حاورها: أحمد عطا / صحيفة لا -

ولدتْ في العام 1997 بين مراتع النخيل وبجانب أمواج البحر؛ ولذلك ففي شعرها عمق البحار، وسمو النخيل، وبساطة سهول تهامة. لم تلد تهامة شاعرة مثلها، فهي خنساء العصر اليمني الحديث كما يسميها الناقد تامر عفيف. ونحن نفخر بها لما تمثله من كنز شعري كبير في ظل قلة شواعر تهامة، إلا أنها تمتلك من القوة ما يصل بها إلى أبعد نطاق. ولها تجارب عربية عبر شبكات التواصل الاجتماعي جعلتها شاعرة مخضرمة بمفرداتها وأساليبها المتجددة.
يقوم شعرها على صور مبتكرة وألفاظ رقيقة وفلسفة المرأة في الحياة. ‏‎ ‎شاعرة حداثية مغايرة، لها خصوصية متفردة في العمق والتراكيب المدهشة. لم أكن أعرف أنها من «بيت الفقيه»، وكنت أقرأ لها بصمت المعجب المتذوق، إلى أن عرفتها عرفت أنني في مقام شاعرة مذهلة تستوحي جمالها من عبق تهامة النقي كفراشة تصنع عسل الشعر من رحيق زهور الخبت ومن موسيقى أمواج الساحل.
وحق لتهامة أن تفخر بالشاعرة فاتن الشريف، الضاربة في الدهشة، والمتميزة بروحها المرحة التي لا تضاهى.

 أهلا وسهلا بالشاعرة التهامية الرائعة فاتن الشريف. أولاً احكي لنا عن بدايتك مع القصيدة؟
• أولاً أشكرك أستاذ أحمد وأشكر صحيفة "لا" على هذه الاستضافة الكريمة.
وبداياتي مع الشعر مرتبطة بطفولتي. بداية اللقاء بالمتنفس الفسيح، وأنا في سن الـ11. بداية شعوري بأن الكتابة هي نوع من البوح، لكنه البوح الذي لا يضطرك لأن تتكلم.

 من الذي اكتشف فيك روح الشعر؟
-  لعله الحزن! هو المكتشف وبوتقة الصمت. لكن، ثمة أرواح كانت هي الدافع، أولهم أختي، كان لها الدور الكبير في دفعي إلى هذا المحيط. وكان لأبي وأهلي دور كبير في تحفيزي على الاستمرار.
 تكتبين بطريقة رائعة ومدهشة، ترى من أين اكتسبت هذه المهارة؟
- لعل استمرار الكتابة والقراءة ساعدني، والنت كان له دور في فتح أفق الاطلاع على العديد من الفضاءات الأدبية والشعرية من مختلف أنحاء الوطن العربي والتفاعل معها، فقرأت لشعراء وشواعر من سوريا ومن مصر ومن المغرب ولبنان وفلسطين والعراق... وشعراء وشواعر يمنيين أيضاً. وكان لدي خلفية عن بحور الشعر، لكن هناك من فتح لي الأفق على عالم النقد الواسع وفضاءات العروض التي لا تحد. فبدأتُ بالبحث والاطلاع، واكتسبت العديد من المعارف في مجال الشعر وأصبحت أكتب بانطلاق أكثر. ولن أنسى من كان لهم الفضل بعد الله في إرشادي وتوجيهي. 

تهامة لم تعطَ حقها
 لماذا الشواعر التهاميات قليلات الظهور؟
- الشواعر التهاميات قليلات الظهور على الساحة الأدبية، ربما بسبب البيئة ذاتها، فتهامة إلى الآن لم تُعطَ حقها الذي يجب لشعرائها فكيف بشواعرها؟! لكنهن الآن أفضل وأقدر على فرض وإبراز ذواتهن أدبياً وثقافياً. ولطالما كانت الشاعرة التهامية هي المكافحة والمناضلة في سبيل رسالتها الشعرية.
 ما الذي ينبغي للشاعرة القيام به تجاه الوطن؟
- ما ينبغي للشاعرة القيام به من أجل الوطن واجبنا جميعاً، شعراء وشواعر، يتمثل في محور مهم نابع من قوله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فلكي تنهض الأمة لا بد أن يغير كل فرد بما أودعه الله فيه من قدرة، ولا بد من تسخير أقلامنا لما بوسعه أن يخلد قيمة هذا الوطن. والمرأة يناط بها دور كبير في كل المجتمعات، فكيف إذا كانت شاعرة تمتلك سلاح الكلمة، الكلمة التي بوسعها أن تهز أمة وأن تكشف أكثر مما يكشف عنه الضوء وتسمع أكثر مما يعلن عنه الصوت؟! وقد نجحت المرأة العربية إلى حد ما في الوصول إلى أهدافها وتقديم رسالتها في المجتمع، وستنجح كل شاعرة طالما كانت رسالتها ذات قيمة عظمى ومبدأ سامٍ ومتفرد.

أميل إلى الفصحى
 هل تكتبين الشعر التهامي العامي؟
- الشعر التهامي له مساحة واسعة في أوساط المجتمع التهامي خصوصا واليمني عموماً. وكونه من أنواع الشعر الشعبي فإنه ذو رسالة. قد أكون قارئة ومتذوقة لمعظمه، لكن منذ بداياتي كنت أميل للكتابة بالفصحى، لأنها أوسع أفقاً. 
 ما قيمة الشعر لديك؟
- للشعر قيمة عظيمة بعظمة ما يحمله من رسالة وما يتركه من أثر وما يخلده من قيم في زمن تُجتث فيه القيم من جذورها، ذلك الشعر الذي يصدح للإنسانية بكل ما تعنيه من سمو وجمال. والشعر بالنسبة لي وطن خارج حدود الزمان والمكان، على خارطته وجدت نفسي حين غابت تلك الأوطان والأشباه.

تهامة وافرة بالشعراء المغمورين
 لمن تقرئين من شعراء تهامة؟ ومن هو قدوتك؟
- ليس هناك شاعر محدد أقرأ له. هناك الكثير من الشعراء المشهورين والمغمورين أقرأ لهم. وحقيقةً فوجئت في الفترة الأخيرة بأن تهامة وافرة بالعديد منهم، وكل يوم نلمح وجهاً جديداً مشرقا لها. وبالنسبة للجانب الآخر من السؤال، فأنا حتى الآن لا أقول إن هناك قدوة إبداعية، فالجوانب تختلف من شخص لآخر، لكن أكثر من أجد نفسي أنقاد لنصوصه دهشةً منذ فترة الشاعر المصري أحمد بخيت. وأما أكثر قامة أدبية تأثرت بها كثيراً ومازلت فهو الرافعي.
 حدثينا عن مشاركتك في الكتب العربية والمحلية!
- شاركت في ديوان "شعراء اليمن"، والذي صدر عن النخبة الثقافية في سورية، وهو عبارة عن مجموعة جزئية من موسوعة الشعراء الألف. وقد كان فكرة المؤسس براء الشامي. وشاركت أيضا في ديوان تحت الطبع بعنوان "شعراء الشباب العربي" يضم مجموعة واسعة من مختلف الشعراء والشواعر العرب.
وكذلك نُشرت لي بعض النصوص في مجلات وصحف، منها:
مجلة "أقلام عربية"، وصحيفة "26 سبتمبر"، ومجلة "أبجديات" الثقافية، وصحيفة "مصر المستقبل"، ومجلة "الجسرة" الثقافية الإلكترونية.

براق البين
 هل هناك نص كتبته وبكيت؟
- كيف لا يبكي الشاعر وحروفه هي دموع روحه؟! قصيدة "براق البين" أوقدتها وأطفأتني ألما ووجعاً، لأنها كانت لروح أمي.
 ما تقييمك للشواعر في هذه المرحلة؟
- أعتقد أن الشاعرة اليوم استطاعت أن تخرج صداها الشعري لمدى أوسع مما كانت عليه. وهناك نماذج مشرقة ومشرفة برزت على الصعيد الثقافي والأدبي. وأنا أحيي كل شاعرة يمنية تمتلك قلما وشعورا استطاعت ترجمته إلى ما ينفع، ولها رسالة شعرية برغم كل الصعوبات المحيطة بها.
 ما هو الحلم الذي تتمنين تحقيقه؟
- هناك الكثير من الأحلام، لكنني دائما أحاول أن أجمعها تحت أفق واحد، وهو ألا أمضي كما لو أنني لم آتِ، وأن أكون بخطى ثابتة، شيئاً مذكوراً يفخر به أهلي وهذا الوطن وأولو الفضل.
• كيف تستطيع الشاعرة تطوير ذاتها؟
• لا تستطيع الشاعرة تطوير ذاتها إلا إذا أرادت ذلك أولا، بأن تتخذ الرقي هدفا لها. وسبيل الرقي سهل لمن يجعل من سمو فكره مصعدا، وأن يجعل لقلمه هدفاً سامياً، ثم يسعى في سبيل الثراء المعرفي والثقافي فيوسع مداركه، وألا يكبت نفسه في إطار محدود، فالإنسان بوسعه أن يغير في نفسه لتغيير ما حوله، وبذلك يجتاز أبعاد بيئته وفق مبدأ محدد بثقة خطاه وسمو هدفه.

رسالة لأعداء الوطن
 ما هي رسالتك لأعداء الوطن؟
- رسالتي إلى كل من استساغوا لنا الذلة على العزة، والموت على الحياة، والفناء على البقاء، والهوان على الإباء، سيلقي بهم التاريخ في مزبلته، وليثق بذلك هذا الوطن، فأنى للظلم أن ينتصر؟! وأنى للطغاة أن يستمروا في طغيانهم؟!
 ما هو دور الشاعرة في الدفاع عن وطنها؟
- لطالما كانت الشاعرة تحمل على عاتقها المسؤولية الكبرى. ويكفي أن تتقد المرأة في وعيها الفكري لتبعث في الأجيال غيرة الدفاع عن الوطن، وقد تحول الطين إلى نار إن تعلق الأمر بأهلها ووطنها.

المرأة التهامية أقوى من الصعوبات
 كشاعرة تهامية، ما هي الصعوبات التي تواجهك؟
- ربما ضيق الأفق، والحدود الوهمية التي نصنعها لأنفسنا أو يصنعها لنا المحيط، وبوتقة الكبت... كل ذلك يعيق. لكن لا بد من صعوبات تقف حاجزا بيننا وبين ما نرجو، في كل درب، وإلا كيف سنكون عظيمات بحق؟! نحن لسنا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه. نحن من ينتزع الحياة انتزاعاً، ما دمنا نعيشها إرادة وسعياً على أمل توفيق الله. ولا أعتقد أن الصعوبات أقوى من المرأة التهامية طالما كانت لديها إرادة وعزيمة، خصوصاً وهي تستمد القوة إن لم يكن ممن حولها فمن آمالها وطموحاتها.
 ما هو المدى الأقصى الذي تصل إليه الشاعرة؟
- كل الأمداء الإنسانية ماتزال مفتوحة غير محدودة. قد تكون لنا جهات عديدة تفوق الأربع، وحدود نحملها مع الشعر في أعماقنا أينما سرنا، لكن لا أعتقد أن مدانا محدود، فكل الحدود وهمية، ونحن الذين نصنعها بأنفسنا.
 هل أنت راضية عن مستواك اليوم؟
- لا أعتقد أنني راضية بالقدر الذي لا يدفعني للمزيد، ولا غير راضية بالقدر الذي يجعلني أعود للوراء، وفي النهاية الرضا التام يعني الكمال، ولا كمال للإنسان.