أكانت مذبحة لأكثر من 600 إنسان منسي ثمناً كي يعود المشهد الصومالي إلى تناولات الإعلام والكتابة والاهتمام (الإنساني)؟!
إلى ما قبل تاريخ 14 أكتوبر الجاري، كان الصومال يعيش في سبات إعلامي، ولم يعد محط التناول إلا حين وقوع انفجار إجرامي ما يهز إحدى مدن البلاد من حين لآخر، وبشكل مقتضب.. بيد أن تفجير مقديشو المأساوي الأخير لم يلفت الاهتمام الإعلامي إلى الوضع الصومالي وحسب، بل وإلى ما يعتمل على مسرح الصراع الدولي والإقليمي من متغيرات تتعدى حدود الجغرافيا الصومالية لتشمل خارطة أوسع.. وبينما تعدد استقراء هذه المتغيرات لدى المختصين والباحثين، كان هناك ما يشبه الاتفاق إزاء من يقف خلف العملية بكونه (أطرافاً دولية) يشير حجم التفجير وقوته ونوعيته إليها، وليس إلى حركة (الشباب المجاهد) الإجرامية التي لا تملك قدرات وإمكانيات تمكنها من تنفيذ عملية بهذه الضخامة التي اعتبرت بأنها الأولى في تاريخ الصومال. وما يعزز ذلك أنه حتى اللحظة لم يظهر من يتبنى العملية خلافاً للعادة مع حركة (الشباب) التي تسارع لإعلان تبنيها لعملياتها الإجرامية.
فما الدلالات التي يحملها الحدث؟ وإلى ماذا يشير؟! خاصة وأن التفجير وقع بعد يومين من استقالة كل من قائد الجيش الصومالي ووزير الدفاع دون إبداء أي توضيحات!
على الرغم من عدم تبني حركة (الشباب المجاهد) للعملية الإجرامية، ولا أية جهة أخرى -حتى ساعة كتابة هذه السطور -والتي فتكت بحياة ما يزيد عن 300 إنسان وإصابة نحو 200 آخرين كإحصاءات أولية، تدأب تصريحات المسؤولين الأمريكيين على الإعلان أن من يقف خلف العملية هي (الشباب) الإجرامية!
وفي أقل من 48 ساعة مضت على الحدث، كانت إذاعة (صوت أمريكا) قد سارعت بالإعلان نقلاً عمن سمته (مسؤولاً في الاستخبارات الصومالية) أن تفجير مقديشو كان يستهدف القاعدة العسكرية التركية التي افتتحت في سبتمبر الماضي. فيما لم يرد حول هذه الرواية أية إفادة من إدارة الرئيس الجديد أو من الاستخبارات الصومالية!
كان البيت الأبيض في الـ30 من مارس الماضي صادق على منح القوات الأمريكية في الصومال صلاحيات أوسع لمواجهة حركة (الشباب المجاهد) الإجرامية! لكن، ماذا أكثر من تدريب القوات الصومالية وسماء مفتوحة لطائرات (الدرونز) وصواريخها وعمليات عسكرية على الأرض ضد مواقع الحركة؟!
(تدويل البحر الأحمر وتحويله إلى منطقة عسكرية دولية)؛ ذلك ما أدلى به مساعد ناطق القوات المسلحة اليمنية العميد عزيز راشد، في حديثه لـ(لا). مؤكداً أن تفجير مقديشو له علاقة وثيقة بمساعي (التدويل) الذي تعمل عليه الإدارة الأمريكية والصهيونية ويحلم به الكيان منذ الخمسينيات.
وتعليقاً على خبر مصادقة البيت الأبيض المذكور، استشرف البعض أن الصومال أمام طورٍ جديد من الهيمنة الأمريكية يدشنه الرئيس الجديد محمد فرماجو، مفتتحاً به ولايته الرئاسية البادئة منذ مطلع مارس الفائت.
يحمل محمد عبد الله فرماجو الجنسية الأمريكية إلى جانب الصومالية منذ كان لاجئاً لدى واشنطن. كان فرماجو يشغل منصب (السكرتير الأول) للسفارة الصومالية هناك إبان حكم محمد سياد بري، وعقب سقوط حكم الأخير مطلع التسعينيات واشتعال (الحرب الأهلية)، تقدم فرماجو بطلب اللجوء السياسي، ليحصل لاحقاً على الجنسية الأمريكية.
وخلافاً لمعظم دساتير العالم، فقد أتاح الدستور الصومالي إمكانية الترشح للحائزين على جنسيات أجنبية! جاء ذلك في تناولات (مركز مقديشو للبحوث والدراسات) حول وضع الدستور الصومالي، والذي ذكر أن الاقتراحات بسد هذه الثغرات لم تلق تجاوباً في مجلس النواب.
ترى الباحثة والأكاديمية الفلسطينية حياة ربيع، في حديثها لـ(لا)، أن رؤساء الصومال يقعون تحت إمرة وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما أولئك الحاملين الجنسية الأمريكية كالرئيس الجديد فرماجو الذي جاء منسجماً مع مضامين الحرب ضد حركة (الشباب) التي توظفها واشنطن لتعزيز سيطرتها.
وحول تفجير مقديشو، علقت حياة ربيع بأن الولايات المتحدة الأمريكية صعدت من حربها على الصومال بإلغاء الشروط التي وضعت إبان حكم أوباما، وأبرزها عدم خوض اشتباك عسكري إلا حين توجد تهديدات مباشرة للأمريكيين.
وتشير الباحثة ربيع، إلى أن التفجير جاء في سياق مطالبة ترامب للكونجرس بإلغاء المحددات المقوضة للعمليات العسكرية في الصومال، وعدم مراعاة الأكلاف البشرية المدنية التي عللها بكونها أعاقت مقدرة (البنتاجون) للقضاء على حركة (الشباب).
وكان الكونجرس الأمريكي -تلافياً لتهوره الجنوني- قد سحب صلاحيات الرئيس الأمريكي ترامب في إعلان الحرب والتدقيق في العمليات العسكرية الأمريكية من قبل الكونجرس نفسه، الأمر الذي يوحي للمتابع بتوظيف أمريكي لتفجير مقديشو المأساوي، ولاسيما من قبل اليمين الأمريكي المتطرف (المحافظين الجدد)، لاستعادة صلاحيات الرئيس الأمريكي في (إعلان الحرب)، تماماً كما فعل بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م.
تقول حياة ربيع إن (استمرار الانهيار الأمني في الصومال ضرورة) لبقاء القواعد العسكرية الأمريكية تحت دعوى (تدريب بعثة الاتحاد الأفريقي) لمواجهة (الشباب)، الأمر الذي (يحافظ على تمركز (CIA) في مقديشو، وأسطول البوارج الحربية في خليج عدن الاستراتيجي)، لاسيما في ظل العدوان القائم على اليمن التي امتلكت زمام المبادرة في الرد على التهديدات البحرية.
وتستدل الباحثة في ذلك بأن (موقف الولايات المتحدة تجاه الصومال منذ زمن رئاسة كارتر، هو استمرار زعزعة استقرار الصومال وتفكيكه) بسبب ثرواته وموقعه الاستراتيجي.. وتضيف ربيع أن الصومال يقع ضمن قائمة الدول الـ7 المستهدفة أمريكياً لتفكيكها وتدميرها، مرجحةً أن يكون دوره قد حان.

ابتزاز خليجي
لربما تكون بعض التناولات الإعلامية تحمل الحدث أكثر مما يحتمل تماماً كما تفعل (الجزيرة) من باب المساجلة الإعلامية والسياسية المثيرة للاشمئزاز. إلا أن جملة معطيات لا يمكن تجاهلها ترافقت مع الحدث المأساوي.
موقع (البديل) الإلكتروني، نشر معلومات عن (ابتزاز) إماراتي سعودي للسلطة الصومالية للدخول في معمعة المقاطعة الجارية لقطر، والانخراط في تأييد العدوان على اليمن.. وبحسب الموقع، فإن الإمارات والسعودية قد قطعتا (المساعدات الإنسانية) عن الحكومة الصومالية في معرض (ابتزازها) الذي احتد مع تصاعد الخلاف بين أبوظبي وإدارة الرئيس الصومالي الجديد محمد فرماجو، لاسيما حول التوجه الإماراتي بتحويل ميناء بربرة -المقابل لميناء عدن- إلى قاعدة عسكرية إماراتية، بعد تمكنها العام الماضي من الحصول على عقد -بلغت قيمته 442 مليون دولار أعطاها حق إدارة الميناء لـ30 عاماً- كانت واجهته شركة (دي بي وورلد) الإماراتية، وطرفه الآخر هي (السلطات الانفصالية غير المعترف بها دولياً) التي تسيطر على إقليم (أرض الصومال). الأمر الذي رفضته إدارة فرماجو في فبراير الماضي، متهمة الإمارات بـ(انتهاك القانون الدولي).
يذهب (البديل) إلى ربط هذه القرائن مع وقوع التفجير كعملية ضغط من الرياض وأبوظبي لدفع الإدارة الصومالية الجديدة للالتزام بالسياسات التي التزمت بها الإدارة السابقة لها. وهو ما صرح به لاحقاً وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في حوار لمجلة (جون أفريك).

الإمارات و(الإرهاب)
على صعيدٍ متصل، كشف تقرير صادر مؤخراً عن لجنة العقوبات المكلفة من مجلس الأمن لمراقبة تطبيق قرارات الحظر على الصومال وإريتريا، أن الإمارات متورطة بدعم حركة (الشباب) والنشاط (الإرهابي) في الصومال من خلال توريد أسلحة للحركة الإجرامية بواسطة سفنها الحربية وقاعدتها العسكرية (عصب) في إريتريا.
تعد تجارة الفحم من المصادر التمويلية الهامة لحركة (الشباب المجاهد) الإجرامية، وهو ما تقرر حظره على الصومال في قرارات مجلس الأمن. إلا أن الإمارات، طبقاً لما ذكره التقرير، قد دخلت في صفقات شراء الفحم من (الشباب) ومن الحكومة الانفصالية في (أرض الصومال) - غير المعترف بها- بآلاف الأطنان، باستخدام وثائق استيراد مزورة تفيد أنها قادمة من جيبوتي التي نفت ذلك في اجتماعها مع خبراء لجنة العقوبات.

القواعد العسكرية تفترس الصومال
لا تنفك عديد وسائل إعلامية -لاسيما المحسوبة على قطر- عن تطويق خلفيات ودلالات حدث مروع أودى بحياة المئات وخضب وجه مقديشو بالدماء، في دائرة صراع خليجي وابتزاز على المواقف! بيد أن المعطيات المتقاطرة في ضوء الحدث تشي بما هو أبعد من ذلك، راميةً به على مستويات دولية جهنمية لا تنفي (الابتزاز) من دائرته، بل تضعها جزئية في مسرح اشتباك تتحرك فيه قوى استعمارية عظمى.
في العام 2009م، استعر ملف (القرصنة) في البحر الأحمر، الأمر الذي انتهى عبر الأمم المتحدة لما عُرف بـ(التدويل) القاضي بمشروعية التواجد العسكري البحري للدول صاحبة  المصالح التجارية في البحر الأحمر، لاسيما (باب المندب).
لاحقاً، دوت حقائق كشفتها وسائل إعلامية دولية عدة مفادها أن دولاً عظمى كبريطانيا وأمريكا وفرنسا، كانت المستفيدة الأولى من (القرصنة) لتعزيز تواجدها العسكري في البحر الأحمر، وبأن أياديها ضالعة في صناعتها.
بالمثل، فقد كانت أحداث 11 سبتمبر الشهيرة هي مفتاح الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق وتكثيف وجودها العسكري في الجزيرة العربية حتى أفغانستان. وهو ما تعرفه دوائر المخابرات الأمريكية بمشروع (صناعة العدو) الذي يوفر لإدارتها مبررات التواجد العسكري حول العالم.
يذكر مساعد الناطق الرسمي عزيز راشد، أن (الموقع الجغرافي للصومال له تأثير سياسي وعسكري في باب المندب)، الأمر الذي دفع بالقوى الدولية الاستعمارية وأدواتها إلى اختلاق وتفجير أزمات كمسألة (القرصنة) والجماعات (الإجرامية)، وصولاً إلى تفجير مقديشو، تعطي المبررات للتسابق الدولي المحموم (أمريكا، تركيا، السعودية، الإمارات، قطر) لبناء القواعد العسكرية في الصومال بغطاء تأهيل ودعم الجيش الصومالي.
ويلفت راشد إلى أن هذا التسابق قد تزايد في فترة العدوان على اليمن وفشله الذريع في التموضع الحاكم على الساحل الغربي، وبالتالي باب المندب. ويضيف أن أكثر ما يؤرق دول العدوان بعد فشلها هو أن قواعدها في إريتريا وجيبوتي والصومال، مهددة من قبل الصواريخ اليمنية.
كما يبين مساعد الناطق الرسمي، أن مساعي الإمارات المتزايد لبناء قواعد عسكرية هو دور تلعبه لصالح الكيان الإسرائيلي الساعي للسيطرة على باب المندب.

اليمن من خلف دخان تفجير مقديشو
عقب تفجير مقديشو بيومين، الـ16 من أكتوبر الجاري، أعلن البنتاجون الأمريكي عن قيام طائراته من دون طيار بتنفيذ هجمات صاروخية استهدفت مواقع تدريبات عسكرية تابعة لـ(داعش) جنوب البلاد!
صحيفة (رأي اليوم)، وفي سياق تناولها الخبر؛ أرفقت به جملة تعجبية كان مفادها: (لأول مرة)! إذ إن الإدارة الأمريكية ومنذ بدء العدوان على اليمن، وعلى الرغم من تحذيراتها المتواصلة من خطر انتشار داعش؛ لم تقم بتنفيذ أية عمليات جوية لاستهداف مواقعه.

فلماذا الآن؟ وما الذي تغير؟!
مطلع العام المنصرم، الأمر ذاته حين أعلنت القوات الأمريكية تنفيذ هجمات جوية على مواقع لتنظيم (القاعدة) وقتل عدد من قيادتها كان أبرزهم السفاح (جلال بلعيدي)، وكانت تلك العمليات هي الأولى منذ بدء العدوان في مارس 2015م وبعد توقف لنشاط طائراتها (دون طيار) استمر لأكثر من عام..
وبغضون أقل من 3 أشهر شرعت البحرية الأمريكية بالإنزالات العسكرية -إلى جانب القوات الإماراتية- في سواحل حضرموت للمشاركة ضمن ما أعلنت عنه تحرير المحافظة من عناصر (القاعدة). تماماً كما استشرفت صحيفة (لا) ساعة إعلان مقتل (بلعيدي) بأن الولايات المتحدة الأمريكية (ستدخل على خط المواجهة العسكرية) المباشرة بصف تحالف العدوان من بوابة (مكافحة الإرهاب).
في معرض حديثه مع صحيفة (لا) يتطرق مساعد الناطق الرسمي عزيز راشد إلى جملة من المتغيرات الاستراتيجية في مسار المعركة مع العدوان التي يمكن الاستدلال بها على تحركات أمريكية بحرية جديدة أوجزها بـ(انتصار وتفوق جيوعسكري على تحالف العدوان والسلاح الأمريكي، ودخول اليمن مرحلة تصنيع وتطوير مختلف الأسلحة والتقانة خاصة دائرة التصنيع والقوة الصاروخية التي خلقت توازن رعب وردع يتعزز راهناً بدخول وحدات الدفاع الجوي للمعركة، فيما أنجزت القوة البحرية معادلة ردع وتصدٍّ بحري لأي تهديدات تمس السواحل اليمنية).
ويتابع راشد بالقول إن فشل العدوان في السيطرة على السواحل اليمنية والمواقع الحاكمة في البحر الأحمر ذهب به لتعزيز تواجده في الصومال وجوارها، والبحث عن ممكنات جديدة للهيمنة على البحر العربي والأحمر وباب المندب.
في العام 2011م تحدث رئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية آنذاك، الجنرال ديفيد بترايوس، لصحيفة (نيويورك تايمز) بأن بلاده ستقوم بعمليات في اليمن ووسط آسيا بالتزامن مع توظيف شبكات قادرة على التغلغل وإثارة الحروب، وحين تعجز فسنعطي الأوامر للحلفاء بالتدخل، فإن عجزت فسنقوم بالتدخل المباشر.. وهو ما علق عليه راشد بالقول إنه ما يجري الآن تماماً.

مشهد إضافي.. 
الصومال ودور الظهير الخلفي
مثل الصومال لأكثر من قرنين الظهير الخلفي الحامي للمصالح الاستعمارية البريطانية (شركة الهند الشرقية) في عدن جنوب اليمن، وفي سياق التنافس الاستعماري الغربي اجتزأت بريطانيا الشمال الصومالي، وأعلنته في قائمة مستعمراتها تحت اسم (أرض الصومال البريطانية). وبالمثل حذت إيطاليا وفرنسا في سياق التسابق للهيمنة على خطوط التجارة العالمية وامتلاك النفوذ والقوة التي توفرها هذه الهيمنة.
بطبيعة الحال، فإن الهيمنة على البحر الأحمر لا تكون دون الهيمنة على ضفتيه شرقاً وغرباً، وهو الأمر الذي لا تخفيه الدوائر الاستعمارية وبمقدمتها الكيان الصهيوني الذي يرى في يمن 21 سبتمبر -وفقاً لإعلامه- خطراً يهدد أمنه القومي بتهديد منافذه البحرية.
يرى مراقبون أن هناك بلا شك استغلالاً للقرن الأفريقي (الصومال) الأكثر قرباً لجزيرة سقطرى التي حُشرت في المناهج الصومالية لسنوات عديدة بأنها جزيرة صومالية وليست يمنية، واستمر ذلك حتى عهد الرئيس الأسبق علي ناصر محمد الذي حل الإشكالية مع الحكومة الصومالية آنذاك، وتمكن من إقناعها بحذف هذه الدعوى من المناهج.
ولا يستبعد المراقبون أن يستغل تحالف العدوان مثل هذه الدعاوى ضمن مشروعهم القائم بشراسة لسلخ الأراضي اليمنية وتمزيقها.. أما واقع الحال الراهن فيقول إن جزيرة سقطرى عملياً هي تحت الاحتلال والنهب الجنوني، وما يتبقى هو فصلها عن جغرافيتها الأم.
يفيد المُفكر والمحلل الاستراتيجي والسياسي علي نعمان المقطري، أنه لا شك حول دأب الإدارة الأمريكية لإحكام السيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية وإقامة قواعد عسكرية فيها تحت ذرائع عدة منها (مكافحة الإرهاب) في اليمن والصومال وتأمين خطوط التجارة العالمية والمصالح الدولية...
وأضاف المقطري أن أمريكا، وفي سبيل تعزيز تواجدها العسكري في المنقطة، تتذرع بأن تواجد قواتها في سقطرى ضرورة لتأمينها ومواطنيها من أي تهديدات (إرهابية) -فعلياً فقد أعلنت الخارجية الأمريكية في 18 أكتوبر عن وجود قتلى أمريكيين في التفجير- خاصةً وأن استراتيجيتها في احتلال الساحل الغربي والسيطرة على مرتفعاته المشرفة على البحر، قد فشلت.
ويقارب المقطري أن الفشل في الساحل الغربي يعني بالضرورة تعويضه بتعزيز التواجد العسكري الإمبريالي الصهيوني في الضفة المقابلة لليمن في إثيوبيا وإريتريا والصومال التي تتجه لهذا الدور الذي ضبط تفجير مقديشو الاستخباري بوصلته، حد توصيفه.
إلى ذلك، فقد تناقلت وسائل إعلامية، أمس الأول، بأن مجلس الأمن الدولي سلم برقية إلى الفار هادي مفادها أن الحل في اليمن لم يعد يستند إلى القرار 2216! فيما تناقلت بعض الأوساط أن هادي -اليافطة- استبعد من مسرح الحرب!
محللون اعتبروا أن ما يسمى (المجتمع الدولي) الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، يتجه إلى مشروع (التدويل) العسكري لحسم المعركة التي فشلت الكيانات الوظيفية الوكيلة بإنجازه. ولا استغراب أن تتزامن هذه المتغيرات بخصوص اليمن مع تلك التي يعيشها الصومال الآن، إذ إن المطبخ الذي اعتملت فيه واحد، وهو ما يحتم كونه رسمها من منظور قراءةٍ إجمالية للمشهد اليمني والصومالي معاً، سبقتها بالتأكيد قراءة أوسع لمشهد المنطقة عموماً واتجاهاته.

صراع النفوذ والاقتصاد في الصومال
منذ اندلاع (الحرب الأهلية) الصومالية مطلع التسعينيات لم تفتتح واشنطن سفارةً لها في مقديشو. بيد أن (التزاحم) الاقتصادي الذي يشهده العالم بين الصين وأمريكا غير من هذا الحال، لاسيما عقب تجسير العلاقات الديبلوماسية الصومالية الصينية بافتتاح الأخيرة سفارة لدى مقديشو في 2014م، والذي يأتي في سياق تكاثف النشاط الاقتصادي الصيني في الصومال وأفريقيا عموماً.
بالمقابل، افتتحت واشنطن سفارةً لها لدى الصومال في العام التالي 2015م، بعد انقطاع تجاوز العقدين. وهو الأمر الذي عده خبراء اقتصاديون ودبلوماسيون صومال استباقاً أمريكياً لتحجيم مساحة النشاط الاقتصادي الصيني إلى ما دون المستوى الذي تخشاه دوائر القوى الأمريكية بأن يقلص هيمنتها في أفريقيا والصومال.
يملك الصومال ثروات باطنية كبيرة من النفط إلى المطاط إلى الفحم... علاوة على أكبر ساحل في المحيط الهندي بطول 3300 كيلومتر، وبسبب موقعها الاستراتيجي المطل على خليج عدن والمجاور للمندب المار عبره نحو 70% من التجارة العالمية كانت محط أطماعٍ دولية شرسة خاصة من قبل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا، ليتركز نشاط كل منها في جغرافيات معينة دوناً عن غيرها، وهو الأمر الذي عزز النزعات الانفصالية مقابل تلاشي طموحات قيام وحدة وطنية صومالية.
(اهتمت الولايات المتحدة بتحقيق النفوذ في القرن الأفريقي... الذي يخدم مشروعها لحصار مصر والسودان والشمال العربي والأفريقي، بل والدول العربية المطلة على البحر الأحمر)، وهو الأمر الذي يخدم الاستراتيجية الصهيونية الحاضرة بقوة في مناطق الشرق الأفريقي المطلة على البحرين الأحمر والعربي.
لكن الانسحاب الأمريكي عام 94م عقب مقتل الجنود الأمريكيين والسحل لأحدهم وإسقاط مروحيتين (بلاك هوك) بيد قوات محمد فارع عيديد، أعاق نفاذ الاستراتيجية الأمريكية في الصومال. إلا أنها اتجهت إلى حل بديل، وهو استغلال الصراع التاريخي والاحتراب مع الجار الإثيوبي المحتل لإقليم (أوغادين) الصومالي.
ومن هُنا نصبت سلطات إثيوبيا نفسها -خاصة إبان حكم منغيستو- كذراع واشنطن لضرب أي نهوض وطني للصومال، ليظل منقسماً تائهاً بين الوصاية الدولية ومفارم السوق المفتوحة والبنك الدولي وصندوق النقد، و(المحاكم الإسلامية) والجماعات (الإرهابية).
يذكر أن منغيستو قال يوم هروبه من أديس أبابا إثر سقوط نظامه بأنه (لو كان لشعب إثيوبيا بقية عقل وإدراك لعرف أن لي فضلاً كبيراً عليهم. لقد نجحت في تفكيك الدولة العدوة لهم، وهي الصومال).
وبحسب ما نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) في عدد الصادر في  16 يوليو 2016م، فإن الصومال يعيش مستلب الإرادة والقرار الذي تتحكم به الأجندات الدولية، ما يجعل خلاصه من حياة الجحيم أمراً مستحيلاً مع بقاء الوضع الراهن الذي صار يعرف لدى الإعلام العربي بـ(الصوملة) من قبيل المقاربة لا أكثر. إذ (تتقاسم الحكومة الصومالية النفوذ على أراضيها مع مجموعة من الدول الداعمة مادياً وعسكرياً، فالاتحاد الأفريقي لديه قوات يزيد عددها عن 22 ألف جندي ينتمون لـ5 دول، وهي: أوغندا وبوروندي وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي، إضافة إلى 552 عنصراً من قوات الشرطة تنتمي إلى كل من نيجيريا وأوغندا وغانا وكينيا وسيراليون).
بينما تختص (قوات حفظ السلام) المدنية التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم)، بأعمال إدارية واسعة. (أما الدعم المالي فيأتي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة).
وتقول المعلومات إن دولاً عربية كالسعودية والإمارات وقطر، إضافة إلى تركيا، خصصت مساعدات مالية وإنسانية خلال العقد الأخير، بيد أنه جاء في إطار التسابق الدولي المستعر لكسب تموضع نفوذ وهيمنة في مسرح الصراع الخانق للصومال.