة بمساعدة بعض التسويق الجيد.
فعند دخول منتج جديد غير معروف في السوق؛ فإنه قد لا يشهد إقبالاً من قبل فئة محدودة من الناس، وهي الفئة التي تحرص على انتقاء منتج بعينه، ولا تشتري أي جديد استناداً إلى ما لديها من معايير سابقة، غير أن هذا المنتج الجديد يباع بكميات كبيرة للفئة الواسعة من الناس الذين لا يهتمون سوى بالحصول على ماء بارد أو مثلج وبسعر جيد، لينطلقوا نحو أعمالهم ومقايلهم، كما أنها الخيار الأفضل في المناسبات الكثيرة التي لا تنتهي طوال أيام الشهر عند اليمنيين في عموم المحافظات، كمناسبات الأعراس والعزاء وحفلات الخطوبة والتخرج واستقبال المواليد الجدد، وغيرها من المناسبات الاحتفالية التي تستمر على مدى العام، فمثل هذه المناسبات تتطلب جلب كميات كبيرة من المياه المعدنية، ونظراً لأن المنتجات الجديدة أقل سعراً من المنتجات المماثلة المشهورة والمعروفة، فإن أغلب الناس يتجهون نحو شراء المنتجات الجديدة وبكميات كبيرة نظراً لسعرها المنخفض.

«مسؤولو الصناعة» مشغولون!
مما لا شك فيه أن الاستثمار في سوق بيع منتجات المياه المعدنية مربح ومجال اقتصادي جيد لأصحاب رؤوس الأموال، كما أنها تلبي حاجة الناس وتصنع نوعاً من التنافس في الأسعار، ولكن السؤال الذي يجب طرحه هنا هو: هل جميع المنتجات الجديدة فعلاً مياه معدنية؟ وهل تتم معالجتها وتعبئتها وفق معايير الجودة الصحية والصناعية؟ وهل جميعها مرخصة؟
هذ السؤال لم نستطع أن نحصل على إجابته من قبل المعنيين في وزارة الصناعة والتجارة، حيث تواصلنا معهم مراراً وتكراراً دون جدوى، لأنهم في كل مرة يبررون بأنهم مشغولون جداً، ولا وقت لديهم للرد على هذا التساؤل!
وهو ما يجعلنا نتساءل: إذا كانت الأسعار ترتفع بلا رقيب، والرقابة على التجار والمنتجين المحليين غائبة، والمواطن لايزال تحت رحمة التاجر، سواء كان صاحب بقالة صغيرة أو مصنع أو شركة، فأين دور وزارة الصناعة والتجارية؟ وبأي أمر مسؤولوها مشغولون جداً؟!

كارثة غير معروفة
للإجابة على السؤال السابق الذي حال انشغال مسؤولي وزارة الصناعة دون إجابته توصلت «لا» إلى معلومات من مصدر خاص يُفيد بأن عدد منتجات المياه الجديدة يناهز 800 منتج، وظهور هذا العدد الكبير في زمن قياسي يدعو للشك في ما إذا كانت حاصلة على تراخيص رسمية أم لا! كما أن هذه المعلومات تشير إلى أن ملكية بعض هذه المنتجات الجديدة تعود إلى نافذين جدد.
وبالنسبة لجودة القوارير البلاستيكية المستخدمة في تعبئة المياه، فإن عدداً من الخبراء يؤكدون أنها عبوات رديئة، فنوعية وجودة البلاستيك الذي تصنع منه هذه القوارير سيئة وتمثل خطراً على الصحة والبيئة.
فمن المعروف أن القوارير البلاستيكية، تكتب عليها أرقام ورموز إرشادية توضح نوع البلاستيك الذي صنعت منه القارورة ومدى أمانه وطرق التعامل معه بعد استهلاك المواد المعبأة فيه، حيث يوجد أسفل القارورة رمز مثلث يعني القابلية للتدوير، ويشير الرقم داخل المثلث إلى نوع مادة البلاستيك المصنوعة منه القارورة، والحروف خارج المثلث تشير لاسم البلاستيك المرادف للرقم في المثلث بشكل مختصر، 

وقد تأتي الأرقام بدون المثلث.
وأنواع البلاستيك المستخدم في تصنيع القوارير البلاستيكية بأنواعها تصنف تحت 7 أرقام هي:
الرقم (1): يعني بلاستيكا مصنَّعا من مادة «البولي إيثيلين تريبتالات»، والقوارير المصنعة من هذا النوع تقوم بامتصاص جزء من المواد المعبأة فيها، وقد تنمو البكتيريا فيها؛ ويوصى باستخدامها لمرة واحدة فقط، وبالتالي يجب عدم إعادة استخدامها أو تعبئتها مجدداً.
الرقم (2): يعني بلاستيكا مصنَّعا من مادة «البولي إيثيلين عالي الكثافة»، والقوارير المصنعة من هذا النوع آمنة في درجات الحرارة العادية، لكنها قد تنقل مواد كيميائية إلى المواد الغذائية المعبأة فيها في درجة الحرارة المرتفعة، ويمكن إعادة استخدامها مرة واحدة فقط.
الرقم (3): يعني بلاستيكا مصنَّعا من مادة «بولي فينيل كلورايد»، والقوارير المصنعة من هذا النوع تحوي مواد تؤثر على الهرمونات في الجسم، ووجودها في درجة حرارة عالية يؤدي لخروج مادة كيماوية مسرطنة، ويوصى تجنب استخدامها بكثرة.
الرقم (4): يعني بلاستيكا مصنَّعا من مادة «بولي إيثيلين منخفض الكثافة»، والقوارير المصنعة من هذا النوع آمنة في درجة الحرارة العادية، ويفضَّل استخدامها لمرة واحدة فقط.
الرقم (5): يعني بلاستيكا مصنَّعا من مادة «البولي بروبيلين»، والقوارير المصنعة من هذا النوع آمنة في درجة الحرارة العادية.
الرقم (6): هو بلاستيك مصنَّع من مادة «بولي ستيرين»، وهي مادة محتمل أن تنقل مواد مسرطنة من البلاستيك للأطعمة والمشروبات.
الرقم (7): هو الأخطر على الإطلاق حسب معلومات طبية، لأنه يرمز لعدة مواد منها «بولي كاربونات» التي تحتوي على سم البيسفينول التي تؤدي إلى خلل بعض الهرمونات في الجسـم، وتسبب العديد من الأمراض، ولها صلة بأمراض سرطان الثدي والرحم بالسيدات، وأيضا نقص هرمون «التستيرون» عند الرجال، وأخطار مدمرة على الأطفال وسلامة نمو أجهزتهم، خصوصاً التناسلية.
ويوصى طبياً وعلمياً بعدم استهلاك أو استخدام أنواع البلاستيك رقم (3)، رقم (6) ورقم (7)، والتأكد من أن بقية البلاستيك ذات الأرقام الأخرى مخزنة بشكل جيد وبعيداً عن الحرارة قبل شرائها، لأنها تنقل مواد كيماوية خطيرة إلى الطعام أو الشراب الموضوع داخلها في درجة الحرارة المرتفعة، والحرص على استخدامها مرة واحدة فقط، وتشير المعلومات الطبية إلى أن أنواع البلاستيك من حيث الأمان، تبدأ برقم (5) وهو الأكثر أماناً، يليها رقم (2)، ثم رقم (1)، وأخيرا الرقم (4) وهو آمن نسبياً، ويلاحظ أن كثيراً من قوارير المياه المعدنية المنتشرة في السوق اليمنية مصنوعة من نوعية البلاستيك رقم (1)، وهو مكتوب أسفلها داخل مثلث بجوار رمز PET أو رقم بدون مثلث، وهو النوعية الثالثة في درجة الأمان، والذي يجب أن يستهلك مرة واحدة فقط ولا يعاد تعبئته أبداً، أما القنينات الجديدة فكثير منها ليس مكتوباً أسفلها شيء!

لا رقيب ولا ضمير
تعلم وزارة الصناعة والشركات المنتجة لهذه العبوات من المياه إن كانت متطورة أو متواضعة، أن غالبية المواطنين المستهلكين لا يعلمون بهذه المعايير الصحية المتعلقة بالبلاستيك، ورحلة قارورة المياه - المنتجة من بلاستيك من النوع (1) الذي يجب استهلاكه مرة واحدة فقط - بالنسبة للمواطن اليمني لا تنتهي بعد أن يفرغ من شربها، بل إنها تبدأ رحلتها معه في كثير من الأحيان، حيث إن العديد من المواطنين يعيدون استخدام هذه القوارير البلاستيكية للشرب من جديد، وأصحاب الكافتيريا (البوافي) يجمعونها ويشترونها ممن يجمعونها ويعبئون العصائر فيها ويبيعونها، والأسوأ من ذلك أنهم يعبئون فيها الشاي وهو في حالة الغليان، الشاي الذي يشتريه عدد لا يُحصى من اليمنيين عند وجبتي الإفطار والعشاء، ويعبأ في قوارير مصنوعة من نوع البلاستيك رقم (1)! كما أن قوارير منتجات المياه الجديدة أحياناً لا تحوي رقماً على الإطلاق ولا يعرف من أي نوع من البلاستيك صنعت.
الشركات المنتجة لا تلتزم بوضع منتجاتها في قوالب بلاستيكية آمنة إرضاءً لزبائنها لأنهم لا يعلمون مع ماذا يتعاملون، ولأن القاعدة الأهم ليست صحة المستهلك، بل تحقيق أعلى ربح بأقل التكاليف، ولا تلزم الجهات المعنية المنتجين بمعايير سلامة وجودة وتراخيص وفحص وتفتيش لعمليات التعبئة والتخزين والنقل ومصادر الماء قبل المعالجة، ولا تحصي عددهم ربما، كما لا تضع معياراً لاستخدام البلاستيك من النوع (5)، وهو الأكثر أماناً والقابل لإعادة الاستخدام، مراعاة لقلة وعي المواطنين الذين يستخدمون هذه القوارير أكثر من مرة، ولا تقوم بتوعية المواطنين بمخاطر إعادة استخدام البلاستيك بدون وعي، لأن الجهات الرسمية بالطبع منهمكة بقضايا أهم لا تقوم بحلها أيضاً! ولا يكفي اليمني أنه يتجرع غلاء وجشع غيلان السوق، بل يضاف إلى ذلك تجرعه السموم والمواد الكيماوية والمسرطنة.


إرشادات التعامل مع منتجات البلاستيك بطريقة آمنة:

ـ لا تُعِد استعمال عبوات المياه والعصير البلاستيكية مرة أخرى.
ـ لا تعد تعبئتها بالماء أو تتناول الأطعمة الساخنة فيها.
ـ استعمل أكوابا وأدوات مصنوعة من الخزف أو الزجاج أو الحديد، ولا تستعمل الأكواب والصحون البلاستيكية.
ـ لا تستخدم القوارير البلاستيكية لتخزين الطعام مثل المخللات والشطة، وألقها في القمامة مباشرة.
ـ لا تسخّن الطعام بالميكرويف في الصحون البلاستيكية.
ـ لا تسخن الطعام بالميكرويف وهو مغطى بالتجليد الشفاف البلاستيكي.
ـ لا تشرب الشاي أو القهوة في الأكواب البلاستيكية، أو القوارير البلاستيكية.
ـ لا تشتر العصائر المعبأة
 في قنينات الماء.
ـ لا تغسل الأواني البلاستيكية 
بماء حار.
ـ قلل تناول الأغذية المعلبة 
بالقوالب الحديدية والبلاستيكية،
 لأن العلب الحديدية تكون عادة مبطنة  بطبقة بلاستيكية.