ناجون يروون تفاصيلها المرعبة
مجزرة حي الهنود

أبو بكر سالم فقد والده وأمه و3 من أخواته، وهو الناجي الوحيد من أسرته. قال إنه لا يعرف ما هو السبب الذي جعل الطائرة تستهدف الحي (ليس هناك حوثيون ولا يوجد أي سلاح، فكل أبناء الحي من الفقراء وأناس مسالمون ليس لهم أية علاقة بالحرب والقتال).. تعتبر مجزرة حي الهنود بمدينة الحديدة، من أبشع المجازر حتى اللحظة التي نفذها طيران العدوان السعودي، الذي استهدف في تاريخ 21 سبتمبر المشؤوم مجلس عزاء في حي الهنود. هذه المجزرة لم تكن الأولى وليست الأخيرة بحق اليمنيين، فقد سبقتها وتلتها مجازر عدة وأفظع.
في هذا العدد تنفرد صحيفة (لا) بنشر بعض القصص المحزنة، وشهادات لشهود عيان وبعض الجرحى الناجين من جحيم الغارة على حي الهنود، والتي وثقتها (اللجنة الوطنية لتوثيق جرائم العدوان وتنسيق جهود الإغاثة) في آخر تقاريرها الميدانية التي حصلت الصحيفة على نسخة منها.
منطقة منكوبة
في أحد أحياء مديرية الحوك بمدينة الحديدة، يقع الحي الشعبي (حي الهنود) الذي يبعد عن القصر الرئاسي كيلومتراً واحداً تقريباً. ويتكون الحي من 208 مساكن، وهي عبارة عن منازل شعبية مبنية من الطوب الإسمنتي (البلك)، وتقطنها 203 أسر، معظمها من الأسر التي استوطنت الحي منذ القدم، وتوارث الأبناء تلك المنازل التي يقيمون فيها. ويعتبر من أشد الأحياء الفقيرة بؤساً، فتعيش تلك الأسر أوضاعاً مأساوية جراء الحر الشديد وانقطاع الكهرباء وتدني مستوى الخدمات العامة، كل ذلك يجعلها في الأساس منطقة منكوبة، وقد تفاقمت المأساة على أبناء الحي عقب استهداف طيران العدوان لمجلس عزاء كان يقيمه أحد أبناء الحي بغارة جوية، مساء الأربعاء 21 سبتمبر 2016م. 
يتميز حي الهنود بالبساطة والتعايش المتبادل بين ساكنيه، فمعظم تلك الأسر في الحي تعيش منذ عقود، فقد توطدت الروابط الاجتماعية وتداخلت مع بعضها البعض بالتزاوج والأنساب وعلاقات القرابة، وأصبح كل من في الحي يعيشون كأنهم أسرة واحدة.
أغلبية المنازل التي يسكنها أبناء حي الهنود منازل شعبية وضيقة، وهذا ما جعل سكان الحي يقيمون غالباً مناسباتهم الاجتماعية كمناسبات الأفراح أو مراسم العزاء وغيرها في الشارع العام (الزقاق) أمام منازلهم، نظراً لأن الوضع المادي للكثير منهم لا يمكنهم من إقامة تلك المناسبات في الصالات لأن تكاليفها باهظة ولا يستطيعون دفعها. كما أن مساكنهم ضيقة لا تتسع لاستقبال الوافدين لمثل هذه المناسبات. وفي ظل ارتفاع حرارة الطقس التي تتميز بها محافظة الحديدة، وانطفاء الكهرباء التي تعتبر من أهم معاناة السكان، وخاصة في مثل هذه الأحياء الفقيرة الذين لا تمكنهم حالتهم المادية من شراء مولدات كهربائية أو مكيفات ومراوح قد تلطف الجو الحار. لذلك فجميعهم تقريباً يقضون الليل إما على الأسطح ككبار السن والنساء. أما الشباب فيقضون الليل أمام المنازل أو في أماكن جلسات القات في الشارع.
محمد أحمد عبده، 70 عاماً، جريح، وهو أحد أبناء الحي، فقد زوجته يوم الثلاثاء 20 سبتمبر 2016م، وأقام لها مراسيم العزاء في الشارع أمام المنزل. يقول: توفيت زوجتي في اليوم الأول قبل الغارة، وقد أقمنا لها عزاء في الحارة أمام منزلنا. مضيفاً: لقد نصبنا خيمة عزاء دون تغطية سقفها بسبب الحرارة المرتفعة، وفيها استقبلنا المعزين، خيمة العزاء هي للرجال والنساء في نفس الوقت، لكن يفصل بيننا وبين النساء حاجز من القماش أو الطرابيل، وقد كنت أنا وأبنائي نستقبل المعزين، فيما تستقبل بناتي في الجهة الأخرى عزاء النساء، ويقمن على خدمتهن.
وعن ظروف الحادثة يقول محمد أحمد عبده: كان المكان مكتظاً بالمعزين. بدأت الغارة الأولى التي استهدفت القصر الجمهوري، فغادر المكان البعض منهم، وبقينا أنا وأبنائي وزوج ابنتي وأحفادي وبعض من المعزين، بينما دخلت النساء إلى منزلي، وقبل الغارة الثانية بلحظات كنت قد صعدت إلى منزلي، ودخلت إلى غرفتي، وما هي إلا لحظات قليلة حتى سمعت دوي انفجار عنيف في الحي قذف بي بعيداً واصطدمت بحائط الغرفة، وارتطمت بالنافذة وسقطت على الأرض، ولم أشعر بشيء بعدها إلا وأنا في المستشفى.
ويضيف: حين صعدت إلى المنزل كان هناك ما يقارب 18 امرأة في صالة المنزل، صعدن عقب الغارة السابقة التي استهدفت القصر الجمهوري، علمت في ما بعد أن جدار الصالة والحمام قد تحطم عليهن، وبحمد الله لم تصب الكثير منهن بأذى سوى فتاتين كانتا في النافذة، وهما (علية مزجاجي، وأحلام أمو) اللتان وقعتا أمام المنزل، وقد أصيبت مزجاجي بجروح بالغة عندما ارتطم رأسها بالأرض، ودخلت في غيبوبة، كما أصيبت الأخرى بكسور متفرقة.
حسرة وألم
عندما كان يروي لنا محمد أحمد أهوال ما مر به وبعائلته جراء تلك الغارة التي استهدفت مراسيم عزاء زوجته، كان واضحاً الألم على وجهه والحزن على فقدان أحد أحفاده وزوج ابنته نجلاء، كان حزيناً جداً على ابنته التي قال إنها خلال يومين فقدت أمها وزوجها وأحد أبنائها.
قال: أشعر بالقهر على من فقدناهم، وأشعر بالحسرة والألم أكثر على ابنتي نجلاء، فهي حزينة أكثر منا جميعاً، وكيف لها أن تتحمل مثل هذه الفاجعة، كانت متعلقة كثيراً بأمها وزوجها وأبنائها، وهي الآن تفقدهم في يومين فقط، في الأمس فقدت والدتها، واليوم تفقد زوجها عبد الكريم وولدها نزار. 

فقدت صديقيّ أمام عيني
أما إبراهيم عياش فصائي، 35 عاماً، أحد الناجين من غارة حي الهنود، فيقول: تعودنا نحن الشباب في الحديدة أن تكون جلساتنا ليلاً، خاصة مع انقطاع الكهرباء وارتفاع درجة الحرارة. مضيفاً: في تلك الليلة خرجت بعد صلاة العشاء، والتقيت بأصدقائي فهد وحسن إبي ومصطفى حمدو الذي قتل في الغارة، وكنا نتحدث معاً في تلك الأثناء. وقد شاهدنا أسرة الشاب أبو بكر سالم مرت من أمامنا في الحي، وهم أبوه سالم وأمه وأخواته الثلاث، وجميعهم استشهدوا، وبقي أبو بكر وحيداً. كان جميع أفراد أسرته متوجهين إلى أحد بيوت أقاربهم، حسب ما ذكره إبراهيم الذي أردف: لقد شاهدنا أسرة أبو بكر جميعهم كانوا خائفين من القصف الذي استهدف القصر الجمهوري قبل الغارة على حي الهنود بدقائق. 
وتابع إبراهيم: بعد دقائق من القصف على القصر الجمهوري، شاهدنا شعاع ضوء، وسمعنا بعدها مباشرة دوي انفجار قوي هز الحي بالكامل. وقد قذف هذا القصف بي وبزميلي فهد إلى الخلف داخل المنزل الذي كنا نستند على إحدى بواباته الجانبية. كان الظلام يخيم على المكان. وقد بحثنا عن هواتفنا لنضيء المكان، فلم نجدها، وفي تلك اللحظة جاء أحد سائقي الدراجات النارية وأضاء المكان فخرجنا، للبحث عن أصدقائنا الآخرين، وكنا ننادي: حسن. حسن. مصطفى. مصطفى؟ فشاهدنا حسن في البداية مرمياً على الأرض، وحين اقتربنا منه وجدناه جثة هامدة وقد فارق الحياة، وصرخنا: (لا إله إلا الله، حسن شهيد. حسن شهيد)، وفي الجهة الأخرى وجدنا مصطفى أيضاً قد فارق الحياة. ويقول إبراهيم عايش إنه في تلك الأثناء كان يسمع صوت الطائرة تحلق في الأجواء، كما أنه سمع أزيز الصاروخ قبل ارتطامه بالمبنى الذي كانوا يجلسون بجانبه.
ويضيف: أحد شباب الحي يدعى عبد الجليل، وهو شاب عشريني كان مُقبلاً على الزواج، ويقوم بترتيبات عرسه، مر من أمامنا قبل القصف بلحظات، وألقى علينا التحية، وواصل السير، لكنه لم يبتعد كثيراً، وقد قتل في تلك الغارة. مشيراً إلى أن 3 شبان آخرين كانوا يجلسون في الجهة الأخرى من المكان الذي كان يجلس فيه إبراهيم، أيضاً استشهدوا. أما إبراهيم فقد تعرض لجروح سطحية أسعف على إثرها للمستشفى حيث تلقى الإسعافات اللازمة، وغادرها بنفس الليلة.
قتلوا جميع أفراد أسرته
أبو بكر سالم علي يحيى، 17 عاماً، أحد سكان حي الهنود بمدينة الحديدة، كان يعيش في منزل متواضع في كنف أسرته الصغيرة المكونة من أبيه وأمه و3 أخوات. تحدث أن جميع أفراد أسرته أصيبوا بالذعر والخوف كغيرهم من أبناء الحي، عقب الغارة الجوية التي استهدفت القصر الجمهوري القريب من الحي، وغادروا جميعهم منزلهم إلى منزل لأحد أقربائهم في حي آخر، وحين اختفى صوت الطائرة التي كانت تحلق في الأجواء، وحين ظن الجميع أنهم صاروا بمأمن، عادوا مرة أخرى إلى منزلهم في حي الهنود، وهناك وعلى بعد أمتار من منزلهم، حدث ما لم يكن في الحسبان، واستشهد جميع أفراد أسرته.
ويشرح أبو بكر سالم ما حصل بالقول: عقب الغارة الأولى التي استهدفت القصر الجمهوري بالجوار من الحي، شعرنا بالرعب، وقرر والدي أن يأخذنا جميعاً إلى منزل عمتي في الحي المجاور، مكثنا هناك لبعض الوقت، وحين اختفى صوت الطائرة التي كانت تحلق فوقنا، ظننا أننا أصبحنا بأمان، فتركنا منزل عمتي وتوجهنا عائدين إلى منزلنا، عاد أبي وأمي برفقة أخواتي الثلاث باتجاه المنزل، بينما ذهبت على متن دراجتي النارية نحو الصيدلية لشراء بعض الأدوية التي طلب والدي مني شراءها، ذهبت من شارع آخر غير الشارع الذي مضت منه عائلتي، وعندما وصلت إلى الصيدلية سمعت صوت الانفجار، ومن قوة ذلك الانفجار تطاير زجاج الصيدلية، فتحركت مسرعاً باتجاه المنزل، وعندما وصلت كانت الحارة مظلمة، وأصوات صراخ الناس مرتفعة بالبكاء والعويل من كل مكان، وكانت المباني محطمة وركام المنازل متناثراً في الشارع، حتى منزلنا تحطم أيضاً. دخلت مسرعاً وأنا أنادي أبي وأمي، وكررت النداء أكثر من مرة، فقد كنت مرعوباً أن يكونوا تحت ركام المنزل، لكن لم يجبني أحد، وحين خرجت وسألت أحد جيراني عن أسرتي، قال لي إنهم لم يعودوا بعد إلى المنزل. وأجابني آخر بأنهم هناك بجانب الجامع.

انشطر جسد والدي نصفين
واستطرد أبو بكر: توجهت مسرعاً باتجاه الجامع. وهناك كانت الكارثة التي لم أستوعبها، فقد وجدت أبي وأمي وأخواتي الثلاث جميعاً قتلى. كانت حالتهم مأساوية، كان جسد والدي قد انشطر إلى نصفين، وبقية الجثث مشوهة، وأختي الكبيرة ممزقة ومشوهة أكثر. حينها أصبت بالصدمة، حاولت البكاء لكني لم أستطع، فقط كنت أصرخ وأنادي: أبي أمي أخواتي، أحسست ساعتها أني سأموت بسبب الصدمة، وقد أغمي علي ونقلت إلى المستشفى. 
وأوضح أنه لا يعرف ما هو السبب الذي جعل الطائرة تستهدف الحي: (ليس هناك حوثيون، ولا يوجد أي سلاح، فكل أبناء الحي من الفقراء وأناس مسالمون ليس لهم أية علاقة بالحرب والقتال).
أبو بكر الذي أصبح اليوم بلا مأوى ولا أسرة، تذكر حديثاً كان يسمعه على لسان أبناء الحي قديماً حين كانوا يخبرونه وهو لازال صغيراً بأنه وحيد أسرة، وكان هذا الحديث مثار استغراب بالنسبة له، وهو ما دفعه لسؤال والده لماذا يقولون عنه وحيد أسرة ولديه 3 أخوات. قال إن والده كان يرد عليه حينها: يقال عنك ذلك لأنك ليس لديك إخوة من الذكور، فأنت وحيدنا أنا وأمك وأخواتك من الإناث. 
أبو بكر سالم أثناء لقاء اللجنة الوطنية لتوثيق جرائم التحالف معه، قال: أتمنى الآن أن يسمعني والدي فسأخبره أن ذلك الكلام الذي كنت أسمعه وأنا طفل، أصبح حقيقة اليوم، وأني أصبحت وحيد أسرة فعلاً، وليس لي أي إخوة لا من الذكور ولا من الإناث، كما لم يعد لي أب ولا أم ولا منزل أعيش فيه، فقد قتل جميع أفراد أسرتي وتهدم منزلي.
جثت ممزقة، وأطراف مبتورة، ورؤوس مهشمة 
يقول مرغني حسين مكي، 50 عاماً، جريح، وشاهد عيان: كنت أنا وزوجتي وأمي وابني نتناول العشاء فوق سطح منزلنا، وفجأة سمعت دوي انفجار عنيف، تطايرت علينا بعض الأحجار، فاستدرت لمشاهدة المنازل المجاورة لنا، فلم أشاهد منزل الأخ محمد أحمد، كما أن بيت الدكتور محمد الإبي أيضاً كان قد تدمر، خرجت مسرعاً باتجاه الحي والتقيت بالعاقل، كان وقتها يصرخ ويقول لي: يا مرغني؟ أسرع، الناس موتى في الحارة. وقد توجهت مباشرة ناحية منزل الأخ محمد حيث مكان العزاء، وكانت الحالة مأساوية، وشاهدت جثثاً مقطعة، البعض منها قد قطعت أياديهم والبعض أرجلهم، ومنهم من تهشم رأسه تحت أنقاض المنازل، كما شاهدت الأخ عبدالجليل أحمد عبده كان يزحف على الأرض وقد بترت يده وإحدى ساقيه، وحملته إلى أحد المنازل ليتم إسعافه، وعدت بعدها إلى مكان الغارة، فوجدت جثة الأستاذ عبدالقادر أمو وهو ميت بعد أن نزف وقد بترت إحدى ساقيه، كما وجدت جثة الشاب منذر عامو، 26 عاماً، قتيلاً تحت الركام، فقد كان قبل الغارة يجلس على (بلكونة) الأخ محمد، فهو مسؤول الصوتيات في العزاء، لكنه سقط مباشرة على الأرض مع البلكونة. كما وجدت إحدى الجثث تحت الركام، كان رأسها محطماً تماماً ولا يبرز منها سوى اليد اليسرى، وكنت أسمع صراخ امرأة تقف خلفي مباشرة وهي تقول: هذا زوجي تحت الركام، التفت ناحيتها متسائلاً أنت من؟ فأجابت أنها الأستاذة نجلاء محمد أحمد (ابنة صاحب العزاء)، وقد عرفت أن الجثة لزوجها من خلال الساعة التي كان يلبسها. كما شاهدت فتاة تدعى علية مزجاجي، سقطت أمامي من الدور الثاني مغشياً عليها، وقد رفعتها من الأرض وحملتها باتجاه إحدى السيارات ليتم نقلها إلى المستشفى.
واستطرد مرغني أن الوضع كان مأساوياً وكارثياً، فقد كانت بعض الجثث متناثرة ومتطايرة في الحي، والبعض منها تحت الركام، وكان الحي يعج بصراخ وعويل النساء من هول الفاجعة وفقدان ذويهن.
كما قال إن أحد أبناء الحي وهو (أبكم) جاء إليه وهو يحمل ساقاً مبتورة لأحد الضحايا، لم يعلم حينها أنها رجل لأحد الضحايا، كان يظن أنها قطعة خشبية، وعندما لمستها شعرت بالذهول.
مرغني أيضاً هو الآخر لا يعلم لماذا تم استهداف الحي، قال إن سكان الحي هم من البسطاء والمسالمين، ولا يوجد قادة عسكريون أو معسكرات ولا مخازن للأسلحة.
 
مزجاجي.. كسور في الجمجمة وفقدان الذاكرة
علية أحمد مزجاجي، 25 عاماً، جريحة، كانت في منزل العزاء، وسقطت من نافذه الطابق الثاني، وارتطم رأسها بالأرض، تمكن فريق الرصد والتوثيق من زيارتها في المستشفى الجمهوري بمدينة الحديدة، وقد أصيبت بفقدان الذاكرة، وعندما حاول الفريق الحديث معها كانت لا تدرك ما الذي حدث لها بالضبط، فهي تتذكر ما قبل الغارة فقط، وتحدثت ببطء قالت إنها كانت متواجدة في بيت العزاء، لكنها لا تعلم ما الذي حدث بعد ذلك.
أما أخوها عبد القادر مزجاجي، 31 عاماً، فقال إن أخته تعاني من كسور في الجمجمة، وهي فاقدة الذاكرة. وتعمل علية في الشرطة النسائية بأمن المطار، وكانت تتمتع بشخصية قوية، لكنها اليوم تعيش في وضع موت سريري، وتستدعي حالتها تدخلاً جراحياً في الخارج، فإمكانات المستشفيات المحلية ليس بمقدورها تقديم العلاج اللازم لها.
السيجارة أنقذته من الموت
وفي نفس الحي التقينا حسن عبد الله الحكيمي، 40 عاماً، شاهد عيان، جريح، تحدث أنه كان في العزاء، وقبل الغارة مباشرة ذهب لشراء سيجارة من الدكان الذي يبعد أمتاراً قليلة من مكان العزاء، وحين وصل إلى الدكان حدثت الغارة ودوى انفجار عنيف في الحي، وقال: أصبت ببعض الجروح في ساقي، وعدت أجري باتجاه المكان، لكن من هول الفاجعة والمنظر الذي أصبح عليه الحي، وصراخ وعويل النساء والأطفال، لم أستطع تحمل ذلك، وانسحبت وأنا أتوكأ على قدمي خارج الحي، وتوجهت للمستشفى لأسعف نفسي. ويضيف أنه في البداية كان يسمع صوت الطائرة التي تحلق في الأجواء قبل أن يختفي صوتها، ومن ثم سمع صوتها تحلق عقب الانفجار مباشرةً.

قتلوا ولدي ودمروا منزلي
أما علوان محمد يحيى الحشيبري، 55 عاماً، جريح، فيقول: كنت في منزلي الذي يقع إلى الجوار من منزل محمد أحمد عبده (صاحب العزاء)، وفجأة سمعت دوي الانفجار في الحي، وأحسست بأحجار المنزل وهي ترتطم بي، وحملني ولدي عبد الله على ظهره، وبعدها لم أشعر بشيء فقد فقدت الوعي، ولم أفق إلا وأنا هنا في المستشفى مصاباً بكسر في الرأس وكسر بالعمود الفقري.
ويضيف أنه علم في ما بعد أن ولده محمد قد قتل، وأن إحدى الشظايا قد أصابت زوجته، وأن والده المسن أصيب أيضاً في تلك الغارة. كما تدمر منزله بالكامل، وأنه أصبح الآن هو وأطفاله بدون مأوى.

صديقان لم يفترقا حتى في لحظة الموت
إبراهيم محمد الوصابي، 25 عاماً، سائق حافلة نقل، وهو أحد أصدقاء نزار حفيد صاحب العزاء، جاء إلى العزاء مصطحباً معه أسرته لتقديم واجب العزاء، وكان يجلس بجانبه أثناء الغارة، سقط ركام المبنى عليهما ففارقا الحياة مباشرة. ويعتبر إبراهيم بالنسبة لعائلة نزار كواحد منها. قال محمد أحمد عبده: كنت أتعامل مع إبراهيم كفرد من الأسرة، وكان كواحد من أبنائي، ويتردد على منزلنا باستمرار، ويرتبط بحفيدي نزار بصداقة حميمة، وكنت أثق فيه جداً، فهو من يقضي لنا بحافلته كافة المشاوير، وهو من ينقل بناتي إلى المدرسة أو السوق أو أي مكان يردن الذهاب إليه، ويوم الغارة كان يجلس بجانب نزار، ولم يفارقه لحظة. حتى في لحظة الموت لم يفترقا، فقد ماتا معاً.
جريمة وحشية
وقد تسببت الغارة في مقتل 27 شخصاً موزعين كالتالي: 16 رجلاً، 3 نساء، 5 أطفال، 3 جثث مجهولة الهوية، كما جرح 54 آخرون: 30 رجلاً، 17 امرأة، 7 أطفال. أما حجم الدمار الذي لحق الحي فهو كبير جداً بسبب الغارة، كما تأثرت بعض المنازل في حي الصديقية المجاور، حيث بلغ إجمالي المنازل المتأثرة 30 منزلاً، منها 19 منزلاً دمرت تدميراً كلياً، 8 منازل أضرار بالغة، و3 منازل أضرار بسيطة، وتدمر محل تجاري (دكان) كلياً. وباتت 40 أسرة عقب الغارة بدون مأوى.