لم تعرف اليمن تشكيل حكومة نابعة من إرادة وطنية، مثلما حدث مع حكومة الإنقاذ التي تشكلت الاثنين الفائت، والتي شُكلت لأول مرة خارج التدخلات السعودية، وكان لها وقع الصدمة لدى أعداء اليمن في مملكة بني سعود، والذين كانوا على مدى عقود يتخذون القرارات نيابة عن شعب اليمن، وبما يصب في توجهات الإخضاع والتحكم السعودي في اليمن. 
دور متعالٍ لإذلال اليمن
وتشير كل الدراسات سواء التي أجراها المستشرقون الأوروبيون أو الباحثون والسياسيون العرب، إلى أن آلام اليمن كانت من صنع السعودية، التي انتزعت الأرض بالقوة من اليمن، وعملت على قهر كل طموحات أبناء الشعب في إنشاء دولة ذات سيادة على أرض اليمن. ولم تتردد باستخدام كل الوسائل المتاحة لإبقاء اليمن تحت الهيمنة السعودية، بما في ذلك اللجوء لقتل كل من يعترض برنامج الإذلال السعودي للشعب اليمني، والذي كان أبرز ضحاياه الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، حسب شهادات رجال الدولة الذين عاصروا تلك الفترة. 

تدخلات متواصلة
ومنذ وقوع الحرب السعودية ـ اليمنية عام 1934، وتوقيع معاهدة الطائف التي تم بموجبها إجبار الإمام يحيى على تأجير الأراضي اليمنية التي احتلتها السعودية في جيزان ونجران وعسير، إلى المشاركة السعودية في قمع انتفاضة 1948، ثم المساهمة في قمع انتفاضة 1955، والدماء الغزيرة التي سالت على أرض اليمن دفاعاً عن ثورة سبتمبر ضد التدخل السعودي لإعادة الملكية في حرب استمرت 8 سنوات، كان بنو سعود يسعون فيها لإجهاض الثورة وقتل الجمهورية، وقد ذهب ضحيتها آلاف القتلى والجرحى واليتامى والأرامل.

حكومات حسب الرغبة السعودية
وبعد أن هُزمت السعودية، وتم تثبيت النظام الجمهوري في شمال اليمن، مارست السعودية تدخلات سافرة في الشؤون الداخلية لليمن، وصلت إلى حد إملاء الأوامر في تعيينات قيادات الدولة حسب ما تقتضيه رغبات نظام بني سعود، مثل ما حدث مع تكليف محسن العيني لرئاسة الوزراء عام 1967، ولغرض استبداله بشخصيات أخرى تحظى بالرضا السعودي، حيث كانت السعودية تعتبر العيني وغيره من المناضلين اليمنيين أشخاصاً غير مرغوب بهم في اليمن، باعتبار أن السعودية هي من يقرر شؤون اليمن، ولا علاقة لليمنيين بتقرير شؤونهم.

من أجل الملك لا من أجل الشعب
خلال الـ54 عاماً من قيام الجمهورية، شهدت اليمن تشكيل 38 حكومة تقريباً، لكنها لم تكن معبرة عن إرادة وطنية خالصة، فمن الوصاية المصرية في الشمال إلى الولاء الماركسي في الجنوب، لم يكن الشعب ينظر لتلك الحكومات باعتبارها ممثلة لتطلعاته، وابتداء من العام 1970 كان للسعودية النصيب الأكبر في تشكيل الحكومات في الجمهورية العربية اليمنية، ولم يكن لليمن شيء، إلى درجة كان الناس معها يطلقون اسم السفارة السعودية على مقر الحكومة في صنعاء، وذلك بسبب ما وصفه البعض بحرص الحكومة اليمنية على تنفيذ الإملاءات السعودية على حساب المصالح اليمنية، وحتى التدخل في انتخاب مرشحين للبرلمان اليمني في فترة ما قبل الوحدة.

شهادات مريرة
وقد اتخذت السعودية من دعم الاقتصاد في الجمهورية اليمنية ذريعة جيدة لممارسة شتى صنوف الإذلال والإهانة لليمن حكومة وشعباً، قدم عنها العديد من مناضلي الثورة ورجال الدولة اليمنية شهادات مريرة تحدثت عن التسلط السعودي ضد اليمن، وفضحوا خلالها حرص المملكة على إبقاء الدولة في اليمن هزيلة عاجزة عن التحكم في رقعة الدولة، وتفتقر للندية في علاقتها مع السعودية، وتدين بالولاء والتبعية الكاملة لكيان بني سعود الذي لم يكن أكثر من تابع بلا أي شروط للدول الاستعمارية وقوى الإمبريالية العالمية.

الوهابية ضماناً للتبعية
نشر الفكر الوهابي المتطرف من قبل السعودية في أوساط الشعب اليمني، وفر بدوره من وجهة نظر كثير من المحللين، غطاء لفرض ضغوط على الحكومة اليمنية يناسب توجهات بني سعود في الإبقاء على تخلف اليمن، وبما يعزز من عدم قدرة اليمن على اتخاذ أية خطوة إلى الأمام خارج رغبة نظام بني سعود.

تغلغل حتى اللحظة الأخيرة
آخر مظاهر تغلغل نظام بني سعود في مفاصل الدولة اليمنية، ظهر جلياً عندما هرول أعضاء مما كان يسمى (حكومة الكفاءات) برئاسة بحاح، إلى الرياض، ومعهم كثير من الأشخاص الذين كانوا محسوبين من رجال الدولة، لتأييد العدوان السافر الذي يمارسه نظام بني سعود بحق اليمن أرضاً وإنساناً. وهناك مواطنون يعتقدون أن آخر أشكال التبعية والعمالة للسعودية قد رحلت من اليمن مع رحيل عملاء الرياض من البلاد، وأن الإرادة الوطنية تمثلت جلية في تشكيل حكومة الإنقاذ دون أية وصاية سعودية.

ضريبة الأصيل للدخيل
لو كانت الوديان والجبال تنطق لصرخت بعلو صوتها، أوقفوا مهزلة بني سعود التاريخية بحق شعب اليمن. منذ تنفس كيان بني سعود وجوده عام 1932، كان على شعب اليمن صاحب الحضارة الأصيلة، أن يعاني من تبعات إنشاء ذلك الكيان المرتهن لقوى القهر الاستعمارية، وأن يدفع ضريبة الجوار لدولة سخرت كل إمكانياتها لإخضاع شعب حر لصالح الطغيان.