الجحملية.. طروادة يمنية حطمت أحصنة الخشب
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / طلال سفيان

سيـــــــرة فروسيـــــــة في مواجهـــــــة مســـــــوخ
الجحملية.. طروادة يمنية حطمت أحصنة الخشب
في صورة وحشية تعكس مدى الحقد الدفين لدى العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، قامت مليشيات الارتزاق الممولة من تحالف العدوان (حزب الإصلاح وتنظيما داعش والقاعدة)، يوم الخميس الأسود (17/11/2016م)، بتنفيذ إعدامات بشعة بحق المواطنين في منطقة الجحملية بمدينة تعز.
وعلى حجم الكارثة التي حلت ببعض مناطق الجحملية التي اندفع فيها زواحف المرتزقة، عادت عمليات السحل والصلب والتمثيل بالجثث إلى مدينة تعز، مرة أخرى، حيث نشرت، الخميس قبل الماضي، صور لعمليات سحل تمت في أحياء الجحملية والكمب.
في يوم (الخميس الدامي) عندما سيطرت جحافل الارتزاق والعمالة على بعض مناطق الجحملية بمدينة تعز، كانت المشاهد تتوزع على مدى الحقد والكراهية والاندفاع لزواحف الوهابية بإقامة ولائم الدم على شرف أبطال قدموا أرواحهم فداءً لأرضهم وعرضهم وهويتهم الوطنية.
سحل البطل فواز راشد، وتم بتر أجزاء من جسمه، وصلب على مجسّم جولة (النقطة الرابعة)، بعد عملية (عمارة الموت) التي شهدت حصار وهجوم المرتزقة لها بكل الأسلحة الثقيلة لساعات، وتوجت باستشهاد هذا المدافع عن كرامة الجحملية إلى جانب استشهاد مجموعة من خيرة أبناء الجحملية، كـ: فيصل دوس ورامي المحني وجميل الجنداري الذي قتله ونكل به ابن شقيقه القيادي في القاعدة.. هكذا تكالب بعض أبناء العائلة والحارة والمدرسة الواحدة ممن باتوا ضمن الزخم السعودي, ينهشون كمصاصي دماء وهم يتلذوون بقتل ذواتهم كوجبة دسمة للغاية لأجساد من كانوا يدافعون عن كرامتهم وكرامة تعز واليمن في وجه عدوان متوغل بالحقد المميت.
فالصورة التي يظهر فيها مجاميع من المرتزقة وهم يقومون بسحل جثث مواطنين خلف دراجات نارية، تشير إلى حجم ما وصلت إليه هذه المناطق من انتهاكات مروعة في ظل سيطرة التطرف والإرهاب المدعوم من التحالف، والذي يحاول التوسع والانتشار في مناطق أخرى من اليمن.
الحادثة لم تكن هي الأولى ولا الأخيرة في ظل تنامي التطرف المسنود من دول التحالف في هذه المدينة التي عرفت بطابعها المدني.
ففي 11 مارس العام الجاري، تم سحل وذبح عدد من المواطنين من قبل جماعات مسنودة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
في ذلك اليوم المرعب، شهدت أحياء مدينة تعز عملية نهب للمنازل والمحلات التجارية والسطو على منازل النازحين، كما شهدت عدداً من حالات الإعدام لكل من يرفض ممارسات تلك الجماعات التي على ما يبدو أنها تتخذ من الإرهاب وسيلة لإخضاع أبناء تعز وقبولهم بالممارسات الخفية التي تقف خلف تواجد تلك الجماعات، ولعل كثيرين من أبناء تعز واليمن عموماً لم يفيقوا بعد من آثار الصدمة.
لقد كان يوم الجمعة (11 مارس العام الجاري) كابوساً مرعباً، حيث أفاق اليمنيون على سلسلة من عمليات القتل الوحشية رمياً بالرصاص وذبحاً بالسكاكين لأسرى ومدنيين ومصابين، ودوامة من التصفيات الثأرية الهوجاء.
كانت سلسلة ثقيلة من الجرائم الوحشية شهدتها أحياء وشوارع مدينة تعز، أصابت اليمنيين والعالم بالصدمة، بعد أن شاهدوا جرائم عمليات سحل للجثث بالسيارات والدراجات النارية والتمثيل بها وإلقائها في ممرات تصريف مياه الأمطار والمجاري، في مشاهد عنف طافحة بالوحشية.
لم تكن جرائم الذبح والسحل والإعدامات الجماعية والتمثيل بالجثث التي ارتكبتها عناصر ميليشيات القاعدة والإصلاح بمدينة تعز، بحق الأسرى والمواطنين، وتصوير مشاهدها البشعة وبثها للرأي العام اليمني والدولي، مجرد أمر اعتباطي، بل هي رسائل موجهة للمجتمع عن الأيديولوجية التي تعتنقها هذه الجماعات (السعودية ومرتزقتها) كنصر ظافر على الميدان.
وعلى الواقع، تمثل المشاهد المتباينة للجيش واللجان الشعبية والأبطال المدافعين عن أرضهم وأعراضهم وكرامتهم، مع الأسرى من المقاتلين بمعية العدوان السعودي، قمة في السلوك الإنساني والشهامة اليمنية، فيما يظهر العكس على تصرفات العصابات الإرهابية التابعة لتحالف العدوان من سلوكيات متشربة ومتوغلة بالوحشية من خلال مشاهد الذبح والصلب والتمثيل بالجثث لكل من تطاله أيدي القذارة الوهابية من أسرى أو مواطنين أبرياء.
لم تقتصر فجائع الإجرام من قتل وحرق وسحل والتمثيل بالجثث على أبناء الجحملية, فقد قامت عناصر تنظيم داعش (إمارة تعز)، الأسبوع الماضي، بمداهمة منزل نبيل سعيد (50 عاماً) بحي النسيرية - المدينة القديمة، واختطافه وسط الذعر الذي ارتسم على أسرته، وأجتروه بطريقه مهينة إلى ساحات الإعدام وسط تحلق للناس ومراقبتهم، ومن ثم قاموا بإعدامه والعبث بجثته عبر السكاكين واستخراج أمعائه، بعد أن قامت مجاميع داعش بتلفيق تهمة له بأنه سب الدين قبل 20 عاماً.
يوميات حارة مكلومة بالدم
إن ما تتعرض له الجحملية من جرائم يندى لها جبين كل مَن له مبادئ وقيم وشعور إنساني، ما هي إلا دليل دامغ على حجم المؤامرة الدولية والإقليمية ضد اليمنيين ككل، وانحطاط قيمة الإنسان في الواقع الدولي.
فقد شهدت الجحملية حشداً محموماً تكون من جميع فصائل العدوان السعودي الأمريكي (مليشيات حزب الإصلاح ولواء الصعاليك وكتائب حسم وأبو العباس وتنظيمي القاعدة وداعش)، تحت قيادة عدنان زريق وعدنان الحمادي وعارف جامل والحسن بن علي ومحمود الزعيم ومحمد محمود وخالد هزاع الحمادي, وبإسناد جوي من المقاتلات السعودية والأمريكية، وإسناد أرضي احتشد له مرتزقة تم استقدامهم من المحافظات الجنوبية (لحج وعدن وأبين وحضرموت)، إلى جانب المرتزقة العرب والأجانب.
أحدث الهجوم الأخير من قبل التنظيمات الإرهابية على منطقة الجحملية دماراً كبيراً في المنازل والمنشآت العامة والخاصة، من خلال قصفها بمختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ووصل عدد الممتلكات الخاصة والعامة التي دمرتها جحافل المرتزقة في هجومها الأخير على الجحملية، لأكثر من 200 منشأة, بالإضافة إلى عمليات النهب الواسعة التي طالت معظم البيوت والمحال التجارية في أحياء الجحملية الوسطى والعليا.
وكعادتهم مع كل جريمة ومجزرة, ظهرت مجاميع الإجرام الإخواني الداعشي على قنواتهم الفضائية، وهم يتحدثون بخفة عن الألغام الإيرانية التي واجهتهم في طرقات وحواري الجحملية، والوثائق والمخطوطات الإيرانية التي وجدوها في بيوت (الروافض والمجوس)، حسب تسميتهم لأبناء هذه المنطقة، أثناء نهبهم وتدميرهم لها.. كما أتحفت ربيبة أبو العباس وفتاة العدوان المفضلة (إشراق المقطري)، الرأي العام بتقرير مطول عن تفجير (الحوثيين ومليشيات المخلوع صالح)، حسب وصفها، في تقرير فريقها المصاحب لعملية اقتحام الجحملية، للعشرات من المنازل والمنشآت الحكومية في الجحملية.
بلمح البصر تبخرت الظاهرة الصوتية لمرتزقة تعز، بعد ادعائهم انتصارات هلامية لم تتعدَّ بضعة كيلومترات مربعة، ارتكبوا فيها مجازر بحق المدنيين وقصف المساكن والأسواق.
وفي سياق الهجوم المضاد الذي تتأهب له وحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية، تساقطت عشرات الجثث التي غرتها دعايات ماكينة هادي لمنع قرار الأمم المتحدة بالتخلي عنه.
فمع ساعة الصفر لاتفاقية مسقط الأخيرة التي وادتها مليشيات الارتزاق السعو/صهيو/أمريكي، انطلق هجوم زواحف الصعاليك وحسم والإخوان وبقية التشكيلات الإرهابية والعميلة، بكل جنون، على الجحملية، من 3 محاور (التموين العسكري وثعبات والكمب).
وشهدت يوميات الهجوم عدة أحداث، أهمها:
- الثلاثاء 15 نوفمبر، مصرع 35 من المرتزقة والدواعش، بينهم سعوديون، خلال المواجهات التي حصلت في ثعبات والجحملية.
- الأربعاء 16 نوفمبر، إصابة القائد الميداني في ما يسمى كتائب حسم المرتزق عمار الجندبي بإصابات بليغة هو وعدد من المرتزقة، خلال محاولة زحف في الجحملية.
- الجمعة قبل الماضية 18 نوفمبر، مصرع القيادي في لواء الصعاليك المرتزق محمد محمود، مع عشرات المرتزقة، خلال معارك الجحملية.
- السبت 19 نوفمبر، بعد معركة ضارية استعاد الجيش واللجان المستشفى العسكري في الجحملية، والمفاجأة الكبرى أنه يمتلئ بالمرتزقة الجرحى، بينهم قيادات من الفصائل الإرهابية.
- وفي أكبر أخدود جماعي، لقي أكثر من 100 من مرتزقة العدوان السعودي الأمريكي مصرعهم في منطقة الجحملية، فيما لقي المدعو محمود الزعيم، قائد كتائب المرتزقة، مصرعه، في محاولة فاشلة للزحف باتجاه الدفاع الجوي، ومقتل العشرات منهم.
- أسفرت معارك الأيام الأربعة الأولى على جبهة الجحملية، عن تقدم أحرزته قوات الجيش واللجان الشعبية، واستعادة زمام المبادرة في (صالة)، وسط تقدم على المحور الشرقي للمدينة، أدى إلى إنهاء آمال (حلفاء العدوان الذي تقوده السعودية) في إحداث خرق صوب الأحياء الشمالية، وعزّز طوق المدينة الدفاعي.
- فرضت قوات الجيش واللجان الشعبية، ابتداءً من ليل السبت 19 نوفمبر، سيطرة تامة في محيط القصر الجمهوري ومناطق (العسكري) و(بازرعة)، بعد معارك استمرت 3 أيام على دخول تشكيلات المرتزقة.
- شكلت الجهة الشرقية للمدينة هدفاً استراتيجياً لهجوم (المجاميع)، كونها تعد مفتاحاً لمحاولات اختراق باتجاه منطقة (الحوبان) التي تعد أهم مناطق ومواقع تمركز قوات الجيش واللجان الشعبية.
- شنت المجاميع المسلحة عدة هجمات الجمعة (18 نوفمبر) على (تبة السلال) و(جبل الجعشة) الاستراتيجيين في منطقة (صالة)، بهدف إحراز اختراق ميداني باتجاه منطقة (الحوبان)، وتم إفشالها والتصدي لها، وإلحاق خسائر بشرية ومادية بالمهاجمين.
يأتي ذلك بعد استعار جبهات تعز بإيعاز من هادي وأزلامه في الرياض بهدف التضحية بهم في أوهام عدم التخلي عنه أممياً، بعدما بدأت الدول الكبرى بتجاوز هادي في مشاورات السلام.
وعلى هذا الخط، يكرر التاريخ نفسه عبر ذات المشاهد. فمع مطلع أغسطس 2015م, جرى اتفاق من قبل الجيش واللجان الشعبية من جهة مع بقية المليشيات المسلحة من جهة أخرى، لتسليم المحافظة للمجالس المحلية بهدف عودة الاستقرار لتعز, كان الوضع آمناً بالنسبة للجهة الشرقية للمدينة, لكنها وكعادتها خرقت هذه المليشيات الداعشية الاتفاق, وبسبب حقدهم على الجحملية زحفوا عليها بشكل مفاجئ من كل حدب وصوب, لكن الأبطال المرابطين تصدوا لهم بقوة، وأفشلوا عليهم تحقيق مآربهم الخبيثة, ولم يتركوا منطقتهم لقمة سائغة لهؤلاء المرتزقة.
كانوا يومها حوالي 14 مقاتلاً فقط في مواجهة هذه الجحافل الإجرامية التي كانت تزحف على الجحملية بالمئات، وبمختلف أنواع الأسلحة (دبابات ومدافع وقناصة). حقق أبناء الجحملية بطولات مذهلة، صمدوا خلال هذا الظرف الصعب القاسي, وكسروا هجومهم في مدة قياسية لم تتجاوز 10 أيام.
قاتل هؤلاء الأبطال الذين لم يتعدوا 20 مقاتلاً، وصدوا هجمات مرتزقة السعودية بما يتوافر لديهم من أسلحة بسيطة، ورفعوا رأس الأحرار عالياً بصمودهم التاريخي، ولم يرَ العالم قوة محاصرة بذلك القدر العظيم من المعنويات المرتفعة.

حفلة دسمة لحلفاء الشيطان
لم تشهد مدينة تعز عبر تاريخها مثل هذه الجرائم.. تهديدات واختطافات وتعذيب وقتل بسبب الهوية.
وهذه قصة الجحملية مع المعاناة والمآسي التي خلفتها المنابر الطائفية والمذهبية لإخوان الشيطان، بالتحريض على الهوية اليمنية الجامعة لأبناء الجحملية عبر عمليات قتل وتصفية الكثير من أبناء هذا الحي، والتي تمثلت باغتيال كل من: إبراهيم عامر وفكري البروي وبسام الجنيد وابن الوليدي وابن محمد الصغير، وغيرهم، في موسم حصاد مرعب سبق العدوان على اليمن بفترة وجيزة.
مع اندلاع الحرب التي فجرتها ميليشيات الإخوان والقاعدة في تعز, وعدوان السعودية وأمريكا على اليمن, ارتفعت وتيرة الخطاب العدائي الفاشي ضد كل من يقطن منطقة الجحملية أو من ينتمي للأسر الهاشمية, والدعوة لاعتقالهم وقتلهم.
صباح الثالث من يونيو العام الفائت, قامت العصابات الإجرامية بالقبض على أحمد حسن عبدالوهاب في عقبة شارع 26 سبتمبر وسط المدينة، أثناء عودته من السوق المركزي, ومن ثم قاموا بإعدامه، وتحت إشراف مباشر من المجرم حمود سعيد المخلافي، ونكلت بالشهيد، وألقت جثته جوار جامع السعيد في عصيفرة، وكتبت على كفه وذراعه (هذا خال أكرم عبدالغني) الذي أذاقهم الكثير من الخسائر في معارك الدفاع عن الجحملية.
كانت جريمة بشعة هزت تعز واليمن, وتركت أثرها على نفوس أبناء الجحملية, حيث كان الشهيد الذي سلم الصليب الأحمر جثته لأهله, يحظى بحب وود كبيرين من قبل أهالي الجحملية, بالإضافة إلى الذكريات التي كانت ولازالت تحملها صور ومواقف هذا الشاعر النبيل بالنزول بزيه العسكري مع المطالبين بالتغيير إلى ساحة الحرية في الـ11 من فبراير 2011م.
لم يكن هذا الرجل الستيني والمتقاعد من سلاح الإشارة منذ فترة بسيطة, الأول الذي يتعرض للسحل بسبب نسبه ومنطقته, فقد سبقته حالات كثيرة مشابهة طالت العديد من أبناء الجحملية, فقد اختطف منذ 5 أشهر نبيل عبدالغني الجنيد (شقيق أكرم الأكبر)، من إحدى مقاهي المدينة القديمة، ولم يعرف حتى اليوم مصيره, واغتيل ابن الوليدي وابن الصغير وفكري البروي، وقبلهم بسام الجنيد (شقيق أكرم عبدالغني الأصغر)، وسحل أكرم الروضي, لتتواصل الحلقات الدموية لمسلسل الكراهية والموت لأبناء الجحملية.. ففي نهاية أغسطس الفائت اختطف مرتزقة العدوان 4 مواطنين من منطقتي صالة والجحملية، وقاموا بإعدامهم في حي الجمهوري، وسحل جثثهم.
منذ نهاية العام الفائت ينشر أنصار الشريعة (الذراع المحلية لتنظيم القاعدة في اليمن)، عدة تسجيلات مرئية تغطي جانباً من المعارك التي يخوضونها في ما يطلقون عليها (ولاية تعز).
وتكشف التسجيلات عن حجم مشاركة التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة) في المعارك التي تدور في مدينة تعز، بين الجيش اليمني المسنود باللجان الشعبية, وتظهر التسجيلات مشاركة فاعلة لمقاتلي هذه التنظيمات في المعارك التي تدور شرق مدينة تعز، وبالذات في حي الجحملية.
وتتضمن التسجيلات، عمليات تدريب للعشرات من مقاتلي التنظيم الذين يظهرون وهم ملثمون، مرتدون الزي الأفغاني، وحاملون شعارات التنظيم، وهم يستخدمون أسلحة رشاشة, كما تظهر المشاهد اشتباكات عنيفة، وقصفاً بالمدفعية والهاون وعمليات قنص وهجمات على مواقع الجيش واللجان الشعبية في حي الجحملية.
وتظهر في التسجيلات، أطقم جديدة، طليت باللون الأسود، وطبع عليها شعار (القاعدة وتنظيم دولة داعش)، وعلى متنها عناصر مسلحة تتجول في الأحياء الخاضعة لسيطرتهم، وهي تبث عبر مكبرات الصوت حملة حقد محمومة بالمذهبية التكفيرية المقيتة ضد سكان الجحملية.
إن الحيثيات التاريخية واللغوية والدينية تؤكد أن الاستهداف الآثم للجحملية، هو استهداف للهوية الوطنية.. فاليمن الموحد في الهوية ضمن واحدية التاريخ والثقافة والجغرافيا والاقتصاد، يراد له عبر مشروع التقسيم الصهيوأمريكي وأدواته أن يتشظى ويقسم إلى مقاطعات وكنتونات تضمن ديمومة الصراع الداخلي.
إن بعض ملامح الهوية الوطنية طمست بفعل العدوان والاحتلال، وخاصة في بعض مناطق محافظة تعز وبعض المحافظات الجنوبية التي سيطرت عليها القاعدة وداعش، بدعم تحالف العدوان السعودي الأمريكي.
فالحال بالنسبة لمليشيات المرتزقة وداعش بتعز هو أسوأ حالاً من المرتزقة بالجبهات الأخرى، فهي بدت قوية، خصوصاً من خلال أفعالها الدموية وعمليات الذبح والتمثيل بالجثث التي تقوم بها للمدنيين الأبرياء وغيرهم، وعمليات إكراه الناس على تغيير معتقداتهم الدينية والوطنية والأخلاقية، وعمليات النهب والسلب والسرقة والجرائم المنظمة التي تقشعر لها الأبدان، مما نفّر سكان تعز منهم، وصرخوا وحملوا السلاح لتطهير محافظتهم.
فبعد سحق قيادات الصف الأول للمرتزقة وداعش، وأكثر من 8000 قتيل وجريح من المرتزقة وداعش، منهم أكثر من 700 قيادي من الصفين الأول والثاني (بحسب معلومات رسمية ظهرت مؤخراً)، والتي تعد ضربة قاتلة، وأكبر خسائر يتكبدها مرتزقة حزب الإصلاح وداعش بعد جبهة مأرب، وهذه الخسائر جاءت بعد تقطيع الخارطة العملياتية للمرتزقة والإرهابيين بتعز إلى مربعات صغيرة، وبشكل ممنهج وتدريجي وفق خطة عسكرية محكمة، والواقع العسكري على أرض تعز اليوم يختلف عن الواقع الإعلامي، ويشير إلى انحسار سريع للمرتزقة وداعش، فضلاً عن اندحارهم على الأرض عسكرياً.
ونحن نرى اليوم الهزائم المتوالية لعصابات المرتزقه وداعش وتحرير جبهات استراتيجية كهيجة العبد والجبل الأبيض في تعز، وتطهير العديد من القرى بالمحافظة والشوارع والأحياء بالمدينة، وتخليص سكان هذه المناطق من المرتزقة والإرهابيين، بأنه يأتي ضمن التطورات العسكرية التي بدأت تنفجر بصورة مشهد الحسم، وتشير إلى العد التنازلي للهزيمة النهائية للمرتزقة وداعش الذين بدأوا في الظهور بوحشية، وسرعان ما تلاشت تحت قوة وسطوة الجيش واللجان، وتزايد وعي المواطنين البسطاء بتعز.
فالبعض يرى أن معركة تعز تأخرت في الحسم من قبل قوات الجيش واللجان، وهذا مفهوم ومعتقد خاطئ، لأن حرب الشوارع سيسقط فيها ضحايا مدنيون كثر، وسيستغلها الإعلام المصاحب للعدوان ضد الجيش واللجان، وخصوصاً أن مدينة تعز ذات كثافة سكانية كبيرة، ولا زالت هناك شريحة لا بأس بها، مغرر بها لا ترى عين الإجرام والإرهاب والتدمير الذي تسكبه بشكل يومي أيدي الارتزاق والإرهاب.
في واقع الميدان من يقاتل بتعز المحافظة والمدينة أغلبيتهم الساحقة ليسوا من أبناء تعز، بل من كل حدب وصوب من داخل اليمن وخارجه، والسيطرة الفعلية لداعش وليس للمرتزقة، لأن قيادات الصف الأول من المرتزقة تم سحقهم، ومن تبقى منهم لاذوا بالفرار خارج اليمن يتاجرون بتعز لكسب الأموال فقط، لذلك لا قيمة لسقوط ضحايا مدنيين في معيارهم، وإن سقط مدنيون فهي فرصة سانحة للمرتزقة بالخارج لكي يصرخوا ويقبضوا الثمن، ومن هنا كانت الخطة البائسة لهم هي وضع المدنيين دروعاً بشرية، ومن يخالف يقتل ويسحل ويصلب.
إن المعطيات العسكرية الجديدة توحي بأن تعز أصبحت تعلو فيها لغة الحسم النهائي، وساعة الصفر اقتربت بشكل جدي وفوري وحاسم، مستندةً إلى الحشود العسكرية من القبائل والجيش واللجان، والتي تستعد هذه الأيام للانقضاض على هؤلاء الأشرار الجبناء الذين عاثوا في تعز فساداً.

تراث طويل من ثقافة السلم والصمود
تعتبر الجحملية من أشهر وأقدم الأحياء في مدينة تعز, وسميت بهذا الاسم في أيام الاحتلال العثماني (جاه مالية)، أي الإدارة المالية، حيث أنشئت في هذه المنطقة مبانٍ مختصة بالأمور المالية في ذلك الحين.
يعود تاريخ عمارة الجحملية إلى القرن الثامن الهجري، أيام الملك المجاهد علي بن المؤيد داوود بن المظفر الرسولي، وكان لها سور يحيط بها (كما جاء في معجم البلدان والقبائل اليمنية لإبراهيم المقحفي).. ولا يوجد اليوم أثر لبقايا السور، ولا يوجد من أرّخ لها، مع أنها أهم حارة يمنية مر بها وعاش فيها التاريخ أجمل أيامه.
بنسيجها السكاني الفريد المعبر عن كل ألوان الطيف اليمنية، كانت الجحملية صورة حقيقية لـ(اليمن الصغرى).. ويعود وجود أولئك الناس من مختلف المناطق فيها إلى ارتباطهم بالوظيفة العامة إبان حكم الإمام أحمد حميد الدين، والذي اتخذ من تعز مقراً شبه دائم لحكمه، بعد أن غادر صنعاء التي استقر فيها حكم والده، فقد كان يبحث عن منطقة يستطيع أن يدير منها أمور الدولة بهدوء، وخاصة أنه كان يتوجس خيفة من الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، فوفرت له تعز ما أراد.
بنى الإمام أحمد في الجحملية ما كان يسمى (المقام) (الذي تحول إلى متحف بعد ثورة 1962م).. واستقر في الجحملية مع حاشيته و(العُكفة) أو ما يسمى الحرس الخاص.. وبنى إلى الجنوب من المقام قصر صالة، فاختلطت حاشيته بأهل الجحملية، حيث وزع عليهم الإمام الأراضي ليبنوا فيها مساكنهم ويستقروا فيها.
إن أزهى عصر للجحملية كان في عهد الإمام أحمد، حيث إن سكانها كانوا من مسؤولي إدارة الدولة، وكانت بيوتها معدودة ومتنوعة الأصول والمناطق، فكانت خليطاً من البيوت الصنعانية والتعزية والتركية وغيرها.
وما يميز الجحملية عن غيرها أنها أهم وأشهر حارة يمنية على الإطلاق، لعدة أسباب، منها: ذلك المزيج السكاني الذي كان لها قبل غيرها، فهي كما أشرنا خليط من سكان اليمن، هذا المزيج جعلها متميزة بمن فيها من أناس اجتماعيين تركوا مدنهم ومناطقهم، واستوطنوا فيها، وهذا ما جعلهم يتعايشون بعيداً عن المشاكل التي تحدث في إطار الأهل والقبيلة الواحدة، فتوجب عليهم الانفتاح على بعضهم البعض كي يشكلوا مزيجاً فريداً، مكونين كتلة اجتماعية من الوجهاء، والعلماء والقضاة والموظفين والعسكر. هذا التنوع أوجد مشهداً مثيراً قلما تجد مثله، حيث غلب على أهلها الطابع المدني، وتميزوا باللطف وخفة الدم وسرعة البديهة، والجرأة، فقد امتزجت ثقافة العسكر - الذين جلبهم الإمام إليها - مع الجرأة والمغامرة، والمشاغبة، والهدوء، والفوضوية، لينتج عن كل ذلك ثقافة وليدة لا نستطيع أن نطلق عليها إلا ثقافة الجحملية، فكان أهلها اجتماعيين بكل ما تعنيه الكلمة.
أبرز ما يميز الجحملية عن سواها أنها المنطقة الوارفة بأحيائها الجميلة وأزقتها الجامعة لكل ألوان الطيف اليمنية. فأبناؤها يعرفون أنفسهم، قبل كل شيء، كحاملين لقيم أصيلة هي مبعث فخر لكل يمني، ويرون أنه من واجبهم الحفاظ على هذا الإرث الوطني العريق، ونقله إلى الأجيال المقبلة.
خلف جدرانها تختزل ألف صورة للبطولة، وتسرد ألف حكاية عن قصة مكان يغفو على معاناة ومآسٍ، ويصحو على انتصارات كثيرة.
هي الجحملية اليوم بكل تفاصيلها يتقاسمها الدمار والضحايا ورائحة الموت وترويج الكراهية واستحلال الدم.
فمنذ عام شهدت هذه المنطقة موجة نزوح سكاني نتيجة الحملات المسعورة ضدها والزحوفات اليومية لجحافل المرتزقة التي كانت قذائف الموت تهوي على رؤوس سكانها كالمطر.
ففي حالة الجحملية اليوم، يقف الشخص مشدوهاً، والكلمات عاجزة عن وصف هول المشهد، دمار هائل وعمارات متهاوية ومحترقة، وما تكاد الجحملية تخرج من صدمة حتى تقع في أخرى.
الجحملية شاهد على آخر فصول العدوان، وعليها كانت بصماته الأخيرة.. أفشلت لأكثر من 600 يوم من العدوان, بصمودها البطولي، رهانات العدو ومرتزقته، وأوقفت اختراقهم لجبهة القتال بعد نجاح أبطالها بإفشال مخططات أعداء الوطن في إحداث ثغرة في الجهة الشرقية من المدينة.
فقد مثل صمود الجحملية الخالدة، أول برهان على إمكانية مواصلة تحدي المشروع السعودي الأمريكي الصهيوني، الذي تحول إلى سرطان يحاول الانتشار في كل مكان.. ولا أمل في الشفاء من السرطان، إلا بحرب متصلة وصراع مستمر، تتنوع أشكاله وأساليبه، بتنوع أشكال المقاومة، فمع السرطان (الوهابية) لا يوجد غير أحد حلين: إما أن تقضي عليه أو يقضي عليك، فشأنه شأن كل مرض لا يمكن أن يهجر جسدك طوعاً.
لقد أثبت صمود الجحملية (فيما هي على مرمى حجر من العدو)، والتضحيات الجسام التي قدمها شبانها الشجعان، أن (الدواعش) حفنة من العصابات يمكن صدهم ودحرهم، وبقوة مستمدة من إيمان عميق. وسيعطي هذا الصمود درساً وقوة دفع كبيرة لكل المقاتلين في مناطق العمليات الباقية، وسيخلد التاريخ في أنصع صفحاته مواقفهم الشجاعة في مواجهة الإرهاب والجماعات الداعشية.
من الغباء ومن الجهل أن نغض الطرف ونتجاهل أن الحرب في تعز صناعة دولية صرفة، وقد قالها الخائن هادي صراحة في مقابلة له على قناة (الجزيرة) إن الحرب في تعز تتحكم بها دول، وذلك بعد سؤال مذيع (الجزيرة) الإخواني مراد هاشم: لماذا لا تحسم معركة تعز..؟ فهادي يرمي هنا للسعودية وبشكل واضح.
ومنذ أيام، وبعد لقاء كيري بالوفد الوطني في عمان، وعلى انفراد، وإعلان وقف الحرب في ١٧ نوفمبر الجاري، يأتي وزير خارجية فنادق الرياض ليقول إن الحكومة عازمة على حسم معركة تعز.. وبهذا يتأكد للجميع بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل، أن حرب تعز ورقة سياسية تتلاعب بها قوى هادي ومن خلفهم الرياض كممول ومحرك لهذه الحرب، ولا شأن لصعدة وأنصار الله بما حدث ويحدث لتعز من دمار.. الحقيقة أن عدو تعز الحقيقي والفعلي هو الرياض وقوى الخونة التي تقبع في فنادقها.
إن مآثر ملحمة الصمود طرحت فعل القوة، بمعناها العسكري، ضمن حلقة من حلقات الصراع، وعلى الرغم من أنه لم يكن متاحاً لها أو لم يتوفر لقادتها الإرادة لتحقيق انتصار أكبر، لكن ذلك لم يكن بسبب استخدام القوة، كما يبشرنا الآن الانهزاميون بأثر رجعي، بل بسبب نقص استخدامها، ومحدودية أشكال ممارستها، وأفق القيادة السياسية للمواجهة، لكن الوهابية الصهيونية لاتفهم غير هذه اللغة.
علينا أن ندرك ونعي جيداً أن تعز ليست أولئك الأوباش الذين يحرقون أو يسحلون الناس في الشوارع ويصلبونهم. تعز هي الحالمة وليست الناقمة؛ هي الثقافة والعلم والأدب والمدنية والتاريخ والحضارة.
تعز هي الجحملية.. أولئك النبلاء الذين يتواجدون في كل أصقاع اليمن، يسقون ترابه كفاحاً ونضالاً بشرفٍ وكرامةٍ وكبرياءٍ وعزة نفس.
تعز هي الجحملية قلب اليمن النابض وشريانها المتدفق في أرجاء وسائر الجسد اليمني الواحد.
تعز هي الأمل الذي لا يمكن أن يبدد فجره سوادُ ليل أولئك الضالين المارقين من كل معاني وقيَم الإنسانية.
تعز هي اليمن في أجمل حللها وأبهى صورها، فلا تشوهوا وجه اليمن الحالم الجميل، وتحولوها إلى غابة مخيفة مملوءة بالوحوش البشرية.
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان