يسار في أحضان الرجعية.. مغاوير يشعون أملاً
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / طلال سفيان

من الطبيعي أن يصل الحزب الى هذا الحال، أي أن يصطف بعد 20 سنة من التخبّط والأخطاء، في ظل سيطرة العناصر الانتهازية الوصولية الذين باعوا أنفسهم لقوى الرجعية الاستعمارية التي تقود عدواناً جباناً على اليمن بمساندة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.. ومن الطبيعي أن يسطر مغاوير الجيش اليمني واللجان الشعبية أروع البطولات والفداء دفاعاً عن أرض الوطن من رجس الغزاة والعملاء، ويحولون الرمال الى مقبرة لكل غازٍ وعميل، ليبعثوا رسائل لقوى العدوان، وعلى رأسها أمريكا، أنهم لا يزالون ثابتين بكل قوة وإرادة حتى تطهير الوطن من رجس كل محتل وعميل.
الفزاعة
لم تكن التطَوّراتُ الجاريةُ داخل اليسار اليمني (وتحديداً الاشتراكي) وليدةَ الصدفة أَو اللحظة، لكنها نتاجُ تراكمات عديدة متواصلة منذ عدة عقود، وخَاصَّـةً من بعد الوحدة وحرب 94، فهذا الحزب العريق المعادي للإمبريالية والاستعمار والرجعية العربية، والمتمسك بقضايا الوطن وطبقاته الشعبية الكادحة ومواجهة مطامع الإمبريالية والاستعمار على بلادنا ووحدتنا وثرواتنا واستقلالنا، أسقط القناع بكل سفور عن وجه بشع لبعض قياداته التي أظهرت مدى دمامتها وترهلها البيروقراطي بعد ارتمائها في أحضان الرجعية السعودية والمشروع الامبريالي الأمريكي والبريطاني، والعودة لمشروعات التقسيم السعوبريطانية السلاطينية التي وأدتها ثورة 14 أكتوبر العظيمة بقيادة الجبهة القومية.. ارتهنت هذه القياداتُ للمشروع السعودي الأمريكي البريطاني القائم على إعادة تقسيم اليمن وسلخ جنوبه عن شماله، وضمّه إلَـى الكيانات السعودية الخليجية الكرتونية، طمَعاً في ما تبقى من فتات موائد أمراء النفط، وتخلّت عن المشروع الوطني الوحدوي والاجتماعي، وانحصر همُّ هذه القيادات في المشاريع الصغيرة الانقسامية والشطرية، والهيمنة على مقدرات الحزب وثرواته المادية المالية التي حوّلت إلَـى حساباتٍ خَاصَّـةٍ استُخدمت لدعم هذه المشاريع الصغيرة المشبوهة، والتنكر لميراث الحزب ونضاله، وأصبح محتَّماً على مناضلي الحزب أن يحرّروه من هيمنة هذه العناصر البيروقراطية، ويستعيدوا هُويتَه وموقعه، وينتصروا لنضاله التّاريخي، ولن يكون ذلك إلا بمبادرة ثورية وطنية من قاعدة الحزب التي تعودُ إليها الشرعية بعد انتفائها عن هذه العناصر البيروقراطية الفاسدة العميلة.. هكذا ارتمت بعض قيادات الاشتراكي اليمني في أحضان السعودية.. وهكذا يظهر أمثال هؤلاء، وينتقلون من معسكر اليسار التقدمي الى بلد الرجعية، والاصطفاف وراء من ينشر هو ذاته ثقافة الإرهاب في الوطن العربي والعالم الإسلامي، ويموّل الجماعات الإرهابية، ويسلّحها ويحميها.. فمن الماركسية ومناصرة البروليتاريا ومواجهة المشاريع الاستعمارية، إلى تأييد العدوان السعودي والانخراط بصورةٍ كاملة في السياسات السعودية، والقطرية سابقاً، في الداخل اليمني، استطاع التكفير والتدجين والإغراءات الكثيرة، سلب الحزب الاشتراكي اليمني عقيدته ومبادئه، قبل أن يتحوّل إلى أداةٍ سعودية طيعة.
لم يكن أحد يتخيل أن ينتهي المطاف بالحزب الاشتراكي اليمني الذي نشأ إثر ثورة ضد الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، إلى تأييد عدوان سعودي مدعوم أميركياً. الحزب الذي تأسس منتصف سبعينيات القرن الماضي، على أسس شيوعية، تقلّص ليصبح مجرد حفنة من النافذين البرجوازيين المرتمين في أحضان الامبريالية العالمية وقوى اليمين الرجعية في المنطقة، وفي مقدمتها السعودية وحلفاؤها في الداخل اليمني.
الحزب الاشتراكي الذي حكم دولة اليمن الجنوبي حتى عام الوحدة، عجز عن تبني برنامج ناضج ومتكامل للإصلاح الاقتصادي والسياسي عام 1989، قبل عام من الوحدة، بسبب تصدّي بعض قياداته لأي توجه لتحرير الاقتصاد من سيطرة الدولة المطلقة، وتخفيف قبضة الحزب على المجتمع والأحزاب السياسية، والسماح بحرية الصحافة والتعددية السياسية والحزبية، وكان في مقدمة تلك القيادات رئيس الوزراء قبل الوحدة ياسين نعمان.
فتاوى تكفير واغتيالات
يقول مؤرخون إن الاشتراكي، برغم تمكنه من (الدخول إلى قلوب) الجماهير اليمنية في الشمال بعد الوحدة اليمنية، لم يتمكن من الحفاظ على تماسكه كحزب شيوعي، حيث تمكنت قوى اليمين التي كانت تحكم شمال اليمن، وتسلّمت زمام قيادة دولة الوحدة، من تفكيكه وتقسيمه إلى تيارات وولاءات، حتى انخرطت بعض قياداته في كشوفات (اللجنة الخاصة السعودية)، وباتت تتسلم رواتبها من الرياض، وفي وقتٍ كانت فيه بعض قيادات الاشتراكي تتعرض للتصفية في صنعاء عبر الاغتيالات قبيل (حرب 1994)، على يد قوى تابعة للإخوان المسلمين.
لا يمكن تجاهل حقيقة أن الأيديولوجية الشيوعية فقدت جزءاً من شعبيتها وكوادرها، وخصوصاً في ظل الشحن الديني الذي كان يكفّر الشيوعيين في المنابر قبيل حرب 1994، والتي على إثرها اشتعل بارود براميل التشطير.. كما أن الأزمات السياسية التي شهدتها المرحلة الانتقالية بعد الوحدة (1990ــ1993)، أدت إلى اشتعال الصراع صيف 1994، وكان من أبرز صنّاعها، الإخوان، تحديداً حزب الإصلاح واللوبي الإخواني داخل المؤتمر، إلى جانب الأوليغارشيات العسكرية والقبلية والدينية المرتبطة بالسعودية من جهة، والأجنحة اليمينية داخل الاشتراكي، التي انتصرت بعد (حرب الانفصال).
بعد الوحدة، أصبح الحزب طرفاً في النظام، إلى جوار (الإصلاح) و(المؤتمر الشعبي العام)، وبتمثيل لا يتجاوز 26% من البرلمان الذي نتج عن أول انتخابات برلمانية يمنية عام 1993, رأس الحزب ياسين سعيد نعمان، قبل أن يصبح بعد حرب 94 أحد أحزاب المعارضة، من دون أي تمثيل في برلمان 1997 بعد مقاطعته الانتخابات النيابية، ثم عاد ليشارك في البرلمان الثالث بعد الوحدة. انتخب عام 2003 بنسبة تمثيل لا تتجاوز 2.33%، ليصبح بذلك ضمن القوى غير الفاعلة في المشهد السياسي، نتيجة أداء الاشتراكي، وتخليه عن الكثير من ثوابته أمام ثنائية الإغراءات والضغوط التي فرضها الواقع الجديد على قيادته التي باتت منقسمة بين منفيين وتابعين للنظام وللسعودية.. ومن باب الصورة الأولى التي ظهرت بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق، في فبراير 1994، من خلال توجه علي سالم البيض الى السعودية، وتوجه سالم صالح الى الكويت وقطر والإمارات.. والتعليق حينها من قبل مسؤول اشتراكي بأن قيادة حزبه تؤمن بوجوب التفاهم التام مع دول الخليج المجاورة، وحل كل المشاكل معها, واعترف بأن قيادته تتلقى مساعدات مالية وعسكرية من بعض هذه الدول، منذ بضعة شهور، لمواجهة الشمال.. لتبدأ القيادات الاشتراكية الانتهازية بعدها في التراجع عن مواقفها ومبادئها الماركسية، عقب الحرب التي انتهت بهزيمتها وفرار قيادتها إلى سلطنة عمان والإمارات والسعودية، وبعد أن واجهت حملةً شرسة من اليمين الرجعي، متمثلاً في حزب الإصلاح، اتسمت في تكفيره واستباحة دماء قياداته. آنذاك، وبناء على فتوى تكفير، جرى اغتيال 159 من أبرز قياداته، آخرهم الشهيد جار الله عمر، 2002.
وخلال السنوات التي تلت حرب صيف 1994, عقد الاشتراكي عدداً من المؤتمرات لتنظيم وضعه، حيث اضطرته التحالفات الجديدة الى تغيير عدد كبير من أدبياته. فاتفق مع قيادات البرلمان اليمني الموحد على مراجعة بعض معتقداته الخاصة بالدين وحق القوميات، وإدانته لـ(حرب الانفصال)، مستنداً إلى مقررات المؤتمر الـ20 للأحزاب الشيوعية. وبهذا أصبح الحزب قريباً للأحزاب الاشتراكية الديموقراطية منها إلى تلك الشيوعية. ويرى البعض أن اغتيال جار الله عمر عام 2002، برصاص عنصر إخواني متطرّف، كان بمثابة إجراء ضروري لانضمام الإصلاح الى ائتلاف اللقاء المشترك (الذي ضم عدداً من الأحزاب المعارضة لنظام صالح) والتحالف مع الاشتراكي، ليعيش الحزب مرحلة من التخبط، يعود إلى تحالفه مع حزبٍ تفرّقه عنه خلافات أيديولوجية عميقة، ليتحالف الاشتراكي مع اليمين الرجعي الذي كفره وشنّ عليه حرباً، وثبت أنه متورّط في اغتيال قياداته.
استمر الحزب الاشتراكي في تحالفه مع الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب الوطنية، وصولاً إلى المشاركة في ما يطلق عليها (ثورة 2011)، حين احتلّ الحزب بقيادة ياسين نعمان، واجهة المشهد, فبعد مشاركته في حكومة الوفاق الناتجة عن المبادرة الخليجية، بدأ بالميل نحو المهادنة لقوى الفساد والتطرّف في الاستحواذ على السلطة وتقاسمها, وفي حين أكدت وثائق أن نعمان وبعض قيادات الحزب كانوا يتسلّمون مبالغ شهرية من اللجنة الخاصة السعودية ومن ديوان حميد الأحمر, كما توطد تحالف الإخوان والاشتراكي خلال عاصفة الربيع العربي، وجرى استقطاب قيادة الاشتراكي إلى الدوحة التي استقبلت نعمان أكثر من مرة في السنوات الماضية, إلى جانب إقامة عيدروس النقيب - الساعد الأيمن لياسين نعمان- منذ 2012 حتى منتصف 2014، قبل أن يتوجه إلى العاصمة البريطانية لندن لإدارة أموال ياسين, وجرى شراء ذمم قيادات الاشتراكي، وتم اختراق الحزب من قبل الإخوان واللواء الفار علي محسن الأحمر والقيادي الإصلاحي حميد الأحمر، بالتنسيق مع إمارات النفط الرجعية، واستطاع هادي والإصلاح، عبر مجموعة من الانتهازيين داخل الحزب، تدجين خطاب الحزب ومواقفه وخطابه الإعلامي الذي تبنى ومنذ ثورة الـ21 من سبتمبر، موقفاً متحيزاً ضدها, وفي الفترة التي تلت ثورة سبتمبر استطاعت حركة أنصار الله قلب موازين القوى السياسية في اليمن، ومع انطلاق الحوار الداخلي برعاية الأمم المتحدة، اتسم الحزب بالضعف وبالالتزام بالسياسة السعودية بصورةٍ كاملة (بعد المصالحة السعودية القطرية).
عند اندلاع العدوان السعودي على اليمن، أيدت قيادات الاشتراكي عملياته، قبل أن يشارك ياسين نعمان في مؤتمر الرياض بصفته إحدى الشخصيات المؤيدة للتحالف, ليشهد الحزب بعد هذه الأحداث منظراً لأمينه العام، ياسين نعمان، وهو يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، بعد تعيينه سفيراً في بريطانيا. فكيف جرى هذا التحوّل؟ وكيف رمى الحزب العقائدي بمبادئه، محوّلاً قاعدته الشعبية إلى أفراد محرجين من حال حزبهم؟
من الطبيعي أن يصل الحزب الى هذا الحال، أي أن يصطف بعد 20 سنة من التخبّط والأخطاء، في ظل سيطرة هذه العناصر الانتهازية الوصولية الذين باعوا أنفسهم لقوى الرجعية الاستعمارية التي تقود عدواناً جباناً على اليمن بمساندة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.. إلى جانب استمراره بالمضي ضمن خط القوى المنخرطة في المشروع الأميركي الصهيوني لإعادة صياغة خارطة الشرق الأوسط، ويستهدف ضرب وتفكيك الدول والجيوش الوطنية العربية، وإغراق المنطقة في أتون حروب طائفية دموية.
البطولة
مع تصعيد السعودية عدوانها على اليمن، لم يبق مكان أمام الشعب اليمني إلا الرد، لكن أين لهذا المنطق أن يدركه أمراء ترعرعوا في الحضانة البريطانية والأمريكية؟ ومن القضية القومية إلى القضية الوطنية، فباستفتاء الشعب اليمني على تشكيل المجلس السياسي الأعلى، ومنحه الثقة الكاملة لتولي إدارة شؤون البلاد ومواجهة العدوان، اختنقت السعودية بأزمتها، وضاقت بنزلاء فنادقها، ونفاياتها السياسية، فلا هي التي تمكنت من تدويرها وتصنيعها من جديد، ولا هي التي استطاعت أن تتخلص منها، فرفعت عقيرتَها صارخة إلى بريطانيا وأمريكا وبقية الخليج، أن يُشفقوا عليها بأي حل، بعد أن تهتكت عاصفتُها، وأصبحت مثار سخرية العالم، فأجيبت بعقد اجتماع في جدة بعد يومين، وقالوا بأنه لبحث الأزمة اليمنية، وقد كذبوا، بدليل أنه حتى مرتزقتها ليسوا حاضرين في الاجتماع، فالأزمة هي أزمة سعودية، وأما اليمن فلا أحدٌ في هذا العالم له أي حق أو شرعية في مناقشة قضاياه سوى المجلس السياسي الأعلى، وإذا أصرت المملكة على مواصلة تعنتها ومكابرتها وعدوانها، فللمجلس السياسي الأعلى الحق الكامل في التدخل في شؤون المملكة، واختيار من يكون الملك، ومن يكون ولي العهد، وهل هناك حاجة لبقاء منصب ولي ولي العهد أو يُلغى؛ وتلك معادلة صراع سيأتي بها الزمن، وسوف تكتوي المملكة بها إذا لم تحترمْ نفسها، وتنشغل بأزماتها ومشاكلها، وتترك اليمن لشعب اليمن.. إن الحياة تزداد يوماً بعد يوم، صعوبة بالنسبة للشعب اليمني، حيث أعاد السعوديون تشغيل آلة القصف، وضربوا كل شيء في الأفق: المدارس، والمستشفيات، والطرق، والإمدادات الغذائية، حتى تسببت في إنفاد الطعام.. لكن اليمن لديها الآن حكومة شرعية جديدة.. ولذا على السعوديين، الآن، إما اتباع الشروط التي ستُطرح عليهم، أو أنهم سيفقدون حربهم بشكل كامل.
فعقب فشل المفاوضات، أعادت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية, الكرة في التوغل داخل أراضي المملكة السعودية.. وعلى طول الحدود السعودية اليمنية (200 كم) من البحر الأحمر إلى داخل البلاد شرقاً، توغلت القوات اليمنية في العمق السعودي.
وعلى المدى السعودي ( نجران وجيزان وعسير) الذي احتلته جحافل عبدالعزيز بن سعود، مطلع الثلاثينيات الماضية، قصفت وحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية كل الثكنات العسكرية للعدو.
مع هذه المشاهد البطولية لأبطال اليمن في العمق السعودي، كان هناك شيء مضحك جداً، حيث ظهر البيان المشترك الذي صدر الشهر الماضي من قبل حكومات المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، قائلين فيه: (يجب ألا يهدد الصراع في اليمن الجيران).
ما أروعها من نكتة (حرب وغزو السعودية على اليمن أمر جيد، أما الرد بالمثل، أمر غير جيد وغير مقبول).
جدد السعوديون هجماتهم الجوية على صنعاء العاصمة والمدن اليمنية الأخرى, وكانت هذه الهجمات لا معنى لها، بل هي حملة إرهابية خالصة.
خلال الأيام الماضية ضربت غارة جوية مزدوجة مدرسة تحفيظ قرآن في صعدة, وأكدت منظمة أطباء بلا حدود أنها تلقت 10 حالات وفاة و28 حالة إصابة، كلهم أطفال أعمارهم بين 8 و15 سنة.. فيما سارع السعوديون بالنفي القاطع، بأن المدرسة قد تضررت, زاعمين أن الأطفال ذوي 8 سنوات، والذين يعانون من ويلات العدوان، كانوا في معسكر تدريب عسكري.. يبدو أن السعوديين تعلموا جيداً أصول الفبركة من أصدقائهم الصهاينة الجدد.
علاوة على ذلك، رد السعوديون (بوقاحة) فظيعة على تقارير أطباء بلا حدود، بعد قصفهم المدرسة: (كنا نأمل من منظمة أطباء بلا حدود أن تتخذ تدابير لوقف تجنيد الأطفال للقتال في الحروب، بدلاً من التباكي عليهم في وسائل الإعلام).
فيما يستغل العاهل السعودي المناسبات لتسليم راتب إضافي كمكافأة للجنود المشاركين في الحرب على الحدود السعودية.
ابتز السعوديون الأمم المتحدة، بموافقة الولايات المتحدة الصامتة، لعدم اتهام المملكة السعودية بأي أعمال وحشية وجرائم في ما يتعلق بحربها. علاوة على ذلك، هددت بوقف كافة المعونات لجميع برامج الأمم المتحدة. تقارير الأمم المتحدة، ذات الصلة، تمت إزالتها قبل نشرها.. ولم نعد نسمع بعد ذلك أي تعليقات من الأمم المتحدة بشأن الغارات الجوية السعودية.
قبل الحرب كان اليمن، بالفعل، فقيرًا جداً، لكن الآن أصبح أكثر فقراً، حيث يتم تدمير معظم البنية التحتية، وسويت جل المصانع، تقريباً، بالأرض. البلاد تحت حصار شامل. الاقتصاد في حالة يرثى لها. الناس يموتون من الجوع.. حوالي 80٪ من السكان في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
وعلى الرغم من كل ذلك، لم يستسلم، ولن يستسلم اليمنيون. بالنسبة لليمنيين الأحرار لم تبدأ الحرب بعد، ولن ينهوها إلا بشروطهم, علاوة على ذلك، سيستمر أبطال اليمن بالرد على الهجمات السعودية، بشن هجمات في عمق المملكة.. ففي ظل ظروف صعبة تمر بها المؤسسة العسكرية اليمنية، تظهر صواريخ جديدة من صنع محلي، من العدم، وتضرب القوات السعودية ومنشآتها.
كل الهجمات البرية السعودية في اليمن، انتهت بالفشل, وظفت السعودية محاربين مرتزقة من مختلف البلدان الأفريقية وأمريكا الجنوبية، لكن كل ذلك انتهى بمجرد دخولهم المرتفعات اليمنية المركزية, كما أثبت المرتزقة المدفوعون بالأموال السعودية أنهم أكثر خيبة في ميادين القتال.
وتواصل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دعم المملكة السعودية في ذبحها اليمنيين, وتقوم أمريكا بغزو الجزر اليمنية، وتوفر الدعم الاستخباراتي واللوجيستي والتزود بالوقود جواً، على غرار كميات الأسلحة الكبيرة.
منذ وصول باراك أوباما إلى السلطة، باعت أمريكا أسلحة للمملكة السعودية بقيمة 111 مليار دولار. 7% فقط من قيمة بيع الأسلحة يصل مباشرة إلى خزينة وزارة الدفاع الأمريكية، أما الباقي فيذهب إلى الجنرالات المتورطين بهذه الصفقات، وجنرالات البنتاغون والولايات المتحدة أصحاب النفوذ، وحكاية قتل السعوديين لليمنيين مربحة للغاية.
وعلى الرغم من كل هذا الدعم الهائل، إلا أن السعوديين يخسرون الحرب, ليس فقط لأنها مكلفة للغاية لتوظيف جميع المرتزقة والمتخصصين الأمريكيين للحفاظ على أسلحة السعودية، ولكن الخسائر المادية للأسلحة باهظة الثمن جداً, لقد فقدت مملكة داعش الكثير من قدراتها الحربية التي انتهت تحت نيران الهجمات اليمنية, ويجب على آل سعود الخروج من اليمن وإنهاء عدوانهم وتعويض اليمنيين، وإلا فإن اليمنيين سيبدؤون في الاستيلاء على المدن السعودية.. فلديهم ما يكفي من القوة للقيام بذلك، ولديهم إيمان قوي ووسائل عسكرية لتحقيق ذلك.
لقد كان الرئيس السوري بشار الأسد منصفاً عندما وصف ذات مرة مهرجي الأسرة الحاكمة السعودية بـ(أنصاف الرجال).
فعلى الرغم من كل ما لديهم من أسلحة وأموال وأدوات الغطرسة، إلا أن رعاة الإبل (السعوديين) يخسرون مرة أخرى ضد شعب اليمن.
عروش تحت الأقدام
من أبرز الانتصارات للملحمة الوطنية الكبرى التي يخوض اليمنيون غمارها، أنها أعادت الاعتبار للإنسان اليمني عموماً، وغيّرت تلك الصورة النمطية البليدة التي طالما ترسخت عن اليمني في أنظار العالم، والتي كرستها عهود ماضية من الفساد المطلق.
لعلّ أكبر مكسب حققه الجيش اليمني ولجانه الشعبية في مواجهة العدوان، هو إسقاط هيبة الدولة السعودية، ليس في عيون اليمنيين بالطبع، لأنها لم تكن من الأساس موجودة، ولا في عيون العرب وبقية العالم، فالسعودية أضعف من أن تكون ذات هيبة عندهم، إذ إنهم لا يرون فيها شيئاً غير نفطها وأموالها الطائلة. الهيبة سقطت في عيون رعاياها أنفسهم من عرب نجد والحجاز، وما كان (فوق هام السحب) أصبح يُداس الآن في الجبهات.
لطالما حرصت المملكة طوال تاريخها على عدم إظهار نقاط ضعفها، وتغطية عجزها، بحيث لا تُري رعاياها إلا ما تريد لهم هي أن يروه: القوة والجبروت والحزم والعنفوان. لكن هذه الحرب جاءت فهزّتها هزة عنيفة، محدثةً شرخاً خطيراً في تلك الصورة النمطية الزائفة، إذ رأينا ولا نزال نرى ـــ بعد أكثر من 500 يوم من العدوان غير المسبوق والحصار الخانق الذي تفرضه على هذا الشعب الفقير، والتعتيم الإعلامي الكامل على عدوانها ــ كيف يتداعى جيشها وحرس حدودها في مراكز حدودها الجنوبية، ويفرّون من أمام المقاتل اليمني البسيط الذي لا يمكن المقارنة بين إمكاناته القتالية والترسانة العسكرية الضخمة جداً للجيش السعودي، فضلاً عن تفوقها الكاسح في المجالات الأخرى.
هذه الهزيمة المادية والمعنوية أحدثت شرخاً كبيراً في الجدار الرهيب من الهيبة الذي طوّقت به السعودية أذهان مواطنيها طوال تاريخها, وبما أن الشرخ قد حدث، فإن التداعي الأشمل لكل البناء آتٍ لا محالة، والمسألة ليست سوى مسألة وقت. الجميع بات ينتظر حالياً النقطة التي ستفيض الكأس، فما إن تحدث أدنى كبوة، حتى ستنقضّ كل مكونات المجتمع المظلومة وشرائحه المضطهدة، وأقلياته المهمشة، منتهزةً هذه الفرصة، على هذه السلطة المستبدة، فهل سيقدّر عرب شبه الجزيرة لليمنيين هذه الخدمة الجليلة والمجانية؟
عندما نرى لقطات الفيديو الطويلة تظهر أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية يفوزون بكل مشاركة، لا يمكننا إلا أن نقول وباختصار إن الجنود اليمنيين بمساندة أبطال اللجان الشعبية، أفضل وأشجع من الجنود السعوديين.
بعد مضي 520 يوماً من العدوان الذي أطلقته السعودية على اليمن، جاء الرد من قبل الجيش واللجان عبر الجملة الشهيرة التي أطلقها أحد أفراد الجيش واللجان، لدى محاصرة قناص سعودي (سلم نفسك يا سعودي أنت محاصر).
وزع الإعلام الحربي للجيش اليمني واللجان الشعبية، الأربعاء الماضي، مشاهد اقتحام (قلة/تبة) القناصين للقوات السعودية المطلة على مدينة نجران.
وتضمنت المشاهد عمليات نوعية والتحامات نفذها الجيش واللجان، وسطرت بطولات المقاتل اليمني وهزيمته الدبابة والمصفحات الحديثة بأسلحته التقليدية.
وعلى فور هذه المشاهد البطولية، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بوسم/ هشتاج (#سلم_نفسك_ياسعودي_انت_محاصر).
وعلق الكثيرون على مشهد اصطدام دبابة بعربة مصفحة أثناء الفرار، بأنه حالة أولى في تاريخ الحروب، حيث تفر الدبابات والمصفحات الحديثة من أرض المعركة، تحت نيران أسلحة تقليدية ومتوسطة, في وقت تمكنت فيه كاميرا الإعلام الحربي من التقاط مشاهد قريبة لمدن نجران وجيزان وظهران الجنوب.
ومن مايو إلى ديسمبر العام الفائت، مروراً بفبراير الماضي، حتى اليوم، كانت المشاهد تظهر النوعية الفريدة للعمليات العسكرية لأبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية، خلال اقتحامهم المدن اليمنية التاريخية نجران وجيزان وعسير، وسيطرتهم على أهم المواقع العسكرية فيها، بعد تكبيدهم خسائر كبيرة في صفوف وعتاد الجيش السعودي في تلك المنطقة.
يكثّف أبطال الجيش واللجان الشعبية قصفهم المدفعي والصاروخي من كل جانب، وباتجاه المواقع ومخازن الأسلحة، محققين إصابات مباشرة، أجبرت الآليات والمدرعات العسكرية على الخروج من جحورها مهرولة، في صورة تعكس حالة الهلع التي انتابت الجنود السعوديين رغم التحليق المستمر لطيران الأباتشي والطيران الحربي.
وما إن تستكمل عملية التمشيط، حتى تبدأ سلسلة من الغارات الجوية لطائرات العدوان، مستهدفة منازل مواطنيها، حتى بدأت فرق الاقتحام بالتوزع والانتشار.
ولم تستغرق عمليات الاقتحام وقتًا طويلاً حتى تتساقط المواقع العسكرية في هذه الأجزاء من المدن الواقعة جنوب مملكة العدوان, الواحدة تلو الأخرى، رغم وعورة تضاريسها، وتحليق الطيران المستمر فوقها.
وعلى وقع أصوات انفجارات الأسلحة والآليات والمدرعات باختلاف أنواعها، يظل مغاوير اليمن يحكمون الخناق بالمواقع قبل أن يجري تمشيطها بالكامل عقب فرار حاميتها، مخلفين وراءهم أسلحة وذخائر وآليات دمر بعضها وأعطب البعض الآخر، في حين يتمكن الفارون التابعون لأغرب جيش عرفه التاريخ, من الهروب فزعاً من مواقعهم، تاركين خلفهم جرحاهم وجثث قتلاهم.
الجيش اليمني واللجان، ورغم كثافة وبشاعة الغارات والمجازر التي تقتل أهلهم وأطفالهم، لا يفقدون الإرادة والصلابة.. يتقدمون في مواقع وعرة بحرفية عالية، ويسيطرون على مواقع مطلة على مدن داخل الحدود السعودية، والطيران فوق رؤوسهم، وسلاحهم جرأة وإرادة.
وسطر أفراد الجيش واللجان الشعبية أروع البطولات والفداء دفاعاً عن أرض الوطن من رجس الغزاة والعملاء، وها هي رمال اليمن تتحول الى مقبرة لكل غازٍ وعميل، ليبعث هؤلاء الأساطير بزيهم الحربي الأصيل كأشباح مرعبة تبعث برسائل لقوى العدوان، وعلى رأسها أمريكا، تفيد أنهم لا يزالون ثابتين بكل قوة وإرادة حتى تطهير الوطن من كل محتل وعميل..فمع تكالب قوى الشر والاستكبار على الوطن بكل ما أوتوا من قوة، إلا أنها تبخرت وتلاشت فوق رمال العز والشرف، أمام صمود وبسالة أبطال الجيش واللجان الشعبية.. ولا يمكن أن يساوم أبطال اليمن في قضيتهم مهما كانت التضحيات، فليس أمامهم خيار إلا النصر أو النصر.
ما كان يستبعده العدو السعودي وزمرته أنه هو قبل غيره من سيكون فريسة هذا العدوان وضحيته، وأنه هو المتضرر الأول والأخير في أرضه وماله ورجاله.
فالعدو السعودي تقدم هذا العدوان ليقدم نفسه خصماً لدوداً حاقداً، وقُدمت له ضمانات أن هذه الحرب لن تستمر أسابيع، ناهيك عن أشهر وسنين.
بدأ العدوان فتفاجأ بحكمة يمانية صلبة تحطم أمامها مكر أولئك وخداعهم، وكل إمكاناتهم وحشدهم، لتفتتح بعدها جبهة الحدود التي كانت بمثابة الطامة الكبرى لمملكة آل سعود، لا سيما وقد أثبتت الوقائع أن هذا الجيش عبارة عن جيش ورقي يتطاير مع أول هبة، لتبقى المواقع خالية يفترسها فرسان اليمن المخلصون.
لم تكن هذه المعارك بالعادية، ولا يمكن أن توصف بالطبيعية أو المتوقعة.. والحقيقة أن العقول ستعلن عن عجزها عن توصيف مثل هذه الانتصارات التي حدثت وتحدث في الحدود وفي مختلف الجبهات، كونها انتصارات لا توصف بأقل من المعجزات، والأحداث الكثيرة شاهد كبير على ذلك.
هي عصى موسى، كما وصفها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في إحدى كلماته المتلفزة، التي ستجعل المعتدي ينحني ويُنكس رايته طوعاً أو كرهاً، لطالما والمؤمنون ينكلون به أشد التنكيل، ويسجلون أروع الملاحم البطولية التي ستسجل حالة استثنائية نادرة في أنصع صفحات التاريخ.
ما يحدث اليوم في نجران بالتحديد، التي تشهد تهاوياً متسارعاً لمواقع العدو السعودي، وانهياراً كبيراً لمعنويات جيشهم الورقي، وبتلك السهولة التي لا يُصيب مجاهدينا إلا عناء السفر وحمولة الذخيرة التي هي أيضاً عندما يستشعرون أنها في سبيل الله والمستضعفين، يستمتعون ويحسون بلذة شديدة تنسيهم كل ذلك... كل ما يحدث اليوم هو تتويج حقيقي لتلك التضحيات الجسيمة التي عانى منها الشعب وتجرع الويلات من جرائهم الشنيعة.
إن الشعب اليمني، رغم كل هذه الظروف، قوي بالمواجهة والتحمل، وسيكتب له الانتصار على العدوان عاجلاً أم آجلاً، رغم تضافر قوى العالم ضده، وقساوة الغارات من الجو والخطر التكفيري ومرتزقة العدوان من الداخل.
اليوم، بأولئك الرجال المخلصين الأوفياء والغيارى، سينصف كل المستضعفين من صلف مملكة تربعت على صدر هذه الأمة، وفعلت بها الأفاعيل.
وسنرسم بأولئك الأبطال، وبتلك الفتوحات، مستقبل اليمن، ونعيد لها مجدها وعزتها وإباءها، وسنعري هذا العالم الصامت بكل منظماته ومؤسساته، لنقدمه بأنه عبارة عن خادم مطيع للمال لا غير.
وسنقول لهم سقطت نجران بسقوط أول موقع مطل على المدينة، وسقوطها هو السكتة القلبية والنوبة الصدرية التي ستُقعد مملكة آل سعود على فراش الموت لتحتضر حتى يأتيها عزرائيل اليمن ليرسل روحها الى الجحيم.
قادم الأيام حبلى بالمفاجآت التي ستشفي صدور المؤمنين، وتذهب غيظ قلوبهم، لطالما والمؤمنون على مشارف نحران.. لا تحتاج منا إلا التحرك الجاد في كل المستويات، ودعم الجبهات بالرجال والمال، والتوكل على الله، وتحمل الصعاب حتى يتحقق وعد الله للمستضعفين.
لقد أثبتت هذه الحرب الظالمة، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الدولة السعودية دولةٌ هشة.. فهي تبدو قوية للغاية في عروض الجنادرية، ومتهالكة جداً على الحدود.
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان