صـــــــــــلاة ومـــــــــــآرب أخـــــــــــرى
مواطنون: نتنزه قريبا من الله ( جمعـة سيلفـي )

يسرية محمد/ لا ميديا

يعد يوم الجمعة مناسبة دينية خاصة لدى الشعوب الإسلامية، كما أن لصلاة الجمعة ميزة خاصة في قلوب المسلمين، لذا نجد المساجد تكتظ بالمصلين جماعة في صلاة الجمعة أكثـر من غيرها من الصلوات الأخرى، فما إن يصدح صوت المؤذن منادياً لصلاة الجمعة حتى تجد الناس يسارعون بالتوجه نحو المساجد لأداء صلاة الجمعة، وإن كان الكثير منهم يقصدون المساجد قبل موعد الأذان بوقت طويل، كي يتسنى لهم الاستماع لخطبتي الجمعة، لما يفترض أن يكون فيهما من وعظ وإرشاد من شأنه أن ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، ثم أداء الصلاة، وبعد انتهاء الصلاة يتبادل المصلون السلام بينهم والدعوات بالخير والمحبة لبعضهم وللوطن.. ولكن كيف من الممكن أن تتحول صلاة الجمعة إلى (جمعة سلفي)؟! الحكاية بسيطة وتفاصيلها أكثـر بساطة، سنحاول عرضها في سياق التقرير التالي:

جمعة جامعة
اعتاد اليمنيون أن يصفوا الجمعة بأنها (جمعة جامعة)، باعتبارها أكثر الصلوات التي تشهد حضوراً جماعياً في أدائها، إضافة إلى كونها مناسبة دينية واجتماعية يجتمع فيها أفراد الأهل في بيت كبير العائلة، في جلسة عائلية أسبوعية يتبادلون فيها أطراف الحديث عن كل ما يهمهم، ولذا أطلق عليها هذا الاسم، فلماذا أطلقت عليها اسم (جمعة سيلفي)؟ هل سميتها هكذا عبثاً أم أن هنالك سبباً منطقياً لهذه التسمية؟!
ما ألهمني لإطلاق هذا الاسم على الجمعة هو ما لاحظته من زيارتي في أحد أيام الجمعة لجامع الشعب (الصالح سابقاً) الذي ينتصب على مساحة شاسعة في مديرية السبعين بأمانة العاصمة. الجامع الذي اكتمل بناؤه في العام 2008 يتميز من الخارج بطابعه المعماري اليمني الخالص، خاصة أنه تم تشييده بالأحجار التي اشتهر اليمنيون عبر التاريخ باستعمالها كمادة للبناء، أما من الداخل فيتميز بطابع جمالي فريد بما يتضمنه من قباب ومنارات ونقوش فنية تكسو جدرانه الداخلية، الأمر الذي جعل منه بمثابة تحفة فنية معمارية، فضلاً عن الباحات الجانبية، ومواقف السيارات، والمساحات الخضراء المحيطة به التي تجعل منه بمثابة مجسم طبيعي جمالي.
ولذا اتخذ العديد من الناس الجامع مزاراً سياحياً ومتنفساً طبيعياً، حيث يقبلون عليه بشكل ملفت وبأعداد متزايدة حتى في أحلك الظروف، فالكثير من سكان أمانة العاصمة وما جاورها يأتون إلى الجامع إما لأداء صلاة الجمعة فيه، وإما للتنزه في مساحاته الخضراء، أو الاثنين معاً طوال أيام الأسبوع.

نزهة بالقرب من الله
الجمعة الماضية كنت في زيارة إلى جامع الشعب، فلفت انتباهي أن عديد المصلين (فرادى وعائلات) وعقب خروجهم من صلاة الجمعة يقومون بافتراش المساحات الخضراء المحيطة بالجامع ويبدؤون بالتقاط الصور السيلفي، ليس هكذا فحسب، بل إن (بعضهم يحضرون إلى الجامع فقط من أجل الجلوس في المساحات الخضراء دون أداء الصلاة) كما حدثتنا الحاجة (تقوى)، التي أبدت استياءها من الأمر، وقالت إن (المساجد وجدت للوقوف بين يدي الله وعبادته وأداء الصلوات وليس للتنزه والتقاط الصور)، حد تعبيرها، وتمنت الحاجة (تقوى) أن لا يأتي الشباب هكذا إلى الجامع فقط من أجل الاستمتاع بالمكان ويتركون أداء الصلاة.
أما الشباب فقد علل بعضهم تواجده في ساحة الجامع باعتباره المتنفس الوحيد في هذه الأيام ويقضون فيه أوقاتاً ممتعة، مؤكدين أنهم لا يرون مانعاً من أن تصبح أماكن أداء الشعائر الدينية متنفسات للتنزه والترويح عن النفس أيضاً، فهم كما يقولون (بالقرب من الله ويستمتعون بجمال المكان)، وهذا ما يشجعهم على القدوم إلى المسجد والتقاط الصور مع الأهل والأصدقاء.

للاستراحة وتبادل الأحاديث
في المصلى الخاص بالنساء، والذي يتسع لعدد 4000 امرأة، لاحظت أن عدداً منهن حضرن من أماكن بعيدة من أجل أداء الصلاة في الجامع. وفي الساحة الخارجية للجامع وبعد أدائنا للصلاة لمحت مجموعة من الفتيات يجلسن على المساحات الخضراء، فاقتربت منهن وبدأت أتجاذب معهن أطراف الحديث. سألتهن عن سبب قدومهن إلى هذا المكان، فبدت الإجابة غريبة إلى حد ما، حيث أنهن لم يأتين لأداء الصلاة، بل أتين فقط (للاستراحة وتبادل الأحاديث في مكان آمن وجميل)، حد قول إحداهن.

أحب المكان وجمالياته
غير بعيد عن الفتيات كانت هناك امرأة تجلس مع زوجها، فاتجهت نحوهما، وبعد أن سلمت سألتها عن المكان الذي قدمت منه، فأجابت بأنها جاءت مع زوجها من ضواحي العاصمة.
أما عن سبب قدومهما إلى هذا الجامع دون غيره على الرغم من بعد المسافة، فقد قالت: (أتينا لأداء صلاة الجمعة هنا، وفي الحقيقة أحب المكان، لأنه يتميز بجماليات لا نجدها في العديد من المساجد الخاصة بالنساء، كما أنه يتمتع بمستوى عالٍ من النظافة والاهتمام).
وأردفت: (إضافة إلى ذلك فإنه يمكنني بعد أداء الفريضة أن أجلس مع زوجي للاستمتاع بجمال الطابع المعماري للجامع والمساحات الخضراء الممتدة على طول الجامع، والأهم من ذلك التقاط الصور التذكارية).

رغبة الوالدين
بعض الشباب أتوا إلى الجامع مصطحبين معهم والديهم أو أحدهما، مثل الشاب (صالح) الذي قدم مع والدته للصلاة في الجامع، حيث قال: (أتيت مع والدتي الكبيرة في السن لأفرح قلبها، لأنها تحب هذا المكان كثيراً، وهي فرصة جيدة أيضاً لكي أتعرف على جمال العمارة اليمنية، وأتمتع بروعة المكان وجماله الطبيعي).
ما يسترعي الانتباه أن هناك العديد من العائلات القادمة من خارج أمانة العاصمة، لتتخذ من ساحة الجامع مكاناً للجلوس والاسترخاء وتبادل الأحاديث، وأيضاً تناول الأكل على بساط المساحات الخضراء المحيطة بالجامع.
ومع اقتراب النهار من نهايته، وحين لحظة غروب الشمس راسمة مشهداً جمالياً لا يفوته مرتادو المكان دون أخذ صورة (سيلفي)، وأخيراً نقول لكم: (جمعتكم سيلفي)، وتقبل الله منا ومنكم...