حلمي الكمالي/ لا ميديا

في مختلف بلدان العالم التي تعيش وضعاً مستقراً يتم السماح بإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة لمساعدة الحكومات في تقديم خدمات طبية بمستوى عالٍ للمرضى من مواطنيها، ولو بجزء بسيط، من خلال توفير الكادر والرعاية الصحية اللازمة وبتكاليف مناسبة تحددها الجهات المختصة، وكذا استيعابها أيادي عاملة كثيرة للتخفيف من الأعباء عن الحكومات.. ولأن بلادنا تعيش وضعاً اقتصادياً وصحياً غير تقليدي في ظل حصار خانق يفرضه تحالف العدوان، يتساءل كثيرون حول دور المستشفيات الخاصة في خدمة البلد والمجتمع في هذه اللحظة الراهنة. فهل تساهم المستشفيات الخاصة في معالجة الجرحى، من المدنيين أو العسكريين؟! وما هي آلية الاستثمار في القطاع الصحي الخاص؟!

الوضع الصحي الصعب
يعيش البلد وضعاً صحياً صعباً في ظل تصاعد كبير في أعداد الجرحى الذين وصل عددهم خلال 1300 يوم من العدوان -بحسب إحصائيات المركز القانوني للحقوق والتنمية- إلى (23,822) جريحاً، بينهم (3526) طفلاً و(2587) امرأة، ويعانون من قلة الأدوية والمستلزمات الطبية والعلاج النوعي، وهذا عدد كبير لا يمكن للمستشفيات الحكومية استيعابه، وهو ما يتطلب مساهمة كبيرة من المستشفيات الخاصة بما تقتضيه المصلحة الوطنية العامة للبلد.

رسوم خيالية
تزدحم صنعاء والمدن اليمنية الأخرى بالمستشفيات الخاصة المتوفرة بمختلف التخصصات، إلا أن هذا الانتشار الواسع لا يبدو أنه ساعد في التخفيف من أعباء المستشفيات الحكومية أو معاناة المرضى، خصوصاً في هذا الظرف الصعب، فالجميع يشتكي من ذلك.
ويؤكد محمد عبداللطيف (موظف إداري سابق في مستشفى آزال) أن إدارة المستشفى لم تكن تستقبل جرحى سواء من المدنيين أم من العسكريين إلا بعد أن تحصل على ضمانات مالية أو تجارية. ويشير عبداللطيف إلى أن إدارة المستشفى كانت تفرض رسوماً خيالية على الجرحى.

تخفيضات ومعالجة غير شاملة
وتختلف الإجراءات من مشفى إلى آخر، إلا أنها لا تقدم خدمات مجانية شاملة للجرحى. ويؤكد الدكتور وهيب نصر، مدير قسم التمريض في المستشفى اليمني الألماني، أن المستشفى يستقبل بعض الجرحى من الجيش واللجان الشعبية ويتم معالجتهم بتخفيض يصل أحياناً إلى 30%، وهناك حالات أخرى يتم إعفاؤها من كافة رسوم المعاينة والعمليات والفحوصات والرقود، عدا الأدوية فإنها لا تصرف مجاناً.
ويشير نصر إلى أن وزارة الصحة تفرض على المستشفى معالجة بعض الجرحى مجاناً، غالبيتهم من العسكريين. ويضيف أن الوزارة مدينة للمستشفى بأكثر من 5 ملايين ريال، وهي تكاليف معالجة بعض الحالات.

إسهام وتعاون
من جانبه أكد الناطق الرسمي لوزارة الصحة، يوسف الحاضري، في حديث إلى (لا)، أن المستشفيات الخاصة تسهم في تقديم الخدمات الصحية للجرحى، مدنيين وعسكريين، حسب آلية متفق عليها مع وزارة الصحة ومؤسسة الجرحى، حيث تم وضع آلية معينة تقتضي من كل مستشفى خاص استقبال عدد معين من الجرحى شهرياً.
وأشار الحاضري إلى أن هناك تفاهماً وتعاوناً وتواصلاً مع المستشفيات الخاصة عندما يكون هناك حالات مرضية حرجة وصعبة، من خلال تخفيض الأسعار، أو إعفاءات من بعض التكاليف في المستشفيات الخاصة التي عادة ما تكون أسعار خدماتها مرتفعة.

مناشدة الأمم المتحدة
خلافاً لتصريحات الناطق الرسمي لوزارة الصحة فإن كثيرين يؤكدون أن مساهمة المستشفيات الخاصة لم تحد من الأزمة الصحية في الواقع، وهو ما يؤكده الكثير من الشواهد.
ففي الوقت الذي تناشد فيه الجهات الرسمية الأمم المتحدة معالجة الحالات الحرجة من الجرحى في الخارج، نجد أن هذه المستشفيات لا تسهم بشيء في معالجة ولو بعض هذه الحالات، رغم أن بعضها يمتلك الأجهزة الطبية المتطورة.
ويرجع ذلك، بحسب مراقبين، إلى عدة أسباب أهمها الاستهتار بمعاناة اليمنيين من قبل المنظمة الدولية التي من المفترض أن تدعم هذه المستشفيات الخاصة من خلال معالجة هذه الحالات الطارئة. كما أن ذلك يعد دليلاً واضحاً على تقصير القطاع الصحي الخاص في أداء الدور المفترض من إنشائه.

إشراك القطاع الخاص
يفترض أن تكون آلية الحكومة في إشراك القطاع الخاص في الجانب الصحي قائمة على إشراكه في نواحٍ جديدة أو متطورة لملء جوانب القصور فيه. وفي هذا الصدد يؤكد المحلل السياسي عبدالرحمن سلطان أن على وزارة الصحة أن تفرض على المستثمرين في القطاع الصحي توفير كادر طبي ذي مستوى رفيع، وأحدث الأجهزة الطبية، حتى يستفيد المواطن، وهنا سيتم حل مشاكل كبيرة، فمثلا لا يحتاج مريض زراعة كلى أن يسافر إلى الخارج طالما هذه المستشفيات الخاصة لديها كادر طبي مختص في هذا الجانب وأجهزة متطورة.

مستشفيات بديلة لا تقدم شيئاً
تشير دراسات وإحصائيات غير رسمية إلى أن نحو 90% من الكوادر الطبية التي تعمل في المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة في اليمن هي مجموعة طواقم طبية تعمل في المستشفيات الحكومية، وهذا بحسب مراقبين دليل واضح على أن المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة أصبحت بديلة للمستشفيات الحكومية رغم أنها لا تقدم أي خدمة طبية متميزة، بل على العكس تسببت في شلل شبه كلي في أداء المستشفيات الحكومية، بسحب الطواقم الطبية.
ووفقاً لما سبق فإن منح الحكومة تصاريح لإنشاء مستشفيات خاصة على هذا النحو دون أن تقدم خدمة طبية نوعية للمريض أمر عبثي، ناهيك عن كونها تتسبب في كوارث وأخطاء طبية عديدة.

آلية متشعبة ومتداخلة
أكد الناطق الرسمي لوزارة الصحة، يوسف الحاضري، في حديثه إلى (لا)، أن الآلية القانونية التي تضعها وزارة الصحة للاستثمار الخاص في المجال الصحي متشعبة ومتداخلة، حتى أصبح من الصعوبة متابعتها والرقابة عليها، فمثلا عند فتح مستشفى خاص فإن عملية منحه الترخيص تتوزع على جهات متعددة، ما بين المجلس المحلي في المنطقة، ومكتب الصحة في المحافظة الذي يتبع إداريا المحافظة وليس وزارة الصحة، ثم المجلس الأعلى للتخصصات الطبية (والذي في الأساس لا يتبع وزارة الصحة بل يتبع مجلس الوزراء) وهذا يختص بتراخيص الأطباء والعاملين الصحيين، ثم أخيرا يأتي دور وزارة الصحة كجهة رقابية ولكن ليس لديها إمكانية إصدار القرارات.

عدم الالتزام بالقوانين
تنص المادة (10) من قانون المنشآت الطبية مثلاً على أن على كل منشأة طبية أن تحدد أجور الإقامة والخدمات الطبية التي تقدمها، وأن يتم الإعلان عن هذه الأجور بقوائم معتمدة من اللجنة في أماكن بارزة يسهل على العاملين والمرضى الاطلاع عليها، وعلى المنشأة الالتزام بهذه الأجور وعدم إدخال أي تعديلات عليها إلا بموافقة اللجنة التي تشكلها وزارة الصحة.
رغم ذلك فإن المعلومات التي حصلنا عليها من خلال إحصاءات سابقة تؤكد أن 99% من المستشفيات الخاصة لا تعمل بهذه المادة، وتتلاعب بالأجور كيفما تشاء، وهذا مجرد مثال فقط.

معالجات الوزارة ضد المخالفات
إن غياب دور الأجهزة الرقابية والمحاسبية يعد أهم الأسباب التي أدت إلى غياب دور المنشآت الصحية الخاصة في تقديم الخدمات الصحية المجانية، وهو ما تتحمله السلطتان التشريعية والتنفيذية، وليس وزارة الصحة فقط.
ويشير يوسف الحاضري إلى أنه عندما تحصل مشاكل في هذه المستشفيات فإن اللائمة تلقى مباشرة على وزارة الصحة من قبل المجتمع وحتى الحكومة ومجلس النواب، رغم أن الأخيرين هما من أقرا هذه التشريعات التي جعلت الوضع عشوائياً وبدون مردود إيجابي للمجتمع.
ولفت الحاضري إلى أن الوزارة قامت مؤخراً بمعالجات عدة، حيث ألزمت عدداً من المستشفيات الخاصة بتحسين خدماتها وتوفير أساسيات إجراء عمليات كبرى ومتوسطة، كما أغلقت بعضها لارتكابها مخالفات، واتخذت الوزارة قرارات عدة لم نكن نسمع عنها من قبل.