كَذَبَ الدنابيع وصدق (السياسي الأعلى)
نحو الصرف

رغم الضائقة الاقتصادية الكبيرة التي خلفتها الحرب والحصار على اليمن منذ ما يقارب العامين، من قبل العدوان السعودي الأمريكي، إلا أن المجلس السياسي وفى بوعده تجاه موظفي الدولة، الأربعاء قبل الماضي، والتزم بتنفيذ قراره الذي تضمن صرف رواتب موظفي الدولة بشكل جزئي وتدريجي نظراً لشحة السيولة المالية.
اتخاذ قرار كهذا لم يكن سهلاً، خاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة وحصار قاتل وأزمات متلاحقة فرضتها سياسات سابقة وعدوان مستمر وحصار جائر براً وبحراً وجواً، إضافة الى قرارات خاطئة اتخذها العميل هادي وحكومته، تمثلت بمنع التوريدات المالية إلى البنك المركزي بصنعاء من المحافظات الجنوبية والشرقية، بما فيها عوائد النفط والضرائب والجمارك وغيرها، وبنسبة تزيد عن 70%.. ومن ضمن هذه القرارات أيضاً قرار كان بمثابة إعلان حرب اقتصادية على الشعب اليمني، وهو نقل البنك المركزي إلى عدن.
صرف المرتبات
لحق قرار المجلس السياسي أيضاً تعميم صادر عن وزارة المالية، الأسبوع الماضي، أكدت فيه الوزارة أنها ستبدأ بصرف مرتبات منتسبي وزارة الدفاع لشهر أغسطس الماضي، وصرف 50% من استحقاقات المتقاعدين المدنيين والعسكريين والأمنيين لشهر سبتمبر الماضي.
وأوضح التعميم أنه سيتم صرف 50% من المرتبات الأساسية والبدلات القانونية المرتبطة بالمرتب لشهر سبتمبر الماضي فقط للموظفين الأساسيين بوحدات الخدمة العامة، وبما لا يتجاوز 50% من الاستحقاقات الواردة في الكشوفات، وكذا صرف 50% من استحقاقات شهر سبتمبر للموظفين المتعاقدين.
ودعت وزارة المالية كافة الجهات المعنية بتحصيل الإيرادات على مستوى السلطتين المركزية والمحلية في أمانة العاصمة وعموم محافظات الجمهورية والوحدات الاقتصادية والوحدات المستقلة والملحقة والصناديق الخاصة، إلى العمل على تكثيف الجهود والحرص على تحصيل الموارد العامة المستحقة قانوناً، وتوريدها إلى خزينة الدولة في البنك المركزي اليمني أولاً بأول.. ودشنت الهيئة العامة للبريد، بداية الأسبوع الماضي، أعمال صرف مرتب شهر أغسطس لمنتسبي الجيش والأمن، استناداً إلى قرار وزارة المالية. 
وقال مدير عام هيئة البريد، المهندس محمد علي مرغم، في تصريح لوكالة (سبأ)، إن عملية الصرف بدأت لعدد من وحدات وزارة الدفاع تنفيذاً لتوجيهات وزارة المالية بناءً على ما أقره المجلس السياسي الأعلى ببدء صرف جزء من مرتبات موظفي الدولة المدنيين والعسكريين، وبشكل تدريجي.. وأكد مرغم أن عملية الصرف تتم بالتنسيق مع البنك المركزي بصورة تدريجية، والبداية ستكون صرف مرتبات منتسبي الجيش والأمن، يليها صرف 50% من راتب شهر سبتمبر لموظفي وزارة التربية والتعليم، ومن ثم المتقاعدين في الوزارات والمؤسسات المدنية التي تصرف عبر هيئة البريد.
ولفت إلى أن هيئة البريد تعمل على تسهيل الصرف عبر مكاتبها المنتشرة في أمانة العاصمة وعدد من المحافظات، وفق ما توفر لها من سيولة نقدية من البنك المركزي اليمني.
وبالإضافة إلى ذلك، بدأ البنك المركزي في العاصمة صنعاء، مطلع الأسبوع الماضي، بصرف رواتب بعض الجهات الحكومية، ومنها وزارة المالية، لشهر سبتمبر، والهيئة العامة للتأمينات، ورواتب موظفي مؤسسة الكهرباء لشهري يوليو وأغسطس. وقال موظفون حكوميون يعملون في بقية الجهات المدنية، إن رواتبهم ستصرف خلال الأيام القادمة حسب الوعود التي حصلوا عليها.

جدية المجلس السياسي
وقال خبراء اقتصاديون إن خطوة صرف مرتبات العسكريين، تقدم دليلاً لليمنيين على جدية المجلس السياسي الأعلى في تحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية، خصوصاً بعدما تصاعدت بصورة كبيرة معاناة وصمود المواطنين اليمنيين جراء تأخر صرف الرواتب، لا سيما وأن هناك 1.3 مليون موظف يمني في القطاعين المدني والعسكري يعولون حوالي 7 ملايين نسمة، بما يعادل ربع عدد السكان في اليمن، مشيرين إلى أنه رغم الآثار الكارثية لقرارات هادي العدوانية والحاقدة على الشعب، والقاضية بنقل البنك المركزي إلى عدن، إلا أن الأمر باء بالفشل. فقد اتخذ العميل هادي ومرتزقة الرياض هذا القرار من أجل الضغط على الشعب اليمني، واستخدام مثل هذا القرار كان الهدف منه اللعب بورقة الاقتصاد تعويضاً لما خسروه على الأرض. بالإضافة الى استغلال الموارد المتاحة للبنك في التظاهرات المؤيدة وشراء الولاءات في المحافظات الجنوبية.
وتعتبر خطوة اتخاذ قرار صرف الرواتب إنجازاً كبيراً من قبل المجلس السياسي، ودليلاً على قدرة اليمنيين في إنتاج البدائل لمواجهة صلف العدوان السعودي الأمريكي ومؤامراته الخطيرة، والتي تجلت بأزمة السيولة بعدما فعل العدوان والمرتزقة فعلهم في تأجيجها بحجز الأموال لدى مرتزقتهم السريين المنتشرين بالداخل، وقيامهم بإتلاف مبالغ هائلة من العملة الوطنية، وعرقلة توجهات البنك المركزي لطباعة العملة المحلية لتجاوز أزمة السيولة النقدية وصرف الرواتب.

إفشال مؤامرات العدوان ومرتزقته
قرارات وسياسات هادي ومرتزقته الرعناء والحاقدة ضد الشعب اليمني، هي التي أوصلت البلاد الى حافة الهاوية، ودمرت كل بنيتها التحتية. ولم يكتفوا بذلك، بل لجأوا الى استخدام سياسة تجويع وقتل اليمنيين، باعتبارها سياسة ضغط على من يعتبرونهم خصوماً لهم. بيد أن مثل هذه السياسات غير الأخلاقية ضد الشعب اليمني، لم تثمر، وإنما جعلت المواطن اليمني أكثر حماساً وصبراً وتماسكاً وإدراكاً بأن هذه السياسات جزء من الحصار، وآخر ورقة يستخدمها العدوان السعودي ومرتزقته تجاه الشعب اليمني. 
وأمام هذه السياسات الحاقدة على الشعب اليمني لم يقف المجلس السياسي والقائمون على أعمال الحكومة مكتوفي الأيدي، بل اتخذوا إجراءات اقتصادية سريعة من أجل مواجهة هذا الحصار الخانق والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فشكلوا لجاناً اقتصادية للنزول الى الميدان والمؤسسات الحكومية الإيرادية منها والاقتصادية، لبحث كيفية تفعيل الموارد الاقتصادية المتاحة وإيرادات الضرائب والجمارك.
ومن ضمن هذه السياسات الاقتصادية التي اتخذت من قبل المجلس السياسي، العمل على توفير السيولة المالية ورفد البنك المركزي بمبالغ جديدة، إضافة الى التبرعات الأخرى. وفي ضوء ذلك، اتخذ قرار صرف رواتب موظفي الدولة بشكل تدريجي. وجاءت هذه الزيادة في الضرائب نتيجة جهود القيادات الجديدة لمصلحة الضرائب التي بذلت جهوداً كبيرة ونوعية أدت الى تحسين الأوعية الضريبية لتتحقق زيادة في الإيرادات الضريبية بلغت 31 مليار ريال خلال شهر مايو من العام الجاري، ومثلها في الأشهر التي تلته، وبنسب متفاوتة. 

وعي شعبي لما يحاك ضده
وفي ظل هذا الحصار الخانق والحرب المدمرة من قبل العدوان السعودي ومرتزقته في الداخل، والأزمات الاقتصادية، وتوقف صرف مرتبات موظفي الدولة، إلا أن الشعب اليمني، رغم كل ذلك، أظهر صموداً أسطورياً وثباتاً منقطع النظير أذهل العالم. فشاهدنا الموظفين رغم توقف رواتبهم يذهبون الى مقرات عملهم، ورأينا المدرسين والطلاب في مدارسهم، وحركة الشارع تسير بشكل طبيعي. هذا الصمود الذي سطرته كل فئات الشعب تجاه العدوان، يعطي رسالة واحدة مفادها أن الشعب اليمني أصبح واعياً ومتماسكاً أكثر مما مضى، ولسان حالهم يقول: نجوع ولا نركع.. وعما قريب ستنفرج الأمور، وسيتحقق النصر.
 ويرى خبراء اقتصاديون أن صرف مرتبات العسكريين لشهر أغسطس الماضي، وصرف 50% من مرتبات الموظفين المدنيين، جسد إلى حد كبير وفاء المجلس السياسي الأعلى بوعوده للشعب بصرف مرتبات الموظفين التي تعثر صرفها منذ 3 أشهر، بعدما لجأ تحالف العدوان إلى دفع الفار والمرتزق عبد ربه منصور للعب بالورقة الاقتصادية بنقل البنك المركزي اليمني.

خطوة إنسانية
وأكد الخبراء أن ما أدركه اليمنيون خلال الفترة الماضية هو أن الفار هادي ومرتزقته في فنادق الرياض نقلوا البنك المركزي اليمني إلى عدن، وجمدوا نشاطه رغم الآثار الكارثية لقرارهم في تأخر صرف مرتبات الموظفين، بما في ذلك المحافظات الواقعة تحت سيطرة قوات الاحتلال الإماراتية والسعودية، مشيرين إلى أن هذه الخطوة الإنسانية العظيمة التي باشرتها صنعاء لصرف مرتبات العسكريين والموظفين المدنيين، تنطوي على رسالة إلى المؤسسات المالية الدولية بقدرة البنك المركزي في صنعاء على إدارة العمليات المصرفية والنقدية والوفاء بالتزاماته حيال الشعب اليمني في أسوأ الظروف.
وذكَّروا بالوعود التي سوقها العميل هادي وحكومة فنادق السعودية بشأن صرف مرتبات الموظفين، في الأمم المتحدة وغيرها، والتي لم تنفذ حتى الآن رغم استحواذهم على البنك المركزي اليمني وأرصدته الداخلية والخارجية، في ظل دعم العدوان السعودي والإماراتي والدولي لهم بشكل كبير، مؤكدين أن هذا الفشل يؤكد سوء النية لدى المرتزقة، وفي المقدمة هادي وحكومته، وتركيزهم فقط على كيفية استثمار خطوة نقل البنك المركزي اليمني لإخفاء عمليات النهب التي يقومون بها، ومحاولاتهم المحمومة لنهب أرصدة البنك وتوجيهها لإشعال حرائق وحروب، دون الاكتراث لمعاناة المدنيين اليمنيين، بمن فيهم القاطنين في المحافظات الخاضعة لسلطة قوات الاحتلال الإماراتية والسعودية.

الفار هادي وسياسة التجويع
ويقول موظفون في البنك المركزي نفسه إن القرار الذي اتخذه العميل هادي يهدد بقطع شريان الحياة عن ملايين الفقراء، ويدفع أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية إلى حافة المجاعة.
البنك المركزي استطاع الصمود وتنفيذ واجباته والوفاء بالتزاماته تجاه أبناء الشعب اليمني لما يقارب العامين. ورغم ضعف الإمكانيات، واستمرار العدوان والحصار الجائر، واصل البنك المركزي توفير خطوط ائتمان تضمن الواردات، واستمر في دفع رواتب العاملين بالدولة، بمن فيهم قوات وحدات قاتلت في صفوف العدوان السعودي الأمريكي.
وأكد فارع المسلمي، المحلل في معهد الشرق الأوسط، أن الإجراءات التي تستهدف البنك المركزي ستقطع (الشريان الوحيد) الذي يبقي على تماسك اليمن. وأضاف: (من الحماقة أن يعتقد البعض أن بالإمكان استنساخ البنك المركزي بهذه السرعة) في عدن. ويرى المسلمي أن الوضع الأمني في المدينة يجعلها غير مناسبة للبنك، حيث شهدت عدن ولا تزال تفجيرات انتحارية عديدة استهدفت مسؤولين كباراً من بينهم محافظ عدن وقائد شرطتها.