حلمي الكمالي/ لا ميديا

فجرت اتهامات وكيل محافظة تعز، عبدالله علاو، للهيئة الوطنية للإغاثة في تعز بالتلاعب والإهمال في توزيع المساعدات الإنسانية قنبلة كبيرة لدى الرأي العام، وأثارت جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدين لهذه الاتهامات وبين مناهضين لها، فيما فتحت ملفات ساخنة حول الإغاثة الإنسانية. وكان رئيس الهيئة الوطنية للإغاثة في تعز نفى في تصريح سابق لصحيفة (لا) ما نسب للهيئة من اتهامات.
وفي هذا الصدد أعدت «لا» تحقيقاً شاملاً عما يجري بشأن الإغاثة في تعز ومدى صحة هذه الاتهامات، بالإضافة إلى توضيح أبعادها، خصوصاً وأن الكثير من المراقبين يؤكدون أن فتح قضية الإغاثة في المحافظة بهذا التوقيت بالذات يثير الريبة ويفتح مسارات عديدة أكثر من كونه عملا تصحيحيا لسير عمل المنظمات الإغاثية والجهات المسؤولة عنها.

الاتهامات الموجهة
في الأسبوع قبل الماضي تناولت عدة وسائل إعلامية محلية فساد المنظمات الإغاثية في تعز، مؤكدة في تقارير لها أن الكثير من النازحين في عدة مديريات في تعز لم يتسلموا أية مواد إغاثية، مرجعة سبب ذلك إلى تقصير وإهمال الهيئة الوطنية للإغاثة المسؤولة عن المساعدات الإنسانية في المحافظة.
واتكأت بعض التقارير الصحفية على تصريحات وكيل محافظة تعز عبدالله علاو الذي وجه الاتهام بشكل مباشر للهيئة الوطنية للإغاثة بتعز ورئيسها أحمد المساوى، الأمر الذي خلق نقطة خلاف أدخلت الطرفين في سجالات واتهامات متبادلة. 

مهام هيئة الإغاثة
بما أن قضية الإغاثة أصبحت شائكة لدى الكثير فإنه يجب أولا معرفة عمل الهيئة الوطنية للإغاثة بتعز، فبحسب مصدر مسؤول فإن إدارة وأعمال الإغاثة في المحافظة كانت منذ 2016  مسؤولية الوحدة التنفيذية في محافظتي تعز وإب والتي كان يرأسها أحمد المساوى قبل أن توكل هذه المهام إلى الهيئة الوطنية للإغاثة التي تأسست في أكتوبر 2018م بقرار المجلس السياسي الأعلى وذلك ضمن رؤية التعاطي مع المنظمات عبر النافذة الواحدة للجهات الرسمية وربط المنظمات بالجهات المعنية لتسهيل ومتابعة تنفيذ أنشطتها وفقا للاتفاقيات المقررة بين المنظمات ورئاسة الهيئة بصنعاء.
ويؤكد أحمد المساوى رئيس الهيئة الوطنية للإغاثة بتعز أن الهيئة ليست جهة معنية بتوزيع المساعدات ولا جهة مانحة، وإنما هي هيئة فنية تعمل على تحديد الاحتياجات ورفعها كما تعمل على التنسيق بين تدخلات المنظمات في الميدان.

جوانب التقصير والإهمال
إذا أمعنا جيداً في طبيعة عمل الهيئة الوطنية للإغاثة فإن الكثير يتساءلون: هل مارست الهيئة عملها على أكمل وجه في حدود صلاحياتها المقتصرة على تحديد الاحتياجات والحالات المستحقة بحسب تصريحات المساوى أم لا؟!
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها (لا) من مصادر خاصة فإن هناك الكثير من جوانب التقصير والإهمال لدى بعض العاملين في الهيئة الوطنية للإغاثة بتعز. وتشير المعلومات إلى أن عشرات الحالات المستحقة لم ترفع من قبل الهيئة للحصول على المساعدات في بعض المديريات بالمحافظة، منها مديريتا خدير والتعزية.

لا يمكن إعفاء العدوان
هناك من يرى بعض الصحة في الاتهامات المنسوبة للهيئة الوطنية للإغاثة بشأن تقصيرها في أداء عملها، حيث يؤكد عبدالرحمن سلطان، محلل سياسي، أنه لا يمكن إعفاء الهيئة الوطنية للإغاثة في تعز من المسؤولية، بسبب تقصير بعض المنتسبين إليها في أداء واجبهم تجاه الحالات الإنسانية، إلا أنه في المقابل لا يمكن إعفاء العدوان من ذلك، حيث يشير سلطان إلى أن العدوان يمارس ضغطاً كبيراً على المنظمات الدولية المانحة وتحويل الكثير من المساعدات إلى أيادي المرتزقة.
وكانت وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية قد أكدت في تقرير لها مطلع الشهر الجاري أن آلاف الأسر في تعز لا تحصل على المعونة بسبب سرقتها من قبل مرتزقة العدوان في المدينة.

الخطأ وارد
ويشير خبراء في عمل المنظمات إلى أن وجود أية جوانب تقصير في أداء أي هيئة إغاثية في هذا الظرف وارد حتى وإن بذلت قصارى جهدها. ويوضح الخبراء أن السبب في ذلك يعود إلى اعتماد المنظمات في بعض المديريات على تسجيل الموجودين في كشوفات الضمان الاجتماعي فقط وبالتالي يتم تجاهل حالات كثيرة غير مسجلة في الضمان الاجتماعي، كبعض النازحين وغيرهم، وهذه الإشكالية تتحملها المنظمات الدولية المانحة التي تقر اعتماد هذا النهج.

تقصير منظمات الأمم المتحدة
بالعودة إلى الاتهامات الموجهة للهيئة الوطنية للإغاثة فقد نفى رئيس الهيئة أحمد المساوى في تصريح خاص لـ(لا) الاتهامات، إلا أنه أقر بوجود تقصير قائلاً: (لقد بذلنا جهدنا وفق ما هو متاح وممكن، وحتما سيكون هناك تقصير فالكمال لله ويعود هذا التقصير إن وجد إلى المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي لم تقدر الاحتياجات الإنسانية للمدنيين في هذا الظرف).

إثارة المجتمع وتحريضه
ويضيف أحمد المساوى أن أصحاب هذه الاتهامات هم أشخاص معروفون باستغلالهم للمنظمات ولديهم أطماع انتهازية. ويضيف أنهم "يحاولون إثارة المجتمع وتحريضه ضد الجانب الرسمي للفت نظر القيادة إليهم وكذا سعيهم لخلق جمهور خاص بهم". ويشير المساوى إلى أن "هؤلاء كانوا في السنوات الماضية وسطاء لمنظمات أدخلوها مديريتهم مستغلين نفوذهم ولم تقدم للمجتمع شيئاً فضلاً عن أن ماضيهم وحاضرهم معروف لدى الجميع".

تسلق وظهور
حديث المساوى الذي يوحي بأن هناك أبعاداً وغايات أخرى لتلك الاتهامات، يتطابق مع آراء بعض المراقبين الذين يؤكدون أن الاتهامات الموجهة للهيئة الوطنية للإغاثة ورئيسها أحمد المساوى تبدو جزافية فأصحابها لم يقدموا أدلة واضحة لهذه الاتهامات، وهذا ما يوحي بأن لها أبعاداً سياسية. ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن هذه الاتهامات تعود لأسباب كثيرة أبرزها التسابق والمقايضة باسم تعز، حيث إن هناك من يحاول التسلق على ظهر بعض القضايا الشائكة في المحافظة للظهور فقط وجلب الانتباه.
كما يؤكد مراقبون آخرون أن هذه الاتهامات لها علاقة بقرب تناول ملف تعز في جولة المشاورات القادمة، حيث يشيرون إلى أن بعض الشخصيات المحلية في المحافظة تسعى إلى حجز مكان على رأس قائمة المفاوضين حول تعز إذا ما تم فتح ملف المحافظة في المشاورات القادمة، وبحسب المراقبين فإن هذه الاتهامات تأتي لهذا الغرض.

فرضيات وتساؤلات
ومع افتراض أن هناك تقصيراً حقيقياً من قبل الهيئة الوطنية للإغاثة في تعز فلماذا لم يتم معالجة جوانب التقصير من خلال عرض المشكلة على الجهات المختصة بدلاً من التشهير بالهيئة في وسائل الإعلام دون عرض حتى دلالات هذا التقصير والإهمال.

من يحاصر من؟!
وكان عبدالله علاو اتهم الهيئة الوطنية للإغاثة في تعز بأنها خائفة من أن تفقد مصالحها في تعز إذا ما تم الاتفاق على تعز وإنهاء الحصار حد تعبيره، بعض الأمر الذي جعل المحللين السياسيين يؤكدون أن تصريحاته غير منطقية وتثير الاستغراب، فمن يحاصر من في تعز؟!

لماذا هذا التوقيت بالذات؟!
هناك الكثير من التساؤلات التي تطرح نفسها بشأن الاتهامات الموجهة للهيئة الوطنية للإغاثة، ومن أبرزها أن الحديث عن فساد في إدارة الإغاثة في هذا التوقيت بالذات يثير الريبة فإذا كان الفساد قائما فيها منذ بداية انطلاقها فلماذا لم يتم توجيه هذه الاتهامات منذ البداية؟!
هذه التساؤلات طرحتها (لا) على وكيل محافظة تعز عبدالله علاو، لكنه لم يرد عليها رغم أننا حاولنا مراراً التواصل معه. 
يذكر أن وزارة الإدارة المحلية أصدرت بتاريخ 5 يناير 2019 مذكرة بمنع تدخل السلطة المحلية في أعمال المنظمات، ما يعني أن تدخل السلطة المحلية في سير عمل الهيئة الوطنية غير قانوني بموجب المذكرة (انظر للصورة).

ذريعة الهجمة الشرسة
صحيح أن هناك خللاً في أداء منظمات العمل الإغاثي في محافظة تعز، وذلك لعدة أسباب أوضحناها أعلاه؛ غير أن الأمر بحسب محللين ومراقبين لم يكن يستوجب هذه الهجمة الشرسة على الهيئة الوطنية للإغاثة دون تقديم أدلة واضحة على الاتهامات الموجهة لها، في وقت يمكن تفسير هذا الهجوم بأنه ذريعة يتذرع بها البعض لتحقيق مآرب شخصية وهو ما بينته جملة الحقائق والتناقضات السابقة.