(  1  )
في العام 2011م انقسمت المنظومة الحاكمة في البلد بين قسم في الساحات وآخر بالضد لها. انخرط الأنصار في الحراك الثوري -كمكون صاعد تمكن من كسر إرادات التطويع القسرية ضده- لكنه ظل مغضوباً عليه من الطرفين.
جاءت المبادرة الخليجية كاشفةً هيمنة أمرائها على الساحة السياسية، فزحزحت صالح عن موقعه لجهة نائبه (هادي)، والتسليم بالانخراط مع (الخصوم) في (حكومة الوفاق) بحصة 50% من مقاعدها. بينما بقي أنصار الله مكوناً ثورياً ناهضاً من خارج الترتيبات السياسية القديمة والمُستحدثة، رافضاً تسوياتها، ومستمراً بالفعل الثوري المصطفة له قوى عدة غُبنت جراء تهميشها من المشهد.

(  2  )

دخل أنصار الله (الحوار الوطني الشامل)، وتعرض ممثلوه للتصفيات على خلفية مناهضة المؤامرات المحبوكة في كواليس (موفنبيك). وفيما كان صالح مطوقاً بـ(الفصل السابع) وعصا (العقوبات)؛ كانت رؤى ممثلي (المؤتمر) في الحوار تأتي متطابقة مع رؤى الإصلاح حول مسائل عدة أبرزها (الأقاليم الستة).

(  3  )
وقف صالح أمام ثورة 21 أيلول مراقباً إزاحة خصومه الذين أطاحوا به بعد 2011م. وكغيره شارك في (اتفاق السلم والشراكة). ومع إذاعة (الإعلان الدستوري) الذي جاء إثر استقالة هادي وحكومته في يناير 2015م، وقف مؤتمر صالح معارضاً للبيان.


(  4  )

استقالت حكومة بحاح في يناير 2015م ولحقها الفار هادي بأيام بغرض تأزيم المشهد، حينها رفض صالح المشاركة مع الأنصار لشغل الفراغ المفتعل، لتنهض اللجنة الثورية بالمسؤولية وحدها، لكن إعلام صالح ظل يهاجمها ويدعي فشلها.



(  5  )
في مارس 2015م شن العدوان على اليمن دون سابق إنذار، إلا أن مؤتمر صالح في بيانه حينها اعتبر كأنه سوء تفاهم مصدره (أطراف محلية تتنازع على السلطة) لا علاقة للحزب بهم، كما وصف المعتدين بـ(الأشقاء)، وبأنه لا يفرق بين أمن اليمن وأمنهم، ليكتفي إعلامه لاحقاً بتوصيف العدوان بـ(العدوان السعودي)، وحسب.


(  6  )
دون مناسبة تذكر خطب صالح مطمئناً الرياض بالتزامه بما أبرم من اتفاقات مع الملك عبد الله، في إشارة إلى اتفاقيات الحدود الجائرة، ومنها معاهدة (جدة). في أكثر من محطة خلال العدوان كان يظهر مغازلاً دولة الإمارات بمخاطبتها بأن لا (مصالح لديها في العدوان على اليمن) الذي اعتبره طيشاً سعودياً لا أكثر. 


(  7  )
فشلت مفاوضات الكويت العام الماضي في الخروج بصيغة وطنية مشتركة تستعيد السيادة والاستقلال وتوقف العدوان على اليمن، فجاء قرار قوى الثورة والقوى السياسية التقليدية المصطفة معها بوضع معادلة سياسية وطنية مستقلة بتشكيل المجلس السياسي الأعلى سلطة عليا لإدارة البلاد، في يوليو 2016م.


(  8  )
اقترح مؤتمر صالح على أنصار الله أن هناك أملاً بوقف العدوان في حال التحدث المباشر مع الجانب السعودي، فشكل الشريكان اللجان بالمناصفة للذهاب إلى ظهران الجنوب، لكن إعلام الشريك قلب الحقيقة، ولأشهر روج أن الأنصار يساومون سراً مع السعودي.


(  9 )

تشكل المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ لأجل:
- تعزيز الجبهة الداخلية ووحدة الصف الوطني.
- رفد الجبهات وتمتين الصمود.
- مكافحة الفساد وتفعيل دور مؤسسات الدولة الرقابية والقضائية.
- معالجة الوضع المالي المتأزم والرفع من المستوى المعيشي للمواطنين.


(  10  )
دعا قائد الثورة والشارع اليمني لـ12 نقطة، منها إعلان الطوارئ وإصلاح القضاء، إلا أنها قوبلت بالعرقلة والرفض، وتحجج صالح بأن إصلاح وضع القضاء -مثلاً- سيؤدي بالبلاد إلى الانفصال.


(  11  )
جاء لقاء الـ10 من رمضان لعقلاء وحكماء اليمن، من أجل تعزيز الصف الوطني وتقييم المرحلة، فشاركت جميع القوى الوطنية وسارعت بالاحتشاد للعاصمة، فيما لم يبدِ المؤتمر تعليقاً إزاء الحدث حتى ليلة الـ10 من رمضان، حين أبلغ عن مشاركته.


(  12  )

أواخر يوليو الفائت تقدم مجلس النواب بمبادرة للأمم المتحدة مفادها تسليم الموانئ والمنافذ البرية للأمم المتحدة، والقبول بمبادرة ولد الشيخ لـ(السلام) التي رفضتها صنعاء. وبعد أيام أعلنت الخارجية الأمريكية أنها وصلت إلى تفاهمات مع مؤتمر صالح، وبعد تصاعد الاحتجاج الشعبي جاء النفي على استحياء على لسان (مصدر مسؤول) وحسب.


(  13  )

جاءت أحداث أغسطس لتكشف ما كان مستتراً في الكواليس بين الشريكين، وعن تحركات للمؤتمر وصفت بـ(الغادرة)، غطاؤها التحضير للاحتفاء بذكرى تأسيس الحزب، وتلى ذلك استفزازات مسلحة متكررة لتفجير الوضع، وأسفرت إحداها عن استشهاد وجرح عدد من أفراد اللجان الشعبية وضابط عسكري. عوضاً عن استخدام إعلام الشريك ذات التوصيفات التي يستخدمها إعلام العدوان كـ(المليشيات) و(العدوان الداخلي).




رفض العدوان وحّدهما.. فهل تفرقهما التسوية؟
الشراكة على طاولة التشريح

راهن اليمنيون على أن تنجز (الشراكة) -والمؤسسات المنبثقة عنها- بين المكونات الوطنية اليمنية؛ الخروج من دائرة التأزيم الاقتصادي والمعيشي بفعل العدوان، والانتقال إلى مشهد مغاير يعزز الصمود الوطني في العدوان الكوني المتكالب على الوطن.. بيد أن واقع الحال يفصح عن نقيض ذلك، وسط خيبة أمل شعبية، لاسيما من أداء الحكومة الكارثي، متزامنة مع تساؤلات متعاظمة حول مآلات (الشراكة) وأين ستنتهي؟.. صحيفة (لا) ألقت الضوء على المشهد الراهن في جولة نقاشات واستطلاعات مع طيف متنوع من المعنيين، وخرجت بنتيجة مفادها إجماع الآراء بأن (الشراكة) تعيش مأزقاً حرجاً يهدد بتفجيرها. فأين مكمن المشكلة وإلى أين؟!
ليست في أحسن أحوالها
الخبير الاقتصادي عبد السلام المحطوري في حديثه لـ(لا) يصف حال (الشراكة) بأنها (ليست في أحسن أحوالها)، وأن (تباينات في الرؤى) بين طرفيها أجلت الحسم في قضايا عديدة، وتسببت بعرقلة عمل المجلس السياسي الأعلى وانقطاعات في جلساته.
جاء تشكيل المجلس السياسي الأعلى لعدة أهداف ملحة لم تجد حيزها من التنفيذ، وهو ما يحيل المحطوري أسبابه إلى (عدم وضوح الاتفاق السياسي بين الشركاء)، وإلى دور (الاستقطاب الخارجي) الذي تعرض له الكثير من أعضاء مجلس النواب والمؤتمر الشعبي العام.
ليس ذلك وحسب، إذ إن اتفاق الشراكة السياسي لم يكن متخلصاً من محمولات المرحلة السابقة، لاسيما في مسألة (المحاصصة) السياسية للوظيفة العامة، وهو ما أكده لـ(لا) الصحفي والمحلل السياسي علي جاحز، الذي رأى أن (الاتفاق السياسي) لم يختلف عن التجارب المتوالية منذ 2011م، وتعامل معه الشريك (مؤتمر صالح) كفرصة تمكنه من (استعادة حضوره في المشهد كطرف وازن أمام (الشريك) من جهة، وأمام القوى المؤيدة للعدوان من جهة أخرى).

الشراكة لم تنجز شيئاً
بعد شن العدوان السعودي الأمريكي على البلد، عاودت القيادة الثورية الدعوة للقوى الوطنية المناهضة للعدوان المشاركة في تحمل مسؤوليات المواجهة.
يعلق رئيس الجالية السورية في اليمن المهندس علي ناصيف، بأن الشراكة قامت على رغبة أنصار الله بتخفيف الحمل عنهم، وإيقاف المزايدات الإعلامية ضدهم، فيما كان هم (مؤتمريي الحكومة) المال، بينما يمارسون دور المعارضة في الوقت الذي يمسكون فيه بحصة الأسد من الحكومة.
وقال ناصيف إن أنصار الله تناسوا ما وقع من حروب ست مع سلطة صالح في الماضي، و(بأنه الشر الذي لا بد منه)، من أجل تقوية الجبهة الداخلية، وبأن صالح اتجه للعكس من ذلك.
وبحسب ناصيف، فإنه يتوقع أن كلاً من أنصار الله ومؤتمر صالح غير قادر على الانسحاب حالياً من الشراكة، خاصة الأخير الذي كسب بفعل الشراكة أوراقاً قوية.
ويتفق جاحز مع ناصيف بالقول إن القوى الثورية، بمقدمتها أنصار الله، اعتقدت أن اتفاق الشراكة السياسي (سيكون بمثابة توزيع للمسؤوليات بين الأطراف، بما فيها المؤتمر)، وتيسير تجاوز إشكاليات اقتصادية واجتماعية معقدة، إلا أن الاتفاق كان (بمثابة لعنة أصابت المرحلة)، حد وصفه.
لم تنجز الشراكة شيئاً، بل تراكمت الأعباء، وأضيفت مخاطرة جديدة متمثلة بما قد يحدث بين الشريكين، الأمر الذي جعل من (الشراكة) معطلة لإدارة شؤون البلاد. جاء ذلك في حديث عبد الوهاب الشرفي، رئيس مركز الرصد الديمقراطي، الذي اعتبر أنه كان من الأفضل لو بقي القرار بيد طرف واحد.
ويضيف الشرفي أن فشل الحكومة في النهوض بمهامها راكم من التأزم الداخلي، لاسيما وأنها لم تصلح من شأن إداراتها التي تقع الكثير منها تحت تأثير وتحكم من قوى الخارج ومن مراكز نفوذ داخلية، وخلقت إشكاليات سهلت كثيراً من مهام العدوان في استهداف الجبهة الداخلية. 

الماضي صورة الحاضر
يصف علم الاجتماع، الحاضر بأنه صورة الماضي، فأين هي يد الماضي في واقع اليوم؟!
يجيب أستاذ فلسفة العلوم في جامعة عدن الدكتور سامي عطا، بأن أزمة الشراكة الراهنة نتيجة طبيعية لكونها قامت بين قوى ثورية جاءت من خارج منظومة الحكم السابقة وثائرةً عليه، وبين قوى هي جزء من النظام القديم الذي انقسم بين شقين؛ أحدهما ذهب للرياض، وآخر بقي متستراً بالداخل.
ويتابع عطا أن الثورة، وبينما هي حريصة على توحيد الصف الوطني لمواجهة العدوان، وقعت في خناق شراكة يحاول النظام القديم توظيفها لإعادة إنتاج ذاته.
ويواصل الحديث بالقول بأن (هناك طرفاً في الشراكة يرى أن الانتصار على العدوان وانتزاع سيادة البلد، هو خسارة له من حيث إن القوى القادمة من خارج النظام القديم سيحسب الانتصار لها). وبالتالي فإن مصير الشراكة أنها ستنفض، طبقاً لقوله.
من جانبه، أحال الصحفي والإعلامي في قناة (اليمن اليوم) نبيل الصوفي، في حوارٍ مع (لا)، المسؤولية على شخص الزعيم صالح والسيد عبد الملك الحوثي، وبأن الحل يكمن في جلوسهما على طاولة واحدة للفصل بكل الإشكاليات. فيما ينفي المسؤولية عن المجلس السياسي الأعلى والحكومة.
ويرى الصوفي أن ما يجري هو (تكاذب متبادل بين الطرفين)، مستشهداً على ذلك بما يتردد عن استيلاء المجهود الحربي على المال العام، وعدم مشاركة المؤتمر في الجبهات.
واعتبر أن الشراكة لم تنجز شيئاً غير المحاصصة، وأن المؤتمر الشعبي كان أفضل حالاً قبل الشراكة ومتغيرات 21 أيلول.

صيغة وطنية جديدة للشراكة
تبدو التوقعات غير متفائلة حول مستقبل (الشراكة)، لاسيما مع تناقل وسائل الإعلام بيانات رسمية لأطراف الشراكة تتحدث عن الانسحاب، لكن ما الذي سيترتب على ذلك؟!
عضو المكتب السياسي لأنصار الله عبد الملك العجري، أجاب (لا) بالقول إن (استمرار إدارة البلد بوضع الشراكة الحالي غير صحيح، ولا يمكن تحمله أو السكوت عنه، وهو ما سيؤدي بالبلد إلى انسداد شامل، ولا بد من إعادة مراجعة) والعمل لتحقيق انفراجة في الوضع الحالي.
وأفاد العجري أنه (في حال انفضت الشراكة وانسحب طرف المؤتمر، فعلى القوى الثورية أن تتحمل مسؤوليتها بإدارة البلد والسلطة)، وبأن ذلك يعني البحث عن صيغة وطنية جديدة للشراكة (لا تقوم على المحاصصة).
أما عن تأثير انفضاض الشراكة على إدارة المفاوضات، فيجيب أن الأوضاع ستعود إلى ما قبل تشكيل المجلس السياسي الأعلى.. وقد ألقى العجري اللوم الأكبر على مؤتمر صالح في وصول (الشراكة) لهذا المآل، مع إقراره بالمسؤولية المشتركة بما يخص وضع الحكومة.
ومن جانبه، أكد مدير مكتب رئاسة الجمهورية محمود الجنيد، أن الشراكة كانت ضرورة حتمية لتعزيز الصف الوطني ومعالجة أوضاع المواطنين، وأنه من الهام تقييم المرحلة السابقة واتخاذ المعالجات المناسبة، خاصة في مسألة (تسييس) الوظيفة العامة.
واختتم الجنيد حديثه بالقول بأن (الشراكة لن تنفض والمجلس السياسي متجانس ولا مشاكل لديه، ويملك إرادة حقيقية لمعالجة المعوقات)، منوهاً إلى أن من ينسحب من الشراكة إنما يتخلى عن مسؤولياته تجاه الشعب اليمني. 
إلى ذلك، حذر النائب أحمد سيف حاشد من أن استمرار الشراكة وإدارة البلد بهذه الشاكلة مكلفٌ جداً، ويترتب عليه مآلات كارثية، مشيراً إلى أن مأزق الشراكة هو الخلل التكويني الذي اعتراها من حيث اختلاف الرؤى والتوجهات بين أطرافها.
تبقى الخلافات غير مستعصية على الحل ودون حدود الجسيمة إن بقيت عند هذا الحد؛ لكن ماذا لو انسحبت على طاولات مفاوضات قادمة يذهب إليها الوفد الوطني كجزر معزولة يتمكن العدو من النفاذ خلالها لاستمالة الآخر القريب أصلاً؟!