14 أكتوبـــــر في جنـــــوب يمنــــي مكبــــــل
الذكرى الثالثة والخمسون..  احتلال مضى وآخر قائم

تعتبر ثورة 14 أكتوبر عام 1963م، أهم حدث تاريخي في اليمن، حيث شكلت انعطافاً تاريخياً في حياة الشعب اليمني، وحررت شعبنا وأرضنا من التبعية للمستعمر البريطاني، كما أن هذا الحدث التاريخي الهام والعظيم يعد الترجمان لمسيرة الحركة الكفاحية والنضالية التحرُّرية التي خاضها شعبنا اليمني من أعالي جبال ردفان الشماء ضد المستعمر البريطاني، من أجل حياة العزة والكرامة والحرية، ومن أجل الحفاظ على استقلالية سيادته وعزته وكرامته وبنائه لتحقيق آمال وطموحات الشعب اليمني على حياة العبودية والظلم والهوان.
يحتفي أحرار وثوار ومناضلو شعبنا اليمني الصابر المجاهد بحلول الذكرى الـ53 لثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة، تلك الثورة التحررية النضالية الوطنية والإنسانية التي قارعت الاستعمار والاحتلال البريطاني البغيض في جنوب الوطن، وقدمت التضحيات الغالية في سبيل نيل الاستقلال، وبفضلها أشرقت شمس الحرية في الـ30 من نوفمبر 1967م المجيد.. يوم التحرر من الاستعمار البريطاني البغيض ومخلفاته من العملاء والسلاطين..

إشراقة الحرية
كثيرة هي الأسماء التي دونها تاريخ النضال اليمني عبر مسيرته المختلفة التي خاضها اليمنيون ضد القوى الاستعمارية والملكية المستبدة في شطري اليمن، إلا أن هناك أسماء نقشت أحرفها بذهب، ودوّنت بأحرف ناصعة على صفحات التاريخ اليمني العظيم، لتظل الأجيال تقرأها، وتنحني الجباه إجلالاً وإكراماً لها عند كل ذكرى.. من بين هذه الأسماء المناضل والشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة، أسد ردفان وفارس الثورة الأكتوبرية الذي استطاع أن يشعل فتيل الثورة من جبال ردفان في صباح الـ14 من أكتوبر من عام 1963م، هو ومجموعة من رفاقه.
ويشير كتاب (حقائق جديدة عن الانطلاقة الأولى لثورة 14 أكتوبر) لمحمد عباس ناجي الضالعي، إلى أن القوات البريطانية لم تستطع التقدم متراً واحداً أمام ضراوة القتال والاستبسال اللذين أبداهما المرابطون في ردفان، وبعد ساعات من القتال استشهد راجح لبوزة في هذه المعركة، متأثراً بشظايا قذيفة اخترقت جسده، ليكون أول شهيد في معركة الذود عن الوطن، والتي انطلقت من جبال ردفان لتعم بعدها كل أرجاء جنوب الوطن المحتل، ودخلت الثورة باستشهاد لبوزة مرحلة جديدة من النضال ضد المستعمر, فبعد أيام من استشهاد راجح لبوزة تفجرت المعارك من جديد بين القوات البريطانية وجبهة ردفان، وألحقت بالقوات البريطانية خسائر فادحة، مما حدا بالقوات البريطانية إلى استخدام أنواع أسلحتها البرية والجوية في قصف مناطق ردفان دون تمييز، وقتلت عشرات النساء والأطفال في هذا القصف، وبعد أن عجزت قواتها المتمركزة في العند والضالع وعدن عن إخماد الثورة من ردفان، استقدمت فرقة عسكرية متكاملة من القوات الخاصة المتمركزة في جنوب أفريقيا، يطلق عليها فرقة الشياطين الحمر، وهي فرقة مدربة على القتال في المناطق الجبلية، والمسالك الوعرة. 
وتوسع نطاق الثورة، حيث تم فتح جبهات الضالع والشعيب ودثينة والصبيحة، وعدن، وغيرها من الجبهات، لتشمل الثورة كل أرجاء الجنوب. 
وبعد مرور 9 أيام على إذاعة بيان أصدرته وزارة الإرشاد القومي والإعلام في حكومة اتحاد الجنوب، أعلن فيه نبأ استشهاد المناضل (لبوزة)، أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في 23 أكتوبر 1963م، بياناً أعلنت فيه قيام الثورة من أعلى قمم ردفان الشماء في 14 أكتوبر 1963م، وبداية الكفاح المسلح ضد المستعمر بكل أشكاله وصوره. 
إننا عندما نحتفل بذكرى ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة إنما نحتفل بمآثرنا العظيمة التي ينبغي أن تبقى حية في نفوس وضمائر وعقول الأجيال اليمنية، وإعلاء تلك الحقائق التي لا يمكن قهرها أو طمسها, حتى نستمد منها الشعور بالعظمة والثقة بالنفس، ونتعلم منها عبراً ودروساً في حب الوطن، ولنأخذ العبرة من شهدائنا الأبطال الذين قدموا أنفسهم في خدمة هذا الوطن.
فثورة 14 أكتوبر انتصرت بوحدة هذا الشعب، وكانت الوحدة أهم محرك لقوتها، فقهرت الاستعمار، وأنهت حالة التشطير، وتحققت الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 1990م، وهي ثمرة النضال للثورتين (سبتمبر وأكتوبر).

خريف الدم
الـ14 من أكتوبر.. ذكرى تحرير وطن، ولكن للأسف تأتي هذه الذكرى وعدن وجنوب الوطن عامة في ظل احتلال جديد.
هذه الذكرى التي جاءت في ظل متغيرات بالغة الحساسية والدقة يشهدها الوطن الواحد من الجنوب إلى الشمال, تأتي وللعام الثاني على التوالي في ظل العدوان السعودي الأمريكي التحالفي المجرم الذي أهلك الحرث والنسل، ودمر البنيان والبنى التحتية والآثار الحضارية اليمنية العظيمة لهذا الشعب الصابر المجاهد المقاوم للعدوان والغزو والاحتلال، والمقاوم وبشدة لمنطق فرض الاستسلام وقبول الوصاية السعودية الأمريكية البريطانية. من أجل ذلك يُعاقب شعبنا ووطننا بالحصار والعدوان منذ قرابة العامين، في ظل صمت وتواطؤ المجتمع الدولي. 
فمحافظات الجنوب ترزح اليوم تحت الاحتلال العسكري الأمريكي الإماراتي السعودي الداعشي، بينما بقية المحافظات لاتزال تواجه وتتصدى للمشروع الشيطاني السعودي الأمريكي المتمثل بالعدوان والحصار.
من المؤلم أن نرى من أبناء الوطن وهم يقعون في شباك الخديعة الذي نصبه العدوان وأدواته لهم بشعارات ومبررات خادعة تعتمد كل الأساليب القذرة الواضحة للعيان.. فنجد من يتعاون ومن يبرر للعدوان والغزو والاحتلال رغماً عن أنف الدين والعقل والمنطق والتاريخ والجغرافيا، ورغماً عن موروث النضال لثورة الـ14 من أكتوبر ضد الامبريالية الاستعمارية البريطانية الأمريكية والسعودية الرجعية.
لا غرابة أن تطغى على المشهد الأصوات النشاز لتمارس أحقادها المناطقية تجاه الآخر من أبناء الوطن, ويظهر بيننا كهنة ودجالون وعملاء ومرتزقة يشنون حرباً ضروساً يستخدمون فيها مختلف أساليب الكذب والخداع والمغالطات، في محاولة لتشويه الوعي الوطني لدى أجيال الحاضر.. من قبل أزلام الاستعمار الذين يقدسون المجرم (سلمان)، ويشرعون لجيشه الجبان الأبواب ليدنسوا جزءاً من جنوب يمننا الغالي.. بيد أن إصرار البعض على جعل ساحة الجنوب قصراً لمعاشيق الخيانة والعمالة، ومنطلقاً لمجاذيب الارتزاق الذين اختاروا العودة الى العبودية، وإعطاء عقولهم إجازة بعد أن أصبحت مجرد كومة مسمومة، يجعلنا ندرك خطورة المعركة التي نخوضها للدفاع عن الثورة الأكتوبرية.
وبهذه المناسبة الأكتوبرية العظيمة وما يعتريها من حرب ضروس مدمرة يقودها المتغطرس عصابة بني سعود وأزلامهم من رعاع الارتزاق والعمالة بدعم صهيوأمريكي على وطنا الغالي.. علينا أن نسترجع كلمات الشهيد (علي عنتر) الهامة الوطنية الذي فضح قبل استشهاده ببضعة أشهر أكاذيب ودجل وتضليل دعاة الانفصال وعملاء الاستعمار ومرتزقة العدوان.
حيث قال في محاضرة ألقاها في نوفمبر 1985م: (مازال يوجد هنا أُناس يشعرون بالحنين للسلاطين.. أقول بشرف- وأنا مسؤول عن هذا الكلام- يحنون للإنجليز، وربما يكونون قد اندسوا داخلنا.. في الحزب وفي القيادة).
ويضيف: (من فهمنا للواقع، من هم هؤلاء الناس، كيف نستطيع أن نفهمهم، وأن نكشفهم؟ إنهم الذين يشوهون التاريخ.. هؤلاء الذين يشدونك إلى الماضي، فانتبه منهم.. فهم أعداء ألداء للوطن، ولابد أن نقتلعهم)..
وعند النقطة المهمة حول قضية الوحدة اليمنية، يقول الشهيد علي عنتر: (نحن لا نريد أن ترفع شعارات للمزايدة، ربما هناك منظرون غير يمنيين أو غير وطنيين يتكلمون بأنه لاتوجد وحدة يمنية، وأنه عبر التاريخ لم يتوحد الشعب اليمني.. لكن نحن نقول إن ظروف الناس كانت بالأمس صعبة، إنما نحن توحدنا كأداة للثورة.. وإذا كنتم كتقدميين لاتريدون الوحدة، فالرجعيون والإخوان المسلمون لا يحبون الوحدة، والشعب اليمني لن يكون معكم ولا معهم.. شعبنا هنا في الجنوب لن يكون إلاّ مع الوحدة.. والشعب اليمني لا يحترم إلا القيادة التي ستوحده.. وما نحن إلاَّ شعب واحد).
وفي 1984, ألقى علي عنتر محاضرة في كلية التكنولوجيا بجامعة عدن، جاء فيها: (إن أداة الثورة اليمنية كانت موحدة وموجودة منذ بداية الثورة، سواءً أكانت 26 سبتمبر أو ثورة 14 أكتوبر.. منذ البداية ناضلنا في (حرض) وفي (صرواح) والمحابشة في الشطر الشمالي.. وفي كل جبل من جبال اليمن.. ناضلنا ضد الملكيين في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م، وناضل اليمنيون من الشطر الشمالي في عدن والشيخ عثمان والمعلا والضالع وفي كل جبل من جبال الشطر الجنوبي من الوطن).
وأضاف: (إن هذه الثورة كانت بداية حقيقية لوحدتنا الحقيقية.. وأنا أقول لكم إننا سنتوحد، وإذا كان هناك بعض (الصعاليك) يغالطوننا.. سوف ينتهون، لأن هذه الإرادة موجودة في شعبنا اليمني، يؤمن بها، وقدم من أجلها الدم الذي هو أغلى شيء في الحياة.. سوف نتحد).
لقد كانت ثورة 14 أكتوبر هي الامتداد الطبيعي لثورة الـ26 من سبتمبر، التي كان لها الفضل في دعم وتثبيت دعائم ثورة 14 أكتوبر، والتحمت الثورتان، وتمكنتا من انتزاع الاستقلال.
ولا شك أن تجربة النضال التحررية لثورة الـ14 من أكتوبر 1963م المجيدة, تمثل اليوم رصيداً نضالياً يستمد منه شعبنا اليمني الدروس والمثل لمقاومة العدوان السعودي الأمريكي الغاشم والحصار الظالم المفروض على شعبنا منذ مارس 2015م وحتى اليوم، إضافة إلى إفشال أهداف العدوان الشريرة المتمثلة في تفتيت وتقسيم اليمن وتركيع شعبه واستعباده لقبول الوصاية والهيمنة مرة أخرى.. وهو ما لن يكون بإذن الله وبهمة وعزم الأبطال الصامدين والشعب المحتسب الصابر الواعي لأهداف العدوان ومخططاته.
لقد أتت هذه الذكرى وشعبنا يخوض ملحمة تاريخية أخرى في مواجهة العدوان والغزو الأمريكي السعودي الذي يسعى إلى تدمير واحتلال البلد واستعباد الشعب، ويرتكب أبشع الجرائم التي كان آخرها جريمة القاعة الكبرى في صنعاء، التي ألقت فيها طائراته بالقنابل على المئات من أبناء الشعب من الشخصيات الرسمية والشعبية التي حضرت مناسبة عزاء، وبعدها جريمة الحديدة باستهداف مراكز البحرية اليمنية التي أعلن اليانكي الأمريكي مسؤوليته المباشرة عنها.

صرخة النصر
كم هي تلك الأغاني والأناشيد الوطنية التي ألهبت الحماس وأذكت الروح الوطنية، وكانت شعاراً وزاداً لشعبنا في نضاله التحرري.. ومن لا يذكر من الأجيال التي عاصرت أو ترعرعت وتفتح وعيها في زمن القبض على الجمر، أغنية: 
أنا الشعبُ زلزلةٌ عاتيه
ستَخمِد نيرانَهم غضبتي
ستَخرِس أصواتَهم صيحتي
أنا الشعبُ عاصفةٌ طاغيه 
أنا الشعب قضاءُ الله في أرضي..
أنا الشعب
على قبضةِ إصراري 
سيفنى كل جبارِ
ولن يُقهَر تياري
أنا النصرُ لأحراري
والتي صدح بها الفنان الشامخ محمد مرشد ناجي، مستبشراً بثورة 26 سبتمبر، ومحفزاً لثورة 14 أكتوبر, بالإضافة إلى أناشيد وأغاني محمد محسن عطروش، ابتداء من (برع يا استعمار.. برع.. من أرض الأحرار.. برع)، والتي جسدت حينها صرخة الشعب في الجنوب وإرادته في وجه الاستعمار البريطاني البغيض الذي دام 128 سنة، مروراً بأغنية (أنا قنبلة رماها فتى)، والتي جسدت العمل الفدائي البطولي ضد المستعمر البريطاني، وصولاً إلى أغنية (بوس التراب) التي مجدت شهداء الثورة إبان حرب التحرير.. وكذا الأغاني والأناشيد الوطنية الأخرى التي عاصرت التحولات وواكبت نضالات شعبنا، وكانت بحق معبرة عن صوت وطموحات وآمال الناس، وكان لها تأثيرها وحضورها في وجدان الذاكرة الشعبية، بل كانت بعض من أغاني العطروش السباقة إلى دق ناقوس الخطر، منذرة بتفشي بعض الظواهر السلبية والانحرافات التي انبعثت اليوم بكل وضوح ووقاحة.. ومن تلك الأغاني على سبيل المثال (من خان لا كان).
فصبراً يا وطن النصر والإيمان، غداً ستعود رصاصة لبوزة، وستجد طريقها إلى رؤوس الأعداء المحتلين، وسترتفع صرخة شرفاء اليمن على واقع (برع يا استعمار.. وأنا الشعب)، وسيلتئم الشمل من جديد، وسيطرد المحتل الغازي كما طرد المحتل البريطاني بالأمس، وسيرفرف علم الوحدة من جديد في كافة أرجاء الوطن.. وكما كان 14 أكتوبر يوم التحرر من الاستعمار البريطاني، سننتصر لنحرر يمننا من دنس السعوديين والإماراتيين الذين يريدوننا أن نعيش تحت وطأة أقدامهم، لنكون عبيداً للأمريكان والإسرائيليين.. وسيعرف المعتدون ومرتزقتهم أي منقلب ينقلبون.. ولا نامت أعين الجبناء.